أعلنت شبكاتُ التواصل الاجتماعي؛ مثل “فيسبوك”، و”إنستجرام”، في شهر مارس الماضي، أنها تريدُ منعَ المنظمات اليمينية المتطرفةِ، وقادتِها، من نشرِ الكراهية، ضد المهاجرين والأقليات الإثنية. لكن الأمورَ قد تغيرت، على ما يبدو، منذ البيانِ المثير للجدل الذي صدر عن مارك زوكيربيرج، الرئيس التنفيذي لـ “فيسبوك”، الذي يدافع عن عدم مهاجمة الأشخاص الذين ينكرون الهولوكوست. وفي هذا الصدد، قال زوكيربيرج في تصريحٍ له منذ عام: “أنا يهودي، وهناك مجموعة من الناس ينكرون حدوث الهولوكوست. أرى هذا مسيئًا للغاية. لكنني في نهاية المطاف، لا أعتقد أن منصتنا ينبغي أن تحجب هذا؛ لأنني أعتقد أن هناك أمورًا يفهمها الناس بطريقة خاطئة. لا أعتقد أنهم يتعمدون إساءة فهمها”.
غير أن الهجوم الإرهابي الذي وقع في نيوزيلندا، في 15 مارس، قد سرّع التدابير ضد الدعاية التي يقوم بها مناصرو تفوق البيض. لقد بثّ منفذُ المذبحة التي وقعت في مسجدين في كرايست تشيرش الفظائعَ التي ارتكبها في ذلك اليوم على تطبيق “فيسبوك لايف”، لمدة 17 دقيقة، كما لو كانت لعبةَ كمبيوتر.
قامت بعضُ المنافذ الإعلامية بنشر جزءً من هذه الصور، دون فلترة، الأمر الذي أعاد الموضوع لدائرةِ النقاش مرةً أخرى. وقد اضطرت شبكاتُ التواصل الاجتماعي للتحرك بسرعةٍ لمنع انتشار الرعبِ. وقامت شركةُ “فيسبوك” بإزالة الفيديو، بعد ساعة من الهجوم الذي أسفر عن مقتل 50 شخصًا، وإصابة 50 آخرين. وأعلنت في ذلك الوقت أنها أزالت 1.5 مليون نسخة من الفيديو، خلال الأربع والعشرين ساعةً التالية. كما قامت شركة “يوتيوب” بتغيير فلاتر البحث، وتعليقها عن العمل، في الساعات التي تلت المذبحة.
ورغم ذلك، لم يكن من الممكنٍ وقفُ النزيف؛ لأن إزالةَ هذا النوع من أشرطه الفيديو من شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، تمامًا، يكاد يكون ضربًا من المستحيل. مؤخرًا، رفعت جماعةٌ معنيةٌ بالدفاع عن المسلمين الفرنسيين دعوى قضائية ضد “فيسبوك” و”يوتيوب”، لعدم إزالة فيديو الهجوم بسرعةٍ كافية. وفي هذا الصدد، قال أحمد أوجراس، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: “يجب على فيسبوك أن تتحمل جزءًا من مسؤولياتها في هذا الأمر، ويجب أن تفعل كلَّ ما في وسعِها لاستباقِ البثّ الحي، بقدر ما تفعله ضد خطابات الكراهية والإسلاموفوبيا على شبكاتها”.
كما حذّرت رئيسةُ الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا آردن، من أن شبكات التواصل الاجتماعي هي “الناشر، وليس مجرد ساعي البريد”؛ لأنها تسمح بمشاركة المحتوى الإرهابي بين آلاف الناس في جميع أرجاء العالم.
وهكذا، أرغم تفشّي خطابِ التمييز ضد الجاليات المسلمة، وقبل كل شيء، الخوف من وقوع مزيد من الهجمات الإرهابية التي يرتكبها العنصريون البيض، شبكاتِ التواصلِ الاجتماعي للتحرك بسرعة.
في الماضي غير البعيد، خاضت شركتا “فيسبوك” و”تويتر” حربًا شرسة ضد آلة تنظيم داعش الدعائية التي استغلت شعبيةَ شبكاتِ التواصل الاجتماعي، بين الأطفالِ والمراهقين والشباب، لتجنيد الأشخاص للجهاد في سوريا والعراق. لكن بعد سنواتٍ من انتصارات داعش على الأرض، وعلى الإنترنت، لا يبدو أن المجموعة الإرهابية تحرزُ انتصاراتٍ في الوقت الحالي.
على الجانب الآخر المعاكس، غزا القوميون البيض، والنازيون الجدد، والعنصريون البيض الفضاءَ الإلكتروني، ذاتَه، مثلما فعل الجهاديون. وكان الخطابُ الشعبوي الذي يحثّ على كراهية أولئك الذين يختلفون في لون البشرة والدين – ممزوجًا بأخبارٍ زائفة عن المعارضين السياسيين- بمثابة “الوصفة” المستخدمة بشكل رئيس في أوروبا وأمريكا.
في العام الماضي، كشف تحقيقٌ صحفي أجرته مجلة “Motherboard ” الإلكترونية، أنه رغم قيام شركة “فيسبوك” بحظر الدعاية الخاصة بـ “تفوق البيض” من منصتها، فإنها لا تزالُ تسمح بالدعاية التي يقوم بها “القوميون البيض”، و”الانفصاليون البيض”. وقد أثارتِ المقالةُ جدلًا كبيرًا في الأوساط الأكاديمية، وبين قادة الحقوق المدنية الذين يرون أنه لا توجد اختلافات بين هذه الأيديولوجيات.
لكن يبدو أن بعضَ الأمور شهدت تغييرًا بعد عدة أشهر فقط، حيث قررت شركتا “فيسبوك” و”إنستجرام” حظر الأيديولوجيات الثلاث، باعتبار أنه ليس ثمة أي اختلافاتٍ كبيرة بينها. وفي هذا الصدد، ذكرت شركة “فيسبوك” في مدونة تحت عنوان “التصدي للكراهية”: “لم نطبق في البداية الأساس المنطقي ذاته على الدعاية الخاصة بالقوميين البيض والانفصاليين للبيض؛ لأننا كنا نُفكر في مفاهيم أوسع للنزعة القومية والنزعة الانفصالية-أشياء مثل الفخر الأمريكي وانفصال إقليم الباسك، التي تُشكل جزءًا مهمًا من هوية الناس”. وعقب مضي ثلاثة أشهر من التشاور مع “أعضاء المجتمع المدني والأكاديميين”، خلصت الشركة إلى أنه “لا يمكن فصل النزعة القومية للبيض والنزعة الانفصالية للبيض بشكل مجدٍ عن تفوق البيض وجماعات الكراهية المنظمة”.
بالنسبة للأشخاص الذين يبحثون عن هذه الأشياء، سيتم توجيههم إلى “حياة بعد كراهية”، منظمة لا تستهدف الربح “أسسها متطرفون عنيفون سابقون، لديها القدرة على التدخل في أماكن وأوقات الأزمات، وتوفر التعليم، ومجموعات دعم وتوعية”. [بشكل أساسي تهدف إلى مساعدة الأشخاص على التخلي عن الانتماء إلى المجموعات التي تؤمن بتفوق البيض[.
بدأت تظهر نتائج هذه السياسة الأكثر صرامةً، بشكل ملموس، في بداية العام. وكان مؤسس الحركة اليمينية المتطرفة والمناهضة للإسلام، رابطة الدفاع الإنجليزية، تومي روبنسون، قد حُظر نهائيًا من هاتين الشبكتين الاجتماعيتين. وذكرت “فيسبوك” و”إنستجرام” أن الزعيم المتطرف انتهك سياسات المنصتين بشأن خطاب الكراهية. وكانت شركة “تويتر” قد حظرته بالفعل، في العام الماضي، للأسباب نفسها.
وفي الوقت الحالي، لا يستطيع روبنسون الوصول إلى جماهير كبيرة على الإنترنت إلا من خلال “يوتيوب”. ومع ذلك، لم يتم محوه بالكامل من “فيسبوك”، حيث قادت عملية البحث على الفيس بوك إلى فيديو لمدة ثلاثين دقيقة، يحوي نقاشًا بين هذا المتعصب للبيض، وزعماء دينيين مسلمين، على شبكة “بي بي سي”.
اكتسبت مهمةُ مناهضةِ الكراهية العنصرية، على الإنترنت، زخمًا جديداً في شهر أبريل مع إعلان فيسبوك حظر عشرة من المواطنين البريطانيين والمنظمات اليمينية المتطرفة. وفقاً لـ “بي بي سي” تضم هذه القائمة السوداء الحزب القومي البريطاني وزعيمه السابق نيك جريفين، وحزب بريطانيا أولاً، وزعيمه بول جولدينج، ونائبة سابقة لزعيم الحزب جايدا فرانسن، ورابطة الدفاع الإنجليزية وعضوها المؤسس بول راي، و”نايتس تيمبلر انترناشونال” ]جماعة مسيحية متشددة مقرها المملكة المتحدة[ ومنسقها جيم داوسن، وحزب الجبهة الوطنية، وزعيمه توني مارتن وجاك رينشو، عضو حركة النازيون الجدد الذي تآمر لقتل نائب في حزب العمال. جميع هذه الأسماء والمنظمات ستُمنع من التواجد على أي خدمة على “فيسبوك”.
وفي البرتغال، تمت إزالة صفحات عدة من “نوفا ورديم سوشيال”Nova Ordem Social ، مجموعة تنتمي للنازيين الجدد، من “فيسبوك” تحت ضغط من الحركات البرتغالية والأجنبية المناهضة للفاشية. وقدمت هذه الحركات شكاوى لمارك زوكربيرج، ضد هذه المجموعة في أواخر العام الماضي.
وكشف موقع Polígrafo الإلكتروني البرتغالي، المتخصص في اكتشاف الأخبار المزيفة في الصحافة والإنترنت والمدونات، أن اليمين المتطرف قد استأنف على هذا القرار، شاكيًا من الاضطهاد وانتهاك حرية التعبير، بما هي حق مكفول في الدستور البرتغالي. وحاليًا، لا يوجد على “فيسبوك” سوى صفحة شخصية واحدة فقط تخص ماريو ماتشادو، زعيم مجموعة نوفا. وليس هناك أي مؤشر على تواجد المجموعة، على الأقل رسميًّا.
لكن هذه المجموعة المناصرة لتفوق البيض لا تزال نشطة جدًا على شبكة اجتماعية أخرى مهمة، هي “تويتر”. إذ يوجد لديها أكثر من 300 تغريدة، معظمها ضد المهاجرين أو النظام الديمقراطي. وتكشف تغريداتها الأخيرة عن شدة توجهها المناهض للإسلام: حيث نشرت مجموعة نوفا في شهر أبريل ما يلي: “أوقفوا الإسلام! قبل فوات الأوان!” أو” المسلمون سعداء بحريق نوتردام. الأوغاد المرضى!!”. لا تزال هذه التغريدات موجودة على الإنترنت.
تظهر وضعية هذه المجموعة البرتغالية، أن المعركة ضد الكراهية، على شبكات التواصل الاجتماعي، لا تزال في البداية، وأن معركتها غالبًا معركة غير متكافئة. إلا أن البيانات الأخيرة الصادرة من “فيسبوك” لا تبدو من قبيل الخطابة فقط. ذلك أن فيسبوك، وإنستجرام أو الرئيس التنفيذي لتويتر لم يكونوا سابقاً كما هو الآن وعلى هذا المستوى من الوعي بالخطر الذي تُشكّله خطابات الكراهية على شبكات التواصل الاجتماعي. من ناحية أخرى فهم لم يتعرضوا من قبل لمثل تلك الضغوطات من الرأي العام والحكومات والسلطات في جميع أنحاء العالم لمكافحة هذه التوجهات. علاوة على ذلك، لا تريد أن تبدو أي من تلك الشركات بأنها متواطئة في هجمات مروعة كالتي استهدفت المسجدين في نيوزيلندا.
*خريج المعهد العالي للعلوم الاجتماعية والسياسية من جامعة لشبونة في تخصص علوم الاتصال، ومراسل لشركة إكسبرسو.