يصل الرئيسُ الروسي فلاديمير بوتين إلى دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم 15 أكتوبر 2019، في زيارته الثانية للدولة منذ عام 2007، وهي شهادةٌ على تنامي العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. ومن المقرر أن تتم مناقشةُ العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومن أهمها مكافحةُ الإرهاب والتطرف.
بداية، يُعدُّ الاقتصادُ إحدى ركائز العلاقة المتنامية بين الإمارات وروسيا. ففي 2018، كان حجم التجارة بين البلدين نحو 12.5 مليار درهم (أي ما يزيد قليلًا على ثلاثة مليارات يورو)، بينما يصل عدد الشركات الروسية التي تعمل في الإمارات إلى 3,000 شركة. ويشهد قطاعُ السياحة الروسية إلى الإمارات ازدهارًا ونموًّا مطردًا، حيث يسافر قرابة مليون سائح روسي إلى الإمارات، كلَّ عام. وهناك عدد متزايد من الإماراتيين يسافرون إلى روسيا أيضًا. من جانب آخر، حدث توسع ملحوظ في التعاون الاقتصادي في مجال التكنولوجيا بين البلدين.
ومع ذلك، فلا تزال السياسةُ الركيزةَ الرئيسية التي يرتكن عليها نموُّ العلاقاتِ، وتسبق الاقتصادَ في الأغلب. وعندما يلتقي الرئيسُ الروسي بوتين مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، الذي يُعرف بشكل غير رسمي باسم “MBZ”، فسوف يبحثان، بلا شكٍ، الوضعَ شديدَ الحساسية في منطقة الشرق الأوسط، وفي خضم قضاياه، تنامي التشدد والعناصر الفاعلة المتشددة.
وبالتأكيد، سوف يناقش الجانبان الملف الإيراني، والتوتراتِ المتصاعدة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد بذلتِ الإماراتُ جهودًا قوية خلال الصيف، لإعادة الأمور إلى مسار الدبلوماسية والنظام والسلام، عندما بدا أن الطرفان قد ينجرفان إلى الصراع. وفي إطار التزامها بالنظام والسلام، جعلتِ الإماراتُ من التصدي لآفة الإسلام السياسي حجر الزاوية في سياستها الإقليمية. ولتحقيق هذا الهدف، استخدمت أبوظبي القوة الصلبة والناعمة، على حد سواء.
يمكن رؤية أحد الأمثلة على استخدام الإمارات لقوتها الصلبة في ليبيا، حيث تدعم الإمارات (كما هو الحال بالنسبة لروسيا) جهودَ المشير خليفة حفتر والجيش الوطني الليبي لوقف الفوضى والتطرف في طرابلس من أجل إحلال النظام في الدولة، ووقف استخدامها كمنصة لزعزعة استقرار جيرانها، ووقف فرص نمو الإرهاب هناك وانتشاره.
من جانب آخر، شنّتِ الإماراتُ حربًا ذات بعد فكري وأيديولوجي ضد الإسلاميين، باستخدام القوة الناعمة، وربما يكون أفضل مثال على هذا العنصر “الأكثر نعومة” هو الزيارة التي قام بها بابا الفاتيكان إلى الدولة في شهر فبراير، وهو أول بابا تطأ قدماه ترابَ الخليج العربي. وبعد هذه الزيارة، أصبح البابا فرانسيس يُشرف على الأقلية المسيحية في الإمارات.
من جانبها، تدرك روسيا أهمية الإمارات بالنسبة للسلام والاستقرار، ومحاربة الإرهاب. وفي هذا الصدد، قال ليونيد سلوتسكي رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما الروسي لصحيفة “جلف نيوز“، في مقابلةٍ معه في موسكو، إن “الشيخ محمد بن زايد هو أحد القادة الرئيسيين ليس فقط في منطقة الخليج بل في العالم العربي بأسره”. وأضاف “أنه يلعب دورًا إيجابيًا جدًا في المنطقة. وسيكون هناك نقاشٌ صريح بين الزعيمين في أبوظبي”.
تدرك روسيا مشكلةَ التشدد الإسلامي جيدًا. ففي الماضي القريب، خاضت موسكو حربين داميتين مع المتمردين الإسلاميين في الشيشان، الذين حاولوا انتزاع تلك الجمهورية بعيدًا عن الاتحاد الروسي، ونجحت في التعامل مع موجةٍ من الهجمات الإرهابية في مدنها الكبرى، بدءًا من تفجيرات الشقق إلى حصار المدارس. وبعد هزيمة التمرد المتطرف في الشيشان، تم تنصيب حكومة جديدة أكثر اعتدالًا بقيادة رمضان قاديروف، الذي لعب دورًا فعالًا في تواصل بوتين مع العالم الإسلامي. وقد كان هناك استياء من جانب المسلمين في روسيا، بسبب احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، وتنامى بشكل خاص عقب التدخل الروسي المثير للجدل في سوريا، لكن روسيا تصر أنها انخرطت في سوريا لمحاربة المتطرفين المرتبطين بتنظيمي القاعدة وداعش فقط.
وتجدر الإشارةُ إلى أن قاديروف ساهم في تغيير الرواية التي تقول بأن روسيا تعادي الإسلام. وقد نشأت علاقات ودية بين قاديروف، وكلٍّ من الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، ومحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي. وعملوا معًا على تعزيز العقيدة الإسلامية، والعودة بها إلى صورتها الحقة، قبل أن يسيطر عليها المتطرفون السياسيون.
وختامًا، تبدو الروابط الاستراتيجية المتنامية بين الإمارات وروسيا شديدةَ الأهمية، لا سيَّما فيما يتعلق بالمساهمة في القضاء على الإرهاب ومحاربة التطرف، والسعي إلى تخليص الإسلام من التحريفات التي كثيرًا ما تؤدي إلى وقوع أحداثٍ مأساوية كالتي نشاهدها على وسائل الإعلام كلَّ يوم. وسيكون اجتماعُ اليوم خطوةً تعزِّز ما اتخِذ من خطواتٍ، وللمضي قدمًا نحو تحقيق هذه المساعي.