عقد مركز البحوث الأمنية (CSR) ندوة افتراضية في 23 فبراير، بعنوان “أفضل الممارسات والنهج في إعادة دمج المقاتلين الإرهابيين الأجانب العائدين”. الجدير بالذكر أن مئات الأشخاص غادروا البلقان للانضمام إلى تنظيم “داعش”، والجماعات الإرهابية الأخرى في سوريا والعراق، على مدى نصف العقد الماضي، وكافحت الحكومات في جنوب شرق أوروبا للامتثال لأحكام قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2396 (الذي أقره المجلس في عام 2017) الذي يحدد شروط التعامل مع المقاتلين الإرهابيين الأجانب. وبحث المشاركون في الندوة مختلف أبعاد هذه الأزمة.
بدأ ألكسندر ناسيف؛ المدير التنفيذي لمركز البحوث الأمنية، بالإشارة إلى أن أوروبا لم تنسَ بعد الصدمة التي تعرضت لها من خلال هجوم داعش في نوفمبر 2020 في النمسا. وأضاف أن منطقة البلقان تعيش صدماتٍ مستمرة ممثلةً في العشرات من اللاجئين غير الشرعيين الذين يمرون عبر المنطقة في عام 2015 من جراء ممارسات داعش الإرهابية في دولهم، وعشرات المنضمين إلى داعش عبر هذه المنطقة.
انتقل حوالي 160 شخصًا من مقدونيا إلى “سوراق” (أي سوريا والعراق)، معظمهم خلال ذروة أزمة داعش في 2015-2016. وقُتل قرابة أربعين شخصًا، وعاد ثمانون أو نحو ذلك إلى ديارهم. وأقرت الحكومة المقدونية استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب في عام 2018 تستمر حتى عام 2022، وأعدت وثيقة منفصلة لإعادة الإدماج. هاتان الوثيقتان تشكلان أساس إدارة هؤلاء العائدين كمخاطر أمنية.
في صيف 2016، أسفرت سلسلة من الاعتقالات في مقدونيا عن القبض على 25 شخصًا كانوا أعضاء في تنظيم داعش أو من مؤيديه. وكانت تخطط هذه الخلايا للمساعدة في شنِّ هجماتٍ إرهابية في غرب البلقان وعلى نطاق أوسع في أوروبا، بهدف إحداث تأثير دعائي أوسع مما يمكن أن يفعله هؤلاء الأشخاص في سوريا والعراق.
المشكلة التالية هي أن أعضاء داعش المعتقلين أرسلوا إلى السجن. أولًا، صدرت بحقهم أحكام متساهلة للغاية تتراوح بين ثلاث وست سنوات، كما يوضح ناسيف. ثانيًا، خلال فترة تواجدهم في السجن بدأ هؤلاء الأشخاص في تحويل السجناء الآخرين غير الجهاديين لمتطرفين. وهذه المشكلة الأخيرة ليست خاصة بدولٍ بعينها؛ ذلك أن مشكلة احتواء التطرف في السجون تعاني منها العديد من الدول الغربية، والعديد من دول الشرق الأوسط.
وهكذا، تواجه مقدونيا الآن تهديدًا أمنيًا دائمًا من المقاتلين الإرهابيين الأجانب. وفي أعقاب الاعتقالات التي جرَت في عام 2016، حدثت تصعيدات مع زيادة الاعتقالات التي جاءت نتيجة العثور على أحزمة انتحارية مع جهاديين. وقبل بضعةِ أشهر فقط، في ديسمبر 2020، اعتقلتِ السلطات المزيدَ من الأشخاص مع اقتراب الإرهابيين من شنِّ هجماتٍ؛ وكان أحد قادتهم قد سبق سجنه بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية.
ويختتم ناسيف حديثه بالإشارة إلى أن الدراسات التي أجراها مركز البحوث الأمنية قد توصلت إلى أنه إلى جانب المشاكل المفاهيمية المتعلقة بإعادة تأهيل المتطرفين، وإعادة دمجهم في المجتمع، هناك مشكلات تتعلق بالكفاءة؛ القائمون على تنفيذ هذه البرامج الحكومية ليسوا دائمًا مدربين تدريبًا جيدًا، وكثير منهم لا يفهم طبيعة أيديولوجية الجماعات المتطرفة، ناهيك عن أن التنسيق عبر المؤسسات يظل مشكلة دائمة.
وركز المتحدث التالي؛ رابي سيدراك، المستشار الخاص لمكافحة الإرهاب في مركز البحوث الأمنية، على ما يُطلق عليهم “أشبال الخلافة”؛ أي الأطفال الجنود الذين استخدمهم تنظيم داعش لأغراضٍ تكتيكية في سوريا والعراق. هؤلاء الأطفال الذين تُركوا مع انهيار دويلة داعش، وتعرضوا لأيديولوجياتٍ متطرفة، يشكلون الآن تهديدًا للسلام والاستقرار عبر الأجيال، حيث يتوقع أن يلقِّن هؤلاء الأطفالُ المؤدلجون أطفالهم فيما بعد على أيديولوجية داعش.
وفي حين أن معظم “أطفال داعش” بَقوا في سوريا والعراق، شهدت دول البلقان عددًا غير متناسبٍ من الأطفال العائدين. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما الذي يجب القيام به معهم، حيث إن برامج “نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج” التقليدية التي تستهدف الكبار ليست مصممة خصيصًا لهم، ومن ثم لا تناسبهم.
أحد الخيارات هي عدم القيام بأي شيء، ولكن هذا هو الأخطر من الناحية الأمنية والسياسية، ومناحٍ أخرى عديدة. وإذا كان لا بد من القيام بشيءٍ ما، فإنه سيتطلب توفير مبالغ كبيرة من المال والمتخصصين، مثل الأطباء النفسيين، ما يشكل عبئًا على موارد دول البلقان. ومن الواضح أن إيداع هؤلاء العائدين في السجن ليس الوضع المثالي، على الرغم من أن له ميزة تتمثل في احتواء الخطر (وهو أمر يمكن تسويقه من الناحية السياسية). وفي حين أن إعادة الدمج هي الحل الأمثل، فهي تتطلب موارد وفعالية.
لا شك أن الأطفال كانوا هم أكثر ضحايا داعش تضررًا، والآن تُترك هذه المسألة للحكومات الأوروبية وغيرها من الحكومات، التي يتعين عليها أن تحاول التفريق بين أنواع الأطفال المجندين -أولئك الذين يمكن إعادة تأهيلهم، من خلال الرعاية الصحيحة (وما هي هذه الرعاية؟)- وأولئك الذين لا يمكن فعل ذلك معهم. غير أن المسألة الرئيسة في هذه المرحلة هي فتح حوار لإشراك المجتمعات في محاولة لحل هذه المسألة.
في فقرة الأسئلة والأجوبة، أشار ناسيف إلى أن تنظيم داعش تفوق على تنظيم القاعدة من حيث القدرة على الحشد، وبينما قام ببعض هذه الجهود عبر الإنترنت، قام بالكثير منها على أرض الواقع، كما تشير أجهزة مكافحة التجسس، في المساجد والمنازل الآمنة، إلخ، في جميع أنحاء الدولة. والاستنتاج من كل هذا هو أن اتباع نهج المجتمع الشامل، الذي يشمل الأطراف المعنية من جميع القطاعات -الدينية، والمجتمعية، والأمنية- هو الطريقة الفضلى، والوقاية أفضل من العلاج. وهذا يستلزم أن تكون الأجهزة المعنية على دراية بالسياقات المحلية المحددة حيث توجد القضايا، والتحرك في الوقت المناسب.
وفيما يتعلق بدور تركيا في مكافحة الإرهاب، يقول سيدراك إنه “لم يكن فعّالًا جدًا”. ويُعزى جزء من المشكلة إلى أن تركيا تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم، وقد جاء هؤلاء اللاجئون من الدول التي مزقتها الحرب حيث يصعب الوصول إلى السجلات لفحصها. ومع ذلك، فهناك شكوك حول الحكومة التركية، لا سيما بعض منظماتها غير الحكومية الرسمية وجمعياتها الخيرية، التي تفيد التقارير بأنها متورطة في تمويل الإرهاب، بل وفرضت عليها الولايات المتحدة عقوباتٍ للسبب ذاته.