
أنتوني سيلسو؛ أستاذ مشارك في قسم الدراسات الأمنية في جامعة أنجيلو الحكومية، وباحث معروف دوليًا يلقي محاضرات في جامعتين؛ ألمانية ودانماركية. كما أنه مؤلف لعدد 13 دراسة مُحكَّمة وافتتاحية صحيفة “واشنطن تايمز”. البروفيسور سيلسو متخصص في مكافحة الإرهاب الإسلاموي، وفي سياسات البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط. من مؤلفاته كتاب: «انتكاسة القاعدة ما بعد 11 سبتمبر: الحرب الجهادية الفاشلة ضد العدو القريب والبعيد»، الصادر في 2014، و«داعش: تاريخ مقارن للحرب الجهادية» الصادر في 2018.
مع انقضاء أكثر من عامٍ منذ استيلاء طالبان على أفغانستان، ليس ثمة أمل كبير في أن تخفِّف طالبان من حدة تطرفها أو تنفصل عن تنظيم القاعدة. ذلك أن حظر الحركة للتعليم الثانوي للفتيات في مارس 2022 ومقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في يوليو الماضي في كابول في غارة أمريكية بطائرةٍ مسيَّرة يثبت على نحوٍ قاطع أن طالبان لم تتغيَّر. ومن أسفٍ القولُ إن مستقبل أفغانستان قاتم، وذلك في ظلِّ تأرجحها على حافة انهيارٍ اقتصادي، ومجاعة جماعية.
إن صلات طالبان الأيديولوجية والتنظيمية بتنظيم القاعدة لا خلاف حولها. ويتفق صانعو السياسات في الأمم المتحدة والولايات المتحدة على أن شبكة القاعدة نمت في البلاد في العام الماضي. فمنذ عام 2014، يمتلك فرع القاعدة في جنوب آسيا، المعروف باسم القاعدة في شبه القارة الهندية، شبكة تمتد من باكستان إلى كشمير. وقد ساعد أفضل مقاتلي القاعدة خبرة في استيلاء طالبان على السلطة بعد الانسحاب الأمريكي الكارثي. ولا شك أن خفض القوات في الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر، اعتبر توقيتا كارثيا فقد منح القاعدة انتصارًا رمزيًا ونفسيًا غير ضروري.
في أعقاب سقوط الحكومة المدعومة من الغرب، تدفق المقاتلون الجهاديون الباكستانيون والطاجيك والأوزبك عبر الحدود الأفغانية، متأكدين من قدرتهم على الحصول على ملاذاتٍ آمنة لشبكاتهم. إذ تستضيف المنطقة شبكة حقاني، أغنى شبكة إجرامية متمردة إرهابية في العالم، والتي تهيمن على تشكيلة الحكومة الأفغانية الجديدة. تاريخ شبكة حقاني يعود إلى حقبة الحرب الأفغانية، ولديها تاريخٌ طويل من التورّط مع تنظيم القاعدة، وحماية قادته في باكستان وأفغانستان وتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة.
شبكة حقاني
في حين أن علاقة طالبان بتنظيم القاعدة غامضة تاريخيًا فإن شبكة حقاني دعمت باستمرار تنظيم القاعدة لما يقرب من جيل. في الواقع، قتل أيمن الظواهري في منزلٍ آمن تابع لشبكة حقاني. ويثير وجود شبكة حقاني التي تسيطر على أكثر من نصف المناصب الوزارية الأفغانية، بما في ذلك الإشراف على وزارات الاستخبارات والهجرة، مخاوف من منح الجماعات الإرهابية الدولية ملاذًا آمنًا وممرًا عبر أفغانستان.
على أهمية مقتل الظواهري، فإن قوة تنظيم القاعدة المركزي تتعزز في ظل دولة داعمة تديرها طالبان وشبكة حقاني، اللذان لم يلتزما جديًا بقطع علاقتهما مع الجماعات الإرهابية الإسلاموية. ومع ذلك، فإن موت الظواهري لا يزال يثير أزمة خلافة في التنظيم. هناك خلفاء محتملون (قائدا تنظيم القاعدة سيف العدل، وعبد الرحمن المغربي) في إيران حاليًا، لكن قدرتهما على إدارة فروع التنظيم المترامية الأطراف محل شكٍ. وفي ظل القيود الإيرانية، قد يلجأ مجلس الشورى الحاكم للتنظيم إلى اختيار قائدٍ إقليمي مقره المغرب العربي أو اليمن أو الصومال.
مثلُ هذا الاختيار قد يؤدِّي إلى تفاقم ضغوط الطرد المركزي في التنظيم الذي أُضعف بالفعل بسبب الإطاحة بفرعه العراقي (المعروف الآن باسم الدولة الإسلامية) في عام 2014 وفقدان فرعه السوري الذي كان يُسمَّى سابقًا جبهة النصرة. تجدر الإشارة إلى أن جبهة النصرة، التي أُعيد تشكيلها باسم هيئة تحرير الشام، قد قطعت علاقاتها مع الظواهري في عام 2017 وتقمع بقوة ما تبقى من عناصر القاعدة في محافظة إدلب.
تأهب للتوسع
نظرًا لأن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية يُعتبر أحد أضعف فروع تنظيم القاعدة، فقد يكون متهيئًا للتوسّع. ولا شك أن دعم طالبان وحقاني، وتآكل شبكة الاستخبارات الأمريكية في أفغانستان، والتراجع المطرد في الضربات الموجّهة باستخدام الطائرات المسيّرة من قبل الولايات المتحدة في جميع أنحاء المنطقة القبلية الأفغانية الباكستانية، تعد ظروفًا مواتيةَ للنمو المحتمل للفرع. في هذه الأثناء، يراود محللي الاستخبارات القلقُ من أن يتمكَّن التنظيمُ، في غضونِ عام، من تطوير قدراته على شن هجماتٍ دولية. غير أن الكثير من هذا مشروط ببقاء نظام طالبان-حقاني. وهذا أبعد ما يكون عن اليقين.
تواجه الحكومة الجديدة حركات تمرد متعددة وأزمة اقتصادية كارثية تفاقمت بسبب قطع المساعدات الدولية. إضافة إلى ذلك، تشن فلول النظام السابق بقيادة القائد الطاجيكي أحمد مسعود تمردًا مستمرًا في شمال أفغانستان. وفي هذا الصدد، يرى محللون في مجلة “لونج وور جورنال” أن تمرد “جبهة المقاومة الوطنية” ضد دولة طالبان- حقاني قد ازداد شدة. ومن المتوقع أن يؤدي تقديم مساعدات وأسلحة غربية للجبهة إلى تعزيز تمردها الوليد.
علاوة على ذلك، تتعرّض حركة طالبان لضغوط من ولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش، التي شنت سلسلة من الهجمات المدمرة ضد طائفة الهزارة الشيعية في أفغانستان، بما في ذلك ضد عشرات الهجمات على المساجد التي أسفرت عن مقتل المئات. كما اغتالت ولايةُ خراسان عددًا من كبار رجال الدين والقادة في طالبان. وتعتبر طالبان وحلفاءَها في تنظيم القاعدة “مرتدين”.
وعلى الرغم من أن تمرد ولاية خراسان يقتصر على منطقة ننجاهار الشرقية، فإن استمرار حالة انعدام الأمن والأزمة الاقتصادية ينذران بزيادة عدد أعضائه وقدراته القتالية. تحظى ولاية خراسان بشعبية بين المجتمعات السلفية في أفغانستان، وتشير بعض التقارير إلى أن ثمة فصائل داخل شبكة حقاني تتعاون مع عناصر ولاية خراسان1. التكوين الطائفي في أفغانستان حيث كانت التوترات السنية-الشيعية منخفضة تاريخيًا تحد من احتمالية التوسُّع الكبير لخراسان. تاريخيًا، ازدهرت فروع داعش (كما هو الحال في العراق) حيث التصدعات الطائفية شديدة.
في مواجهة حركات تمرد متعددة، وظروف اقتصادية قاسية، وعزلة اجتماعية، يتوقع بعض المراقبين اندلاع حرب أهلية وشيكة وانهيار الدولة، ما يُذكِّرنا بفترة ما بعد الاحتلال السوفيتي في أوائل حقبة التسعينيات. لذا، يمكن القول بثقة إن أفغانستان ستظل دولة فاشلة غير مستقرة وغير قادرة على تأمين السيطرة على تضاريس صعبة، ويتفاقم الوضع بسبب الجيران المتطفلين الجامحين والمظالم القبلية المستعصية.
جيران قلقون
عدم الاستقرار في أفغانستان يهدد على نحوٍ متزايد باكستان وإيران. كما أن التزاوج بين طالبان الأفغانية والباكستانية يثير قلق إسلام أباد، حيث يمكن أن تعزز كابول متمردي حركة طالبان-باكستان المناهضين للحكومة الباكستانية. وتؤدي المناوشات عبر الحدود بين القوات الإيرانية وقوات طالبان وهجمات تنظيم خراسان ضد طائفة الهزارة الشيعية إلى تفاقم قلق طهران بشأن النظام الجديد. تجدر الإشارة إلى أنه قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان، كانت العلاقات بين إيران وطالبان متوترة. وكادت الدولتان تخوضان حربًا في عام 1996 عندما قتلت طالبان عشرات الدبلوماسيين الإيرانيين. بيد أنه حتى استيلاء الحركة على السلطة في أغسطس 2021، دعمت إيران متمردي طالبان الذين يقاتلون النظام المدعوم من الولايات المتحدة.
وفي ظل حكم طالبان، تستضيف أفغانستان الآن شبكاتٍ جهادية أوزبكية وطاجيكية مرتبطة بتنظيم القاعدة، ما يثير القلق من اندلاع تمرد إسلاموي إقليمي أوسع نطاقًا. هذه بيئة لا تستطيع فيها الجماعات الإرهابية الصمود والاستمرار فحسب، بل الازدهار أيضًا. ومع ذلك، فإن مقتل أيمن الظواهري في يوليو 2022 يضفي بعض المصداقية على ادّعاء إدارة بايدن بأن الولايات المتحدة تحتفظ بقدرات “عبر الأفق” لتحييد التهديدات الإرهابية قبل أن تضر بالأمن الدولي.
نجاح الضربة يكشف أن الولايات المتحدة لديها أصول استخباراتية متبقية على الأرض. ورغم أن هذا قد يكون صحيحًا في كابول، مدينة يبلغ عدد سكانها 4.6 مليون نسمة، فمن غير الواضح ما إذا كانت هذه الشبكة الاستخباراتية تمتد في جميع أنحاء الدولة. ومن غير المرجح أن يكون لدى الولايات المتحدة أو أي وكالات استخبارات غربية عملاء في المناطق القبلية التي تمتد عبر الحدود الإقليمية الأفغانية-الباكستانية، التي تمثل ثغرة أمنية، حيث تنشط معظم الشبكات الإرهابية في المنطقة وتدرب مجنديها.
انقسامات داخلية
الغريب في هذا الوضع أن أفضل أمل لدى الحكومات الإقليمية والغربية هو ألا يسيطر أحدٌ على السلطة في أفغانستان، وأن تظل الدولة مفتتة ومنقسمة داخليًا. وبدون رعاية قوية من الدولة، ستجد الجماعات الإرهابية صعوبة في الاستمرار. وحتى الآن، لم تتمكّن طالبان وحلفاؤها من شبكة حقاني من الانتقال من حركة متمردة إلى حكومة فاعلة. ولا تزال الحركة منقسمة بين المتطرفين والبراجماتيين الذين لم يتمكنوا من تحقيق توافق في الآراء بشأن الإدارة الاقتصادية للدولة، والانخراط مع المجتمع الدولي. وقد يؤدي قرار النظام الأخير بحظر إنتاج الأفيون إلى مزيدٍ من الانقسامات داخل تحالف طالبان-حقاني لأن الدوائر الانتخابية المهمة داخل هذه الجماعات تستفيد تاريخيًا من بيع المخدرات غير المشروعة.
هناك إشكالية أخرى تتجلى في الحرب الدائرة بين القاعدة وداعش، التي تدور رحاها في أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان. هذه التوترات تؤدي إلى اقتتال داخلي بين الجهاديين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، حيث تتنافس فصائل تنظيم القاعدة في الصومال واليمن وسوريا وأفغانستان مع الجماعات المحلية التابعة لداعش، الأمر الذي يحوِّل انتباهها بعيدًا عن الغرب.
الخلاصة
في حين أن تنظيم القاعدة لم يتخل بعد عن استراتيجيته المميّزة، استراتيجية العدو البعيد، الرامية إلى مهاجمة الأراضي الأمريكية، فإن حرب الطائرات الأمريكية المسيّرة على “الجهاز الخارجي” للتنظيم في باكستان واليمن قد قوَّضت قدراته على استهداف الدول الغربية. ومن المفارقات أن التحزُّب داخل تنظيم القاعدة وصراعه مع تنظيم داعش في جميع أنحاء العالم يعزّزان الأمن الغربي. وعليه، إذا استمرت هذه الانقسامات، وظلت قبضة طالبان على السلطة ضعيفة، فمن غير المرجح وقوع أحداث مماثلة لهجمات 11 سبتمبر.
المراجع:
[1] أنطونيو جيستوزي: «ولاية خراسان-داعش: أفغانستان وباكستان والجهاد الجديد في آسيا الوسطى»، لندن، دار هيرست للنشر، 2018.
* يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في المقابلة تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.