شهدت دول غرب البلقان منذ عام 2012 تدفقًا غير مسبوق في أعداد المواطنين المغادرين إلى مناطق النزاع في الشرق الأوسط. وقد سافر حوالي 1,100 مواطن من ألبانيا، والبوسنة والهرسك، ومقدونيا، والجبل الأسود، وكوسوفو، وصربيا، إلى سوريا والعراق، وبالتحديد إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المنظمات الإرهابية، مثل الدولة الإسلامية والجماعات المرتبطة بالقاعدة. وقد انضموا إلى هذه المجموعات من أجل القتال في صفوفها، وبالتالي، أصبحوا “مقاتلين إرهابيين أجانب” في نظر القانون.
واعتبارًا من أوائل عام 2018، اضطر الثلث منهم -حوالي 330 فردًا- إلى العودة إلى بلدانهم الأصلية، مما جعل غرب البلقان المنطقة ذات التركيز الأعلى في عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب مقارنة بالدول الأوروبية. من الواضح أن دول غرب البلقان تواجه اليوم قضية معقدة، تتطلب مشاركة وانخراطًا متواصليْن. وفي هذا الصدد، من شأن الإجراءات الرادعة المتوازنة، والاستجابات “الناعمة” المرتكزة على إعادة تأهيل وإدماج العائدين، أن تكونا بمثابة الحل الرئيس لهذه المعضلة. فهل لدى هذه الدول قدرات وموارد كافية للقيام بذلك بفعالية على المدى الطويل؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب دراسة جدية ومعمقة.
تتألف مجموعة العائدين في الغالب من رجال قاتلوا أو تلقوا تدريبات عسكرية في سوريا والعراق. وبالطبع، عدد قليل جدًا من النساء والأطفال عادوا إلى بلدانهم في غرب البلقان؛ فمعظمهم ما زالوا في الشرق الأوسط، يقيمون حاليًا في معسكرات مختلفة في شمالي سوريا.
وفي حين أن مستوى التهديد الأمني الذي يشكله العائدون يتفاوت بشكل كبير، وليس من السهل تقييمه بشكل حاسم، إلا أن عودتهم، دون أدنى شك، تمثّل مجموعة من التحديات أمام سلطات إنفاذ القانون والمجتمعات المستقبلة. إن طبيعة المشكلة في غرب البلقان لا تختلف في جوهرها عن أي مكان آخر في أوروبا. ولكن، من أجل إجراء قياس موضوعي للتحديات الأمنية والاجتماعية التي تواجه هذه البلدان، قد يكون من المفيد وضع أعداد العائدين في المنظور الصحيح، من خلال مقارنة دول غرب البلقان بغيرها من البلدان الأوروبية التي تواجه تدفقًا مماثلًا من العائدين.
وفقًا لمصادر رسمية، فإن 94% من العائدين البلقانيين الغربيين -311 فردًا- قد عادوا إلى ألبانيا (45)، والبوسنة والهرسك (53)، وكوسوفو (133)، ومقدونيا (80). وبناء على أحدث البيانات والإحصاءات الرسمية، فإن عدد سكان هذه البلدان الأربعة هو 10,3 مليون نسمة، وبالتالي، بلغ معدل العائدين 30 فردًا لكل مليون شخص. ووفقًا لتقرير صدر عام 2018 من قبل مركز لاهاي للدراسات الإستراتيجية، فإن الدول الأوروبية التي شهدت تدفقًا مماثلًا في العائدين هي بلجيكا (102) وهولندا (50) والدنمرك (67) والنمسا (90)، أي ما مجموعه 309 عائدين. ووفقًا لأحدث البيانات الإحصائية المتاحة، يبلغ عدد سكان هذه الدول الأوروبية الأربعة 43 مليون نسمة، وبالتالي، يبلغ متوسط معدل العائدين إلى هذه البلدان 7%. بكلمات أخرى، في حين أن العدد الإجمالي للعائدين متشابه عند كلا الطرفين، إلا أن معدل العائدين إلى دول غرب البلقان مقارنة بعدد السكان هو أعلى بأربعة أضعاف من الدول الأوروبية المذكورة.
من المحتم أن مسألة رصد ومعالجة قضية المقاتلين العائدين بفعالية تتوقف على القدرة على تكريس الخبرات، والموارد المالية، بما تناسب مع حجم وتعقيد هذه المشكلة.
ووفقًا لصندوق النقد الدولي، بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في بلجيكا وهولندا والنمسا والدنمرك عام 2017 حوالي 2,049 مليار دولار أمريكي. وبالمقارنة، ووفقًا للمصدر نفسه، بلغ الناتج المحلي الإجمالي في ألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا عام 2017 حوالي 49 مليار دولار. وبكلمات أخرى، يشكل هذا 2,4% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الأوروبية الأكثر ثراء. علاوة على ذلك، فإن كوسوفو، الدولة ذات الناتج الإجمالي المحلي الأقل من بين هذه الدول، وذات الموارد المحدودة، شهدت النسبة الأعلى في أعداد العائدين من سوريا والعراق.
من الواضح أن حجم التحدي الذي يمثله العائدون إلى دول غرب البلقان أكبر بكثير عند النظر إلى القدرات والموارد المتاحة محليًا. ومن المفيد أن يعترف المختصون الدوليون بهذا الاختلال في التوازن، وأن يعالجوه من خلال تعزيز الموارد والأدوات والخبرات تحت إشراف السلطات المحلية. وبالطبع، لا بد من تعزيز قدراتهم من أجل معالجة تحدي العائدين على المدى الطويل. إن التهديدات العابرة للحدود، مثل التطرف العنيف والإرهاب، غير مقيدة بالحدود السياسية والاقتصادية. ولذلك، فإن الاستثمار القوي في أمن واستقرار غرب البلقان سيكون استثمارًا مباشرًا في أمن واستقرار أوروبا.
النص الكامل متوفر باللغة الإنجليزية هنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] محلل أمريكي متخصص في الشؤون الأمنية الدولية