
إيان اتشيسون مدير سجن سابق، ومسؤول كبير في وزارة الداخلية البريطانية، لديه خبرة تمتد لأكثر من 25 عامًا في مجال مكافحة الإرهاب وأمن السجون. ويعمل الآن مستشارًا أول لمشروع مكافحة التطرف.
تتحمل بلجيكا وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة جُلّ عبء السجناء الإرهابيين المدانين في أوروبا. يصل عدد هؤلاء السجناء، وفقًا لآخر الإحصائيات، إلى أكثر من ألف متطرفٍ عنيف موزعين على عشرات السجون، بعضها به عنابر متخصصة، غير أن بعضها الآخر يأويهم على مقربة من السجناء العاديين، ما يعرّضهم لأيديولوجياتهم السامة.
المجرمون ذوو الدوافع الأيديولوجية ظاهرة حديثة نسبيًا -من حيث الحجم على أي حال- خارج إسبانيا والمملكة المتحدة، اللتين تتعاملان مع الانفصاليين القوميين العرقيين الذين يستخدمون العنف الإرهابي منذ فترة السبعينيات. ومع خبرتهما الطويلة هذه، لم تسعَ أيٌّ من الدولتين إلى تحدي آراء المتطرفين المسجونين وتعديلها.
الآن، تمتلئ سجوننا المشدّدة الحراسة بالمتطرفين الإسلامويين الذين ينشطون انطلاقًا من معايير وتوجهات مختلفة عن الانفصاليين. وفي حين كانت المملكة المتحدة وإسبانيا تواجهان مشكلاتٍ جمّة في التعامل مع الانفصاليين الأيرلنديين والباسك، لم يكن هؤلاء الإرهابيون يهدفون إلى إقامة “خلافة” عالمية من شأنها إخضاع جميع الأديان الأخرى، وشن حرب على الديمقراطية الليبرالية على هذا النحو. وعلى قسوتهم الهائلة، لم ينشط الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت أو منظمة “إيتا” تحت ذريعة الإذن الإلهي لقتل المدنيين.
هل ينبغي لنظام العدالة الجنائية أن يُركّز على مجرد احتواء هذا التهديد خلف الجدران المرتفعة والأسلاك الشائكة، أم ينبغي له على الأقل أن يحاول الحد من خطورة هؤلاء الأشخاص؟ كيف سنحاول التدخل لدفعهم نحو فك الارتباط أو على الأقل الكف عن مثل هذه الأيديولوجية القاتلة؟ وبينما نحاول تحقيق ذلك، هل ينبغي ترك هؤلاء السجناء المتطرفين بين عامة السجناء لتعريضهم لأفكار خارج معتقداتهم الطائفية، أم ينبغي عزلهم لمنعهم من ممارسة التجنيد؟ ففي نهاية المطاف، يوجد في السجون مجموعة من الشباب المتاحين بسهولة، والعنيفين بالفعل، والسُذّج الذين يمكن للمتطرفين تحويلهم إلى اعتناق الإسلام. ويبدو من المرجح أن ترك المتطرفين بين عموم نزلاء المؤسسات العقابية يُشكّل مخاطر إضافية على المسؤولين الذين يحتجزونهم، ناهيك عن المجتمع ككل بمجرد إطلاق سراحهم.
هذه التحديات ليست بالهيّنة. ومن غير المرجح التوصل إلى حل واحد يصمد مع مرور الوقت ويغيّر التركيبة الديموغرافية لنزلاء السجون. وهنا، تجدر الإشارة إلى أنني قدتُ في المملكة المتحدة في عام 2016، مراجعة حكومية مستقلة للتطرف الإسلاموي ضمن نظام العدالة الجنائية.
كان تقريري الذي تضمن زياراتٍ ميدانية إلى السجون التي تحتجز الإرهابيين، في هولندا وفرنسا وإسبانيا، قاسيًا. كانت سجون المملكة المتحدة تشهد تطرفًا لا هوادة فيه من قبل السجناء الإسلامويين التخريبيين. ولم يفهم كبار المسؤولين المشكلة أو يعترفوا بها، ولم يكن موظفو الخطوط الأمامية مجهزين لتحديد السلوكيات السامة والتصدي لها، بسبب ضعف التدريب والخوف من اتهامهم بالعنصرية. وكانت الأدبيات الطائفية والتحريضية للغاية، التي تدعم التطرف وتشجعه، متاحة مجانًا في السجون. ولم يكن لدى العديد من أئمة السجون القدرة، وقليل منهم لم تكن لديه الإرادة، لمواجهة التطرف الإسلاموي في أوساط الجماعات الدينية التي ينتمون لها.
بناءً على ذلك، اقترحتُ حلًا يتمثل في استحداث “وحدات الفصل” لعرقلة المجرمين الإرهابيين وغيرهم من المتطرفين عن حض السجناء الآخرين على الكراهية. ولم يكن من المفترض أن تكون هذه الوحدات عقابية؛ بل ينبغي أن تكون أماكن يمكن لمسؤولي السجن ذوي المهارات المتميّزة أن يفحصوا سلوك السجناء ويغيّروه كتمهيد لإعادتهم إلى عنابر السجن العادية.
لقد قدمت هذا الحل بناءً على ما رأيته في أوروبا. إذ لا يمكننا بالطبع التحدث إلى الإرهابيين المتوفين. أما الأحياء في السجون فيوفرون لنا فرصة فريدة للدراسة وجمع المعلومات الاستخبارية، مع جائزةٍ إضافية تتمثل في تجريد المتطرف من معتقداته وأفكاره القاتلة. لقد استغرق الأمر سنوات حتى قبل مسؤولو السجن البيروقراطيون باستحداث هذه الوحدات، التي نُفّذت بالفعل، ولها تأثير إيجابي عندما يُبعد المخربون من الاختلاط بالنزلاء العاديين. يبقى أن نرى ما إذا كان من الممكن تغيير سلوك هؤلاء الأشخاص.
مصطلح “إعادة تأهيل المتطرفين” أصبح بلا معنى تقريبًا. أفضل التحدث عن “الخطورة”. أحد المخاطر الرئيسة التي تواجهها سلطات السجن هو تحديد صدق السجناء الإرهابيين الذين يقنعون معالجيهم بأنهم تخلّوا عن العنف باسم معتقداتهم الدينية، بينما لا يزالون، في الواقع، ملتزمين بممارسة العنف المتطرف.
لقد كتبتُ عن هذا التحدي على نطاقٍ واسع. “الامتثال المُقنّع”، حيث ينجح إرهابيٌّ ماكر في خداع السلطات ما يترتب عليه عواقب قاتلة، وهذا الأمر لا يقتصر على المملكة المتحدة فحسب، بل يمكن رؤية بعض الأمثلة الأكثر فظاعة في دولٍ أخرى.
من بين الأمثلة على ذلك الإرهابي المدان، عثمان خان، الذي خدع سلطات السجن للاعتقاد بأنه قد أصبح مواطنًا صالحًا، وهمٌ أثّر على عملية مراقبته بعد إطلاق سراحه، وأدّى إلى وضعٍ تمكّن فيه خان من قتل طالبين من برنامج إعادة تأهيل السجناء خلال حضور احتفالية في لندن في نوفمبر 2019.
هناك العديد من الحالات الأخرى التي استخدم فيها الإرهابيون الخداع نفسه لإتاحة المجال لهم لمواصلة جهادهم. اعترف وزير الداخلية النمساوي بأن السلطات “خُدعت” من قبل إرهابي تظاهر بأنه تاب ونبذ التطرف، ثم ما لبث أن انطلق في تنفيذ هجوم دموي في فيينا في نوفمبر 2020 أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، وإصابة 23 آخرين.
وفي فرنسا، تعرّض اثنان من ضباط السجون للطعن على يد متطرف إسلاموي، يُدعى بلال تاغي، في عام 2016: كانت سلطات السجن تنظر إلى تاغي على أنه سجين نموذجي، بعد انخراطه في برنامج إعادة التأهيل المتطرفين. وحصل عادل كرميش، أحد الإسلامويين الذين قتلوا كاهنًا في كنيسته في نورماندي عام 2016، على إطلاق سراحه من السجن بعدما أقنع القضاة بأنه تخلى عن العنف. والقائمة تطول.
ما الذي بوسعنا أن نفعله للحدِّ من فرص عدم استمرار حدوث مثل هذه الفظائع؟ في الواقع، الكثير من الجهود المطلوبة تعتمد على الثقافة والنهج الفلسفي لإدارة مخاطر الإرهاب. ومما يُؤسف له أن العديد من الولايات القضائية لا تزال تستخدم موظفين ونُهج علاجية مستمدة من العمل مع السجناء غير الأيديولوجيين الذين يرتكبون جرائم لأسبابٍ مختلفة تمامًا. وهذا يعني أن النهجَ التواطئي التقليدي بين المعالج والسجين، الذي يسعى إلى الوصول إلى إعادة التأهيل كنهاية للنجاح ومقياسٍ له، مفتوحٌ للتلاعب.
كما أن الاختلافات الطبقية والثقافية المختلفة- والافتقار إلى الفهم الديني الصحيح- لدى العديد من المهنيين والإرهابيين الذين يحاولون تغييرهم تمثِّل إشكالية أيضًا. علاوة على ذلك، فإن النهج الذي يركّز على نحوٍ مفرط على التواطؤ وحقوق السجناء و”الإصلاح” قد يُسهّل للمجرمين المخضرمين “التلاعب” باللقاء وإقناع المُعالج بأنه قد تغيّر. وأخيرًا، من غير المرجّح أن ينجح النهج النفسي الاجتماعي العام -الذي يُستخدم في التعامل مع مشكلة الإرهاب، الذي غالبًا ما يبالغ في الاهتمام بالسمات الفردية وإعادة الفرد للمجتمع- في الكشف عن التفكير المنحرف، ناهيك عن علاجه.
بناءً على ما سبق، نحن بحاجة إلى جيل جديد من المتخصصين في مكافحة الإرهاب الذين يضعون حماية المواطنين كأولوية. في حين أنه من المهم رؤية إمكانية التغيير والإصلاح وتشجيعه -إرهابي واحد تم إصلاحه بشكلٍ حقيقي يساوي ألف ضابط شرطة- من المهم بالقدر ذاته أن تكون متشككًا ومتسائلًا حول السلوك المتغيّر علنًا.
ولا شك أن استخدام التكنولوجيا يمكن أن يساعدنا في هذه الحالة. هناك العديد من الأشخاص الشجعان الذين يعملون حاليًا في جميع أنحاء أوروبا مع المجرمين الإرهابيين، وهؤلاء الشجعان غير مُقدّرين. لكن أغلبيتهم يطبقون أساليبَ قديمة جدًا لدرجة أنها استخدامها يشكّل خطورة، ولا يمكنها التعامل مع الجيل الجديد من الإرهابيين الاستبداديين الذين لا يرون الخداع ضرورة فحسب، بل أمر إلهي.
وعليه، فلن نستطيع أبدًا القضاء على خطر قيام الإرهابيين المخادعين بعمليات قتلٍ مرة أخرى إلا إذا حققنا ما يريدونه، أي تحويل الدول الغربية إلى دولٍ بوليسية. ولكن بوسعنا، وينبغي لنا، أن نفعل ما هو أفضل من ذلك بكثير.
* يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.