أصدر مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين قرارًا في 26 مارس يقضي بأن أي جماعة ترفض الالتزام بسلطة المجلس تُعتبر الآن خارج جماعة الإخوان.
تجدر الإشارة إلى أن هذه هي الحلقة الأحدث في العداء المرير المتصاعد داخل قيادة جماعة الإخوان المسلمين، الذي بدأ يتكشّف إلى العلن منذ أكثر من ستة أشهر. تعود جذور هذه الأزمة على أقل تقدير إلى صيف عام 2020، عندما ألقي القبض على المرشد الأعلى للإخوان، محمود عزت، في مصر، وفي الواقع تعود إلى عام 2013 عندما أطيح بالإخوان من السلطة في القاهرة.
بعد أن حققت على ما يبدو الهيمنة على الدولة التي كانت تعمل من أجلها لمدة ثمانين عامًا، خسرتها الجماعة في عامٍ واحد فقط بسبب سلوكها الإقصائي والقمعي. وقد انعكس تشرذم الفرع المصري الأم للإخوان المسلمين في أماكن أخرى من المنطقة، على أداء الجماعة حيث باتت في تراجع في مواجهة الحقائق الاجتماعية والجيوسياسية الجديدة.
تدور رحى المنافسة على السيطرة على جماعة الإخوان المسلمين بين فصيلين، أحدهما مقره إسطنبول بتركيا، والآخر مقره لندن ببريطانيا. بعد اعتقال عزت، أصبح إبراهيم منير، المقيم في لندن، المرشد الأعلى، لكن قيادته واجهت تحديًا، وصوّت جزء كبير من مجلس الشورى، ومقره إسطنبول، على عزله واستبدال مصطفى طلبة به، الذي وقّع مرسومًا 26 مارس كرد على بيان صدر قبل فترة من جناح لندن، قال فيه إنه سيتوقف من الآن فصاعدًا عن الاعتراف بأي قرارات تصدر من القيادة في إسطنبول.
رغم أن للانشقاق أبعادًا أيديولوجية، فمن الملاحظ بوضوح أن منير وأنصاره قد جُردوا من مناصبهم بناء على اتهاماتٍ بارتكاب مخالفات مالية. وقد بدت جماعة الإخوان المسلمين في وضع جيد بعد الربيع العربي، حيث شغلت مناصب قيادية في مصر وتونس وليبيا. لكن كل ذلك قد تبخر الآن. التأثير الرئيس الذي تستطيع جماعة الإخوان المسلمين ممارسته هو من خلال شبكات المحسوبية الخاصة بها -التي تسيطر على “الجمعيات الخيرية” والمساجد وما شابه ذلك- ومنصاتها الإعلامية. وليس من قبيل المصادفة أن سوء التعامل مع الأموال كان السلاح الرئيس الذي استخدمته الفصائل ضد بعضها بعضًا، وأن هذا الصراع حدث في الغالب على أرض المنافسة للسيطرة على المؤسسات الإعلامية المختلفة التي يسيطر عليها الإخوان.
من الأهمية بمكان أيضًا ملاحظة أن هذا الصراع يحدث إلى حدٍّ كبير في أوروبا، وليس في الشرق الأوسط. ذلك أن للإخوان المسلمين وجودًا واسع النطاق، وإن كان من الصعب تحديده في كثير من الأحيان، في أوروبا لأكثر من نصف القرن. ونظرًا لأن الجماعة تحاول عمومًا البقاء والعمل (بشكل أو بآخر) وفق الإطار القانوني، وتتجنب العنف (رسميًا)، بينما تنشر أيديولوجيتها المتطرفة، تواجه الحكومات الأوروبية صعوبات منذ فترة طويلة لمعرفة ما يجب القيام به حيال ذلك. في الآونة الأخيرة، في أعقاب الموجة الإرهابية الإسلاموية لتنظيم داعش، بدأ الأوروبيون يدركون أن الوضع يمكن أن يصبح أكثر خطورة لأن مجتمعاتهم قد أضعفت مسبقًا بسبب الأفكار المتطرفة المثيرة للانقسام التي انتشرت دونما رادع.
وقد بدأت العديد من الدول الأوروبية، بقيادة فرنسا والنمسا، في اتخاذ تدابير حاسمة للجم هذه القوى التي تدمر التماسك الاجتماعي. وهناك مؤشرات على أن دولة أوروبية أخرى، وهي بلجيكا، في الطريق لتغيير مسارها.
فلقد أصدرت اللجنة التي تشرف على أجهزة الاستخبارات البلجيكية، تقريرًا طال انتظاره في نهاية مارس 2022 حول أنشطة جهاز أمن الدولة وجهاز الأمن والمعلومات في مراقبة جماعة الإخوان المسلمين في الدولة. وعلى الرغم من أن اللجنة لم تستطع تحديد أي تهديد محدد وعنيف من جماعة الإخوان المسلمين ضد المؤسسات، فإنها خلصت إلى أن الجماعة تمثل “خطرًا” وأن هناك حاجة إلى تنسيق أفضل بين الدولة، وجهاز الأمن والمعلومات، وبين وكالات الاستخبارات البشرية والتقنية، لكبح جماح المتطرفين.
وتوصلت وكالات الاستخبارات البلجيكية إلى أن جماعة الإخوان المسلمين “تشكِّل تهديدًا ذا أولوية عالية من حيث التطرف، لأن استراتيجيتهم قصيرة الأجل يمكن أن تخلق مناخًا من الاستقطاب والفصل داخل المجتمع البلجيكي، وبالتالي تمثل ناقلًا للتطرف”. وعلى هذا النحو، أعربت اللجنة عن قلقها، لا سيما بشأن تسلل الإخوان إلى مؤسسات الدولة، سواء في الأدوار الإدارية، أو كرجال دين، وأوصت بتشديد عملية التدقيق الأمني لإبعاد الإخوان عن مواقع النفوذ، سواء على المستوى الفيدرالي أو الإقليمي أو المحلي.
وقد أدى التقرير بالفعل إلى استقالة إحسان حواش، المفوضة الحكومية السابقة في معهد المساواة بين المرأة والرجل، حيث زعمت أنها أرادت الابتعاد عن الوهج الإعلامي والجماهيري المسلّط عليها، وما يترتب على ذلك من “تنمر إلكتروني لا هوادة فيه”. كانت هذه إشارة إلى الانتقادات التي تعرّضت لها السيدة حواش بعد أن كشف التقرير عن قربها من جماعة الإخوان.
في الوقت الذي تمر فيه جماعة الإخوان المسلمين بهذه الأزمة في قيادتها، ويتواصل نضوب قواعد الدعم التقليدية لها ومصادر جمع الموارد في الشرق الأوسط، يتحوّل مسرح الصراع على السلطة والنفوذ إلى أوروبا. ويبدو أن أوروبا، بعد طول انتظار، بدأت تدرك هذه المشكلة.