أطلقتِ الحكومة الفرنسية منتدى الإسلام في فرنسا في 5 فبراير ليكون بمنزلة محاورٍ رسميٍّ بين الدولة الفرنسية ومواطنيها المسلمين. في هذ الصدد، أوضحت وزارة الداخلية الفرنسية أن الهدف من منتدى الإسلام في فرنسا (FORIF) أن يشكّل “مرحلة جديدة في الحوار بين السلطات العامة والمسلمين”، ليحل بديلًا للمجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية (CFCM) ويصحِّح بعض مثالبه، وتحديدًا من خلال توسيع نطاق الأطراف المعنية، بدلًا من وجود هيئة مركزية واحدة.
وسيكون ربع ممثلي المنتدى من النساء، وسيشارك رؤساء الجمعيات الإسلامية المحلية، وكذلك شخصيات مستقلة من المجتمع المحلي. ويأمل أن يؤدي هذا التنوع إلى تحسينِ الحوار بين الدولة والمواطنين، حول مواضيع رئيسة، مثل تدريب الأئمة الذين يرفضون التطرف، والتصدي لجرائم معاداة المسلمين، وتأمين دور العبادة، وشفافية تمويل المساجد والجماعات الدينية.
هذا القلق الأخير هو قلق يساور حكومات أوروبية أخرى، خاصة النمسا، والقلق غير المعلن هو تدفق الأموال من تركيا بشكل خاص والتي تدعم الزعماء الدينيين المرتبطين بالجماعات المتطرفة -مثل جماعة الإخوان المسلمين، والنسخة التركية مللي جوروش، وجماعة التبليغ- في ظلِّ النفوذ المبالغ فيه لهؤلاء المتطرفين بين مسلمي فرنسا.
يتمثل الهدف العام في تعزيز نسخة أكثر استنارة وتسامحًا من الإسلام بغية تعزيز قدرة المجتمع على التصدي للتطرف، وهو جزء من رد فعل باريس على المشكلات التي كشف عنها تنظيم داعش، الذي استغل ضعف السكان المسلمين في فرنسا لتجنيد عملاء ساعدوا في تنفيذ اعتداءاتٍ إرهابية مثل مذبحة باتاكلان في نوفمبر 2015.
وكان الدافع المباشر لهذه الحملة الأخيرة من قبل فرنسا لحل مشكلتها مع المتطرفين الإسلامويين هو مقتل صامويل باتي في أكتوبر 2020 بسبب مناقشته للجدل المثار بشأن مجلة شارلي إبدو مع الطلاب. ورغم أن باتي قد سعى قدر المستطاع لمراعاة مشاعر الطلاب، فقد أصبح ضحية لحملة تضليلٍ وتحريض واسعة النطاق على الإنترنت، أدّت إلى مقتله في الشارع من قبل شخصٍ لا علاقة له بالمدرسة على الإطلاق.
يستندُ تأسيسُ منتدى الإسلام في فرنسا إلى “ميثاق المبادئ” الفرنسي، الذي وضع إطارًا جديدًا لمجلسٍ وطني للأئمة. ومن المنتظر أن يستخدم الميثاق والمجلس الوطني للأئمة الذي انبثق عنه في تدريبِ وترخيص الأئمة الذين يلتزمون بقيمِ الجمهورية الفرنسية: الحرية والمساواة والإخاء، وقبل كل شيء النسخة الفرنسية من العلمانية (laïcité). ويعمل الميثاق على منع استغلال الدين لأغراضٍ سياسية، وتوضيح الأنظمة التي يتعين اتباعها لمنع التدخل الخارجي في المجتمع وقياداته الدينية.
تجدر الإشارة إلى أن هناك بعض الانتقادات للميثاق ولمنتدى الإسلام في فرنسا على أنهما يتبعان نهجًا أبويًا للغاية، وإلى أن معاملة فرنسا للدين ستكون غير دستورية في عددٍ من الدول، لا سيما الولايات المتحدة. ولكن في السياق الفرنسي، وبعيدًا عن كونها شديدة القسوة، تبنتِ الدولة حتى الآن نهج عدم التدخل تجاه الإسلام بالمقارنة مع الأديان الأخرى. وكما أوضح حواس سينجر، المحاضر في العلوم السياسية في معهد ليون للدراسات السياسية، مؤخرًا في موقع “عين أوروبية على التطرف“، فإن المجتمع الإسلامي في فرنسا كان، لعددٍ من الأسباب التاريخية، “لا يخضع للنظم الفرنسية بشكل كبير”.
وختامًا، يمكن القول إن فرنسا تسعى حاليًا، وإن كان متأخرًا، لموائمةِ نهجها تجاه الإسلام مع الديانات الكبرى الأخرى في الدولة. لا شك أن هناك الكثير من الجهود التي يتعين القيام بها، وكما قال حواس لـ “عين أوروبية على التطرف”، فإن منتدى الإسلام في فرنسا هو المحاولة “الألف” لصياغة اتفاق عملي بين الدولة الفرنسية، ومواطنيها المسلمين.
الانتقادات الموجهة إلى تمثيل المنتدى أمرٌ لا مفر منه نظرًا لحجم السكان المسلمين في فرنسا، وتنوعهم. ومع ذلك، فإنه جهد جدير بالتقدير، يسعى لتوفير بيئة يمكن فيها للمسلمين الفرنسيين ممارسة عقيدتهم في وئامٍ مع بلدهم، مع التحرر من التأثيرات الخارجية السلبية، وأقلية من المتطرفين العنيدين.