ثانوس شاتزيوانو
رغم أن هزيمة “خلافة” تنظيم داعش في مارس 2019 أدّت إلى الحدِّ من التهديدات الإرهابية في هولندا، فإن حقبة ما بعد الصراع جلبت مخاطر جديدة على أمنها. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن خفض حدة الصراع في سوريا قد دفع العديد من المواطنين الهولنديين إلى التعبير عن رغبتهم في العودة إلى ديارهم. ولا يزال ما يقرب من 40 امرأة و200 طفل ينتمون إلى داعش مسجونين في مخيمات يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا، ويقيم معظمهم في مخيم الهول، في انتظار إعادتهم إلى وطنهم. يُشكِّل إعادة هؤلاء المقاتلين الأجانب الهولنديين إلى الوطن معضلة لوزارة العدل والأمن بسبب تعقيدات وتعارض رؤى الأطراف المعنية، الذين يشكلون النقاش، ويصيغون القضية بعباراتٍ متضاربة. وفي حين أنه لا يمكن إغفال المخاطر الأمنية قصيرة الأجل، والتكاليف السياسية المرتبطة بإعادتهم إلى ديارهم، فإن العودة النشطة إلى الوطن لا تزال أفضل مسار عمل للحكومة الهولندية لتأمين سلامة الدولة على المدى الطويل، وللحظوظ السياسية للائتلاف الحاكم على المدى القصير، الذي يستعد لانتخابات عام 2025. والتحليل التالي سوف يوضح الأسباب.
لماذا لا يتم إبقاؤهم في المخيمات؟
تمثل النساء، والأطفال الهولنديون، في المخيمات الكردية معضلةً سياسية ذات تداعياتٍ مهمة. ويبدو أن تركهم هناك حل جذاب، لأن المخاطر الأمنية القصيرة الأجل مثل فرصة ارتكاب أعمال إرهابية محلية تتضاءل إذا لم تطأ أقدامهم الأراضي الهولندية1. على الجانب الحكومي، لن تُضطر حكومة رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، إلى إنفاق من رأس المال السياسي اللازم لتنفيذ قرار يعارضه الجمهور بشكلٍ عام، خاصة الناخبين لحزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية اليميني الليبرالي بزعامة روته.
ومع ذلك، فإن التدابير الصارمة، مثل سحب جنسيتهم، قد تثبت قصر نظرها وضررها من وجهة نظر أمنية وسياسية. أولًا، تسببت الظروف المعيشية المروعة في المخيمات الكردية في تشكيل بؤرٍ للتطرف، ومن المرجح أن يؤدي الوجود الممتد للنساء والأطفال الهولنديين هناك إلى تفاقم مشاعرهم المعادية للغرب2. وسيظلون معرضين للفكر الجهادي، فيما ستزيد التدابير القاسية من سخطهم تجاه هولندا، وتحفزهم أكثر على إلحاق الضرر بها.
كما أن إمكانية الهروب من المخيمات لها تداعيات أكثر إثارة للقلق، خاصة وأن خمس عشرة امرأة هولندية قد نجحن بالفعل في ذلك. الجدير بالذكر أن “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” -المنطقة التي يديرها الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني- منطقة غير مستقرة تحيط بها دول فاشلة، وهو وضع يمنع السلطات الهولندية من مراقبة أي من الفارين بنجاح، والحصول على معلومات حول أنشطتهم3. وبالنظر إلى أن المقاتلات الأجنبيات يلتزمن بشدة بالفكر الجهادي، وكان لهن أدوار نشطة داخل داعش، مثل التجنيد والتلقين، فإن هناك إمكانية كبيرة لضمهن إلى الشبكات الإرهابية في المنطقة، وتمكينهن بما لهن من خبراتٍ كبيرة4.
لا تزال المنطقة تعاني خطر العديد من التنظيمات الإرهابية، والتي يمكن أن تستفيد بشكلٍ كبير من هؤلاء النساء وأطفالهن، كونهم يسهمون في زيادة قدرتها على إلحاق الأذى بالدول الغربية مثل هولندا. وبصرف النظر عن مراقبة أنشطتهم في سوريا، فإن منع دخولهم إلى هولندا لا يعني أنهم لن يتمكنوا من العودة، بل يعني فقط أنه لن تتم مراقبتهم. كما أن تركهم هناك سيحرم الحكومة الهولندية من القدرة على السيطرة على أفعالهم ومواجهتها وفقًا لقواعد محددة، ما يخلق فراغًا من شأنه أن يضر بها في المستقبل5.
أما فيما يتعلق بالأطفال، فإن التطرف في المخيمات والتعرّض للعنف والموت في سوريا يحولهم بالفعل إلى مخاطر كبيرة على الأمن الهولندي. ومع ذلك، فإن الخطر الذي يشكِّلونه لا يتوقف عند هذا الحد. فمعظم الأطفال الهولنديين تقل أعمارهم عن 8 سنوات، ما يعني أنهم ربما لم يتلقوا تدريبًا من داعش، الذي يبدأ التجنيد في سن 9 سنوات، ولكن هذا قد يعني أيضًا أن إعادتهم ليس في صالح هولندا6. وفي حين أن التهديدَ الذي يمثلونه الآن محدودٌ، فإنه كلما طالت فترة إقامتهم، زاد تطرفهم وعرَّضوا أنفسهم لخطر إجبارهم على الانضمام إلى داعش. وقد جرى بالفعل تهريب الأطفال الأكبر سنًا من مخيم الهول وتدريبهم ليصبحوا إرهابيين من أجل استخدامهم في شنِّ هجماتٍ دولية7.
ستكون “أشبال الخلافة” الجديدة هذه بمنزلة ضخ دماء جديدة لإنعاش داعش، وستثبت أنها تشكِّل تهديدًا أمنيًا كبيرًا للدولة، وخطرًا سياسيًا على الحكومة، إذا ما تمكنوا من ارتكاب هجومٍ في هولندا. ومن المقرر إجراء الانتخابات المقبلة في عام 2025، وثلاث سنوات كافية لتتمكن شبكة إرهابية ناشئة من تنظيم هجومٍ على الأراضي الهولندية، قد يتسبب في خسائر في أرواح المدنيين، ورد فعل عنيف كبير ضد الحكومة.
وسيكون المواطنون الهولنديون غير راضين إلى حدٍّ كبير إذا أثبتت السياسات القاسية أنها أحد أسباب عدم مراقبة هؤلاء الجناة بنجاح. وبغض النظر عن مساهمتهم المباشرة في الهجمات المستقبلية، فإن داعش يستغل محنة هؤلاء الأطفال في المخيمات كأداة دعائية لتجنيد “الذئاب المنفردة” في الغرب لارتكابِ جرائم إرهابية8.
مخاطر الإعادة إلى الوطن
ما سبق ذكره لا يعني إنكار ما هو واضح: إعادتهم إلى الوطن ليس خيارًا خاليًا من المخاطر. ذلك أنه على المدى القصير، سيزداد تهديدهم لهولندا لأنه ستتاح لهم إمكانية الوصول المباشر إلى المواطنين، وفرصة ارتكاب هجمات عند انتقالهم إلى الأراضي المحلية. وأي هجوم يرتكبه العائدون سوف يتسبب في خسائر في الأرواح، ويلحق ضررًا سياسيًا خطيرًا بصورة ومكانة الحكومة أمام الجمهور، ويتسبب في انقساماتٍ داخل الحكومة الائتلافية (وربما انهيارها)، ويقلِّل من الرغبة في المزيدِ من عمليات الإعادة إلى الوطن.
وحتى لو لم تقع هجماتٌ إرهابية، فإن الحكومة قد تثير استياء شريحةٍ من ناخبيها، من خلال إعادة مقاتلي تنظيم داعش إلى ديارهم، خاصة مع أنصار حزب رئيس الوزراء أنفسهم، الذين أعربوا عن عدم موافقتهم على موضوع العودة إلى الوطن. ذلك أن عودة هؤلاء إلى الوطن وحدها، من دون ارتكاب فظائع إرهابية، قد تنفِّر الناخبين المحافظين وحتى الوسطيين من الأحزاب الرئيسة، وتدفعهم نحو الشعبويين اليمينيين في حزب الحرية، الذي لديه موقف أكثر تشددًا ضد الإعادة إلى الوطن، ما يفاقم حالة الاستقطاب، ويفتِّت المشهد السياسي في الدولة.
تتأتى المخاطر الأمنية المرتبطة بالنساء والأطفال الهولنديين في المخيمات من الوظائف الحيوية التي قاموا بها لصالح داعش ومستوى التطرف الذي تعرَّضوا له. نادرًا ما كانت النساء المنتسبات للجهاديين ضحايا لأزواجهن، لكن من المعروف أنهن أصوليات متحمسات، حيث تواجدن في طليعة مبادرات التجنيد والدعاية9. إن تَبَلُّد المشاعر تجاه العنف، والمشاركة في جرائم الحرب، واضطراب ما بعد الصدمة، قد تجعل أيَّ محاولةٍ لاجتثاث التطرف فاشلةً، وهو أمرٌ مثير للقلق لأن أحكام السجن الصادرة ضدهن بسبب جرائمهن عادة ما تكون قصيرة10. وبغضِّ النظر عن المشكلات النفسية، فإن الالتزام الأيديولوجي تجاه داعش، والوصم الصادر عن المجتمع، قد يدفع هؤلاء النساء إلى التواصل مع الشبكات الإرهابية المحلية، وتقديم الدعم لها، حتى بعد الانتهاء من برامج إعادة الإدماج أو أحكام السجن11.
يُشكِّل الأطفال الهولنديون معضلة أكثر خطورة وجسامة. ففي حين أنهم أنفسهم ضحايا من خلال المشاركة غير الطوعية في داعش، فإن التجارب المروعة التي مروا بها في ساحة المعركة والجرائم التي ربما ارتكبوها بأنفسهم قد تجعل من الصعب عليهم نبذ الأفكار المتطرفة12. لقد عمل العديد من الأطفال كجنود وجلادين للخلافة، ونتيجة لذلك، أصيبوا بصدماتٍ نفسية شديدة وتعرَّضوا للعنف13.
مثل هذه الظروف قد تحولهم إلى تهديداتٍ أمنية لهولندا، لا سيّما وأنهم سيكونون موجودين على الأراضي الهولندية. كما أن برامج إعادة الإدماج ليست مضمونة النجاح بأي حال من الأحوال، وفي هذه الحالة تبدو فرص النجاح أقل، بالنظر إلى مدى التلقين والصدمات النفسية التي مرَّ بها هؤلاء الأطفال، وسوء المعاملة والتعذيب الذي تعرَّض له البعض، وتراكم الخبرة القتالية، والفظائع التي شاركوا فيها14.
وحتى إذا وضعنا جانبًا مشكلة “محاكاة الامتثال”*، فإن وضع هؤلاء الأطفال في برامج إعادة تأهيل المتطرفين لا يمكن أن يفعل الكثير لطمأنة المجتمع بأن التهديد الذي يشكلونه قد انتهى. على سبيل المثال، قد يواجهون الوصم بأنهم “جهاديون”، والعزل عن المجتمع الهولندي. وقد أشار في السابق الإرهابيون الجهاديون والمقاتلون الأجانب إلى الشعور بالاغتراب كعامل دفعهم لاقتراف أعمال إرهابية15.
قضية الإعادة إلى الوطن
في ظلِّ المخاطر المرتبطة بكل خيارٍ سياسي، فإن إعادة النساء والأطفال الهولنديين من المخيمات الكردية في سوريا هي الخيار الأكثر قابلية للتطبيق لحماية المصالح الأمنية طويلة الأمد لهولندا، ولشعبية الحكومة.
الزخم السياسي يصب في صالح العودة إلى الوطن، خاصة وأن بلجيكا وألمانيا المجاورتين بدأتا في إعادة مقاتليهما الأجانب من الإناث والقاصرات، ما يجعل هذه السياسة أكثر شرعية للسكان في هولندا أيضًا16. لذا، ينبغي لهولندا أن تبدأ في التوجه نحو إعادة نسائها وأطفالها من المخيمات، على أساس كل حالةٍ على حدة. وينبغي الشروع في تحقيقاتٍ مستفيضة من أجل تقييم مستوى التهديد الذي يشكله كل فرد عائد، والبدء في إعادته إلى وطنه، وفقًا لذلك. يجب أن ينصب التركيز الأساسي على الأطفال العائدين، ليس فقط لأنهم أكثر عُرضة للتطرف، ويسعى داعش بشدة لتجنيدهم لإحياء التنظيم، ولكن لأن الجمهور نفسه أكثر تعاطفًا مع محنتهم، ولن يكون مستاءً من عودتهم.
وهذا من شأنه أن يمنع داعش من إلحاق صدمة نفسية لا يمكن علاجها لهؤلاء الأطفال، واستخدامهم وقودًا للمدافع في طريق عودته إلى العراق وسوريا، ويحرمه من أداة دعائية رئيسة والأساس الذي يمكن أن يبني عليه لهجماتٍ دولية جديدة. ورغم أن عملية إعادة الإدماج ستكون معقدة ومليئة بالتحديات، فإن السلطات الهولندية، مثل مجلس الحماية الهولندي، قد أثبتت قدرته على التعامل مع المهمة، ويظهر نتائج واعدة فيما يتعلق بمبادرات إعادة تأهيل المتطرفين17.
فيما يتعلق بالنساء، فإن إعادتهن ستسمح لهولندا بمواجهتهن وفق قواعدها. كما أن وجودهن على الأراضي المحلية سيمكن الحكومة من مراقبتهن واستشراف الهجمات المستقبلية من موقع أفضل بكثير مما لو تم تركهن في سوريا. وعلاوة على ذلك، سيسهم هذا في تقليص المخاطر المحتملة إلى الحد الأدنى، الأمر الذي يحرم الجماعات الإرهابية في المنطقة من خبراتهن، ويجنبهن المزيد من التطرف الناتج عن التعرض لبيئة المخيمات. كما أن إعادتهن ستتيح استخدامهن كمخبرات عن أنشطة داعش، وتعزيز الأمن الداخلي، من خلال سد الثغرات في المعلومات المتعلقة بشبكة التنظيم في هولندا.
الخلاصة
رغم أن كل سياسة تجاه النساء والأطفال الذين انضموا إلى داعش تنطوي على مخاطر شائكة، فإن العودة إلى الوطن أكثر فعالية في ضمان الاستقرار السياسي والأمن على المدى الطويل. وفي حين أنه لا يمكن أبدًا القضاء التام على إمكانية وقوع هجوم إرهابي، يوجد متسع من الوقت، حتى الانتخابات المقبلة في عام 2025، أمام داعش لإعادة تجميع صفوفه، واستخدام النساء والأطفال الهولنديين المحبطين كأسلحة ضد هولندا، وعكس مسار انتصارها الذي حققته بشق الأنفس ضد التنظيم.
إن السياسات قصيرة النظر، التي تؤجل مجابهة المشكلة، لن تؤدي إلا إلى تضخيمها إلى الحد الذي لن تتمكن هولندا من التعامل معه.
__________________________
* أي الامتثال الكاذب من قبل الشخص المتطرف، لإقناع مسؤولي برامج إعادة تأهيل المتطرفين بأنه قد تخلى عن أفكاره المتطرفة.
المراجع:
[1] National Coordinator for Security and Counterterrorism (NCTV). 2021. ‘Terrorist Threat Assessment for the Netherlands 55’, p. 12.
[2] Marone, F. (2021). ‘Why European countries do not repatriate their foreign fighters’. European Eye on Radicalization.
[3] NCTV, 2021, p. 13.
[4] ‘Responses to Returnees: Foreign Terrorist Fighters and Their Families’. (2017), Radicalisation Awareness Network Practitioners (RAN) Centre of Excellence. RAN Manual, p. 21.
[5] Mironova, V. (2021). ‘The Challenge of Foreign Fighters: Repatriating and Prosecuting ISIS Detainees’. Middle East Institute (MEI) Policy Center, p. 9.
[6] RAN Manual, 2017, p. 21.
[7] NCTV, 2021, p. 12.
[8] Europol (2021). European Union Terrorism Situation and Trend Report 2021, p. 58.
[9] RAN Manual, 2021, p. 21.
[10] Mehra T.& Paulessen C. (2019). ‘The Repatriation of Foreign Fighters and Their Families: Options, Obligations, Morality and Long-Term Thinking’, International Centre for Counter-Terrorism (ICCT).
[11] RAN Manual, 2017, p. 23.
[12] RAN Manual, 2017, pp. 22-24.
[13] RAN Manual, 2017, p. 22.
[14] RAN Manual, 2017, p. 24.
[15] Dawson, L. L., (2021). ‘A Comparative Analysis of the Data on Western Foreign Fighters in Syria and Iraq: Who Went and Why?’, ICCT, pp. 13-15.
[16] ‘Germany Repatriates Women, Children From Syrian Camp’. (2022). The Associated Press.
[17] Mehra, T. (2022). ‘The Repatriation of Five Women and Eleven Children from Syria: A Turning Point in the Netherlands?’, ICCT.