عين أوروبية على التطرف
التقى موقع “عين أوروبية على التطرف” مع عوفيد لوبيل؛ محلل السياسات في المجلس الأسترالي للشؤون الإسرائيلية واليهودية، لمناقشة آثار استيلاء الجهاديين على أفغانستان. الجدير بالذكر أن لوبيل كان قد كتب، في الفترة التي سبقت تلك الكارثة، تقريرًا للموقع بعنوان “مقبرة الإمبراطوريات: أسباب وعواقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان”، متتبعًا السياق التاريخي للحرب الأفغانية، وأدوار الدول المجاورة مثل باكستان وإيران، وعمليات اتخاذ القرار في الولايات المتحدة، وحلفائها في حلف شمال الأطلسي.
استهل لوبيل حواره هذا بالحديث عن باكستان، التي لها دور ممتد منذ فترة في استخدام الإسلامويين في محاولة للإطاحة بالحكومة الأفغانية، وإنشاء نظام بالوكالة. والنقطة الجوهرية هنا هي أن هذا الدور قد بدأ قبل الغزو السوفييتي لأفغانستان بفترة طويلة في عام 1979، وغالبًا ما كان يفترض أنه الحدث الذي أدّى إلى إنشاء باكستان تحالفًا إسلامويًّا للتدخل في أفغانستان. ويوضح لوبيل أن جماعات المجاهدين التي استخدمت في الجهاد المناهض للسوفييت لم تكن سوى النسخة الأحدث لتكتل أنشأته باكستان من النسخة شبه القارية من جماعة الإخوان المسلمين.
قامت إيران أيضًا بدور محوري في أفغانستان، حيث عملت من خلال الحرس الثوري الإسلامي، جزئيًا إلى جانب باكستان، وفي بعض الأحيان كانت متنافسة مع الباكستانيين. ويشير لوبيل إلى أنه حتى قبل الانسحاب السوفييتي من أفغانستان في عام 1989، كان دور روسيا في أفغانستان مرتبطًا بدور إيران.
وطوال فترة التسعينيات، كانت إيران وروسيا الراعيين الرئيسيين للتحالف المناهض لطالبان، التحالف الشمالي -وإن كان مع إبقاء القنوات مفتوحة أمام طالبان- وكان للغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2001 نتيجة مثيرة للمفارقة، تمثل في تنصيب التحالف الذي ترعاه إيران وروسيا، على الرغم من منافسة الولايات المتحدة مع النظام الثيوقراطي في إيران، والعلاقات التي تزداد سوءًا مع روسيا.
حققت ولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش تقدمًا مطردًا في أفغانستان على مدى السنوات الخمس الماضية. وقد تمكّنت ولاية خراسان، التي تخضع بالكامل لسيطرة تنظيم داعش المركزي في سوريا والعراق، كما يؤكد لوبيل، من إبعاد الجهاديين عن تنظيم القاعدة، وغيره من الجماعات الباكستانية العميلة، وذلك بشكل ٍكبير من خلال جاذبيتها الأيديولوجية، وتمكنت من تجنيد قاعدة دعم خارج هذه الجماعات القائمة، بما في ذلك مع الأفغان من الطبقة المتوسطة في المدن. ويشير لوبيل إلى أنه في الأشهر التي تلَت سقوط كابول في أيدي طالبان والقاعدة في أغسطس، صعّدت ولاية خراسان من عملياتها في أفغانستان، بفضل اقتحام طالبان للسجون وتحرير السجناء.
وقد دار نقاش غريب حول ما إذا كانت طالبان ستنفصل عن تنظيم القاعدة. غير أن لوبيل يرفض هذه الفرضية، مؤكدًا أن “هذه ليست مجموعات منفصلة من الناحية الوظيفية”.
من ناحيةٍ أخرى، قامت الصين بدور جوهري في تمكين ما حدث في أفغانستان؛ لأنها الداعم الرئيس لباكستان. والواقع أن باكستان، كما يشرح لوبيل، تعتمد على النظام الشيوعي الصيني من الناحية الاقتصادية، وبعض الجوانب الأخرى. وكانت إحدى الحجج التي استخدمت للدفاع عن قرار سحب القوات الأمريكية من أفغانستان هي أن هذا من شأنه أن يساعد في التحول من “مكافحة الإرهاب” إلى “منافسة القوى العظمى”.
غير أن لوبيل يرى أن هذا “هراء”: لقد فقدت أفغانستان لصالح الصين، والانسحاب لا يحرر أي موارد لمناطق أخرى، لأنه لم يكن هناك في الواقع سوى بضعة آلاف من الجنود في الدولة، ولم تكن التكلفة باهظة. إن نقل هؤلاء الرجال والأموال إلى المحيط الهادئ لن يحدث فرقًا في موقف الولايات المتحدة في ذلك المسرح، في حين أن هؤلاء كانوا يحدثون فرقًا في أفغانستان من خلال منع الصين (وروسيا، وهي منافس آخر من “القوى العظمى”) من تحقيق رغبة طويلة الأمد في استراتيجيتهما الكبرى الرامية إلى دفع الولايات المتحدة إلى خارج آسيا الوسطى.
ويوضح لوبيل أن الحجة التي تقول بوجود تعارض بين خوض “الحرب الصغيرة” في أفغانستان و”منافسة القوى العظمى” مع الصين معيبة من الناحية المفاهيمية. فالصراع هو صراع على النفوذ في جميع أنحاء العالم، والتخلي عن النفوذ في دولة واحدة -لا سيما الدولة التي سمحت بوجود عسكري أمريكي على حدود الصين- أمر غير مفيد في هذا الصراع.
علاوة على ذلك، في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، “الهند تمثل جوهر” الصراع في جنوب شرق آسيا، وقد مكّنت الولايات المتحدة الآن أعداء الهند من محاصرة الهند من ثلاثة جوانب، مع احتلال باكستان لأفغانستان، ما يعطيها العمق الاستراتيجي لاستئناف حرب كشمير، والصين تهاجم الهند مباشرة من الشمال؛ وإلى شرق الهند يدعم الصينيون القوات المناهضة للهند في بورما.
يضيف لوبيل أن “دور تركيا في أفغانستان لم يكن كبيرًا أبدًا”، على الرغم من أن لها اتصالات مع الجميع” ولا تمانع بشكل خاص في من يدير أفغانستان. وخلال المرحلة النهائية في أفغانستان، جرَت مناقشة حول تولي تركيا إدارة مطار كابول؛ غير أن هذا لم يحصل، ولم يحدث سوى تطور ضئيل في هذه المسألة منذ ذلك الحين. ومع ذلك، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “غريب الأطوار للغاية”، لذلك فمن الصعب التنبؤ بالمسار الذي سيتخذه الآن. وفي حين أن أنقرة منهكة بمشكلاتها الاقتصادية الداخلية في هذه اللحظة، فمن المحتمل أن تسعى لزيادة انخراطها في أفغانستان في مرحلة ما في المستقبل.
ويرى لوبيل أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان كان مدفوعًا باعتباراتٍ أيديولوجية، وليست أمنية. فلقد كان الوجود الأمريكي مستدامًا ومنخفض التكلفة نسبيًا، وحقق فوائد استراتيجية وأمنية كبيرة. ويضيف بقوله: “لذلك، لم يكن هناك أي سبب لمناقشة الانسحاب، باستثناء هذه الأيديولوجية التي يتم التعبير عنها بالأساس على أنها “إنهاء حروب لا نهاية لها” أو إنهاء “حروب أبدية.” “في الحياة الحقيقية، الدول تخوض حربًا حتى تفوز أو تخسر. … فالحروب تستغرق ما تستغرقه من وقت”. وقد بدأت آثار التخلي عن ذلك تتجلى بالفعل في شكل موجةٍ من الهجمات الإرهابية في بريطانيا، وأماكن أخرى.
وختامًا، يخلص لوبيل إلى القول بأنه ليس هناك الكثير مما يمكن القيام به الآن في أفغانستان. ويرى أن التغيير الرئيس في السياسة يتمثل في معاملة باكستان ككيان معادٍ، وفرض عقوبات عليها، بسبب رعايتها للإرهاب والعدوان على جارتها.