خلال السنواتِ الأخيرة، انضم آلافُ المواطنين الأوروبيين إلى تنظيماتٍ إرهابية جهادية في الشرق الأوسط. وجاءتِ الغالبيةُ العظمى إمَّا من روسيا أو أوروبا الغربية. على النقيض من ذلك، توصف أوروبا الوسطى والشرقية بأنها “منطقة خالية من الإرهاب”.
هذا الادعاءُ لا يخلو من حقيقة، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى المصادفة التاريخية، والسجل الجيد لأجهزة الأمن والاستخبارات في الكشف عن المخططات الجهادية.
لكن هناك نتيجة مؤسفة: لا تخضع الشبكات الجهادية الصغيرة نسبيًّا، لكن النشطة، في المنطقة، لبحوثٍ كافية وتفتقر إلى فهمٍ جيد. ولا شك أنّ هذا الأمر يشكل قلقًا عندما يبذل المتطرفون الإسلاميون المحليون والأجانب محاولاتٍ جادة للتأثير على السكان المسلمين المحليين.
على سبيل المثال، يمكننا الإشارة إلى حالة أسرة شحادة المثيرة للفضول.
في يناير 2018، تم توجيه الاتهام إلى ثلاثة تشيكيين في جرائم تتعلق بالإرهاب. الأول هو عمر شحادة، 27 عامًا، الذي غادر البلاد في عام 2016 للقتال مع جبهة فتح الشام. ووفقًا للشرطة التشيكية، تلقى عمر تدريباتٍ عسكرية مكثفة، وتم اختياره لاحقًا لتدريبِ آخرين مثله، وتنفيذ عملياتٍ إرهابية.
الشخصية الثانية هي كريستينا هادكوفا، 24 عامًا، التي سافرت إلى سوريا في عام 2017 لتتزوج من عمر، وتقدم له المساعدة.
أما الشخص الثالث فهو الداعية المتطرف سامر شحادة.
الأمر الذي يجعل هذه القضية فريدة من نوعها هو المشتبه الثالث. إنه شقيق عمر، سامر شحادة لا أحد غيره، إمام مدينة براغ سابقًا، وشخصية معروفة في أوساط الجالية التشيكية المسلمة.
وُلد سامر في التشيك وله جذور فلسطينية. بعد حصوله على شهادة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، تولى سامر منصبًا قياديًّا في مركز براغ الإسلامي، وبدأ ممارسة الوعظ في جميع أنحاء البلاد.
ومع مرورِ الوقت، أصبحت تصريحاتُ سامر مثيرة للجدل. فعلى سبيل المثال، عندما سُئِل في عام 2005 عن هجمات 11 سبتمبر، أقرَّ بأنه لا يمكنه إدانة ذلك الفعل. وفي عام 2010، قال في إحدى خطبه إنّ “أي شخص يتبع قانونًا مختلفًا عن القانون الذي وضعه محمد هو جاحد ومرتد”.
في تلك الفترة، ترجم سامر وأتباعه عددًا من الكتب العربية إلى اللغة التشيكية، مما أثرى الخطاب بكتّاب لامعين مثل بلال فيليبس، ويوسف القرضاوي.
وفي أواخر عام 2016، أرسل سامر رسالة مشفرة عبر تطبيق “الواتس آب” إلى أتباعه يحثهم على عدم حضور اجتماع مشترك بين مسلمين ومسيحيين؛ يهدف إلى مكافحة الإرهاب. وكان قد تم التخطيط لعقد الاجتماع في عيد الميلاد بغية تقريبِ وجهاتِ النظر، في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي وقع في برلين.
لجأ سامر إلى “الواتس آب”؛ لأنه كان قد غادر جمهورية التشيك إلى موريتانيا في أكتوبر، في الوقت الذي سافر فيه شقيقه عمر إلى ساحات القتال في سوريا.
وتزعم الشرطة أن سامر قد أقنع كريستينا بالزواج من عمر، وساعدها في السفر للانضمام إليه في سوريا، حيث مكثَ الاثنانِ هناك. ورغم أنّ المشتبه بهم الثلاثة يواجهون عقوبة السجن لمدة تصل إلى 15 عامًا، فإنه نظرًا لعدم وجود أي منهم حاليًّا في جمهورية التشيك للخضوع للمحاكمة، فقد يستغرق تحقيق تقدم في القضية بعض الوقت.
وهكذا، توضح قصة شحادة دينامية نشاهدها عبر أوروبا: الأشكال غير العنيفة من التطرف الإسلامي تمثل أرضًا خِصبة لنمو الفكر الجهادي. وما المقاتلون الإرهابيون الأجانب إلا قمة جبل جليدي. وتحت السطح تكمن مشكلة أكبر تتمثل في الفكر المتطرف الذي يسعى لفرض نسخة قمعية من الإسلام على المجتمع كافة. هذه هي القضية التي يتعين على استراتيجيات الوقاية التعامل معها.
على الجانب الآخر، فإن عمر شحادة وزوجته لا يمثلان حالةً مفردة. فخلال السنواتِ الأخيرة، انضم عددٌ من الأشخاص -من المنطقة- لتنظيماتٍ إرهابية في الخارج؛ إمَّا في الشرق الأوسط، أو في الصراع الدائر في أوكرانيا. ومن ثمّ، فهناك حاجة ماسة لتحليل أكثر تفصيلًا لأنشطتهم.