المؤلف: ألكسيس أوكيوو عدد الصفحات: 256 سعر الكتاب: 14.03 دولار درا النشر: (Hachette Books)، تاريخ النشر: 2017
“كانت السماء بلا قمر ولا نجوم، لكنها تبعث على الأمل … “. ينسج السطر الأول من هذا الكتاب، لمؤلفته ألكسيس أوكيوو، بدقة فائقة الخيط الرابط بين جميع الشخصيات الحقيقية في الكتاب وردود أفعالهم على آفة التطرف العنيف الذي يضرب أفريقيا، مجسداً مقاومة الأفق المظلم والتغلب عليه، في ظل عدم وجود طرق بادية للهرب أو بصيص أمل.
في أول كتاب ينشر لها، تروي لنا أوكيوو قصصاً عن السفر إلى أوغندا، وموريتانيا، ونيجيريا والصومال، حيث أدى التطرف العنيف إلى تحطيم حياة وأحلام الملايين من الناس. ومن خلال شهاداتها المباشرة، توضح المؤلفة الإرادة القوية التي يتمتع بها الأبطال، التي تمكنهم من التغلب على أي عقبة، كأشخاص عاديين، وامتلاكهم للقوة والشجاعة لتغيير حياتهم ومجتمعاتهم.
يعتبر الكتاب، في حد ذاته، رحلة شخصية إلى مسقط رأس المؤلفة، مما يعمق هويتها الهجينة. رغم أنها ولدت وتعيش في الولايات المتحدة، إلا أن أسرة أوكيوو تنحدر من أصول نيجيرية.

علاوة على ذلك، يسلط الكتاب الضوء على الكثير من التفاصيل الصغيرة التي تشكل فسيفساء غنية ومُلهمة، تنقلنا إلى أفريقيا الحقيقية التي تتسم بثقافات وأديان تعود لألف عام، وإلى التقاليد والأشخاص العاديين، وإلى استخدام قلة من الأشخاص للتفسير المنحرف للأديان، بل وإساءة استخدامه، للتأثير على كثير من الناس.
باختصار، تؤكد أوكيوو على أنها مرشدتنا المعاصرة، فتوجهنا إلى أعماق الروح الأفريقية المعاصرة، وإلى الموجات القاسية والفظيعة من عنف المتطرفين التي ابتليت بها القارة في السنوات الأخيرة. غير أنها، بطريقة بليغة وملهمة، تترك مساحة للقارئ للانضمام إليها في هذه الرحلة، دون الإسهاب في التفاصيل، ليتمكن من استيعاب وفهم ما قرأه.
ينقسم الكتاب إلى جزأين. الأول مخصص لشرح السياق السياسي والاجتماعي والديمغرافي لكل موقف من المواقف، حيث تؤثر الفوضى والتعقيد السياسي على حياة الناس العاديين. أما الثاني فيركز على رد فعل الأبطال الذين يواجهون الإرهاب والظلم.
وهكذا، تذكرنا المؤلفة، بنبرة تعليمية غير تبسيطية، ببعض من أقسى الصراعات التي أثرت على السكان الأفارقة، من وجهة نظر إنسانية، كما يرويها شهود مباشرون على مثل تلك الأعمال البربرية.
تتراوح تلك القصص ما بين عمليات خطف يونيس وبوسكو على يد “جيش الرب للمقاومة” في أوغندا، إلى نضال بيرام المثالي ضد الرق في موريتانيا، وخطف آلاف الفتيات على يد “بوكو حرام” في نيجيريا، وقوة عائشة للعيش في أجواء مقديشو الخانقة تحت وطأة حركة “الشباب” الصومالية.
كل هؤلاء يمثلون نماذج جليّة للقدرة على الصمود والتغلب على التطرف العنيف، الذي يقف في بعض الأحيان ضد مجتمعاتهم، وعاداتهم، بل وحتى أنفسهم.
الأمر المثير للاهتمام بالقدر ذاته، من وجهة نظر أكثر تحليلية ومهنية، هو أن العوامل المختلفة تظهر كخيط مشترك لقصص القدرة على الصمود في القارة الأفريقية، على غرار الكثيرين في أوروبا ومناطق أخرى من العالم.
ربما ينبغي علينا البدء في تسليط الضوء على أصول و/أو مبررات هذه الأشكال من التطرف العنيف: تفسير خادع للدين يهدف لإخضاع السكان.
يقدم الكتاب أمثلة على التفسير المحدود والمدفوع بمصالح ذاتية للنصوص المقدسة، بداية من التطرف المسيحي الذي يعتقد فيه جوزيف كوني و”جيش الرب للمقاومة”، مروراً بالمبرر المزعوم للرق من خلال النصوص الإسلامية في موريتانيا، وصولاً إلى التطرف الإسلامي لحركة “الشباب” في الصومال و”بوكو حرام” في نيجيريا.
في جميع هذه الحالات، تتطور “دكتاتورية الخوف”، حيث يجب على ضحايا التطرف أولاً كسر الأغلال العقلية التي تسجنهم في هوية لا تخصهم وتحول دون تطلعهم للحرية.
وهكذا، تقدم لنا هذه القصص العديد من الأشخاص العاديين الذين تأثروا بطرق مختلفة بالتطرف العنيف. جميع هؤلاء نماذج للمقاومة النشطة والقدرة المثالية على الصمود. ورغم ذلك، يجب إيلاء اهتمام خاص لدور النساء، اللاتي يقعن ضحية مرتين، حيث تصطدم جهودهن للمقاومة بصعوبات مضاعفة في ظل هذه البيئة.
في حالة الأطفال الذين اختطفهم “جيش الرب للمقاومة”، وبوسكو ويونيس، تصور أوكيوو ببراعة كيفية تغير هوياتهم بشكل كبير، من ضحايا إلى مجرمين أو متواطئين قسراً في أعمال بربرية. هذا الاغتراب، كما الحال في جميع حالات الانضمام إلى الجماعات المتطرفة، قسراً أو طواعية، هو نتاج عملية طويلة تنطوي على ارتكاب أعمال عنف أو المشاركة فيها ورفض المجتمع الذي نشأت فيه الضحايا.

وبالتالي، يلعب المجتمع دوراً حاسماً في مساعدة أو إعاقة عمليات فك ارتباط الأفراد بتلك الجماعات المتطرفة.
يشكل هذا الرفض أو عدم الثقة في مجتمع المنشأ أهمية خاصة في حالات الفتيات اللاتي اختطفتهن جماعة “بوكو حرام”. بمجرد إطلاق سراحهن ولم شملهن مع أسرهن ومجتمعهن، تعود بعضهن إلى الجماعة المتطرفة. وفي حين أن هذ الأمر قد يبدو غير مفهوم لأولئك الذين لا صلة لهم بهذه المأساة، فإنه بالنسبة لبعض الفتيات هو السبيل الوحيد للانفكاك بعد الرفض الذي عانين منه في مجتمعاتهن.
وبالمثل، فيما يتعلق بآلاف حالات العبودية في موريتانيا، يلعب المجتمع دور الشريك الصامت، الذي يشهد استخدام نصوص إسلامية بعينها وتفسيراتها لتقديم التبريرات وإضفاء الشرعية على العبودية، والعنف، والعنصرية، المترسخة في المجتمع.
إن تبني هوية تقوم حصرياً على التفسير الديني في حالة العبودية في موريتانيا، أو تحت وطأة الأعمال المرتكبة خلال فترة الاختطاف في حالة الأطفال الذين اختطفهم “جيش الرب للمقاومة”، يجعل الأغلال العقلية بمثابة سجن نفسي، أشد قوة من الضغوط وأعمال العنف التي يمارسها الجناة.
وهنا، يجب ألا ننسى أن هناك أواصر صداقة أو قرابة بين أفراد الجماعات المتطرفة والمجتمع نفسه. وفي بعض الأحيان تصل مخالب العناصر العنيفة إلى منزل الجار المجاور أو إلى أحد أفراد الأسرة. ولا شك أن هذا العامل يسهل ردود فعل عدم الثقة أو الرفض أو النبذ للضحايا والأسر المتأثرة.
ومع ذلك، يوجد في هذه المجتمعات أفراد شجعان، يبحثون عن بعضهم البعض، يتجمعون ويمكّنون بعضهم الآخر، لبناء أركان مجتمع قادر على الصمود، مناضل من أجل الحرية.
وفي هذا الصدد، من الأهمية بمكان الإشارة إلى دور الحكومات والسلطات في جميع هذه الحالات.
في المقام الأول، كثيراً ما تتسبب إدارة الأزمات ذاتها من جانب السلطات في تعزيز الدعم للجماعات العنيفة وتساعدها على الازدهار، ذلك أن استخدام تدابير قمعية وقسرية في مكافحة الإرهاب يؤثر بشكل مباشر على السكان في العديد من الحالات. إن قصف المدنيين بحثاً عن أماكن تواجد الإرهابيين أو شن مداهمات مكثفة من قبل الشرطة على بعض الأحياء والقرى يولد دعماً في أوساط السكان للجماعات المتطرفة أو مبرراً لها.
من ناحية أخرى، عدم رد فعل السلطات، لا سيما إسكات الضحايا وإخفائهم، يؤدي إلى وقوع ظلم مضاعف يصعب التغلب عليه في جميع الحالات التي يصفها الكتاب، بل قد يؤدي إلى صدمة نفسية تمتد عبر الأجيال مثل تلك التي عانى منها بوسكو ويونيس وابنهما الصغير.
إن بنية الكتاب، وجودته الأدبية، والأهمية التي لا جدال فيها لمصادره المباشرة، وقبل كل ذلك الحساسية والصفات الإنسانية لأوكيوو تجعل هذا الكتاب يستحق عن جدارة العديد من الجوائز التي نالها.
كل هذه المزايا تدفعنا للتفكير في استخدام هذا الكتاب كأداة فعالة لزيادة الوعي في المدارس حول التطرف العنيف والاستقطاب الاجتماعي.
خلاصة القول، “سماء بلا نجوم ولا قمر” كتاب ممتاز لا غنى عنه لكل من يهتم بالتطرف العنيف في أفريقيا ويحتاج إلى تعزيز إيمانه بالإنسانية.