في أغسطس 2021، سيطر تحالف جهادي بقيادة طالبان والقاعدة على الحكم في أفغانستان. ومنذ ذلك الوقت، تصاعد القمع داخل الدولة مع فرض الجهاديين نسختهم الصارمة من الشريعة. حظرت القرارات الأخيرة، قبل عيد الميلاد مباشرة، على الفتيات الالتحاق بالجامعة، استكمالًا لاستبعادهن من التعليم في الدولة، حيث حظروا ذهاب الفتيات إلى المدارس الثانوية منذ شهر مارس.
وبرّر وزير التعليم العالي في طالبان منع النساء من دخول الجامعات في أفغانستان، قائلًا إنهن “لا يحترمن قواعد اللباس”، في إشارة إلى التغطية الإلزامية لرأس المرأة ووجهها وجسمها. وأشار الوزير إلى أن الفتيات، اللواتي كن يدرسن في مقاطعاتٍ بعيدة عن منازلهن، “لم يسافرن مع مَحرم”.
الجدير بالذكر أن طالبان فرضت قيودًا متزايدة على الحريات، لا سيّما ضد النساء، اللاتي استبعدن تدريجيًا من الحياة العامة، ومن التعليم. لم يعد يُسمح لهن بالسفر دون أحد أفراد الأسرة الذكور، ويجب عليهن ارتداء البرقع. وفي شهر نوفمبر، منعتِ الحركة النساء من دخول المتنزهات والحدائق والصالات الرياضية، وحمامات السباحة العامة. وتُعتبر قواعد طالبان ضد المرأة نكسة خطيرة وغير مسبوقة من حيث حقوق المرأة وحرياتها.
منذ عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، حاولت الحركة الترويج لفكرة أنها ستتصرف بشكلٍ مختلف، أي بشكلٍ أكثر اعتدالًا، في القضايا المحلية مثل تعليم الإناث، وخارجيًا في مسألة الإرهاب. ومع ذلك، فقد حدث العكس. وعلى الرغم من أن طالبان تعّهدت، بعد عودتها إلى السلطة في أغسطس 2021، بإظهار قدرٍ أكبر من المرونة، فإنها سرعان ما عادت إلى تفسيرها الصارم للغاية للشريعة الإسلامية الذي وسم حكمها بين عامي 1996 و2001.
كانت أفغانستان طالبان قاعدة التخطيط لهجمات 11/9، ما خلق مخاوف من تكرار هجمات من هذا النوع من الأراضي الأفغانية. وحاولت طالبان تعزيز فكرة أنها تعارض استخدام “الإرهابيين” للمناطق التي تحكمها، طمأنةٌ كان من الصعب أخذها على محمل الجد، لأنها تنطوي على معاملة طالبان كما لو أنها ليست جماعة إرهابية.
لم يكن لدى “عين أوروبية على التطرف” أي أوهام بأن سقوط أفغانستان سيعيد الدولة إلى حالةٍ من الإرهاب المحلي، والتهديد الخارجي لجيرانها، من تدفقات اللاجئين المزعّزعة للاستقرار إلى الإرهاب. كما كان كريس ألكسندر، وزير كندي سابق ودبلوماسي، واضحًا أيضًا بأن طالبان ورُعاتها الباكستانيين ليس لديهم أسبابٌ لتقديم أي تنازلات بعد انتصارهم الكامل. وقد ثبت صحة كلامه.
بعد عام من حكم طالبان، كان الوضع على النحو التالي:
على الرغم من الرسائل الودية بشأن المأمول بعد الانسحاب وتولي طالبان، فإن الثابت بعد عام من حكم طالبان أن أفغانستان شهدت تدهوراً حادًا في حالة حقوق الإنسان، وأزمة إنسانية طاحنة. وفي حين أن هناك انخفاضًا في العنف في بعض المناطق في الدولة، فإن ثمة عراقيل تحد من ذلك تمثَّل في جيوب المقاومة الوطنية، والتحدي المستمر من ولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش.
حالة حقوق الإنسان المزرية عمومًا في ظلِّ حكم طالبان قاسيةٌ بشكلٍ خاص بالنسبة للمرأة. إذ تستبعد طالبان النساء إلى حدٍّ كبير من الوظائف الحكومية، وتقيّد حقهن في السفر بمفردهن خارج المدن التي يعشن فيها، وتمنع الفتيات من الالتحاق بالمدارس الإعدادية والثانوية. وأمر زعيم طالبان هبة الله أخوند زاده النساء بارتداء النقاب في الأماكن العامة…
من جانبٍ آخر، الأزمة الإنسانية طاحنة. إذ يشير البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان انخفض بنسبة 34 في المائة في عام 2022 مقارنة بعام 2020 وارتفعت أسعار السلع الحيويّة. وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن 90 في المائة من جميع الأفغان يعانون من سوء التغذية…
وتؤكد التقارير الاستخباراتية أن طالبان لا تزال مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتنظيم القاعدة.. وعلاوة على ذلك، فمن المرجح أن طالبان غير قادرة على اتخاذ إجراءاتٍ ملموسة ضد ولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش، الذي لديّه نية وقدرة على شنِّ هجمات خارجية…
بعد عامٍ واحد من استيلاء طالبان على أفغانستان، من الواضح أنه لم يتغير شيء يُذكر منذ التسعينيات.
إلى ذلك، أثبت مقتل أمير تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في عاصمة طالبان في يوليو 2022 أن أيًا من الوعود بشأن تقييد أنشطة تنظيم القاعدة لم تكن صحيحة، ولا يمكن أن تكون كذلك على الإطلاق، لأن العناصر الأساسية لطالبان مثل “شبكة حقاني” هي جزء من تنظيم القاعدة.
في هذا الصدد، قالت إحدى طالبات جامعة كابول: “لقد دمروا الجسر الوحيد الذي يمكن أن يربطني بمستقبلي”. وأضافت طالبة أخرى أنها “فقدت كل شيء”. لقد كانت هناك جهود لمقاومة هذه التغييرات. خرجت النساء الأفغانيات إلى الشوارع للمشاركة في احتجاجات ضد نظام طالبان، وترك عدد من الطلاب الذكور الجامعات احتجاجًا على منع نظرائهن.
هذه الإجراءات على شجاعتها، غير كافيةٍ لتغيير الوضع: فقد قوبلت الاحتجاجات بالقمع الوحشي، وقد يؤدّي إبعاد الرجال الذين يدعمون حقوق المرأة من الجامعات، إن وجد، إلى تسهيل عملية “طَلْبَنة” هذه المؤسسات من قبل النظام.
علاوة على ذلك، سرعان ما أتبعت طالبان هذه المراسيم بأخرى تمنع النساء من العمل في المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدات المُنقِذة للحياة للناس في دولةٍ انهار فيه الاقتصاد. واحتجت الأمم المتحدة على ذلك، وعلّقت المنظمات غير الحكومية عملياتها في أفغانستان.
ومن المرجح أن يكون لهذا عواقب وخيمة على الشعب الأفغاني، ولكن ليس هناك ما يشير إلى أن ذلك سيغير سلوك طالبان.
وكما أوضح أجمل سهيل في تقريرٍ صدر مؤخرًا عن موقع عين أوروبية على التطرف، فإن قيادة طالبان تهيمن عليها شخصيات ترغب في عزل أفغانستان عن المؤسسات الدولية التي تعتبرها إفسادًا “لإمارتها الإسلامية” النقية، وبالتالي يعتبر استياء الأمم المتحدة وانسحاب الوكالات التي ترعاها الأمم المتحدة من أفغانستان انتصارًا أيديولوجيًا لتحالف طالبان والقاعدة، والأيديولوجية هي كل ما يهمهما. وهما لا يكترثان بالتكاليف المادية التي سيلحقها ذلك بالسكان الأفغان.
في القرن التاسع عشر، حدد الكاتب العثماني نامق كمال، وهو ينظر إلى حالة الإمبراطورية المتدهورة في مواجهة منافسيها الأوروبيين، وضع المرأة كتابع للرجل كسبب رئيس لحدوث ذلك: “مجتمعنا الوطني مصاب مثل جسم بشري بالشلل في أحد جانبيه… العديد من العواقب الضارة تنجم عن هذا الوضع للمرأة”.
وما كان صحيحًا آنذاك أصبح صحيحًا الآن، مع فارق أنه في عالم مترابط. لذا، فإن هذه العواقب الضارة لن تصيب أفغانستان فحسب.