داني سيترينوفيتش*
على مدار عقود، حاولت إيران وجماعتها العميلة “حزب الله” تصدير أيديولوجيتها “الثورية”، في محاولة لبسط الهيمنة الإيرانية على العالم الإسلامي. ومنذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، طوَّرت إيران وجماعتها اللبنانية المسلحة آليةً تمكنها من نشر أيديولوجية “ثورية” خارج حدود إيران. لقد روّجت إيران لنفسها على أنها “المدافع” عن المسلمين الشيعة في جميع أنحاء العالم، واستخدمت علاقتها العدائية مع الغرب -خاصة الولايات المتحدة، التي تعتبرها “الشيطان الأكبر”- لتسوق نفسها باعتبارها نموذجًا يحتذى به للدول والشعوب التي عانت القمع الاستعماري.
ومن أجل تحقيق مهمتها “الإلهية”، اتبعت إيران نهجًا ذا شقين، يشمل استراتيجيات القوة الصلبة والناعمة من أجل نشر نسختها من الأيديولوجية الأصولية الإسلامية، في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. فيما يتعلق بالقوة الصلبة، تقدم إيران الدعم المالي والأيديولوجي والمادي لوكلاء الإرهاب العالميين الموالين للمرشد الأعلى لإيران. وقد ساعد دعمها للحركات الإرهابية على إنشاء مناطق نفوذ إيرانية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والأراضي الفلسطينية.
اليوم، يركز معظم الباحثين بشكلٍ أساسي على تكتيكات القوة الصلبة التي تستخدمها إيران وحزب الله. ومع ذلك، فمن المهم بالقدر ذاته النظر إلى نهج القوة الناعمة الذي يحاول كسب القلوب والعقول إلى أيديولوجيتها، وطريقة تفكيرها. ذلك أن استمالة هؤلاء الأتباع يعطيها قاعدةً صلبة من الجنود لتنفيذ استراتيجية القوة الصلبة. فمن خلال استخدام شبكتهما العالمية من المنظمات الدينية والثقافية، بما في ذلك الجامعات والجمعيات الخيرية والشتات اللبناني، تمكنت إيران وحزب الله من جذب ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، لاستخدامهم في الدعم السياسي وجمع التبرعات، وحتى الانضمام إلى الخلايا الإرهابية. وستركز هذه الورقة على “عوامل التمكين” في أنشطة إيران وحزب الله في القارة الإفريقية، وسبل التصدي لهذه الأنشطة من أجل إضعاف إيران، ووجودها في القارة الأفريقية.
شيخ إفريقي في صورة جماعية
في العام الماضي، نشر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي صورة على تويتر توضح أهمية القارة الإفريقية بالنسبة لإيران وانتشار الثورة الشيعية. ومن بين الشخصيات المهمة جدًا التي تدعم الثورة، يقف الشيخ إبراهيم زكزكي؛ زعيم الحركة الإسلامية في نيجيريا. والجدير بالذكر أن زكزكي قد اعتقل في عام 2015 بتهمة تخطيط مؤيديه لاغتيال رئيس الأركان النيجيري. ولا يشكل دعم إطلاق سراح زكزكي في جميع أنحاء العالم الشيعي مفاجأة لأولئك الذين يتابعون أنشطة حزب الله وإيران في القارة الإفريقية، وأهمية هذه القارة لقضيتهم.
ومن أسفٍ أن الخطاب الذي يجري حاليًا في إفريقيا يركز بالأساس على الحركات الإسلامية السنية المتطرفة (تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة الشباب، وبوكو حرام). هذا التركيز يصبّ في مصلحة إيران وحزب الله في الوقت الذي يواصلان فيه تعميق سيطرتهما على المسلمين الشيعة، والشتات اللبناني الذين يعيشون في إفريقيا، بل وحتى السكان المحليين غير المسلمين المنبهرين بالثورة الإيرانية وأيديولوجيتها.
نشاط إيران وحزب الله في إفريقيا
تنظر إيران إلى القارة الإفريقية على أنها ساحة ثانوية في معركة صفرية المحصلة على النفوذ والقوة والأراضي ضد المملكة العربية السعودية، ونسختها السنية من الإسلام. علاوة على ذلك، تسعى إيران إلى مواجهة النفوذ الغربي (لا سيما نفوذ الولايات المتحدة) داخل إفريقيا، وإيجاد قضية مشتركة مع العناصر المعارضة للاستعمار التي تسعى إلى رسم مسار أكثر استقلالية.
تجدر الإشارة إلى أن إيران واجهت صعوبات جمّة في مساعيها لكسب النفوذ في القارة الإفريقية منذ الثورة الإسلامية عام 1979؛ نظرًا لأنه لم يكن للدولة الفارسية وجود تاريخي كبير في إفريقيا بسبب هيمنة الطوائف السنية والصوفية على المسلمين الأفارقة. ومع ذلك، أنشأت إيران بنية تحتية من المساجد والمراكز الثقافية والجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية التي عملت على نشر أيديولوجيتها الثورية في إفريقيا.
ومن خلال الاستفادة من البنيّة السياسية الهشة في معظم الدول الإفريقية، وحرية التنقل بين الدول، ودعم الشتات اللبناني، تمكّنت إيران وحزب الله من بناء شبكاتٍ إجرامية وشبكات لتهريب الأسلحة وتجنيد عملاء محليين لقضيتهم. كما استطاعت إيران وحزب الله التسلل والاستيلاء على العديد من الشركات والأعمال التجارية في إفريقيا. وأنشطة مثل تهريب الماس، وشركات النقل التي تديرها شخصيات لبنانية بارزة، وغيرها من الأنشطة المالية التي تهدف إلى دعم الحزب اقتصاديًا موثقة توثيقًا جيدًا.
في هذا الصدد، يدرِّب فيلق القدس (من خلال الوحدة رقم 400) ويموّل ويجهز العديد من الجماعات الانفصالية في إفريقيا؛ مثل جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية، فضلًا عن توفير التدريب للمنظمات الشيعية، بما في ذلك الحركة الإسلامية النيجيرية.
وتنفِّذ الوحدة 400 عملياتٍ خاصة في إفريقيا، بما في ذلك جمع المعلومات الاستخبارية، وتمويل الأنشطة الإرهابية بالوكالة. وتبين أن الوحدة 400 لعبت دورًا في تجنيد وتدريب خلية سرايا الزهراء في جمهورية إفريقيا الوسطى، التي كان يقودها المواطن التشادي إسماعيل جيدا حتى اعتقاله في وطنه في أبريل 2019.
وتضم الخلية حاليًا ما بين 200 و300 عضو، وتنسق مع خلايا أخرى في تشاد والسودان، بهدف تشكيل المزيد من الخلايا في الكاميرون وغانا والكونغو والنيجر. وكشفت التحقيقات عن وجود صلات بين جيدا وأمراء الحرب في المناطق الحدودية بين تشاد والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى.
ويعمل فيلق القدس أيضًا مع المنظمات الإرهابية الراسخة، لا سيما حركة الشباب الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة. وضبطت أجهزة الأمن الصومالية أسلحة ومتفجرات وأجهزة كيميائية إيرانية مصنعة في مناطق خاضعة لسيطرة حركة الشباب، ويُعتقد أنها استخدمت في الهجمات التي شنتها الحركة في 2019 و2020.
إدارة العلاقات الخارجية
يحتفظ حزب الله، إلى جانب عملائه الأجانب السريين، بوجودٍ دولي أكثر علنية، من خلال إدارة العلاقات الخارجية التابعة له، التي لديها ممثلون في جميع أنحاء العالم. تعمل هذه الإدارة بشكلٍ علني في لبنان وبطريقة شبه علنية في الخارج. وبعض أفرادها هم من اللبنانيين الذين أرسلوا إلى الخارج، في حين أن آخرين من مؤيدي الحزب الذين يعيشون بالفعل في الدول المعنية. ويرتبط معظمهم بعلاقاتٍ وثيقة مع كبار مسؤولي الحزب، ويتلقى العديد منهم تدريبات عسكرية كثيرة.
وفيما يتعلق بالأنشطة الدبلوماسية العلنية، يضطلع موظفو الإدارة بمهام عدة في الخارج. فهم يبنون “مراكز مجتمعية” لتشجيع الشيعة المحليين على دعم الحزب والعمل كقاعدة لأنشطته. ويجمعون التمويلات، ويحددون المجندين المحتملين، ويعملون كحلقة وصل بين المؤيدين المحليين وقادة حزب الله في لبنان، وكذلك بين عملاء حزب الله في مختلف الدول. ولدى الإدارة العلاقات الخارجية ممثلون خاصون تربطهم صلة قوية بالمراكز الدينية الشيعية في القارة الأفريقية، كما أنها مسؤولة عن تنسيق أنشطة حزب الله في هذه الدول.
وفي هذا الصدد، ذكر تقييم لوزارة الخزانة الأمريكية في عام 2015 أن “إدارة العلاقات الخارجية تدّعي أنها مسؤولة عن “العلاقات المجتمعية”، لكن هدفها الرئيس في نيجيريا هو تحديد المجندين للوحدات العسكرية لحزب الله، فضلًا عن إنشاء البنية التحتية الإرهابية للوحدات العملياتية لحزب الله، وتدعيمها في إفريقيا، وعلى الصعيد العالمي”.
وفقًا لبعض وكالات الاستخبارات الغربية، يعتبر رائد بيرو المشرف على الملف الإفريقي لحزب الله. ويكشف تحليل متعمق لأنشطته على وسائل التواصل الاجتماعي أنشطة إدارة العلاقات الخارجية، بشكل رئيس مع شخصيات شيعية بارزة ومراكز دينية في إفريقيا، وربط أنشطتها بالأفرع الأخرى للإدارة في أوروبا.
جامعة المصطفى
جامعة المصطفى من أهم المؤسسات في مجال التلقين الشيعي، وأكثرها تأثيرًا. تأسستِ الجامعة في عام 2007 من قبل خامنئي، الذي يدير أنشطتها وهو أعلى سلطة فيها. وفي عام 2016، خصصت إيران 74 مليون دولار للجامعة. وبصرف النظر عن التمويل الذي تحصل عليه من الدولة، تحصل الجامعة على تمويلٍ مباشر من مكتب المرشد الأعلى، ومن شبكاته التجارية والخيرية الضخمة. تدرِّب جامعة المصطفى رجال الدين في جميع أنحاء العالم على نشر النزعة “الخمينية” في دولهم الأصلية. منذ عام 2007، تخرج في جامعة المصطفى أكثر من 45,000 رجل دين وعالم، منهم 5,000 من إفريقيا، وتم تعيين جزء كبير منهم من قبل الجامعة ضمن هيئة أعضاء التدريس أو دعاة وأرسلوا إلى دولٍ مختلفة في جميع أنحاء العالم. في أوائل عام 2019، سجل أكثر من 40,000 طالب في الجامعة، نصفهم يدرسون في فروع الجامعة في مختلف أنحاء إيران.
من بين 5,000 طالب إفريقي، هناك قرابة 2,000 طالب يدرسون في إيران، ويدرس 1,200 منهم في فرع الجامعة في مدينة مشهد. لدى الجامعة 17 فرعًا رئيسيًا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتدير نحو مائة مدرسة ومسجد ومعهد ديني في 30 دولة إفريقية. أهم مركز إفريقي لجامعة المصطفى هو نيجيريا -دولة تضم عدة ملايين من الشيعة- حيث تدير الجامعة خمس مدارس ومعاهد دينية تضم قرابة 1,000 طالب من نيجيريا والدول المجاورة. وتتمتع الجامعة بحضورٍ كبير في دول غرب إفريقيا؛ مثل غانا، والكاميرون، وساحل العاج، وفي دول شرق إفريقيا مثل تنزانيا (المقر الرئيس) والكونغو، ومدغشقر، وملاوي، وجنوب إفريقيا.
في مقابل هذا التعليم، يتم تلقين الأفارقة وتحويلهم للتطرف وتشجيعهم على الترويج لعقيدة إيران “الثورية” والانخراط في حروبٍ دينية، محليًا وخارجيًا على حد سواء. وفي هذا السياق، تعمل المصطفى على تنظيم مسيرات القدس في دول إفريقية؛ مثل بوركينا فاسو وغانا ونيجيريا وجنوب إفريقيا ومدغشقر وزيمبابوي وكينيا وأوغندا. ومن الأهمية بمكان ملاحظة أن جامعة المصطفى قد صنّفت من قبل الإدارة الأمريكية كمنظمة إرهابية بسبب تنسيقها لجهود تجنيد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإسلامي.
آل البيت
المجمع العالمي لآل البيت هو عبارة عن منظمة غير حكومية إيرانية نشطة دوليًا تعمل كمنظمة جامعة تعمل تحتها شبكة من المؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية المدعومة من إيران، المكلفة بنشر الفكر الإسلاموي “الثوري” لآية الله علي الخميني في جميع أنحاء العالم. يعمل المجمع كحلقة وصل وظيفية بين المؤسسة الدينية الشيعية الإيرانية، ورجال الدين الشيعة الأجانب، كما أنه يربط المجتمعات الشيعية في جميع أنحاء العالم ببعضها البعض. ويقوم بدور إداري، حيث ينسق العلاقات مع الفروع المحلية والمنظمات الدينية والثقافية التابعة في جميع أنحاء العالم. كما تلعب العديد من المنظمات التابعة للمجمع أدوارًا قيادية في تنظيم الاحتفالات السنوية بيوم القدس في مناطقها. وهناك العديد من مراكز آل البيت في جميع أنحاء إفريقيا التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإدارة العلاقات الخارجية التابعة لحزب الله وجامعة المصطفى.
رجال الدين والمراكز الدينية
ترتبط المراكز الشيعية ورجال الدين ارتباطًا وثيقًا بعناصر إدارة العلاقات الخارجية وجامعة المصطفى في جميع أنحاء إفريقيا. ويستخدم رجال الدين هؤلاء رسائل موجّهة لتجنيد المؤيدين للقضية، وتعمل المراكز كمحور مهم لنشاط حزب الله – من جمع التبرعات، والتحريض ضد إسرائيل والولايات المتحدة، إلى العمل كمكان آمن لتخزين الأسلحة وإخفائها وتجنيد العناصر اللازمة.
بالإضافة إلى ذلك، يقوم رجال الدين في إيران الذين يتحدثون اللغات الشائعة الاستخدام في إفريقيا (مثل الفرنسية)، بنشر رسائل متطرفة إلى أتباعهم الشيعة، في محاولة لإغرائهم بالانضمام إلى قضية إيران وحزب الله. ولعل “جمعية الغدير” في ساحل العاج -التي يُعتقد على نطاق واسع أنها تمثل حزب الله في الدولة- هي مثال جيد على نفوذ حزب الله في القارة.
وفي أغسطس 2009، رُحِّل زعيم الغدير الإمام قبيسي من البلاد بعد أن فرضت عليه الحكومة الأمريكية عقوبات لجمع أموال لحزب الله. كما استضاف قبيسي مسؤولين كبارًا في حزب الله يزورون ساحل العاج وأماكن أخرى في إفريقيا. تعتبر غالبية أنشطته علنية، حيث تحدث في المناسبات المحلية للجماعة، وفي افتتاح مؤسسة رسمية لحزب الله في ساحل العاج. (وقد ذكرت وزارة الخزانة الأمريكية أن هذه المؤسسة تُستخدم لتجنيد أعضاء جدد في صفوف حزب الله العسكرية في لبنان).
العشائر اللبنانية
وصل المهاجرون اللبنانيون إلى غرب إفريقيا لأول مرة نتيجة الاستعمار. في وقتٍ مبكر من ثمانينيات القرن التاسع عشر، خاصة خلال العشرينيات من القرن العشرين، غادر المهاجرون لبنان بسبب الضائقة الاقتصادية إلى مدينة مرسيليا الفرنسية على البحر الأبيض المتوسط، مركز النقل في ذلك الوقت. وخططوا للاستمرار في الولايات المتحدة أو أمريكا الجنوبية، حيث كانت هناك هجرة لبنانية سابقة. ومع ذلك، قرر الكثيرون الاستقرار في غرب إفريقيا، حيث كانت تكاليف المعيشة منخفضة، والمتطلبات الصحية كانت متساهلة، وكانت التقارير الفرنسية تصب في صالحهم.
منذ القرن التاسع عشر، فرّ اللبنانيون من بلادهم بسبب الحروب والمجازر والمجاعات. وفي الواقع، لدى لبنان واحدة من أكبر جاليات الشتات في العالم، قرابة 12 مليون شخص، أي أربعة أضعاف عدد سكانه. ومن هذه المجموعة، انتقل بضع مئات الآلاف منهم -وكثير منهم من جنوب لبنان- إلى إفريقيا، لا سيما ساحل العاج ونيجيريا والسنغال.
الجدير بالذكر أن حزب الله يتلقى دعمًا ماليًا كبيرًا من مساهمات أنصاره الذين يعيشون في الخارج، لا سيما من المواطنين اللبنانيين الذين يعيشون في إفريقيا وأمريكا الجنوبية وأماكن أخرى تضم جاليات لبنانية كبيرة من الشيعة المغتربين. وأفادت مصادر موثوقة مختلفة أن هناك عدة عشائر لبنانية في الخارج لها علاقات مع حزب الله.
وبعض هذه العشائر لها ما يسمى بالأعمال التجارية المشروعة (مثل تجارة السيارات) في جميع أنحاء إفريقيا، وعلى الصعيد العالمي (بما في ذلك الكونغو وألمانيا وأمريكا الجنوبية)، بينما تقوم عشائر أخرى بأنشطة غير قانونية، مثل غسل الأموال وتهريب الماس. ويرتبط بعض أفراد الأسرة ارتباطًا مباشرًا بحزب الله أو يشاركون مشاركة كاملة كأفراد ومسلحين في التنظيم الإرهابي.
هناك ثلاث عائلات لبنانية -أحمد ونصور وخنفر- معروفة كمهربين دوليين للماس. ومن الأمثلة الشهيرة الأخرى، التي تنحدر من عشيرة تاج الدين، هو قاسم تاج الدين، رجل أعمال لبناني صنّفته الولايات المتحدة كممول لحزب الله. وأُلقي القبض عليه على الأراضي الأمريكية في مارس 2017 بتهم تتعلق بالإرهاب.
وكان تاج الدين يدير العديد من الشركات التي تعمل كواجهة لتغطية عمليات حزب الله في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط إلى جانب شقيقيه حسين وعلي تاج الدين، وذلك وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية. وتمتد شبكة أعمال تاج الدين الإفريقية عبر صناعات متعددة، بما في ذلك العقارات والأغذية وصناعة الماس.
وأفادت التقارير أنه باستخدام الأموال التي حصلوا عليها من إحدى شركاتهم، “شركة تاجكو ذات المسؤولية المحدودة”، اشترى الإخوة تاج الدين عقارات في لبنان لمصلحة حزب الله. ووفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، فإن الشركات التي تملكها أسرة تاج الدين أو تديرها تشمل “تاجكو”، وسوبرماركت “كايرابا”، و”كونغو فيتير”، و”أوفلاس” للتجارة، و”جولفرات” القابضة، ومجموعة “أروسفران”. وتجدر الإشارة إلى أن حسين، شقيق قاسم، قد طرد من جامبيا في مطلع يونيو 2015 لصلاته المزعومة بحزب الله.
الخلاصة
غضّ الطرف عن أنشطة إيران وحزب الله في إفريقيا لن يؤدي إلا إلى الإضرار بأمن القارة واستقرارها. والتعاون بين إيران/حزب الله والعناصر غير الشيعية في إفريقيا، مثل حركة الشباب الصومالية، أو جبهة البوليساريو في الصحراء الكبرى، يسلِّط الضوء على نفوذها المتنامي والخطر الذي تشكّله في إفريقيا.
لقد أثّرت العقوبات الدولية المفروضة على إيران في السنوات الأخيرة تأثيرًا كبيرًا على قدرتها على تمويل الميليشيات العميلة لها في جميع أنحاء المنطقة. لذا، حاول حزب الله جلب المزيد من التمويل من الجاليات الشيعية اللبنانية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إفريقيا. وقد تم اختطاف العديد من المراكز الدينية التي موّلت قضايا إنسانية، مثل مساعدة ضحايا الحرب في سوريا واليمن، لجمع التبرعات لأنشطة حزب الله.
ونظرًا إلى البنية المعقدة والمتطورة لشبكات حزب الله -المصممة لحماية أصول التنظيم حتى في حالة انكشاف إحداها- يجب العمل بطريقةٍ منسّقة على أساس خطة عمل محسوبة تهدف إلى تقويض البنية التحتية للتنظيم. ومن ثم، ينبغي على الدول الأفريقية أن تتحد لإضعاف وجود حزب الله في القارة، والعمل على تفكيك البنيّة المفاهيمية/الأيديولوجية التي تمكّن حزب الله من العمل على أراضيها.
ولعل تكثيف مراقبة رجال الدين المنتمين إلى حزب الله هي خطوة أولى حاسمة للتصدي لهذه المشكلة. علاوة على ذلك، ينبغي تشكيل فرقة عمل مشتركة من وكالات الاستخبارات تتألف من ممثلين من مختلف الدول الأفريقية لتبادل المعلومات الاستخبارية، والمساعدة في عزل هذه الشبكات وتفتيتها. ولا شك أن العمل المشترك هو السبيل الواقعي الوحيد لمجابهة هذه المشكلة.
* باحث أول في معهد آبا إيبان للدبلوماسية الدولية في إسرائيل.