عرض: دانيلي جاروفالو
ألكسندر ثورستون؛ أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة سينسيناتي، وأحد أبرز الخبراء في العالم في مجال الجماعات الجهادية في إفريقيا. يسعى ثورستون في هذا الكتاب إلى توضيح تطور الجماعات الإرهابية الجهادية في شمال إفريقيا والساحل، وسماتها الخاصة ووقائعها وعملياتها. ويقدم لمحةً عامة عن مختلف الجماعات وسجلاتها التاريخية، كما يطرح نظرة متعمقة من خلال مقابلاتٍ مباشرة مع سياسيين، وتحقيقاتٍ ميدانية، فضلًا عن مجموعة متنوعة من المصادر الموثوقة من العاملين في المنظمات غير الحكومية، وقادة المجتمع المدني، والمحللين المحليين، والجهاديين السابقين. ومن خلال هذه الرؤى الثاقبة، يستطيع ثورستون أن يشرح للقارئ الأسرار الداخلية لهذه الجماعات الجهادية، ويقدِّم نظرةً عامة على أنشطتها وصراعاتها الداخلية، على مدى العقودِ الثلاثة الماضية.
عقلية القائد
في هذا الكتاب، يركِّز ثورستون بشكلٍ خاص على دور القادة الجهاديين. ويعتقد أنه لفهم طبيعة السياسة التي تتبعها الجماعات الجهادية، يجب على المرءِ أولًا أن يفهم كيف يفكر القادة ويعملون. وفي هذا الإطار، يقدِّم إجابات على العديد من الأسئلة المهمة التي قد ترد إلى ذهن القارئ مثل: “ما القيود التي يواجهها القائد؟” و”ما الخيارات المتاحة له؟” و”متى يطيع رؤسائه أو يعصيهم؟”، وفي نهاية المطاف، يرى ثورستون أن القادة يرتجلون ويسعون إلى التوصل إلى حلولٍ وسط سياسية ودينية، وغالبًا ما يتكيفون مع الصراعات والأحداث. ويشير إلى أن الجماعات الجهادية غالبًا ما تجد صعوباتٍ في إعطاء الأولوية لأهدافها، سواء كان ذلك لتنفيذ هجماتٍ واسعة النطاق أو إجراء تجارب أو بناء خلافة.
يركِّز ثورستون في الكتاب على ستِّ دول في شمال غرب إفريقيا والساحل، الجزائر ومالي والنيجر وبوركينافاسو وليبيا وموريتانيا، ويسلّط الضوء على المواضيع المشتركة والمتكررة للجماعات الجهادية، مثل المعضلات التي تكتنف العمليات والخيارات والحلول الوسط، فضلًا عن كيف تؤثر سياسات الدولة، أو عدم وجودها، في عمليات هذه الجماعات. وبعد مقدمته القوية، يقدِّم المؤلف المعلومات في سبعة فصولٍ منظمة، ويلخِّص بسلاسة الموضوع العام في الخاتمة.
الجماعة الإسلامية المسلحة
يتناول الفصل الأول الجزائرَ والجماعةَ الإسلامية المسلحة، التي يعتبرها ثورستون واحدةً من أكثر التحالفات الجهادية تعقيدًا على الإطلاق. ويحدد ثورستون التكتلات المميزة داخل التحالف الذي يتكون من قدامى المحاربين الأفغان والمتطرفين المحليين والجزائريين (التيار القومي للحركة الإسلامية الجزائرية) وأعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ السابقين. حاول قادة الجماعة الإسلامية المسلحة الأكثر تعنتًا (الزيتوني والزوباري) فرض النظام والتجانس داخل التحالف من خلال الإدارة الداخلية المستبدة والعنيفة، ووصفوا المنشقين والمنافسين بأنهم غير مؤمنين يستحقون الموت. تسبَّب أسلوب الإدارة الوحشي هذا في انقسام داخل المجموعة، ما دفع بعض المجموعات إلى الانشقاق، بما في ذلك الجماعة السلفية للدعوة والقتال.
الجماعة السلفية للدعوة والقتال والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
يناقش الفصل الثاني الجماعةَ السلفية للدعوة والقتال، وتطورها إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ويشرح ثورستون كيف كانت الجماعة السلفية للدعوة والقتال أصغر بكثير من الجماعة الإسلامية المسلحة، ولكنها أكثر تماسكًا. كما كانت تنتهج نظام عملٍ لا مركزي، وكان قادتها يعملون بشكلٍ مستقل بطريقة لافتة. وتطورت لاحقًا لتصبح تحالفًا من الوحدات السياسية والعسكرية، جددتِ البيعة لتنظيم القاعدة في عام 2006 وأصبحت تحمل اسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في عام 2007.
ويوضح ثورستون أنه على الرغم من أن الجماعة السلفية للدعوة والقتال/القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حافظت على وجودها في الجزائر، فإن التركيز والفرص الحقيقية للجماعة كانت في الصحراء الكبرى. وقد حدثت أكبر نجاحات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وفرصه، التي وضعته في مركز الصدارة، بين عامي 2012 و2013 خلال حركات التمرد في شمال مالي.
في البداية، قدَّم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الدعم للجماعات المتمردة، لكنه تحوّل فيما بعد لقيادة الإمارة الجهادية. ومع ذلك، شهد التنظيم أيضًا لحظاتٍ من التوتر والخلافات وضعف التماسك الداخلي (لا سيَّما بين الزعيم دروكدال والقادة الميدانيين الرئيسيين بلمختار وأبو زيد). تسببت بعض الخيارات الخاطئة التي قام بها دروكدال وبعض الخلافات الداخلية إلى انهيار الإمارة الجهادية.
ويبين ثورستون كيف أن موقف ونهج الجماعة السلفية للدعوة والقتال/القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الأكثر تصالحًا وتسامحًا واستراتيجيتهما المتمثلة في الحد من الخلافات وقبولها بالاستقلال الذاتي داخل الجماعة، سمح لهما بالتغلب على الصعوبات والصراعات السياسية، ما أبقى الجماعة متماسكة وعملية.
الحركات الجهادية في مالي
في الفصل الثالث، ينتقل ثورستون لتحليل السياق في شمال مالي، موضحًا كيف تكشف سياسة شمال مالي منذ عام 2003 الكثير عن كيفية عمل التحالفات الجهادية. لقد تمكّن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من بناء مجموعة واسعة من التحالفات المحلية، ونسج علاقات استراتيجية مع السياسيين المحليين.
والمثال الأكثر بروزًا هو جماعة أنصار الدين، التي سمحت للسياسيين المحليين باحتلال مكانة مهمة في التمرد، ولعب دور بارز في مفاوضات ما بعد التمرد. ويوضح ثورستون كيف أن التجارب الجهادية تتسبَّب في صراعاتٍ سياسية محلية واسعة، وكيف تحدد السياسة المحلية التغيرات العملياتية للتشكيلات الجهادية، وأن الأزمات تدفع بعض الجهات الفاعلة إلى التخلي عن تحالفاتها الرسمية مع الجهاديين، والعكس صحيح، تدفع الجهات الفاعلة الأخرى إلى التحالف معهم.
يتناول الفصل الرابع الحالة الدينامية في وسطِ مالي. وعلى وجه الخصوص، يوضح ثورستون أنه على الرغم من أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة (التي تأسست في عام 2017) كانت تعمل انطلاقًا من شمال مالي حيث كانت قياداتها مستقرة هناك، فإن معظم هجماتها تركزت في وسط مالي.
ويرى ثورستون أن أنماط العنف المختلفة في شمال ووسط مالي تعكس الهياكل المختلفة للتحالفات الجهادية في تلك المناطق. تهيمن على الشمال عمليات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وزعيمها، إياد أغ غالي (أنصار الدين)، الذي ركزت استراتيجيته على استهداف القوات الأجنبية، وعقد اتفاقات مع شخصيات رئيسة مثل قادة الميليشيات والسياسيين ورجال الدين.
ومن ناحيةٍ أخرى، في وسط مالي، عمل أمادو كوفا (كتيبة ماسينا)، قائدًا ميدانيًا لجماعة أنصار الإسلام والمسلمين، ولكنه يعتبر أيضًا مهندسًا لنوع مختلف من الاستراتيجية التي استقطبت الدعم من الأقليات العرقية، وخلق ما يسميه ثورستون “تعزيز النزعة الجهادية من القاعدة إلى القمة” التي أضفتِ الطابعَ العرقي على الصراع، على عكس النهج الذي يتبناه غالي “تعزيز النزعة الجهادية من القمة إلى القاعدة” الأكثر زعزعة والذي لا يقل عنفًا. ويرى أن تنظيم داعش في الصحراء الكبرى بقيادة الصحراوي في مالي والنيجر وشرق بوكينا فاسو، وجماعة أنصار الإسلام في بوركينا فاسو، قد اتبعوا استراتيجية “عرقنة” الجهاد.
يتناول الفصلُ الخامس بالبحث والتحليل تناميَ النزعة الجهادية في المناطق الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينافاسو، ويبحث في جماعتين تعملان في هذه المناطق: تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، وجماعة أنصار الإسلام، وكلاهما لهما صلاتٌ سابقة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
ويشرح ثورستون كيف يصعب تحقيق التعبئة الجهادية واستدامتها في المناطق الحضرية، وهذا ما يفسِّر سببَ ترسّخ الجماعات الجهادية عادة في مناطق بعيدة عن المناطق الحضرية والعواصم. ففي هذه المناطق الطرفية، يمكنهم تجنُّب القوات الوطنية والدولية، وإقامة روابط مع الجماعات المحلية، وحماية المجتمعات المحلية من الميليشيات والعصابات العنيفة، وبالتالي كسب دعمهم وثقتهم.
دروس من درنة
في الفصل السادس، يركز ثورستون على ليبيا، حيث لطالما كان الوجود الجهادي في الدولة كبيرًا، ولكنه منقسم. ومع ذلك، يركز الفصل بشكلٍ رئيس على مدينة درنة التي تقدم، وفقًا لثورستون، دروسًا مهمة حول الجماعات الجهادية. يشهد مجال العمل السياسي الجهادي في درنة المواجهة بين قدامى المحاربين في فلك تنظيم القاعدة والمتشددين الشباب، الذين سينضم العديد منهم لاحقًا إلى تنظيم داعش. ويشرح ثورستون كيف أن الجهاديين المخضرمين المرتبطين بتنظيم القاعدة كانوا أيضًا متشددين لهم هويات ومصالح محلية. كما يتضمن الفصل تقييمات المؤلف للربيع العربي، والفرص والعمليات الحقيقية للجهاديين في سياق الانتفاضات.
لماذا موريتانيا مختلفة؟
يتناول الفصل السابع الوضعَ المثير للاهتمام في مرحلة ما بعد الجماعات الجهادية في موريتانيا. يوضح ثورستون كيف نشط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في موريتانيا في الفترة من عام 2005 إلى عام 2011، ولكن منذ عام 2010، بدأت الجماعات الجهادية في مغادرة البلاد نحو فرصٍ جديدة، لا سيما في مالي والساحل المجاورتين. في هذا الصدد، يقول ثورستون: “تختلف موريتانيا عن جميع الدول التي تم تحليلها سابقًا، التي شاركت جميعها في إنشاء تحالفات جهادية ناجحة نسبيًا. موريتانيا حالة سلبية لبناء التحالف الجهادي”.
ويوضح المؤلف أن موريتانيا نجحت في الحد من التوترات الداخلية، وحسنت معاملة العلماء المسلمين، وسمحت بالوعظ، وتجنب المواجهة والاتصال بين الجهاديين والمتطرفين. ومع ذلك، يرى ثورستون بأنه من غير المرجح أن يستمر نجاح موريتانيا إلى الأبد، وأنه في وقتٍ مبكر من عام 2018، بدأت تظهر مشكلات. ويشير إلى المخاوف بشأن تطرف الشباب والسخط في الضواحي، ما قد يشجع على عودة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
الخاتمة
في الختام، يقيّم المؤلف الحربَ على الإرهاب في شمال غرب إفريقيا، ويقترح توصياتٍ سياسية لمكافحة الجماعات الجهادية. ويحذِّر من “الحرب على الإرهاب”، التي يقول إنها ستولِّد حتمًا مشكلاتٍ وتؤجج الصراعات. ومع ذلك، يختتم ثورستون كتابه الاستثنائي بالقول: “سأكون أحمق/ ومتغطرسًا إذا ادعيتُ أنني أعرف كيف أحلُّ أزمات الساحل”.