قراءة: ماثيو بوغليز
يعتبر جي إم بيرغر، المؤلف الشارك في كتاب “تنظيم الدولة الإسلامية: دولة الإرهاب” مع جيسيكا ستيرين والذي نعرضه هنا، من الباحثين البارزين في شبكة “فوكس بول”، ويقدم في كتابه هذا حول التطرف ظاهرةمعروفة ولكن من منظور مختلف.
يركز معظم الأكاديميين حتى اللحظة على انتشار التطرف حول العالم، وعلى دلالاته الأيدلوجية المختلفة. بينما يحاول بيرغر التعمق أكثر في المسائل النظرية حول ماهية التطرف وأسباب تحوله نحو العنف.
إن أحد الأسباب التي دفعت صناع القرار والباحثون إلى البدء باستخدام مصطلح “التطرف” على نطاق واسع في السنوات الأخيرة هو عدم وجود تعريف مشترك للإرهاب حتى هذه اللحظة. والسبب في ذلك يعود إلى الحساسيات السياسية، وكذلك إلى تعقيد عملية وضع تعريف مقنع لما يعنيه الإرهاب.
وقد بحث بيرغر عن معنى التطرف في القاموس، ووجده كما يلي: “الصفة أو الحالة التي يكون بها الشيء متطرفًا” دون تقديم معنى آخر. وعندما حاول تعريفه، بدأ بيرغر بـثلاثة افتراضات: نادرًا ما يكون التطرف بسيطًا؛ ولا يقتصر على أي عرق أو دين أو نظرة سياسية واحدة؛ ويترتب عليه عواقب عميقة على المجتمعات.
يدور تحقيق المؤلف حول نظرية الهوية الاجتماعية، التي طورها عالما النفس الاجتماعي “هنري تاجفيل” و “جون سي تورنر”. جرى صياغة هذه النظرية في السبعينات والثمانينات بغرض تفسير السلوكيات داخل المجموعات. وقد وضعا نظرية مفادها أن الناس يصنفون أنفسهم والآخرين كأعضاء في مجموعات اجتماعية متنافسة. ينطوي مفهوم “المجموعة الداخلية” على أشخاص يتشاركون الهوية، مثل المجموعة الدينية أو العرقية أو القومية. وبكلمات أخرى: هي المجموعة التي ينتمي إليها الفرد. ومن جانب آخر، ينطوي مفهوم “المجموعة الخارجية” على أشخاص مستثنيين من مجموعة محددة. أعضاء المجموعة الواحدة يشكّلون هوية، والأفراد الذين يتشاركون هوية مشتركة يشكّلون هوية جمعية.
هذه هي الفكرة الأساسية التي يستعيرها بيرغر من أجل بلورة مفهوم التطرف. قام بيرغر في الكتاب بتحليل حلقات من التاريخ القديم مثل مدينة قرطاج القوية، التي جرى هزيمتها من قبل الرومان وتدميرها وتسويتها في الأرض. يستخدم بيرغر كذلك أمثلة من حصن متسادا المحاصر، حيث قام المتعصبون اليهود السيكاريوس بالانتحار بدلًا من الاستسلام، وكذلك تمرد الطائفة المعروفة باسم “الخوارج”؛ وهو المصطلح الذي يستخدمه تنظيم الدولة الإسلامية في بعض الأحيان هذه الأيام.
يقدم المؤلف كذلك تعريفًا للتصنيف الاجتماعي باعتباره فعلًا يهدف إلى فهم نفسك لتكون جزءًا من مجموعا ما، وكذلك لتحديد ما إذا كان الآخرون جزءًا من مجموعتك أم لا. ويعتبر بيرغر أن الأيدلوجية المتطرفة هي مجموعة من النصوص التي تحدد من يمكن اعتبارهم جزءًا من مجموعة داخلية.
وعند هذه النقطة، يعطي بيرغر تعريفه العملي للتطرف باعتباره “الاعتقاد بأن نجاح المجموعة الداخلية وبقاءها لا ينفصل أبدًا عن الحاجة إلى العمل العدائي ضد المجموعة الخارجية”. الفارق الرئيس عن التطرف العنيف هو الحاجة إلى عمل عنيف، وليس عدائيًا فحسب. ولكن في ذات الوقت، يؤكد الكاتب على حقيقة أن ليس كل الأعمال الضارة أو العنيفة متطرفة بالضرورة. يأتي أحد الأمثلة على هذا التعريف من القوميين البيض: فهم يعتقدون أن الناس البيض لن يحققوا النجاح أبدًا إلى حين التخلص من غير البيض من المجموعة الداخلية، بوسائل الفصل أو الإبادة.
إن تحليل الأزمات والحلول أمر مركزي في نظرية المؤلف. يؤكد بيرغر أن المجموعة الداخلية تبدأ برؤية المجموعة الخارجية كتهديد لشرعيتها. هذا التهديد يخلق أزمة، وهو حدث محوري يتطلب استجابة نشطة من داخل المجموعة. ومن ثم تقدّم المجموعة المتطرفة حلًا ينطوي على أعمال عدائية أو عنيفة ضد المجموعة الخارجية، في إطار الجهود المبذولة لحل “الأزمة”.
يسرد الكاتب أكثر روايات الأزمات شيوعًا وانتشارًا واستخدامًا من قبل المتطرفين، بما فيها “عدم النقاء” و”التآمر” و”الواقع المرير” و”نهاية العالم” و”التهديد الوجودي” (على سبيل المثال، رواية “يوميات تيرنر” القومية البيضاء، التي تحدثت عن سيطرة الأقليات على الولايات المتحدة ونزع سلاح البيض، وهي ما ألهم منفذ تفجير أوكلاهوما على ارتكاب فعلته).
يرى المتطرفون المناهضون للمسلمين -مثل القاتل اندريس بريفيك- أن المسلمين يشكلون تهديدًا وجوديًا للثقافة الغربية. وينطبق الأمر ذاته على الواعظ الجهادي أنور العولقي، الذي حذّر في خطاب عام 2002 من أن الأمريكيين والأوروبيين “سيقتربون من كل العرب الذين يعيشون في أوساطهم، وسيقتلون كل رجل وامرأة وطفل، سيجري إبادتهم.. إنها محرقة”.
ويضيف المؤلف إن “أزمة نهاية العالم” تنطوي على روايتين: الأولى هي نهاية بسيطة للمجتمع البشري. على سبيل المثال، يرى البيان الصادر عام 2011 عن “المقاومة الخضراء العميقة: استراتيجية إنقاذ الكوكب” أن المجموعة الخارجية المعرفة على أنها “حضارة صناعية” ستدمر كل كائن حي. أما الرواية الثانية فتنطوي على اعتقاد ألفيّ، سيجري بموجبه استبدال العالم الحالي بعالم مثالي. يجد بيرغر كذلك عاملًا إضافيًا: الانتصارية، التي استخدمت بشكل كبير في دعايتي النظام النازي وتنظيم الدولة الإسلامية.
يسرد المؤلف حولًا لهذه الأزمات، بما في ذلك دراسات حالة. إن أكثر الأزمات المقترحة من قبل المتطرفين تشمل التحرش والمضايقة والتمييز والفصل وجرائم الكراهية والإرهاب والقمع والحرب والإبادة الجماعية.
ويجري اعتبار بعضها كوسائل لتحقيق هدف محو التهديد، لكن البعض الآخر يعتبرها أهدافًا بحد ذاتها. يقدّم بيرغر تعريفه للإرهاب كما يلي: “العنف العام الذي يستهدف غير مقاتلين، ينفذه أفراد أو مجموعات غير حكومية، من أجل تحقيق هدف سياسي أو أيدلوجي، أو تضخيم رسالة سياسية أو أيدلوجية”. عند ممارسة ذلك من قبل لاعب حكومي، فيفضل بيرغر تسميته بـ “قمع” بدلًا من إرهاب.
يختتم المؤلف هذا التحقيق بأسئلة حول أسباب نجاح الأيدلوجيات المتطرفة، ووجد أنها تلبي الحاجة إلى اليقين عبر توفير ميزة تسمى “الكيانية”. تُعرّف الكيانية على أنها “ملكية المجموعة التي تستند إلى حدود واضحة وتجانس داخلي وتفاعل اجتماعي وهياكل داخلية واضحة وأهداف مشتركة ومصير مشترك”.
يعتبر هذا الكتاب واحدًا من أولى المحاولات الجادة الهادفة لتقديم إجابة على عدم وجود إجماع علمي حول معنى الإرهاب. وبالطبع، يفعل المؤلف ذلك عبر دراسة دقيقة لظواهر تاريخية وسلوكيات اجتماعية؛ لأن هذا الموضوع يتطلب نهجًا متعدد التخصصات ويستحق تركيزًا متزايدًا باعتباره موضوع أكاديمي منفصل.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا