عين أوروبية على التطرف
نظّم موقع “عين أوروبية على التطرف” أول ندوة عبر الإنترنت لمناقشة قضية حزب الله، التنظيم الإيراني العميل في لبنان. واستضافتِ الندوة ثلاثةَ خبراءٍ بارزين؛ هم:
- ريتشارد بورشيل؛ الباحث في معهد بوصلة في بروكسل، وهو متخصص في مكافحة التطرف ولديه خبرة طويلة في هذا المجال.
- كسينيا سفيتلوفا؛ الصحفية الإسرائيلية المتخصصة في شؤون الإرهاب.
- ماريانا دياز؛ الخبيرة في معهد الأمم المتحدة الإقليمي لبحوث الجريمة والعدالة.
عبرت سفيتلوفا عن أنّ حزب الله تحوَّل من كونه في السابق مشكلةً لإسرائيل فقط، لأن يصبح في الآونة الأخيرة مشكلة لعددٍ متزايد من الدول. وقد أضافتِ العديد من الدول حزبَ الله إلى قوائمها الإرهابية، واعترفت بأن الحزب يشكِّل تهديدًا للنظام الدولي برمّته. ويُعزى هذا الاعتراف جزئيًا إلى “خنق” حزب الله للبنان باعتباره مخلبًا لإيران، ما حال دون إجراء الإصلاحات الضرورية التي يضغط المجتمع الدولي من أجلها في الدولة اللبنانية. كما أدركت حكومات أوروبا وأمريكا اللاتينية المشكلات المتعلقة بالإجرام العابر للحدود الذي يمارسه حزب الله، بدءًا من تجارة المخدرات إلى البضائع المهربة مثل السجائر.
وترى سفيتلوفا أنه على الرغم من أن اتفاقات السلام بين إسرائيل ودول الخليج تعزِّز الأمن في المنطقة، فإن هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية وبناء ترسانته الصاروخية الضخمة، تحول دون إحلال الأمن. ومع ذلك، نجحت الولايات المتحدة في اتخاذ خطوة أولية جيدة بقطع المصادر المالية عن الحزب.
من جهتها، سلّطت دياز الضوءً على نقطةٍ مهمة تتمثل في حرص حزب الله على تغيير صورته مع مرور الوقت للحفاظ على شرعيته، لا سيّما في لبنان. ثم استخدام هذه الشرعية لنشر التطرف، الذي يُعرَّف بأنه “خلق نوع من القبول للعنف” من خلال الأيديولوجيا. ولعل تبرير التدخل في سوريا لمساعدة النظام في قمع الانتفاضة هو حالة حديثة من قيام حزب الله بتغيير رموزه ورسائله ليتناسب مع الوضع الجديد من خلال إضافة “التكفيريين” إلى الولايات المتحدة وإسرائيل كأعداء رئيسيين، مع الاحتفاظ في الوقت ذاته بجوهر أيديولوجيته. وبالمثل، أصدر الحزب بيانًا عام 2009 أعاد فيه تعريف حزب الله معلنًا فيه التخلي عن السعي لإقامة دولة إسلامية كهدفٍ أساسي، لكن الوثيقة أبقت على جميع الجوانب المهمة للحزب.
يصوّر حزب الله نفسه على أنه الخيار الوحيد القابل للتطبيق لحماية الشيعة في لبنان، بل وفي الواقع لبنان بأسره، حسبما تشير دياز، ولديه آلة إعلامية ضخمة لتوصيل هذه الرسالة إلى اللبنانيين. والجدير بالذكر أنه في مخاطبة الجماهير الدولية من خلال قنواته الإعلامية، بدأ حزب الله في استخدام لغة “الحرب على الإرهاب” للدفاع عن سياساته العنيفة في سوريا وأماكن أخرى، يأتي هذا رغم أن البيان الذي أصدره عام 2009 يدين رسميًا استخدام لفظ “الإرهابيين” لوصف الجماعات الإسلامية المسلحة.
أما بورشيل فأكَّد على ضرورة اعتبار حزب الله جماعة إجرامية عابرة للحدود الوطنية ذات هويات متعددة تتعمد الخلط والتداخل، ما يسمح، على سبيل المثال، لهويته السياسية بإخفاء أنشطته الإرهابية. ولا ينبغي السماح بذلك. إذ ينبغي على الحكومات التعامل مع حزب الله على أنه منظمةٌ إرهابية، ولا ينبغي السماح لأيٍّ من الأبعاد السياسية أو الاجتماعية للحزب بأن تحجبَ ذلك. إن تصنيف منظمةٍ ما بأنها إرهابية ليس علاجًا شافيًا، ذلك أنه من الصعب قطع حزب الله -أو أي مجموعة أخرى- عن الأنظمة المالية، خاصة عندما يكون الكثيرُ من أنشطتها قانونيًّا، وإن كانت تستخدم العائدات في الأنشطة غير القانونية. ومع ذلك، فإن التصنيفات الإرهابية مهمة كونها تعطي الحكومات أدواتٍ للحد من هذه الأنشطة.
ويشير بورشيل إلى أن الجانب المتطرف في حزب الله لا يحظَى بالاهتمامِ الذي يستحقه، ولا توجد سوى جهود قليلة فعّالة لمكافحة هذا التطرف. التعامل من ذلك أمر صعب، لأسبابٍ عدة، من بينها أن كينونة الحزب غامضة، فمقره في لبنان، ويعمل لصالح إيران، ويحمي الحكومة في سوريا. لقد كان حزب الله بارعًا جدًا في تغيير صورته باعتباره يجلب الخير للبنان وطرف فاعل ضروري يجب إشراكه، وتميل وزارات الخارجية الغربية إلى تصديق هذه الفكرة، لكن الاستخبارات الغربية تعرف بشكل أفضل، وينبغي أن يبقى التركيز على أعمال حزب الله الإجرامية الفردية.
وفيما يتعلق بالأنشطة المحتملة لحزب الله لمهاجمة دول الخليج أو إسرائيل بسبب اتفاقات السلام، أشارت سفيتلوفا إلى أن هذا تهديدٌ أجوف: فقدرة إيران ووكلائها محدودة جدًا. إضافة إلى ذلك، فحزب الله يبذل بالفعل كلَّ ما في وسعه لإثارة عدم الاستقرار في الخليج وفي المناطق الفلسطينية، وبين الجاليات العربية في إسرائيل. وتوقيع اتفاق السلام لا يغيّر كثيرًا من ذلك.
يقول بورشيل إن قدرة حزب الله على العمل كرأس حربة للحرس الثوري الإيراني في المنطقة تعود إلى أن أساليبه العملياتية في التدريب والتوجيه ليست كثيفة العمالة أو الموارد، ومع ذلك فإن لها تأثيرات مضاعفة للقوة. وهذا يجعل من الصعب احتواء حزب الله، ولكن يُؤمل أن تتيح الاتفاقات العربية الإسرائيلية الجديدة تعاونًا أفضل لمواجهة التهديدات الناشئة من حزب الله/الحرس الثوري.
وترى دياز أنه على الرغم من أن حزب الله حدَّد منذ فترة طويلة أعداءه، إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأ يجمع هؤلاء الأعداء معًا، بحيث يتم تقديم تنظيم داعش وإسرائيل والولايات المتحدة على أنها تنسق مع بعضها البعض ضده. ويوضِّح بورشيل أن لحزب الله وجودًا كبيرًا في أمريكا اللاتينية، ولكن من غير المرجح أن يقوم الحزب بتدخلات مباشرة على غرار ما فعل سوريا. بل إنه سيواصل ممارسة أنشطته غير المشروعة في “منطقة الحدود الثلاثية”، وفي أماكن أخرى لجمع الأموال. وتضيف دياز أن الحزب مُنهَك للغاية، ومشتت بين الوضع في لبنان والملف السوري والقضية الفلسطينية، بحيث لا يمكنه الانخراط في عمليةٍ واسعة النطاق في أمريكا اللاتينية.
وقد شدَّد كلٌّ من بورشيل ودياز على أهمية التخلي عن الادّعاء بوجود “جناح عسكري” و”جناح سياسي” لحزب الله: إنه تنظيم واحد، وهو أول من أشار إلى ذلك بنفسه. والقضية الآن هي ما يجب القيام به بعد تصنيفه منظمة إرهابية من قبل دول عدة.