واثق واثق
إن تحويل كل انتباهنا إلى التهديد المتنامي للإرهاب اليميني المتطرف، بدلًا من مجابهة التهديد الحالي للإرهاب المستوحى من الإسلامويين، يُظهر أن أولويات عمدة لندن صديق خان في غير محلها.
تجدر الإشارة إلى أن خان قد كتب مقالة في صحيفة “الإندبندنت” البريطانية عن الإرهاب الذي يمارسه اليمين المتطرف قائلًا: “يجب ألا نغض الطرف عن هذا التهديد المتنامي”. ورغم أنه مُحقٌ في إثارة هذا الأمر كنقطة مثيرة للقلق، فإنه مخطئ إذا كان يعتقد أن هذا التهديد هو ما سيحدد هذا القرن. لن يحدث ذلك.
على مدى العقدين الماضيين، عصف الإرهاب الإسلاموي بالدول الغربية. على سبيل المثال هنا في المملكة المتحدة، حيث قتل الإرهاب المستوحى من الإسلامويين مدنيين أبرياء أكثر من أي شكل آخر من أشكال الإرهاب.
في هذا الصدد، تشير الإحصاءات الحكومية الرسمية إلى حدوث انخفاض في عدد الأشخاص الذين قتلوا جراء الهجمات الإرهابية منذ فترة التسعينيات. ومع ذلك، بدءًا من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فصاعدًا، حدثت زيادة مطردة في الوفيات الناجمة عن الإرهاب، ويُعزى هذا، إلى حدٍّ كبير، إلى المتطرفين الإسلامويين.
في عام 2005، نفّذ أربعة إسلامويين محليين ما بات يُعرف باسم “تفجيرات 7/7” التي أسفرت عن مقتل 52 شخصًا. وفي عام 2017، وقعت ثلاث هجمات منفصلة أسفرت عن وفياتٍ عدة: هجوم جسر وساحة وستمنستر (6 وفيات)، وثانٍ في مجمع قاعات مانشستر (23 حالة وفاة)، وثالث على جسر لندن (11 حالة وفاة). وكانت الوفيات الناجمة عن هذه الهجمات أعلى من المتوسط للفترة بين عامي 2001 و2019.
إضافة إلى ذلك، التهديد الناجم عن الإرهاب الذي تمارسه الجماعات الإسلاموية وصل إلى قلب ديمقراطيتنا. ففي عام 2021، قُتل السير ديفيد أميس عضو البرلمان البريطاني، بشكلٍ مأساوي على يد علي حربي علي، إرهابي إسلاموي من أصل صومالي. طعن علي عضو البرلمان المخضرم أكثر من عشرين طعنة انتقامًا منه لتصويته لصالح الضربات الجوية التي شنتها الحكومة البريطانية ضد تنظيم داعش في سوريا. وفي شهادته أمام المحكمة، قال علي: “لو اعتقدت أنني ارتكبت أي خطأ، لما فعلت ذلك”. كان من الواضح أن علي كان يرى أن قتل عضو في البرلمان هو الطريقة الوحيدة للجهاد، بعد منعه من السفر إلى سوريا للانضمام إلى “طائفة الموت القاتلة”.
الجدير بالذكر أن علي، البالغ من العمر 26 عامًا، هو مواطن بريطاني المولد. وقد التحق بالمدرسة في لندن، ثم ترك الدراسة، وتخلى عن طموحاته للعمل في الطب. ثم أُحيل إلى برنامج الحكومة لمكافحة الإرهاب في عام 2014 عندما ظهرت عليه علامات التطرف. غير أن مسؤولي البرنامج أغلقوا ملفه بعدما خلصوا إلى أنه لا يُشكِّل خطرًا، وقد ثبت أن هذا القرار كان خطأ جسيمًا.
ومع ذلك، فإن التهديد الذي يُمثّله الإسلامويون المحليون ليس مصدر قلقنا الوحيد. فهناك تهديدٌ أيضًا يأتي من أولئك الذين يسعون إلى استغلال نظام اللجوء. لقد تُوفي عماد السويلمين (32 عامًا) المولود في العراق، عندما انفجرت قنبلته محلية الصنع في سيارة أجرة في يوم ذكرى شهداء الحرب في العام الماضي. ووقع الانفجار خارج مستشفى الأمراض النسائية في ليفربول. وتمكّن السائق ديفيد بيري من الفرار قبل أن تلتهم النيران السيارة.
في معرض تعليقها على هذا الحادث، قالت وزيرة الداخلية بريتي باتيل أن السويلمين تمكّن من استغلال نظام اللجوء “المختل وظيفيًا” للبقاء في الدولة”. وأضافت “لقد كانت حادثة ليفربول انعكاسًا كاملًا لمدى اختلال النظام وتصدعه في الماضي، والأسباب التي تدفعني لإحداث تغييرات”.
كان السويلمين يعتنق المسيحية في السابق، وعاش مع زوجين مسيحيين منذ عام 2017. كان قادرًا على استغلال النوايا الحسنة للمواطنين البريطانيين الملتزمين بالقانون مع الاستفادة أيضًا من فشل الكنيسة في تجنيد المزيد من الأعضاء في تجمعاتها. ويمكن القول أيضًا إن كنيسة إنجلترا أصبحت موضع تساؤل بشأن دورها في تحوّل طالبي اللجوء عن دينهم.
ما سبق يظهر أن المتطرفين الإسلامويين يستغلون أي وسيلة لارتكاب أعمال عنف ضد الدولة البريطانية ومواطنيها. ولعل الأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أنه حتى عندما ينجح القانون في وضع الإسلامويين في السجن، فإنهم يكونون قادرين على تحقيق أهدافهم الجهادية خلف القضبان.
في هذا الصدد، أشار تقرير حكومي صدر مؤخرًا عن جوناثان هول، المراجع المستقل لتشريعات مكافحة الإرهاب، إلى أنه خلال العقد ونصف الماضيين، تبنّت مجموعات من السجناء موقفًا إسلامويًا “معاديًا للدولة” يتغاضى عن العنف أو يُشجّع عليه تجاه السجناء غير المسلمين، وضباط السجون، والجمهور.
ويشير التقرير إلى أن هناك مجموعات من السجناء الإسلامويين تستغل نظام السجون، حيث يرهبون الموظفين، ويقوضون سلطة السجن، ويقاطعون صلاة الجمعة التي ينظمها أئمة السجن. وينشئون “محاكم شرعية” ويجلدون المسلمين الذين يتبين أنهم “انتهكوا” قواعدها. وعلاوة على ذلك، فإنهم يستخدمون أيضًا الاتهامات بالتمييز و”الإسلاموفوبيا” لتحقيق مبتغاهم.
وختامًا، فمن الواضح أن المتطرفين الإسلامويين يتعلمون ويتبنون أساليب جديدة لتحقيق أهدافهم الجهادية. وسواء كان ذلك في المجتمع المفتوح أو خلف القضبان، فإن تصميم المتطرفين الإسلامويين على أن يكونوا براجماتيين، وأن يتأقلموا مع الظروف المتغيّرة، يثبت أنهم التهديد الأكثر فتكًا من اليمين المتطرف.
لذلك، ففي حين أن التهديد الذي يتأتى من اليمين المتطرف ربما يكون الأسرع نموًا، فإن التهديد الفعلي الذي تواجهه بريطانيا الآن يتأتى في المقام الأول من المتطرفين الإسلامويين.
وإذا تجاهل صديق خان هذا، فلن تكون أولوياته في غير محلها فحسب، بل سيظهر أيضًا افتقارًا إلى فهم قضايا الأمن القومي. فالتطرف الإسلاموي هو الذي يُشكِّل تحديات الأمن الداخلي لهذا القرن، وليس اليمين المتطرف.
* صحفي متخصص في شؤون الدفاع ومكافحة الإرهاب.