في كتابه بعنوان «خديعة الربيع العربي: كيف خدعت جماعة الإخوان المسلمين واشنطن في ليبيا وسوريا»، يرى جون روسوماندو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإدارته ارتكبا خطأ جسيمًا خلال الثورات التي اجتاحت العالم العربي في عام 2011 بافتراضهم أن الإسلامويين على شاكلة الإخوان المسلمين -أو “الانخراطيين” كما يُطلق عليهم البعض– الذين يصلون إلى السلطة عن طريق الانتخابات سيقوضون قضية الإسلامويين العنيفين؛ مثل القاعدة وداعش.
يستهل روسوماندو كتابه هذا بالإشارة إلى أنه عندما بدأ الربيع العربي، “صوّرت هذه الثورات الوليدة للجمهور على أنها صحوة طال انتظارها للديمقراطية في الشرق الأوسط، غير أن الواقع كان أكثر تعقيدًا” من ذلك. مع مرور الوقت، “كانت هذه الثورات تُختطف من قبل الإسلامويين… خاصة الحركة الإسلاموية الدولية السرية المعروفة باسم الإخوان المسلمين”، ولكن بدلًا من تجاهل هذه القوى ورفضها، كما كانت “السياسة الثابتة لسنواتٍ عديدة”، سواء في ظل الإدارات الديمقراطية أو الجمهورية، “في ظل إدارة أوباما، تغيّر هذا النهج، أولًا إلى المشاركة الحذرة عبر القنوات الخلفية، وأخيراً إلى الاحتضان المفتوح” للجماعة.
ويضيف روسوماندو أن:
“قرار إشراك الإخوان المسلمين شكّل تغييرًا تاريخيًا في السياسة الخارجية الأمريكية، وخلق نموذجًا فكريًا جديدًا في الشرق الأوسط، وفجّر سلسلةً من الأحداث التي أدّت إلى نتائج كارثية: انبعاث جماعة الإخوان المسلمين، والإطاحة بحكومتين على الأقل، وتحول تنظيم القاعدة في العراق إلى خلافة داعش، وحكومات فاشلة في سوريا والعراق، وملايين اللاجئين والأفراد النازحين، وما نجم عن ذلك من تدفقات هجرة مُزعزعة للاستقرار”.
ينظر روسوماندو إلى جماعة الإخوان المسلمين على أنها النبع الذي تفجّرت منه هذه الموجة الحديثة من التشدد الإسلامي، وهي الجماعة التي تنبثق منها الجماعات الإرهابية الجهادية المعاصرة”، على حد تعبيره. لقد أخذ تنظيما القاعدة وداعش، وغيرهما، وتبنوا فكرة استعادة الخلافة وكيفية تحقيقها من الإخوان، ويشرح الكتاب هذا الالتزام الفكري بالتفصيل.
لذا، قليس من المستغرب أن “الانخراط مع الإخوان المسلمين فشل في تحرير التنظيم” فكريًا. علاوة على ذلك، “ربما ساهم غياب الحصافة من جانب إدارة أوباما وقادة الدول الأوروبية الغربية -بالإضافة إلى تركيا وقطر الدولتين الداعمتين لجماعة الإخوان المسلمين- في تكاثر العنف الإرهابي الإسلامي على نطاقٍ عالمي خلال فترة رئاسة أوباما”.
تظهر سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني المسربة من إدارة أوباما أنها كانت مهتمة بالفصل بين الطريقة التي تعاملت بها مع جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة. وفي هذا الصدد، قال أحد المسؤولين إن القيام بخلافِ ذلك سيكون سياسة “مدفوعة بالخوف”.
لكن روسوماندو يرى أن هذا التفكير كان خاطئًا حيث افترض وجود “اختلافات جوهرية… وأن أحد هذين التنظيمين يشكّل تهديدًا للأمن القومي، والآخر لا يشكّل تهديدًا”. في الحقيقة، “في حين أنه ربما يكون لديهما استراتيجيات وتكتيكات مختلفة، فإن ما يجمع بين أهدافهما النهائية أكثر بكثير مما يفرِّق بينهما”.
إضافة إلى ذلك، وكما يوضح روسوماندو، كانت هناك أدلة تشير إلى أن الصلة بين التنظيمين كانت أكثر مباشرة: فقد أرسل سيدني بلومنتال، الصديق القديم لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الذي أدار ما يشبه شبكة استخبارات خاصة خلال فترة ولايتها، سلسلة من الرسائل إلى السيدة كلينتون في ديسمبر 2011، مصدرها جهاز المخابرات المصري، حول الاتصالات بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة.
في ليبيا، كانت علاقة العمل بين التنظيمين أكثر وضوحًا في التمرد ضد العقيد معمر القذافي، وكان هناك وضع مماثل لذلك يسود في سوريا، حيث أضحى العديد من قدامى المحاربين في انتفاضة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات الآن شخصيات قيادية في الانتفاضة ضد بشار الأسد، على الرغم من أن بعضهم انتقل إلى جماعات أخرى، بما في ذلك فرع القاعدة في الدولة، جبهة النصرة، المعروفة الآن باسم هيئة تحرير الشام.
وقد أوضح زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني أن التلقين الإيديولوجي لقواته يعتمد جزئيًا على نصوص الإخوان المسلمين، لا سيما كتب سيد قطب، على الرغم من أن النصرة انتقدت جماعة الإخوان المعاصرة لمشاركتها في الانتخابات.
تحوّل انخراط الولايات المتحدة مع الإخوان المسلمين في ليبيا إلى قضيةٍ سياسية خطيرة بالنسبة للسياسة الداخلية بعد الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي في سبتمبر 2012، الذي أسفر عن مقتل السفير الأمريكي؛ لأنه، حسب رواية روسوماندو لما جرى، كلّفت ميليشيا تابعة للإخوان بالدفاع عن المجمع الذي توجد به السفارة، لكنها لم تتدخل لمنع جماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة من اقتحام المجمع.
في كل من ليبيا وسوريا، بدا أن إدارة أوباما لا تحبِّذ الليبراليين العلمانيين، ولكن كما يشير روسوماندو -وكما هو الحال في أوروبا– كان هذا في كثير من الأحيان نتاج الظروف؛ أي الانقسامات داخل المعسكر العلماني تجاه جماعة الإخوان المسلمين المنظمة جيدًا والممولة جيدًا التي كان الانخراط معها أكثر سهولة فضلًا عن أنها قدمت نفسها بشكلٍ معقول على أنها أكثر شعبية.
إضافة إلى ما سبق، ساعد التمويل الأجنبي والطبيعة الجغرافية في سوريا في هذه المحصلة: فقد كانت الذراع السياسية للمعارضة متمركزة في تركيا -نقطة الانطلاق الرئيسة- وكانت الحكومة هناك تفضل جماعة الإخوان، وتمكنت من أن تؤمن لها ما يشبه الاحتكار.
وأصبح انفصال المعارضة السياسية السورية عن الظروف داخل الدولة أكثر وضوحًا مع مرور الوقت، ما يعني أن المشاركة لم تعد ذات أهمية لها. أما داخل ساحة التمرد، فقد ازداد الجهاديون قوة. من المفارقات أن جهود المتمردين القوميين لصد الوجود الجهادي داخل ساحة التمرد أدّت إلى الاقتتال الداخلي الذي فتح المجال للأسوأ على الإطلاق: بروز داعش.
ومن بين نقاط القوة التي يتمتع بها هذا الكتاب في وصف ما جرى مع المعارضة السياسية السورية هو البحث الأصيل الذي أنجزه روسوماندو، حيث تتبع المشاركين ومقابلتهم، لا سيما روبرت فورد، السفير الأمريكي في دمشق في تلك الفترة الحاسمة.
وهنا تنبغي الإشارة إلى أن هذه المنهجية؛ أي استقاء الأدلة من المعنيين مباشرة، تنطوي على مخاطرة: ففي حين أنه قد يكون لدى هؤلاء الأشخاص رؤى فريدة من نوعها بشأن الأحداث، فإنه قد تكون لديهم دوافع خفيّة أيضًا. لكن روسوماندو يدرك ذلك، حيث يوضح في خاتمة الكتاب أنه “ينبغي لخبراء السياسة الخارجية… أن يتحققوا من كل ما يُقال لهم من قبل النشطاء وأولئك الذين يصفون أنفسهم بالخبراء، وغيرهم ممن قد يكون لهم مصلحة”.
في قسمٍ مهم من الكتاب، يوثّق روسوماندو الطريقة التي حشدت بها الهياكل الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين في الغرب، وبعضها بتوجيهٍ من الشيخ يوسف القرضاوي التابع لجماعة الإخوان المسلمين المقيم في قطر، من خلال جماعات الضغط و”الجمعيات الخيرية”، لتشكيل الرأي المؤيد للتمردات والحكومات التي تمخضت عنها التي يقودها الإسلامويون، على الرغم من “عداء الإخوان الواضح للقيم والثقافة الأمريكية، بما في ذلك قوانين التجديف، ومعاملتهم المسيئة للنساء، ومجتمع المثليات والمثليين، ومزدوجي الميل الجنسي، ومغايري الهوية الجنسانية، والأقليات الدينية”.
وختامًا، يخلص روسوماندو إلى أنه على الرغم من أنه “يصعب عزو أو تحديد مدى نجاح “جماعات الواجهة” للإخوان المسلمين في تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة”، “فإنه ليس هناك شك في أن لديها إمكانية وصول غير مسبوقة إلى صانعي القرار، والمؤثرين، ووسائل الإعلام الأمريكية في محاولتها لتشكيل المشهد السياسي”.