أجرى موقع “عين أوروبية على التطرف”، مقابلة مع جون هورغان، أستاذ علم النفس في معهد الدراسات العالمية بجامعة ولاية جورجيا. تركز أبحاثه على الجوانب النفسية المتعلقة بالإرهاب والعنف السياسي. يهتم “هورغان” بشكل خاص بفهم الكيفية التي يتم من خلالها تجنيد أناس للانخراط في عمليات إرهابية، وكذلك الكيفية التي يتمكنون من خلالها بالانسحاب من هذه النشاطات وتركها. فضلاً عن اهتمامه بالميكانزمات والآليات النفسية التي يستخدمها المتطرفون والمنتمون إلى الجماعات الإرهابية العنيفة في التعامل مع أي مشاعر بالذنب أو خيبة الأمل، ثم تمكنهم من التكيف بصورة مستدامة مع انتمائهم إلى تلك الجماعات.
عين أوروبية: أنت أكثر خبراء علم النفس تميزًا في مجال دراسة الإرهاب على مستوى العالم، كيف يمكنك وصف مساهمة علم النفس في دراسة الإرهاب؟
جون هورغان: علم النفس هو الدراسة العلمية للسلوك البشري. والإرهاب مجرد نوع من أنواع السلوك، وإن كان معقدًا بشكل خاص. إن علم النفس غني بالنظريات والأساليب القيمة. علم النفس المعاصر يقدر الأدلة الدامغة المستندة إلى بيانات، وهذا ما يجعله مناسبًا بشكل خاص لإجراء بحوث ودراسات حول الإرهاب.
عين أوروبية: تتضمن بعض مشاريعك الحالية تقييم البرامج التي تهدف إلى مكافحة التطرف العنيف، ما هي البرامج التي تقيمها؟ وكيف تقوم بتقييمها؟
جون هورغان: أجرينا عام 2016 تقييمًا مستقلًا لجهود مكافحة التطرف العنيف الخاصة بمنظمة غير حكومية أمريكية، تدعى “المنظمة العالمية لتنمية الموارد والتعليم”. حينها، استخدمنا تصميمًا قائمًا على أساليب مختلطة (نظريات أساسية متوازنة، مجموعات تركيز، دراسات استقصائية، تجارب)، من أجل فهم كيفية قيام هذا البرنامج بتوظيف المشاركين، وكيفية تصوره لعوامل خطر التطرف العنيف، بالإضافة إلى تحديد العوائق الحرجة أمام عملية الإبلاغ عن المخاوف، التي تظهر حتى بين أولئك المنخرطين بشكل جوهري في مثل هذه البرامج. كانت إحدى النتائج المثيرة حقًا هي تطوير أدوات قابلة للتخصيص، يمكن لأي شخص اعتمادها في تقييم البرامج الأخرى في جميع أنحاء العالم.
عين أوروبية: عادة ما يتم تدارس البرامج الغربية الهادفة إلى مكافحة التطرف العنيف، وبرامج الوقاية وإعادة التأهيل المعمول بها في مناطق أخرى من العالم، بشكل منفصل، ما رأيك في هذا الاتجاه؟ هل هنالك أية دروس يمكن أن تتعلمها برامج مكافحة التطرف الغربية من الخبرات والمبادرات الأخرى، مثل البرنامج السعودي المعروف، والبرنامج اليمني القديم، وبرامج نزع التطرف في جنوب شرق آسيا (إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة)، وأنشطة الهداية في الإمارات العربية المتحدة؟
جون هورغان: ربما نكون قد فقدنا بعض المنظور الهام والتركيز أثناء محاولتنا فهم آفة الإرهاب العالمية. الإرهاب عالمي بطبيعته وتأثيره، لكنه غالبًا ما يولد من الظروف والعوامل المحلية. من المهم الانتباه إلى الدروس المستفادة من البرامج المعمول بها في جميع أنحاء العالم، ولكن من غير الواقعي أن نحاول تطبيق المناهج والأساليب والنتائج الخاصة بالبرنامج السعودي –على سبيل المثال– في ألمانيا. قد يكون الهدف هو ذاته (الحد من خطر العودة إلى الإرهاب)، لكن العوامل والظروف والسياسات والهياكل الاجتماعية، التي تؤثر بشكل كبير على تطوير مثل هذه البرامج، تختلف من دولة لأخرى.
هنالك شيء واحد مشترك في الكثير من هذه البرامج، هو المقاومة ضد التقييم. أنا أؤيد برامج مكافحة التطرف العنيف المبتكرة القائمة على الأدلة، لكن البرامج غير الخاضعة للتقييم لا تقدم سوى الخداع والتضليل. يجب تقييم هذه البرامج بشكل مبكر، وبشكل متكرر كذلك. الغالبية من البرامج تفتقد للتقييم المبكر. وفي رأيي، فإن برنامج مكافحة التطرف العنيف الخالي من عنصر التقييم هو عديم القيمة بكل تأكيد.
عين أوروبية: من بين القضايا التي عملت عليها، التمثيل المفرط للمتحولين الدينيين في المؤامرات الإرهابية، هل هذه الخاصية مشتركة بين جميع الدول الغربية؟ وما هو تفسيرك لهذه الظاهرة؟
جون هورغان: في الواقع، ما زلنا نعمل على هذا المشروع، وقد وجدنا بعض النتائج المثيرة للاهتمام.
هنالك وجهة نظر عامة مشتركة مفادها أن “المتحولين المسلمين هم سذج من الناحية الأيديولوجية، الأمر الذي يجعلهم عرضة لرسائل العاملين في مجال التجنيد”. ولكن العكس هو صحيح؛ فالمتحولون دينيًا على دراية كبيرة بدينهم الجديد. ومع ذلك، يواجه بعض المتحولين صعوبة في التنقل بين العوامل الاجتماعية المرتبطة باعتناق الدين الجديد. تخيل حجم التوتر الكبير الناتج عن الابتعاد عن مجتمع بأكمله، بمن فيهم أصدقاؤك وزملاؤك في العمل، في الوقت الذي لا تلاقي فيه قبولًا كاملًا من قبل المجتمع الآخر. من الصعب تحمل هذا العبء الثقيل، الذي يؤدي إلى ضغوط كبيرة تحثك على محاولة إثبات نفسك أمام المجموعة الجديدة، وهذا هو العامل الأهم الذي يستغله العاملون في مجال التجنيد. سنجري الكثير من الأبحاث حول هذا الموضوع قريبًا جدًا، لذا ترقبونا.
عين أوروبية: في الختام، لدي بعض الأسئلة حول الإفراج عن أنجم شودري، الزعيم السابق لتنظيم المهاجرين في المملكة المتحدة. جرى الحكم على الواعظ الراديكالي في عام 2016 بالسجن لمدة 5 سنوات ونصف، لكنه أمضى أقل من نصف المدة في السجن، وسيكمل باقي الحكم خارج أسوار السجن تحت إشراف صارم.
في الكثير من المناسبات، عُرض على شودري فرصة التحدث إلى زعماء دينيين سائدين، وخبراء آخرين ممن تفاعلوا بنجاح مع متطرفين آخرين، لكن الرجل رفض تلك الفرص.
لقد حصل شودري على الحرية مقابل عدد من الشروط، بما في ذلك حظر الوعظ، أو الذهاب إلى بعض المساجد. علاوة على ذلك، لن يسمح له بإجراء اتصالات إلا بأشخاص تمت الموافقة عليهم من قبل السلطات. كما أنه لن يستطيع استخدام إلا جهاز هاتف واحد، ولن يتمكن كذلك من استخدام أي جهاز إلكتروني متصل بالإنترنت إلا بعد الحصول على إذن. سيجري مراقبة استخدامه للإنترنت، ولن يتمكن من السفر خارج لندن الكبرى، ولن يستطيع مغادرة المملكة المتحدة دون تصريح مسبق من السلطات.
بصفتك خبيرًا في التطرف، ما هي العواقب التي قد تنتج عن إطلاق سراح شودري؟
جون هورغان: لا أعرف، لكن من الواضح أن السلطات ستبقي أعينها مفتوحة عليه، فهو لا يزال شخصية مقنعة، ويشبه إلى حد كبير معلمه عمر بكري محمد، يستمد قوته من “الإسكات” باعتبار ذلك نوعًا من الاستشهاد الناعم.
لقد قيل الكثير حول ما إذا كانت برامج نزع التطرف ستثمر مع شخص مثل شودري. تقول الحكمة التقليدية “لا تقل أبدًا كلمة أبدًا”، لكن بالنسبة للشخصيات القيادية مثل شودري، فإنها استثمرت الكثير من أجل الحفاظ على دورها، إلى درجة أن فكرة انخراطها في هكذا برامج غير محتملة من الأساس.
يبدو أن عملية نزع التطرف لا تثمر إلا مع أولئك الذين يرغبون بالابتعاد عن التطرف. وهذا بالطبع ليس انتقادًا لأولئك الذين يعملون في السجون بمهمة التعامل مع النزلاء العنيفين، بل يتعلق الأمر بالاعتراف بأن برامج نزع التطرف ليست علاجًا شافيًا. في الواقع، هذه البرامج لا تثمر مع الجميع، وهذا يظهر جليًا بحسب الأدوار التي يلعبها الأفراد المتطرفون. تفيد الفرضية السليمة أن الشخصيات القيادية تظهر صرامة أكثر عند محاولة إعادتها إلى الحظيرة، مقارنة بالأفراد العاديين أو متوسطي المنزلة.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا