هل يمكنني الحصول على طبق أيديولوجية متطرفة عنيفة؟ ضع اثنين من الجهاديين، وواحد متعصب لتفوق البيض، ونصف متعصب للعزوبية غير الطوعية، وواحد كاره للنساء، وواحد معادٍ للسامية … هذا كل ما أريد من فضلك! “بوفيه سلطات التطرف”
في حين أن معظم دراسات الإرهاب اتجهت إلى التركيز على التطرف الديني بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، فإنه في السنوات القليلة الماضية -خاصة بعد صعود شعار “أعيدوا عظمة أمريكا” والترامبية- بدأت تظهر المزيد من الدراسات عن التطرف العنصري والعرقي العنيف والمسلح. يقترن هذا التطوّر بالمعلومات المضللة والأخبار المزيفة والمؤامرات التي تضاعف خطر الأيديولوجيات المتطرفة العنيفة المختلفة.
في الوقت الحاضر، أضحى التطرف العنيف المحلي التهديدَ الرئيس لمعظم الدول الغربية. جماعة كيو آنون (QAnon)، والمتطرفون العنيفون المتعصبون لتفوق البيض، وحراس القَسَم (Oath Keepers)، وكومبات 18 (Combat-18)، والدم والشرف (Blood and Honor)، والثلاثة في المائة (Three Percenters)، وجنود أودين (Soldiers of Odin)، والأولاد الفخورون (Proud Boys) ليست سوى أمثلةٍ قليلة على الجماعات التي تعكر صفو السلام المجتمعي في السنوات القليلة الماضية. ومن بين الأمثلة الأخرى على الأيديولوجيات التي تشكّل تهديداتٍ داخلية: المتطرفون العنيفون من دعاة حقوق البيئة والحيوان، ومناهضو الإجهاض، والعنف المناهض للحكومة.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن جائحة فيروس كورونا أجبرت معظم المواطنين على المكوث داخل منازلهم. لذا، كان لدى الكثيرين الوقت للاتصال والتواصل مع الأفراد ذوي التفكير المماثل محليًا وخارجيًا. واعتمدوا في ذلك على التقنيات الشائعة وغير الشائعة، بالإضافة إلى تطبيقات الدردشة المشفَّرة.
وتشير أحداث مثل الاحتجاجات ضد التدابير الصحية المرتبطة بكوفيد-19، والتوترات المصاحبة للانتخابات في الولايات المتحدة، ورد الفعل العنيف ضد حركات العدالة العرقية، وصعود جماعات متطرفة جديدة، إلى أن هناك اتجاهًا جديدًا مؤثرًا.
توحيد المظالم
في أعقاب أي هجومٍ إرهابي، من الطبيعي البحث عن دوافع مرتكب الجريمة والتحقيق فيها. مثل هذه المخاوف ليست جديدة، لكن الأجهزة الأمنية بدأت مؤخرًا في تسليط الضوء على ما تعتبرها ظاهرة جديدة متنامية: “بوفيه سلطات” التطرف (salad bar).
ويبدو أن الهجمات الإرهابية الأخيرة قد حفّزتها مظالم ومصالح ومعتقدات مختلفة، بل ومتناقضة في كثيرٍ من الأحيان. هذه الظاهرة لا تتناسب مع ما يصفه مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي بأنه “عالم المدرسة القديمة” للإرهاب الأيديولوجي الواضح الملامح. في الوقت الحاضر، لم تعد الأيديولوجية المستقلة تقوم بهذه المهمة بعد الآن.
هذه الظاهرة تناسب العديد من الحالات البارزة، بما في ذلك إطلاق النار على كنيسة تشارلستون في عام 2015 والهجوم على كنيس بيتسبرج في عام 2018. وقد تأثّر الجانيان، ديلان روف وروبرت باورز، بأيديولوجيات تفوق البيض والعنصرية ومعاداة السامية، ونظريات المؤامرة وكراهية الأجانب.
وكما هو الحال مع أي أيديولوجية أو حركة أخرى، تتطور الأيديولوجيات المتطرفة وتتكيّف مع الحقائق الجديدة. ونظرًا لأن العديد من الجماعات صارت في الغالب “بائدة“، وفقًا لوكالات إنفاذ القانون، والتطرف العنيف بدوافع دينية آخذ في التراجع، فإن الوكالات الأمنية التي تقيّم وتصنّف التهديدات المحلية تدرك أكثر فأكثر أن الأيديولوجيات والمعتقدات التي تقود الاتجاهات الجديدة للتطرف متعددة ومتنوعة. ونظرًا لأن هذا الشكل من التطرف العنيف يضم مزيجًا متنوعًا من الأيديولوجيات، وأكثر تعقيدًا من ذي قبل، فقد أطلق عليه الخبراء اسم “بوفيه سلطات” التطرف.
الجدير بالذكر أن مصطلح “بوفيه سلطات التطرف” قد استخدم لأول مرة لوصف ظاهرة ناشئة في الولايات المتحدة، لكنه أضحى يُستخدم الآن في كندا وأماكن أخرى. وفي تقريره الاستخباراتي بشأن تهديد التطرف العنيف المحلي، فصَّل مركز صوفان (2022) الأيديولوجيات الإرهابية المتشابكة، في السنوات القليلة الماضية، واستخدم مصطلح “بوفيه سلطات” التطرف.
إضافة إلى ذلك، ذكر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، في تصريحاتٍ أمام لجنة الأمن الداخلي في مجلس الشيوخ في سبتمبر 2020، أن بعض الإرهابيين يميلون إلى أن يكونوا مدفوعين بــ “مزيجٍ من الأيديولوجيات”.
علاوة على ذلك، يعتقد الخبراء أن التركيز على مصطلح “بوفيه سلطات التطرف” قد رأى النور مع التقرير غير السري لعام 2021 الصادر عن المكتب الأمريكي لإدارة الاستخبارات الوطنية.
يشير المفهوم إلى الأشخاص الذين يتبنون أيديولوجياتٍ مختلفة، وأحيانًا متناقضة ومتعارضة مع بعضها بعضًا، وإلى الأفراد والجماعات والحركات التي تتبنى أيديولوجيات تتلاقى أو تتداخل أو حتى تتناقض مع بعضها بعضًا، ولكنها مع ذلك ترشد المنظومة العقائدية للمتطرفين.
ينسحب هذا التعبير على المتطرفين العنيفين المحليين الذين يبدو أنهم مدفوعون بـ”مزيجٍ من الأيديولوجيات”، وعلى “التهديدات [التي] لا تتناسب مع منظومات أيديولوجية واضحة“. بعبارةٍ أخرى، أصبحنا نبحث أكثر في المناطق الرمادية بين هذه الأيديولوجيات، حيث يتخيَّر الأفراد الدوافع والمظالم من “منافذ أيديولوجية مختلفة”، ثم يشكلون أيديولوجيتهم “المتنوعة” الجديدة. كما أنهم ينتقون الأفكار التي غالبًا ما تسوّغ لهم الكراهية ضد أولئك الذين يرونهم تهديدًا.
ظاهرة متنامية
يزداد عدد الأفراد الذين يتبنون ما يمكن تسميته “بوفيه سلطات التطرف” بوتيرةٍ سريعة. ظهرت هذه الوفرة من التعبيرات ذات الصلة في مجال دراسات التطرف منذ بضع سنوات، وفي حين أنه توجد اختلافات دقيقة بينها، فإنها ترتبط بظاهرة “بوفيه السلطات” بشكلٍ أو بآخر.
بعض مصطلحات التطرف التي يستخدمها الباحثون تشمل “الأيديولوجية المختلطة، و”اختر مغامرتك الخاصة” من التطرف، و”التقارب الأيديولوجي”، و”التطرف المنصهر”، و”الأيديولوجيات الهجينة”، و”الأيديولوجية حسب الطلب”. والقاسم المشترك بين أولئك الذين يعتنقون مثل هذه الأيديولوجيات هو أنهم يتأثّرون بمجموعةٍ متنوعة من العوامل: هؤلاء هم أفراد “يجربّون” على ما يبدو أيديولوجياتٍ مختلفة، ويعتنقون هويات متعددة، ويتنقلون عبر معتقدات وولاءات متنوعة حتى يجدوا مبتغاهم.
علاوة على ذلك، فهناك العديد من العوامل التي تيسّر التحوّل من أيديولوجية إلى أخرى: تآكل القيم والمعايير، والعدمية، وكراهية النساء، ومعاداة السامية، ونظرية “التسارعيّة” (accelerationism). ومع اختلافهم بشأن العديد من القضايا، فإن معاداة السامية، ونظرية “الإحلال العظيم”، توحّد العنصريين البيض، وأتباع كيوآنون، والجهاديين السلفيين، والأولاد الفخورين، لأنهم قد يعتقدون بصدقٍ أن لديهم أعداء مشتركين، ما يجعل الانتقال من أيديولوجية لغيرها أكثر سهولة.
على سبيل المثال، في عام 2020، ألقي القبض على اثنين من أعضاء مجموعة “بوجالو” (Boogaloo) الأمريكية المناهضة للحكومة، هما بنيامين سولومون ومايكل تيتر، وأُدينا بتهمة تقديم الدعم المادي لحركة حماس، منظمة مصنّفة إرهابية. وفي حين أنهما لم يتعهدا أبدًا بالولاء لحماس، لكنهما كانا يمثلان حالةً من التقارب في المصالح والمظالم مع الحركة. وهناك أيضًا مثال النازي الجديد السابق المتعصب للبيض ديفون آرثرز الذي تحوّل إلى السلفية الجهادية، وقتل زملاءه في الغرفة بسبب سخريتهم من معتقداته الجديدة، ثم احتجز رهائن، مدعيًا أنه كان يحتج على التدخلات الأمريكية في الدول الإسلامية.
وبالمثل، كان أندرو أنجلين ذات يوم نباتيًا ملتزمًا، ويصف نفسه بأنه مناهض للعنصرية، ودافع عن عددٍ من القضايا اليسارية المتطرفة، بما في ذلك حقوق الحيوان. ومع ذلك، انتقل بعد ذلك ليصبح أحد أعضاء اليمين البديل الأكثر شراسة في التصيّد والدعاية.
علاوة على ذلك، وصفت الجماعات اليسارية روبرت إي كريمو الثالث، مرتكب هجوم موكب الرابع من يوليو في هايلاند بارك، في ولاية إلينوي، بأنه مؤيّد عنيف لحملة “إعادة أمريكا عظيمة”، التي تزعمها ترامب، فيما صوّرته الجماعات اليمينية على أنه ليبرالي معتوه.
الخلاصة
لا يمكننا ادّعاء أن هذه ظاهرة جديدة تمامًا في هذا المشهد المتغيّر لدراسات التطرف، بل هي فهم متواضع لمدى التعقيد الذي يكتنف الظواهر والأيديولوجيات المتطرفة. ولا يزال هناك ارتباكٌ في كيفية حدوث التمازج الأيديولوجي على مستوى الفرد والمجموعة، وما إذا كان متعمدًا أم لا.
كما أن الافتقار إلى الدقة المفاهيمية، والإجماع بشأن المصطلحات التي تقوم عليها أيديولوجية “بوفيه سلطات” التطرف، يزيد من أهمية تسجيل الملاحظات، وإجراء البحوث الجديدة، بغية تحسين تدابير الوقاية والتدخل وإعادة التأهيل.
* يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.