بدأ عرض مسلسل “الخلافة” على شبكةِ “نيتفليكس” في 20 مارس، بعد العرض الأول له في السويد في يناير، عبر منصات خدمتي الفيديو حسب الطلب SVT1 Play وSVT Play. وأنصح قراءَ موقع “عين أوروبية على التطرف” بمشاهدته لسببٍ رئيس هو أنه أول برنامج تليفزيوني يتناول التطرف، وليس الإرهاب فقط. ويعد هذا ابتكارًا كبيرًا في المسلسلات التليفزيونية، خلال السنوات العشر الماضية.
الكاتبان هما فيلهلم بيرمان، ونيكولاس روكستروم. يتمتع بيرمان بخلفية مميزة؛ فهو مراسل سياسي لصحيفة “سفينسكا داجبلاديت”، وبرنامج “إيكوت” الإخباري، وشارك أيضًا في العديد من السيناريوهات الأخرى. أما روكستروم فيكتب للتليفزيون منذ أكثر من 20 عامًا.
تتمحور الحبكة الدرامية للمسلسل، الذي تم تصويره في ستوكهولم والأردن، ويتألف من ثماني حلقات، حول ثلاثة خطوطٍ أو شخصياتٍ رئيسة. الأول يتمحور حول شخصية “بيرفين”، سيدة سويدية مسلمة في سوريا تحاول العودة إلى الوطن بكل السبل. ويركز الثاني على “فاطمة”، ضابطة استخبارات في وكالة الاستخبارات السويدية (سابو) في ستوكهولم تحاول مساعدة بيرفين. والثالث يدور حول “المسافر”؛ شاب مسؤول عن تجنيد الجهاديين يساعد على تطرف شقيقتين -سوليكا وليشا- وصديقتهما كريمة، فيما يخطط لتنفيذِ هجماتٍ إرهابية كبرى في السويد بمساعدة شخصيات ثانوية، مثل أخوين سويديين شابين انضمّا للمتطرفين في السجن، بينما تحاول فاطمة إيقاف ذلك. القصص الثلاث متشابكة بشكلٍ عميق.
فيما يتعلق بالخلفية البحثية التي أثرت العمل الدرامي، أوضح كاتبا السيناريو أنهما جمعا معلوماتٍ من خلال قراءة العديد من المقالات والكتب ومشاهدة الأفلام الوثائقية عن تنظيم داعش، وكيفية تجنيد الأشخاص في أوروبا الغربية. وبعد بلورة قصتهما، استعانا بخبيرين في مجال مكافحة الإرهاب لمراجعتها. وبالتالي، فنحن أمام عمل درامي غني بالتفاصيل يلقي الضوء على القضايا الحيوية التي تتعلق بالتطرف.
وقد جاءت ردود فعل الجمهور عن المسلسل إيجابية للغاية. وتشير التقارير إلى أن المشاهدين شعروا بقدرٍ كبير من التشويق والعمق، وبهذا أصبح مسلسل “الخلافة” يحظى بمشاهدة نهمة لكثيرٍ منا خلال وقت الإغلاق العام. الأمر المثير للاهتمام حقًّا في هذا المسلسل، إلى جانب الحبكة الدرامية، هو رؤية أنماط التطرف وآلياته التي كنا ندرسها منذ سنوات. ومن دون “حرق” الكثير من تفاصيل قصة المسلسل، فيما يلي عدد قليل من الأنماط التي يتناولها:
ديناميات الثقة والتطرف من الداخل
يعمل إيبي، المُكنَّى بالمسافر، مستشارًا مدرسيًّا. وبهذه الصفة، يستطيع بناء علاقات مع المراهقين على أساس الثقة. ومن ثم، يقصده الشباب ويحكون له مخاوفهم وشكوكهم وقضاياهم الأسرية. ومن حسن الحظ أنه ليس من المرجح أن يتسلل مسؤول عن تجنيد الجهاديين إلى المدارس الثانوية الأوروبية، ويعمل إلى جانب مسؤولي الخدمات الاجتماعية، فإن آليات التطرف من الداخل وأهمية بناء الثقة في القائد الكاريزمي هي ركائز لمئات مسارات التطرف المعروفة.
الإيهام بالحب والاهتمام
كثيرًا ما يستخدم هذا الأسلوب في عمليات الاستمالة والتجنيد عبر الإنترنت. عندما تصبح العلاقة بين المُجنِد والمُجنَد المحتمل علاقة شخصية، يحاول المُجنِد إيجاد طرقٍ موثوقة وآمنة للحفاظ على التواصل وإنشاء روابط عاطفية. وبالتالي، يسعى لكي يُشعرَ المُجنَّدَ بالأهمية. وتسمى هذه الآلية الإيهام بالحب والاهتمام. في هذا المسلسل، يأخذ إيبي خطوة أبعد من ذلك من خلال محاولة “إيقاع” جميع الفتيات الصغيرات اللاتي يحاول تجنيدهن في حبه. وفي حالة فتاة تعمل في متجر البضائع المعفاة من الرسوم الجمركية في المطار، فإنه يذهب إلى حد مقابلة والدها من أجل الزواج بها.
استغلال نقاط الضعف الاجتماعي والنفسي والتطرف في السجون
الشخص الأكبر بين الأخوين السويديين الذي نجح المسافر في تجنيدهما تطرف في السجن، حيث تم احتجازه كمجرم عادي. يظهر الأخ الأصغر سنًّا مؤشراتٍ واضحة على الهشاشة العقلية، ومن دون القدرة العقلية السليمة، يخطط للانتحار. مرة أخرى، هذه الديناميات ليست مألوفة تمامًا لعامة الناس، وهنا يقدم مسلسل الخلافة شيئًا جديدًا إلى الشاشة.
علاقات أسرية غير متجانسة
يُصوِّر المسلسل أسرَ الفتيات اللاتي تطرفن على أنها متنوعة للغاية، وهذا أمر واقعي. ويبدو أن جميع تلك الأسر لعبت دورًا رئيسًا في الظروف التي تمر بها بناتهم. على سبيل المثال، والد كريمة -من دولة سوفييتية سابقة- شخص سيئ وربما مدمن على الكحول. وفي الوقت نفسه، يُصوِّر أسرة سوليكا وليشا -اللتين انتقلتا إلى السويد من الأردن- على أنها مسلمة علمانية. في مرحلة ما من المسلسل، يمزِّق والدهما بعنف حجاب سوليكا. ومن الواضح أنه بذلك يفاقم الصراع مع ابنته، التي تبحث عن إجابات تتعلق بالإسلام والمسلمين في السويد.
فيما يتعلق بالأسر التي تم تصويرها في المسلسل، هناك بعض العناصر التي تثير بعض الانتقادات.
أولًا، المسلمون المعاصرون المسالمون غائبون تمامًا عن المسلسل. ذلك أنه يقدِّم فقط منظورين ضيقين للهوية الإسلامية: إما متطرفين وإما علمانيين متشددين.
ثانيًا، إذا كانت حقيقة أن معظم عائلات الأفراد المتطرفين لا تملك الأدوات اللازمة لمحاربة هذه العملية صحيحة تمامًا، فإن الحجج المضادة التي يستخدمها والدا سوليكا لإقناعها بأن أفكارها خاطئة وخطيرة هي بصراحة ضعيفة وغير متسقة وتفتقر إلى الإقناع. ذلك أن والديها لا يقدِّمان أي حجج قوية لإبعاد ابنتهما عن التطرف. وبدلًا من ذلك، فإنهما يسوقان حججًا ضعيفة من قبيل “ليس هذا هو صحيح الإسلام”، يليه صمت طويل وسلبي.
يومًا بعد آخر، وتعود سوليكا إلى ديارها لتواجه الكلاشيهات المتطرفة التي تتبناها: هناك مؤامرة ضد الإسلام، والسويد تكره المسلمين، ويمنع أن يكون المرء مسلمًا في هذا البلد، وفي “الدولة الإسلامية” يمكن أن ينعم الناس أخيرًا بالحرية.
دعاية تنظيم داعش وعميلاته
من أجل إقناع الفتيات الثلاث بالانتقال إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش، تعرض إحدى الفتيات التابعات للمسافر، أمام الفتيات الثلاث، صورًا لأماكن جميلة يُفترض أن تكون في مدينة الرقة، وتقول لهن إنه في المدينة لن يلاحظن أن الحرب جارية. بل تذهب لحد القول إن مذاق الطعام أفضل هناك. وهكذا، يبدو أن التركيز على المناظر المثالية والحياة الطوباوية هو سمة متكررة في الروايات التي تُستخدم في تجنيد الجهاديين، وهذه السمة تتناوب بمهارة مع المكوِّن البطولي المتعلق بالقتال في سبيل الله الذي يتناغم مع الحياة اليومية الطوباوية في ظل حكم داعش.
ملامح الاستراتيجية السويدية لمنع التطرف العنيف
طوال الحلقات الثماني للمسلسل، لدينا الفرصة لاكتشاف بعض ملامح الاستراتيجية السويدية لمنع التطرف العنيف، لا سيما الدور الرئيس الذي يؤديه التواصل والحوار بين مختلف الجهات الفاعلة على أرض الواقع.
من الأمثلةِ المثيرة للاهتمام في هذا الصدد الاجتماعاتُ الدورية التي تُنظَّم بين الشرطة والعاملين في مجال الخدمات الاجتماعية والمعلمين، لمناقشة التطرف، وتعلم كيفية اكتشاف مؤشرات الخطر الأولية التي تستدعي التدخل.
وفي هذا الإطار، تبنتِ السويد على نطاقٍ واسع ما يسمى بـ “بوصلة الحوار“، وهو دليل أساسي للمعلمين والأخصائيين الاجتماعيين، والعمال الشباب، يوضح ويحدد مؤشرات التطرف المحتملة وكيفية التصرف عندما يتم ملاحظة هذه المؤشرات.
علاوة على آليات التطرف التي تتجلى بشكلٍ واضح في المسلسل، تجدر الإشارة إلى خيار رائع، وهو أن كاتبي السيناريو لم يفضلا الاختصار وتجنبا الوقوع في الكلاشيهات. هذا الملمح يتضح في شخصية بيرفين، المرأة التي انتقلت إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش مع زوجها، ولكنها أرادت فيما بعد مغادرة الرقة والعودة إلى السويد. وبدلًا من أن يعرض المسلسل علاقة مسيئة -حيث لا يسمح لها زوجها الجهادي الشجاع والمفعم بالذكورة حسام أبدًا بأن يكون لها رأي أو قرار- يختار المسلسل تقديم علاقة زواج أكثر غموضًا. بيرفين تهدد زوجها عندما فقد أعصابه معها. ويُصور حسام على أنه رجل هشّ للغاية يعاني مخاوف كثيرة ويعتمد بشكل كبير على دعم زوجته. هذا لا يعني أن علاقتهما صحيّة أو متوازنة، ولكن المسلسل يوضح أن تنظيم داعش متنوع للغاية.
تدفق آلاف الأشخاص من أصقاع العالم كافة إلى أراضي داعش بخلفياتهم الخاصة، وكان لدى بعضهم علاقات سابقة. وكان من الممكن اللجوء إلى الاختصار لتلبية توقعات المشاهدين من خلال عرض العنف المنزلي الشديد والشخصيات النمطية للإناث والذكور. لكن لحسن الحظ، هذا ليس هو الحال هنا، وهذا بدوره يعزِّز من جودة المسلسل.
لا يهدف هذا العرض -الذي يركز على الطريقة التي يُصور بها مسلسل الخلافة عملية التطرف- إلى الحكم على الجوانب الفنية في المسلسل. إنه مسلسل تلفزيوني مشوق وممتع يساعد، رغم بعض نقاط الضعف التي تعتريه مثل تلك المتعلقة بتمثيل الأسر، على تعريف عامة الناس ببعض من أهم أنماط التطرف التي استخدامها هذه الأيام.