فيديريكو بورجونوفو*
تمثل الحرب الروسية-الأوكرانية الحالية واحدة من أوضح الأمثلة على الحرب الهجينة. وإذا كانت الحرب الهجينة تتميز بتعدد الجهات الفاعلة المنتشرة في الميدان، فإن ساحة المعركة الأوكرانية تفوق سابقاتها جميعًا. ففي القتال الدائر بين الجانبين، تشارك وحدات نظامية، جنبًا إلى جنب مع العديد من الوحدات غير النظامية المحلية أو الأجنبية، بما في ذلك الميليشيات، والقوات شبه العسكرية، والمرتزقة. وعلى الرغم من ارتباط هذه الجهات الفاعلة بتنظيم مرجعي ما، فإنها ما تزال شبه مستقلة في إعطاء نفسها “الأسباب الوجيهة” للقتال.
النتيجة هي أن المفاوضات المؤسسية من أجل السلام في أوكرانيا ربما يكون لها آثار ضئيلة على تسريح المقاتلين. وقد روّجت المؤسسات الوطنية لحشد المرتزقة والمتطوعين، والميليشيات المدفوعة أيديولوجيًا أو دينيًا، والجماعات الإجرامية والإرهابية، دون أن تدرك أنها ستفقد السيطرة على هذه الجماعات نفسها. ويبدو أن العديد من الميليشيات، من كلا الجانبين، مرتبطة بجماعاتٍ يمينية متطرفة ذات أساس أيديولوجي وديني قوي للغاية، يجعلها مصممة جدًا على القتال. هذه ميليشيات يقودها أفراد يتمتعون بكاريزما، ولهم صلات قوية بمرؤوسيهم.
تجدر الإشارة إلى أن المحللين والباحثين درسوا على نطاقٍ واسع الميليشيات الأوكرانية المعروفة بصلاتها بالنازيين الجدد والجماعات اليمينية المتطرفة، قبل اندلاع الحرب بوقتٍ طويل. ولكن لم يكتب سوى القليل عن الجهات المشاركة على الجبهة الروسية. ولم تظهر المعلومات الأولى إلا عندما بدأت دعاية كلا الجانبين تتحدث عنها.
الميليشيات الموالية لبوتين… عوامل الدفع الأيديولوجية
الواقع أن التشكيلات غير النظامية التي يستخدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر تنوعًا بكثير من نظريتها الأوكرانية. هناك العديد من الميليشيات التي يقودها عاملان مختلفان للدفع: الروابط العرقية-الأيديولوجية، والتحالفات السياسية-الاقتصادية. وفيما يتعلق بالمجال العرقي الأيديولوجي، نلاحظ أن جزءًا كبيرًا من الوحدات شبه العسكرية الموالية لروسيا يأتي من “جمهوريتي” دونيتسك ولوجانسك، وهما منطقتا شرق أوكرانيا اللتان احتلتهما روسيا في عام 2014. والركيزة الثقافية الأساسية لمعظم هذه الوحدات تنتمي إلى مجموعات عرقية ناطقة بالروسية (مع بعض الاستثناءات).
انطلاقًا من هذا الأساس الاجتماعي-اللغوي، يتكشَّف طيف أيديولوجي شديد التنوع. يتكون هذا الطيف من تيارات مختلفة تميّز الميليشيات من الناحيتين الرمزية والعملياتية، على حد سواء.
يمكن تقسيم هذه الأيديولوجيات إلى أربع فئاتٍ رئيسة:
- أحد التيارات الرئيسة هي الحركة “الأوراسية”. فلقد أثبتت الأوراسية التي وحدها وصدرها إلى أوروبا ألكسندر دوجين أنها عامل جذب للمتشددين من اليمين المتطرف واليسار المتطرف.
- ترتبط بالحركة الأوراسية، ولكن لديها بصماتها الفلسفية المختلفة، حركة أنتيفا والجماعات اليسارية المتطرفة الهامشية الموالية للسوفييت. رجال هذه الميليشيات قادمون أساسًا من الخارج، ولكن بعضهم ينخرط أيضًا في الحزب البلشفي الوطني الروسي.
- هناك أيضًا تيارات أيديولوجية تتعلق بما يعرف باسم “القيصرية الجديدة” والأصولية الأرثوذكسية، التي تنبع من النزعة الإمبريالية الروسية.
- وأخيرًا، هناك مكون قومي متطرف من اليمين المتطرف، نشأ من رحم الحركة السياسية المعروفة باسم الوحدة الوطنية الروسية التي انبعثت من رماد منظمة “باميات”، منظمة أرثوذكسية مسيحية وطنية، يعود تاريخها إلى فترة السبعينيات.
بصفة عامة، ليس لدى الميليشيات الروسية الفردية توجّه أيديولوجي واحد. فمعظمهما تتأثر، بدرجاتٍ متفاوتة، بتيارات أيديولوجية متعددة من تلك التي ذُكرت أعلاه. إحدى أكثرها شهرة كتيبة إسبرطة، وهي جزء من القوات المسلحة لما يُعرف باسم “جمهورية دونيتسك”. تستخدم الوحدة، التي شُكلت من المتطوعين، مزيجًا من رموز الثقافة العسكرية الإسبرطية، واليمين المتطرف، والحقبة القيصرية.
بالانتقال إلى جماعات النازيين الجدد الهامشية، نجد حركة الوحدة الوطنية الروسية، وميليشياتها الطوعية المؤلفة من القوميين المتطرفين والنازيين الجدد. من ناحيةٍ أخرى، يتمحور توجه الجيش الأرثوذكسي الروسي، كما يوحي الاسم، حول التيار الأصولي الأرثوذكسي، والوحدة متهمة بارتكاب جرائم حرب ضد الأوكرانيين بدافع الطائفية الدينية، واستهداف السكان من الديانة الكاثوليكية والبروتستانتية.
لتأكيد الصورة الهجينة للصراع المستعر حاليًا، نلاحظ أيضًا وجود وحداتٍ شبه عسكرية يسارية متطرفة، تقاتل جنبًا إلى جنب مع النازيين الجدد أو القوى القومية المتطرفة المذكورة أعلاه. وتشمل هذه الكتائب الروسية التابعة للحزب البلشفي الوطني، والعديد من رجال ميليشيات أنتيفا من إسبانيا وإيطاليا.
الميليشيات الموالية لبوتين… التحالفات الاقتصادية الاستراتيجية
إلى جانب القواتِ ذات الطابع الأيديولوجي الواضح، يمكن لجيش بوتين الهجين نشر سلسلة من وحدات المرتزقة. ومن الواضح أن ولاء هذه الوحدات للقضية الروسية مضمون، ليس من خلال الروابط الاقتصادية فحسب، بل من خلال نظام التحالف أيضًا الذي أنشأه بوتين نفسه. وفيما يلي وحدات المرتزقة الأساسية التي نعرفها:
- مجموعة “فاجنر” هي ظاهريًا شركة عسكرية روسية خاصة، على الرغم من أنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بدائرة الأوليجاركية حول بوتين، والاستخبارات العسكرية الروسية. ويبدو أن فاجنر هي التي كلّفتها موسكو باغتيال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والتسلل إلى خطوط العدو في العاصمة الأوكرانية كييف، كجزء من الجهود المبذولة لتوجيه ضربة سريعة “لقطع الرأس” في الأيام الأولى من الحرب. في هذه الحالة، استخدمت فاجنر كرأس حربة للمديرية الرئيسة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، وهي عبارة عن وكالة الاستخبارات العسكرية الخارجية، جنبًا إلى جنب مع القوات الخاصة (سبيتسناز) الكلاسيكية.
- الوحدات الشيشانية وتُعرف باسم قديروفتسي، التي تعني حرفيًا “رجال قديروف”، وسميت نسبة لرمضان قديروف (وبالتالي والده أحمد قديروف)، وهو حليف مُقرّب من بوتين، ويطلق عليه اسم “حارس” الشيشان. باعتبارها نموذجًا للصراع الهجين، فإنها تتألف من وحدات منتظمة في شكل قوات الحرس الوطني الشيشانية، وفي شكل كتيبة مشاة آلية، جنبًا إلى جنب مع وحداتٍ أخرى شبه عسكرية أو مرتزقة.
- وكملاذٍ أخير، يعتمد بوتين على تحالفه مع الزعيم السوري بشار الأسد، ويجند المرتزقة لتوظيفهم في الصراع الحضري الحالي. وعلى وجه التحديد، يُزعم أن بوتين يجند مقاتلين سوريين من الفرقة 25 لقوات المهام الخاصة، الوحدة التي دربها الروس وسلحوها بأنفسهم للقتال في الحرب الأهلية السورية. يتلقى جنود هذه الفرقة تدريبات على القتال في المناطق الحضرية، ولديهم ما لا يقل عن عشر سنواتٍ من الخبرة في ساحات المعارك.
الخلاصة
وهكذا، يظهر لنا الجانب الروسي، مجددًا، الطابع الهجين لهذا الصراع. ذلك أن تعدد الجهات الفاعلة المنتشرة في ساحة المعركة، والغياب الواضح للروابط الهيكلية مع الجيوش النظامية، يمثلان الآن عنصرًا كلاسيكيًا في الصراع الهجين. وبفضل نظام التحالفات والعلاقات، يمكن لبوتين تغيير تشكيلته العسكرية من خلال الاعتماد على الوحدات العسكرية المختلفة التي يوفرها الحلفاء أو السوق نفسها (في معظم الأحيان يكون مزيجًا من الاثنين). على المستوى الاستراتيجي-العسكري، تتنامى الخيارات المتاحة مع ما يترتب على ذلك من تداعياتٍ تكتيكية مهمة. لكن الأمر الذي يشغل بال عددٍ قليل من المحللين هو ما سيحدث عندما تتوقف العمليات العسكرية، وكيف سيتم تسريح عناصر الحرب الهجينة هذه، والأهم من ذلك، إذا كان من الممكن بالأساس القيام بذلك.
* محلل في الفريق الإيطالي للقضايا الأمنية المتعلقة بالإرهاب، وإدارة حالات الطوارئ في جامعة القلب المقدس الكاثوليكية. كما أنه متخصص في الإثنوجرافيا الرقمية، والذكاء الاصطناعي في وسائل التواصل الاجتماعي، وتحليل الشبكات الاجتماعية.