
أحمد عكاري
ظهر سلمان رشدي في مقابلة حديثة مع صحيفة دنماركية، وبدا أقل تشاؤمًا إزاء النظرة المستقبلية تجاه العالم، ومما قاله: (إن الإسلاموية أصبحت مكروهة، وفي تراجع مستمر، ولن تكون عاملًا رئيسًا في مستقبل المجتمعات الإسلامية). وقد نُشرت هذه المقابلة بعد أسبوع واحد من صدور كتابي “شجاعة الشك”، وهو كتاب يرسم -في الحقيقة- خريطة انتقالية من الإسلاموية النشطة سياسيًا إلى الإنسانية.
وعندما سُئلت عن رأيي في وجهة نظر رشدي المتفائلة، عبرت عن معارضتي بـ “لا” ناعمة.
كان سلمان رشدي محقًا بشأن الوضع الحالي، فقد فقدت الحركات السياسية الإسلامية بعض الجاذبية، وبدأت بالتراجع، لكن الإسلاميين يغيرون التكتيكات فحسب، وبالتأكيد، لم يصبحوا مفكرين أحرارًا!

من المؤسف أيضًا أن الإسلاموية ليست مكروهة بشكل مطلق في البلدان التي اكتسبت فيها أرضية اجتماعية، بل لا تزال تتمتع بقاعدة دعم كبيرة. في الواقع، تعج وسائل التواصل الاجتماعي بمواقع مخصصة لمناقشة المواضيع السياسية الإسلامية. على سبيل المثال، لدى الدعاة الإسلاميين السعوديين مثل سلمان العودة وعائض القرني متابعين على فيس بوك بأعداد كبيرة جدًا. كما أن البرامج التلفزيونية التي يظهر فيها الداعية يوسف القرضاوي وتابعه علي القره داغي تحظى بجاذبية واسعة. حتى إن حركة الأسلمة اكتسبت مؤيدين بين الأثرياء، ويمكنها التحدث نيابة عن العديد من الناخبين، كما رأينا في انتخابات مختلفة.
في الحقيقة، أنا أختلف تمامًا مع رشدي حول المستقبل. يبدو الآن أن الصراع مع الغرب آخذ في الانخفاض، لا سيما بعد تدمير داعش. لكن الحركة الأكثر أهمية في العالم العربي، جماعة الإخوان المسلمين، لا تزال مفعمة بالحيوية في أنشطتها الاجتماعية والاقتصادية. وقد شمل عملها بناء المدارس، والمؤسسات، والأحزاب السياسية. لديهم جذور ونفوذ سياسي في العديد من البلدان، بما فيها أفغانستان والجزائر والبوسنة ولبنان وباكستان والسودان وسوريا وتركيا واليمن.

وفي الوقت ذاته، لدى المعقل الشيعي الإسلامي في إيران وأجزاء من العراق نفوذ يصل إلى أفغانستان، ولبنان، وباكستان، وسوريا، واليمن. يبدو أن رشدي ينظر إلى هذا التأثير بشكل دقيق. ومع ذلك، وكما تظهر قصتي في عملية التأمل، لا يزال هناك أمل.
بعد قراءة التعاليم الإسلامية، تعلمت بسرعة أن أتخلى عن شكوكي وأقبل بالحقيقة في القرآن والسيرة. ثم أصبحت مبشرًا نشطًا، وقدت الاحتجاجات أثناء الجدل حول الرسوم الكاريكاتورية عام 2005. ولكن بعد سنوات من النضال الشخصي، واكتساب شجاعة الشك، فهمت أخيرًا شهوة السلطة المختبئة وراء عباءات أصحاب الفتوى، والرغبة الفجة في تحقيق مكاسب خفية، مغلفة بكلمات نقية في أفواه رجال الدين.
بعد أن تبنيت الشك في نهاية المطاف، انتقلت من الإسلاموية الملتزمة -المدفوعة بأفكار الحركات الإسلامية– إلى الاعتقاد الواقعي، المنفتح، واسع الآفاق، المدفوع بقوة المجتمعات المنفتحة، كما وصفها كارل بوبر. وقد وجدت الطريق إلى التنوير، ليس بما يتناقض مع المعتقد، بل كداعم للتفكير النقدي في مواجهة الدعاة والقادة المتعصبين.
ومن هنا، بدأت طريقي إلى الأمام لتقوية الشكوك الحقيقية الأصلية حول الإسلاموية والإسلام السياسي، بما يتماشى مع مسار التغيير الخاص بي.
قال وزير الخارجية الدنماركي السابق بير ستيغ مولر في مراجعته لكتابي في شهر مايو/ أيار بما معناه: “إن الانتقال الوجودي نحو التكوين هو ما يجعل الكتاب أكثر من مجرد مواجهة مع ماضي الكاتب الإسلامي… الكاتب يمنح الجميع الشجاعة على النظر إلى الداخل والخارج، الجميع وليس فقط أولئك العالقين بالإسلاموية”.
إن المعضلة في الغرب لا تتعلق بالقدرة على محاربة الحركات الإسلامية، بل بالكيفية التي يمكن بها للمسلمين مقاومة تلك الحركات، دون خلق مشاكل محلية أو دولية. ويبدو أن أكبر المشاريع الممكنة، إنشاء تنوير شخصي كاف في القطاعات الدينية والثقافية المسلمة، من أجل منع انتشار الرسائل الأوتوقراطية والثيوقراطية الاستبدادية.
ولهذا السبب، يضع كتاب “شجاعة الشك” أمام القراء أسلوب التخلص من الأفكار الشمولية، ويشجعهم على فهم آليات السلطة في المجتمعات البشرية، وكيفية عدم الوقوع فريسة المثاليات والشعارات الجميلة. في الحقيقة، التفكير الشمولي بطبيعته يؤدي إلى الصراع والقمع، مهما حاول الآخرون صقله.
وللرد على تفاؤل سلمان رشدي حول المستقبل، أعتقد أنه من الصعب حث الشرقيين على الإيمان بقوة التحول، طالما أن المجتمعات الغربية لا تظهر أي قناعة بشأن هذه القيمة. على العالم أن يؤمن بمصدر إلهام الشك والتنوير.
من المؤكد أن قصتي الشخصية تعالج الأمور بكل شجاعة، وبصورة مباشرة، لأنها تشكل جسرًا من الاتصال والمصالحة. لقد تغيرت بسبب قيم التسامح والحرية المتجذرة في الأفكار الإنسانية بالغرب، وليس بقوة القمع. وكما يقول بير ستيغ في ختام مراجعته لرحلتي: “الجسر موجود، فتجاوز عكاري هذا الجسر، فأشار للجميع كيفية القيام بذلك”.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا