في النرويج، بعد حوالي ساعة ونصف الساعة من منتصف ليل 25 يونيو، خلال مهرجان للمثليين ومزدوجي الميل الجنسي، ومغايري الهوية الجنسانية، وحاملي صفات الجنسين، أطلق مسلح الرصاص على مدنيين خارج ثلاثة نوادٍ، بما في ذلك حانة لندن، وهي حانة شهيرة للمثليين في أوسلو، ونادي “هير نيلسن” لموسيقى الجاز، ما أسفر عن مقتل شخصين، وإصابة واحد وعشرين آخرين. وسرعان ما ألقت قوات الأمن النرويجية القبض على القاتل ووصفت الجريمة الفظيعة بأنها “عمل إرهابي إسلاموي”. وقالت إن المهاجم يُدعى زانيار ماتبور، مهاجر من إيران يبلغ من العمر 42 عامًا، ويبدو أنه موالٍ لتنظيم داعش، وأنه سيواجه اتهامات بالقتل والشروع في القتل والإرهاب.
بعد ساعات من العملية، عقد جهاز الشرطة النرويجي مؤتمرًا صحفيًا كشف فيه عن سجل ماتبور الطويل من الإجرام، وعن معرفة جهاز الأمن العام بأن ماتبور كان متطرفًا إسلامويًا منذ سبع سنوات على الأقل. ينحدر ماتبور من المنطقة الكردية في إيران، وجاء إلى النرويج كلاجئ في فترة التسعينيات عندما كان طفلًا، ويحمل الآن الجنسية النرويجية.
في عام 1999، حُكم على ماتبور، الذي كان لا يزال آنذاك في المدرسة الثانوية، بالسجن لمدة عشرة أشهر لطعنه شخصًا في ملهى ليلي، ولكن الإدانة ألغيت في عام 2000 لأن الأدلة لم تصمد أمام إعادة الفحص وبسبب “مشكلاته العقلية الواضحة” المزعومة. بناء على ذلك، خفِّضت عقوبته إلى ثلاثين يومًا بتهمة الاعتداء فقط. لكن أخطر عقوبة على ماتبور جاءت في عام 2016 بالسجن لمدة أربعة أشهر -على الرغم من أنه لم يمض أيًا منها تقريبًا- لحيازته المخدرات.
في يوليو 2019، ألقي القبض على ماتبور بتهمة الشروع في القتل، وحيازة سلاحٍ ناري بشكلٍ غير قانوني، وحمل سكين في مكان عام. وعلى الرغم من اعتراضات سلطات الادعاء، أفرج عن ماتبور بعد أيام عندما قضت المحكمة بأن ليس لديها أدلة كافية لاحتجازه. ثم ما لبث أن أدين ماتبور مرة أخرى في عام 2020 بحيازة سكين وحكم عليه بغرامة، رفض دفعها، ما أدّى إلى إعادته إلى المحكمة. ومن غير الواضح حتى وقت كتابة هذا التقرير كيف حلت هذه القضية، أو ما إذا كان قد حلت بالأساس. ويبدو أن ماتبور يتلقى إعانات الإعاقة منذ عام 2013. وفي حين أن لا أحدًا يعرف السبب في ذلك، تتكهن الشرطة أنه يعاني مشكلاتٍ نفسية.
في سياق متصل، كشفت الشرطة النرويجية أن ماتبور لفت لأول مرة انتباهها في عام 2015 بعد أن أشار نشاطه على الإنترنت إلى أنه يدعم داعش، ولكن لم تتخذ الشرطة خطوة إجراء مقابلة مع ماتبور إلا في مايو 2022 بغية تقييم ما إذا كان تطرفه الإسلاموي الواضح يجعله يشكل خطرًا على الجمهور. وقررت وقتئذٍ أنه لا يمثل خطرًا. في الواقع، يبدو أن ماتبور تجنّب جذب الانتباه بشكل عام، على الرغم من مؤشرات الإنذار المتكررة. على سبيل المثال، أعلن جيران ماتبور -كما هو معتاد في هذه المناسبات– أنهم فوجئوا، ناهيك عن صدمتهم، لأن الشيء الوحيد الذي كانوا يعرفونه حقًا عن ماتبور هو أنه شخص خجول لا يختلط بأحد.
نظرًا للأهداف وتوقيت الهجوم –كان من المفترض أن تكون هناك مسيرة فخر للمثليين في المنطقة في وقتٍ لاحق من يوم 25 يونيو- فإن توصيف ما حدث سواء عبر صفحات الإنترنت، والتعليقات الصحفية، أنه هجوم إرهابي مناهض للمثليين جنسيًا. وأقر رد الفعل الرسمي الصادر من الحكومة ذلك. فلقد قال رئيس الوزراء النرويجي، يوناس جار ستويرا، في حفل التأبين الذي عقد في 26 يونيو إن “إطلاق الرصاص في ساعات الليل أوقف مسيرة الفخر، لكنه لم يوقف النضال والجهود المبذولة لمكافحة التمييز والتحيز والكراهية”.
تتوخى أجهزة الشرطة والاستخبارات النرويجية المزيد من الحذر بشأن دوافع ماتبور. أحد أسباب ذلك هو أن ماتبور، المحتجز حاليًا لمدة أربعة أسابيع قبل المحاكمة، رفض حتى الآن التحدث عن دوافعه. وفي حين أن الممارسة المعتادة في النرويج تقضي بتسجيل المقابلات التي تعقدها الشرطة مع المتهمين، فإن ماتبور قد طالب -من خلال محاميه- ببث مقابلته للجمهور “دون أي تأخير زمني حتى لا يتم فرض رقابة عليها أو التلاعب بها”. ومن الواضح أن فكرة السماح لإرهابي مشتبه به ببث اعترافاته على التلفزيون الوطني لا تلاقي استحسانًا من أجهزة الأمن النرويجية. ويبدو أن أقصى ما يمكن أن تقبله سلطات الأمن النرويجية هو القول بأن هناك احتماًلا قويًا للغاية بأن يكون ما فعله ماتابور هو “جريمة كراهية”.
ثمة سبب آخر ربما يدفع أجهزة الأمن للحذر هو أننا قد شهدنا من قبل هجوم داعش على ملهى “بالس” الليلي في أورلاندو بولاية فلوريدا في يونيو 2016، حادث ذُكر في بعض تعليقات الصحفيين. ويبدو أنه لم يكن هناك شك يُذكر حول ما حدث في “بالس”: فقد قتل عمر متين، المولود في نيويورك، الذي اعترف بدوافعه الأيديولوجية الجهادية، 49 شخصًا، وأصاب 53 آخرين في ملهى ليلي للمثليين. وكما اتضح فيما بعد، فإن ما أراده متين هو معاقبة الولايات المتحدة على حملتها ضد “خلافة” داعش، وليس قتل المثليين جنسيًا: متين “لم يكن يعرف بالأساس أن بالس كان ناديًا للمثليين، بل إنه بحث ببساطة في محرك جوجل عن “ملاهي أورلاندو الليلية” بعد أن وجد أن هدفه الأصلي، مجمع تجاري وترفيهي كبير، يحظى بتأمين قوي للغاية ما يحول دون استهدافه.
علاوةً على ما سبق، يذكِّرنا هذا الهجوم بأن هناك مجالات أخرى تحتاج إلى توخي الحذر. على سبيل المثال، برزت في الآونة الأخيرة مخاوف قوية بشأن صعود اليمين المتطرف في الغرب، خاصة الدول الاسكندنافية. وهذه المخاوف مهمة بالنسبة النرويج، لأن أسوأ هجوم إرهابي في تاريخها -وواحد من أكثر الهجمات الإرهابية فتكًا على الإطلاق- الذي وقع هناك في عام 2011، قد نفّذه أندرس بريفيك، الذي ينتمي للنازيين الجديد. وفي الآونة الأخيرة، في أغسطس 2019، قتل متطرف من اليمين المتطرف، فيليب مانسهاوس، أخته غير الشقيقة، ثم أصاب اثنين من المصلين في هجوم على مركز النور الإسلامي في أوسلو.
الاستثناءات تفسد القانون، كما يقول القول المأثور، وتفسد التحليل الأمني أيضًا. وفي ظل الجو السياسي المشحون في الوقت الحاضر، ومع الزيادة النسبية في الظهور والدعم لليمين المتطرف، قد يشعر المرء أن الحركة اليمينية المتطرفة تكتسب زخمًا وتحرز تقدمًا. ولكن فيما يتعلق بالتطرف العنيف، لا يوجد أساس تجريبي يُذكر لهذا التصوّر: وفي حين أنه حدث انخفاض نسبي في الإرهاب الإسلاموي منذ تدمير “خلافة” داعش في أوائل عام 2019، فإن الإسلاموية لا تزال هي الخطر الإرهابي الرئيس في معظم الدول الأوروبية، وحجم أنشطة التجنيد الدعائية، سواء عبر الإنترنت، أو في البيئات الاجتماعية مثل السجون، يمثل تحديًا خطيرًا للدول في القارة.