هيئة التحرير في عين أوربية على التطرف
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عقد معهد إلكانو الملكي في مدريد منتداه السادس حول الإرهاب والتطرف، وكان التركيز هذا العام منصبًا على التطرف داخل السجون. جرى عقد هذا المنتدى بالشراكة مع السفارة الأمريكية في إسبانيا، وحضر المؤتمر عدد كبير من صناع السياسة رفيعي المستوى، وخبراء شؤون الإرهاب، والعاملين في مجال مكافحة التطرف. وقد تناول المشاركون مخاطر التطرف في السجون من وجهات نظر متعددة، وتبادلوا عددًا من الممارسات والآراء الجيدة حول آفاق المستقبل القريب.
وقد حضرت “عين أوروبية على التطرف” فعاليات المنتدى، وقامت بتحديد وتعريف عدد من القضايا الحاسمة والرؤى التي ينبغي أن تثير اهتمام المتابعين.
الحاجة إلى التحليل الكمي والتنميط المرن
أوضحت المحللة البارزة في برنامج التطرف العنيف والإرهاب الدولي في معهد إلكانو الملكي، كارولا غارسيا كالفو، أحدث نتائج النشاط المكثف الذي قام به معهد إلكانو في رسم خريطة المشهد الإسباني الراديكالي. وفي معرض حديثها حول التطرف في السجون، أشارت كالفو إلى أن السجون كانت أحد عوامل التطرف في 6 أفراد من أصل 10 أشخاص حكم عليهم بالسجن بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب، مقارنة بـ4 من أصل 10 حالات لعبت فيها المساجد أو أماكن العبادة الأخرى دورًا هامًا في عملية التطرف.
مواجهة التطرف العنيف لا تأتي كـ”مقاس واحد يناسب الجميع”
جرى تسليط الضوء على هذه الفكرة الحاسمة من طرف العديد من المتحدثين طوال فترة انعقاد المنتدى. وقد أوضح مدير المعهد الألماني لدراسات التطرف ومكافحة التطرف، دانييل كولر، أن برامج مكافحة التطرف العنيف تشترك في سلسلة من الخصائص والخيارات المشتركة الواجب إجراؤها، مثل وجوب اشتمال الأيديولوجية من عدمها، وتنفيذ حملات وقاية، وكذلك درجة تدخل الدولة. ومع ذلك، أكد كولر على أن كل برنامج مخصص لمكافحة التطرف العنيف، يجري تصميمه في سياقه الخاص به، وبالتالي ضرورة تصميم وتنفيذ تدخلات (تعديلات) وفقًا لمرحلة التطرف التي وصل إليها الفرد.
وبالمثل، أشار فرناندو ريناريس، المحلل البارز، مدير برنامج التطرف العنيف والإرهاب الدولي في معهد إلكانو الملكي، إلى تطور التجربة الإسبانية التي تخلت فيها البلاد عن معادلة دمج السجناء التي أعقبت النزاع مع مجموعة “إيتا” الانفصالية في إقليم الباسك. بينما قدمت هيلا وايزمان، العاملة في دائرة السجون، مزيدًا من الأفكار المفيدة حول قدرة برامج مكافحة التطرف العنيف على التكيف مع الظروف المختلفة. وقد صنفت السجناء المتطرفين في 4 مجموعات: السلفيون، والسجناء ذوو المعرفة الجيدة بالدراسات اللاهوتية، والمقاتلون الإرهابيون الأجانب العائدون، وكذلك المتطرفون الأصغر سنًا والأقل تعليميًا دينيًا. وقد بينت وايزمان أن دائرة السجون تبنت نهجًا تجريبيًا، ووجدت أن من المفيد أكثر إدماج العائدين والمتطرفين ذوي التعليم الديني المنخفض مع السجناء العاديين غير المتطرفين أصحاب الجرائم الجنائية، للاستفادة من النفور العام الذي يبديه السجناء العاديون تجاه المتطرفين. وبكلمات أخرى، قد يكون السجناء العلمانيون أكثر تحصنًا ضد التطرف.
أما مدير برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن، لورينزو فيدينو، فقد شدد على أن صانعي السياسات ومجتمع مكافحة التطرف العنيف ليسوا مضطرين إلى التوصل إلى توافق عالمي حول ما إذا كان الفصل أو الدمج بين السجناء هو الخيار الأفضل؛ فالأمر يعتمد على عوامل متعددة، مثل توافر الموارد، وطبيعة أعضاء المجموعة، وكذلك البلد الذي يحدث فيه التعديل على برنامج مكافحة التطرف، فضلًا عن مرحلة التطرف التي يعالجها البرنامج.
لم تحظ قضية إشراك المتطرفين السابقين في برامج مكافحة التطرف العنيف بتوافق واضح المعالم. هنالك عدد من برامج مكافحة التطرف وإعادة التأهيل –خصوصًا في بلدان خارج أوروبا مثل إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وبعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا– تبنت إستراتيجية إشراك شخصيات جذابة ممن ابتعدت عن ماضيها المتطرف، تستطيع خلق حوار بناء مع المتطرفين الأصغر سنًا.
الوقاية من المتطرف العنيف هو دائمًا عمل مستمر ومتواصل
شدد العديد من الخبراء، خلال فعاليات المنتدى، على الطبيعة الحرجة لمسألة وقاية ومكافحة التطرف العنيف، مستشهدين بحالات التقدم والتكيف المحرزة في بلدانهم وفي الخارج. وقد أوضح لورينزو فيدينو أنه قبل 10 سنوات فقط، كان النقاش حول التطرف خلف القضبان يركز فقط على فكرة العدوى بين السجناء (عدوى التطرف)، أو الاختيار ما بين دمج أو فصل الأفراد المتطرفين في السجون. لكن في الوقت الحالي، تقدم النقاش بشكل مثير، لا سيما في أوروبا، وبدأنا نرى السجون فرصة للوقاية من التطرف، أو حتى نزع التطرف.
مكافحة التطرف العنيف دون تقييمات مصيرها الفشل
تحدث جميع الخبراء المشاركين في المنتدى عن أهمية الرصد والتقييم المستمرين لبرامج مكافحة التطرف العنيف، بغرض تقييم فعاليتها. وقد شدد توماس رينارد، الباحث الكبير في معهد إيغمونت الملكي للعلاقات الدولية في بروكسل، على أهمية تصميم أدوات جديدة لتقييم المخاطر، تمامًا كما فعلت بلجيكا في السنوات الأخيرة. لكن في الوقت ذاته، هنالك سجناء غير معروفين بتطرفهم أثناء وجودهم في السجن، وهذا يعتبر من أكبر التحديات أمام أية إستراتيجية ناجحة لمكافحة التطرف العنيف.
بدلًا من إثارة الفزع في صفوف المواطنين، رفع الوعي حول التهديدات المحتملة
لا بد من تجنب المبالغة في قضية التطرف داخل السجون. أشار توماس رينارد إلى أن 4% – 5% فقط من نزلاء السجون معرضون لخطر التطرف، حتى في الدول عالية المخاطر مثل بلجيكا، التي تستضيف أكثر من 10,000 نزيل في سجونها.
علاوة على ذلك، قد يتغير السياق بين الحين والآخر؛ فحتى لو حاول المتطرفون القدامى والجدد، أصحاب الشخصيات الكاريزمية، جذب الأشخاص الآخرين داخل السجون وخارجها نحو التطرف، فقد لا يجدون الصدى ذاته أو الدعم الذي وجدوه في الفترة ما بين 2014 و2015.
وفي الوقت ذاته، حذر فرناندو ريناريس من أن الكثير من المقاتلين العائدين من سوريا أعادوا توظيف أنفسهم كمجندين ولاعبين نشطين في خلايا محلية في أوروبا.
وفي تحليلها الكمي، قالت كارولا غارسيا كالفو إن 73 جهاديًا على الأقل في السجون الإسبانية سيقضون عقوبتهم بحلول عام 2026، وهو بلا شك عدد كبير.
هنالك مسألة أخرى معقدة ينبغي معالجتها بعمق، وفقًا لدانييل كولر، هي حماية الأفراد الذين ابتعدوا عن العمل المتطرف من خطر الانتقام، سواء داخل السجون أو خارجها. ولهذا، فإن عمل المخابرات الداخلية أمر حاسم للغاية في هذه المسألة.
كما حذر فيدينو من أن السنوات القليلة القادمة ستشهد موجة كبيرة من الاعتقالات؛ بسبب تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب العائدين من جهة، وبداية إطلاق سراح المتطرفين المرتبطين بالقاعدة، ممن سجنوا في السنوات التي تلت الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، من جهة أخرى، وهي قضية تواجه أوروبا والولايات المتحدة.
هنالك اتجاه آخر توقعه أكثر من متحدث خلال فعاليات المنتدى، هو تزايد مشاركة مجموعات محددة في عمليات التطرف، مثل النساء، والقصّر، والأفراد الذين يعانون من مشاكل صحية عقلية.
وفي الختام، لدى جميع دول الاتحاد الأوروبي اليوم إستراتيجيات لمكافحة التطرف العنيف، لكن هنالك دائمًا مساحة للتحسين والتطوير، من أجل تحقيق وعي أفضل بعوامل التطرف داخل وخارج السجون.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا