

ليديا باب باحثة في معهد الحرية الدينية.
بول مارشال باحث أول في معهد الحرية الدينية ومعهد هدسون، وأستاذ للحرية الدينية في جامعة بايلور.
يبدو غنيٌ عن القول إن الهند تمثّل أكبر ديمقراطية في العالم ودستورها يكرِّس العلمانية، لكن القادة في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، يعتنقون أيديولوجية تُسمى “هندوتفا”، تُعرف على نحوٍ فضفاض باسم “الهندوسية”، وغالبًا ما تُسمى “القومية الهندوسية”. ويرتبط الحزب بمجموعاتٍ مثل “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” شبه العسكرية التي يُشار إليها اختصارًا بـ “آر إس إس”، وباجرانغ دال، وفيشوا هندو باريشاد، التي عادة ما يُشار إليها مجتمعة باسم “سانغ باريفار”.
وفي حين أن “آر إس إس” قد تكون من بين المجموعات الأولى التي تقدم المساعدة بعد الكوارث الطبيعية، فإن أعضاءها أيضًا يظهرون التعصب الشديد، بما في ذلك العنف ضد الأقليات الدينية، وتشويه سمعة الكتاب والفنانين. العديد من كبار المسؤولين في الحكومة الهندية، بما في ذلك رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، كانوا، أو ما يزالون، أعضاء في “آر إس إس”.
تشن جماعات الهندوتفا هجماتٍ على المسلمين والمسيحيين والسيخ. ولعل أكثر هذه الهجمات فظاعة مقتل نحو ألفي مسلم في ولاية جوجارات عام 2002 بعد اتهام حشودٍ مسلمة بإشعال النار في قطار ينقل قوميين هندوس، ما أسفر عن مقتل 58 شخصًا. كما أن الهجمات ضد المسيحيين واسعة النطاق ومتصاعدة.
يمكن تمييز أيديولوجية هندوتفا عن الهندوسية نفسها، من حيث إنها لا تطالب بدولةٍ ثيوقراطية، ولا الهندوسية باعتبارها “دين” الدولة، بل هي مشروع ثقافي وطني، وليس “دينيًا” بالمعنى العقائدي الدقيق المستخدم في الغرب، وتُعرِّف نفسها بأنها روح الهند. ويؤكد متطرفو سانغ باريفار أن بإمكان الأقليات الدينية، بما في ذلك المسلمون والعلمانيون، دعم عقيدة هندوتفا، وبالتالي إذا لم يفعلوا ذلك، فإنهم يخونون الأمة.
أدّى تعميم سياسة الهندوتفا، خاصة منذ عودة حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة في عام 2014 في عهد رئيس الوزراء مودي، إلى انتشار رواية على نطاقٍ واسع مفادها أن الهندوس في الهند مُعرّضون للخطر من قبل المسلمين نتيجة للتغيرات السكانية، والزواج بين الأديان، والهجرة الإسلامية غير الشرعية. وقد أدّى ذلك إلى سن قوانين تمييزية بشأن الجنسية والزواج.
لا ينتهي التأثير المحتمل للهندوتفا بالضرورة عند حدود الهند. إذ يعتقد بعض القوميين الهندوس أن الخريطة الدقيقة للهند يجب أن تشمل نيبال وبوتان وأفغانستان وباكستان وبنجلاديش، وقاموا بحملات لإعادة صياغة المناهج الدراسية الهندية لتعكس ذلك. وإذا نما هذا الشعور وتُرجم إلى سياسة خارجية توسعيّة في المستقبل، فمن المرجح أن تصطدم الهند مرة أخرى مع باكستان وغيرها من الجيران، بما في ذلك الصين.
انتشار هندوتفا
في السنوات الأخيرة، تحدث محاولات لحشد المهاجرين الهنود، الذين ربما يشكِّلون أضخم شتات في العالم، لدعم أهداف هندوتفا. نظرًا للتاريخ الإمبريالي البريطاني، فإن العديد من هذه الجهود تبذل في العالم الناطق باللغة الإنجليزية.
ورغم أن الهنود في الخارج لا يمكنهم التصويت لكن يمكنهم الاحتفاظ بعلاقاتٍ قوية مع الهند، وغالبًا ما يتمتعون بنفوذٍ كبير. وكما هو الحال مع المغتربين الآخرين، فإن معظم هذه الروابط ببساطة روابط يحتفظون بها مع البلد الأم والأسرة. لكن بات تصاعد الدعم العالمي لحزب بهاراتيا جاناتا، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في الأغلب، يتزامن مع صعود الجماعات المتطرفة.
في عام 2019، أورد مركز مكافحة المعلومات المضللة التابع للاتحاد الأوروبي ” EU DisinfoLab”، مركز يتعقب حملات المعلومات المضللة، عن وجود شبكة كبيرة من المواقع الإخبارية المحلية المزيفة التي أُنشئت لنشر المعلومات المضللة المؤيدة لمودي والهندوتفا، والمناهضة لباكستان. وقد سُجلت 265 من هذه المواقع في قرابة 65 دولة لكيان واحد فقط، مجموعة سريفاستافا، ومقرها دلهي.
التمويل الخارجي لحزب بهاراتيا جاناتا غير شفّاف، ولكنه يبدو كبيرًا. وتمتلك منظمة “أصدقاء حزب بهاراتيا جاناتا في الخارج” (OFBJP) ستة وأربعين فرعًا في جميع أنحاء العالم، ونفوذًا سياسيًا ضخمًا، وأموالًا هائلة. (الهنود هم أغنى مجموعة عرقية في الولايات المتحدة، وتُصنّف شركة “ميريل لينش” أكثر من 200,000 أمريكي هندي على أنهم من أصحاب الملايين).
في عام 2020، طلبت السلطات الأمريكية من أصدقاء حزب بهاراتيا جاناتا في الخارج التسجيل في الولايات المتحدة كوكيل أجنبي. ويبدو أن جمعية “سيوا إنترناشيونال” الخيرية الهندية هي إحدى الشركات التابعة لمنظمة آر إس إس: وقد أجرَت اللجنة المختصة بالأعمال الخيرية في المملكة المتحدة تحقيقًا في جمعها مبلغ 2 مليون جنيه إسترليني “لإغاثة المتضررين من الزلزال”. وحددت القوانين التي أدخلها وزير المالية وشؤون الشركات في الهند آنذاك، أرون جايتلي، في عام 2017، التبرعات من “كيانات أجنبية” على أنها “مصادر غير معروفة”.
تجدر الإشارة إلى أن 50% من تمويلات حملة حزب بهاراتيا جاناتا لعام 2019 جاءت من “مصادر غير معروفة”. في عام 2018، أفاد البنك الدولي بأن الهند تلقت 80 مليار دولار من الهنود المهاجرين، لكن هذه في الغالب مساهمات غير سياسية1.
الولايات المتحدة
بصرف النظر عن التمويل، نشطت الجماعات ذات الصلة بالهندوس في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 في الولايات المتحدة، ولا سيّما التحالف الهندوسي الجمهوري. بطبيعة الحال، تتمتع الجماعات الهندوسية بحرية، مثل الجماعات المسيحية أو اليهودية أو المسلمة أو أي جماعات أخرى تسعى إلى تعزيز وجهات نظرها ومصالحها سياسيًا، والكثير من هذا يتعلق ببساطة بجماعات المصالح. ولكن هناك مؤشرات على وجود مجموعات أكثر خبثًا.
في أغسطس 2022، تعرَّضت جمعية الأعمال الهندية لانتقاداتٍ لإحضارها جرافات، عليها صور لمودي، ويوجي أديتياناث، راهب هندوسي ومسؤول في حزب بهاراتيا جاناتا، يشغل منصب رئيس وزراء ولاية أوتار براديش الهندية، إلى عرضين في الاحتفال بـ “يوم الهند” في نيو جيرسي. أصبحت الجرافات رمزًا للنشاط المعادي للمسلمين في الهند، حيث استخدمت لهدم منازل النشطاء المسلمين التي تعتبر منازل غير قانونية. احتفل نشطاء هندوتفا بأديتياناث باعتباره “مؤسس حملة البلدوزر” لعمليات الهدم هذه.
وقد اتهمت بعض الجماعات بمحاولة تقويض الحرية الأكاديمية في حرم الجامعات، من خلال استهداف الباحثين الذين تختلف كتاباتهم عن الهند عن تلك التي يُروّج لها كُتّاب الهندوتفا. في سبتمبر 2021، تلقى منظمو مؤتمر أكاديمي أمريكي حول هندوتفا تهديداتٍ بالاغتصاب والقتل.
بعد مارس 2021، عندما بدأت أودري تروشكي، أستاذة تاريخ جنوب آسيا في جامعة روتجرز في نيوجيرسي، في البحث عن القومية الهندية، تعرّضت للعديد من الهجمات اللفظية. وفي حين أنها كانت قد تلقت رسائل كراهية من قبل، فإن شدة هذا الاعتداء الجديد غير مسبوقة. وقد تعرّضت هي وأسرتها لتهديدات. وبعد تهديدات عدة ذات مصداقية، اضطرت الأماكن التي تستضيفها إلى استئجار حرّاس مسلحين.
المملكة المتحدة
في المملكة المتحدة، في الفترة التي سبقت انتخابات عمدة لندن لعام 2016، أرسل المرشح المحافظ زاك جولد سميث ما بدا أنه أدبيات الحملة المعادية للمسلمين، إلى الهندوس لتقويض خصمه في حزب العمال المسلم صادق خان. وفي الانتخابات العامة لعام 2019، تلقى الهندوس البريطانيون العديد من الرسائل على تطبيق واتس آب، التي تضمنت مقاطع فيديو لنشطاء هندوس مناهضين للمسلمين. ووردت تقارير تفيد بأن الجماعات القومية الهندوسية قامت بحملة نشطة لمصلحة مرشحي المحافظين، ربما لأن زعيم حزب العمال آنذاك، جيريمي كوربين، انتقد حملة القمع التي نفّذتها حكومة مودي في عام 2019 في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية. ويُقال إن العديد من هذه الجماعات مرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا، وبالتالي فإن أفعالها قد ترقى إلى محاولات التأثير على الانتخابات في الخارج.
في عام 2022، وقعت أعمال عنف طائفي مُتقطّعة. وفي شهر مايو، نُقل مراهق مسلم في مدينة ليستر إلى المستشفى بعد هجوم شنه حشد هندوسي. لكن الأمور وصلت إلى ذروتها في شهر أغسطس. ذلك أنه بعد فوز الهند على باكستان في مباراة كريكيت، سارت مجموعة هندوسية في الشوارع في المناطق المسلمة وهم يهتفون “الموت لباكستان” قبل مهاجمة رجل من السيخ. وقعت أحداث مماثلة بعد مباراة كريكيت لاحقة بين البلدين خسرتها الهند. وردًا على ذلك، نظمت مجموعات من الرجال المسلمين احتجاجات أيضًا، في إحدى الحالات، أنزلوا علمًا من خارج مركز ديني هندوسي.
في 17 سبتمبر 2022، هاجم بعض الشباب الهندوس مسلمين أثناء سيرهم في شوارع ليستر، وهم يصرخون ” Jai Sri Ram”، التي أصبحت هتاف حرب لبعض القوميين الهندوس. في المملكة المتحدة، العنف بعد مباريات كرة القدم ليس جديدًا ولا نادرًا. ولكن العنف بعد مباريات الكريكيت، الذي يختلف عن الاحتفالات، أمر جديد، خاصة أعمال الشغب التي تشارك فيها عناصر قومية وعرقية ودينية. وهذا تطوّر خطير.
دول الكومنولث
في كندا، في ديسمبر 2021، رُسِمت شعارات مناهضة للسيخ، وصليب معقوف هندوسي على مدرسة للسيخ. وكما هو الحال في الولايات المتحدة، تعرّض الأكاديميون الكنديون للمضايقة وواجهوا تهديداتٍ بالقتل والاغتصاب من أنصار هندوتفا في الشتات لانتقادهم حكومة مودي. في يونيو 2022، دعا رون بانيرجي، قومي هندوسي كندي، علنًا إلى الإبادة الجماعية للمسلمين والسيخ في مقابلة على موقع يوتيوب: “إن ما يفعله مودي أمر رائع…أنا أؤيّد قتل المسلمين والسيخ في جمهورية الهند لأنهم يستحقون الموت”.
وفي أستراليا، ألقت السلطات القبض على فيشال سود بسبب سلسلة من الهجمات على السيخ، وعندما أدين بارتكاب اعتداءات، رحَّلته السلطات نظرًا لانتهاء صلاحية تأشيرته. وعندما عاد إلى الهند، اُستقبل استقبال الأبطال.
في أستراليا، كما هو الحال في بلدان أخرى، حدثت محاولات لإسكات الأكاديميين الذين ينتقدون هندوتفا. وشملت هذه الخطوات التي اتخذتها السلطات الهندية في أستراليا لإسكات منتقدي سياسات مودي والقوميين الهندوس. استقال ثلاثة عشر باحثًا أكاديميًا من المعهد الأسترالي الهندي في جامعة ملبورن، قائلين إنه كان هناك تدخل من المفوضية العليا الهندية في عمل المعهد، بما في ذلك محاولات فرض رقابة على الأبحاث التي قد تُقدم صورة “سلبية” للهند.
في نيوزيلندا، عندما أعرب موهان دوتا، الأستاذ في جامعة ماسي، وهو نفسه هندوسي، عن مخاوفه من صعود القومية الهندوسية في الدولة، سخر المجلس الهندوسي النيوزيلندي من مخاوفه. وتعرّض لسيل من الإساءات من متطرفي هندوتفا، وقيل له، من بين أشياء أخرى، “لو كنت في الهند، لحرقت”. اتصل دوتا بالشرطة بشأن هذا الأمر، ولكن قيل له إنه لا يمكن تقديم المزيد له لأن أسوأ إساءة قد نشأت بالفعل في الهند نفسها.
الخلاصة
حتى الآن، ما زال تأثير هندوتفا في الخارج محدود. وعادة ما يتجلى ذلك في السعي إلى الحصول على نفوذٍ سياسي في دول الشتات، وتقديم الدعم المالي وغير المالي، لأنشطة الهندوتفا في الهند نفسها.
ومع ذلك، هناك تهديدات متصاعدة للأكاديميين وغيرهم ممن ينتقدون أجندة سانغ باريفار. وأخيرًا، وقعت حوادث عنف في العامين الماضيين. ومن المرجح أن يزداد الوضع سوءًا.
(*) يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
_________________________________________
المراجع:
Christopher Hancock and Rahil Patel,”‘Fighting for India’s soul’: hope, hate and the Citizenship (Amendment) Act 2019 (CAA)” Oxford House Paper, June 2020; Jasa Macher, “Hindu Nationalist Influence in the United States, 2014-2021: The Infrastructure of Hindutva Mobilizing,” May 2022, released via sacw.net. This latter report is essentially anonymous but its sources are public and accessible.