احتفلت تونس بالذكرى الحادية عشرة لثورة الربيع العربي في 17 ديسمبر- التاريخ الرسمي الآن لإحياء هذه الذكرى، المرتبط باندلاع الانتفاضة في عام 2010، بدلًا من 14 يناير 2011، وهو التاريخ الذي غادر فيه الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الحكم. وقد تميز هذا الحدث هذا العام بالعواطف الجياشة التي ظهرت في شوارع تونس لصالح حكومة الرئيس الحالي قيس سعيّد وضدها.
مرت السياسة التونسية منذ الثورة بمراحل عدة، مع تحوّل رؤساء الوزراء والتحالفات، لكن المشكلات التي طُلب من الدولة مواجهتها -الفساد وانعدام الأمن والبطالة- ظلَّت مستعصية على الحلِّ، وفي كثيرٍ من الحالات تفاقمت في ظل القيادة الإسلاموية لحزب النهضة، النسخة المحلية لجماعة الإخوان المسلمين. وفي يوليو 2021، أخرج الرئيس سعيّد بلاده من هذا المأزق بإقالة الحكومة واستبدال رئيس الوزراء بشخصية انتقالية تكنوقراطية، هي نجلاء بودن، أول سيدة تقود الحكومة في الدولة.
وردت جماعة الإخوان بحملةٍ واسعة، محلياً ودولياً، واصفة قرارات سعيّد بأنها “انقلاب”، وهذا الجدل هو الذي أثار الاحتجاجات والاحتجاجات المضادة هذا الشهر. وفي حين تجمعت الحشود الموالية لـ “سعيد” لدعم برنامج الرئيس الإصلاحي، الذي حظي بدعم قوي ثابت بين السكان عموماً، كانت هناك مجموعة من المتظاهرين الإسلامويين يصيحون: “الشعب يريد إسقاط الانقلاب”. والجدير بالذكر أن الشرطة راقبت سلمياً هذه الأحداث.
لقد أحرزت تونس بعض التقدم المطرد. فقد تخلت حركة النهضة عن جهودها لاستعادة السلطة من خلال إلغاء مرسوم سعيّد قبل بضعة أشهر، على سبيل المثال، ما أبعد شبح الحرب الأهلية. لكن المشكلات المستحكمة لا تزال قائمة، بل إن الأمور الأكثر تفاهة، مثل كرة القدم، يبدو أنها لم تكن في صالح تونس مؤخراً. بالإضافة إلى ذلك، فإن كل شيء، خاصة الجهود الرامية إلى إنعاش الاقتصاد، قد عرقلتها جائحة فيروس كورونا.
من الأمثلة البارزة على ذلك قطاع السياحة في تونس، الذي يعتبر واحداً من أكثر مصادر دخلها موثوقية في سنوات بن علي، الذي دُمر في الحقبة الثورية: أولاً، هزته سلسلة من الهجمات الإرهابية من تنظيم داعش، ثم أتى عليه جائحة كورونا، ما أدّى إلى جفاف ضخِّ العملة الصعبة، وتسريح عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يعملون في هذا القطاع، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.
لقد ظلَّ معدل البطالة في تونس مرتفعاً، قرابة 18%، وفوق كل هذا البؤس العام الذي يجلبه مثل هذا الفقر، هناك مشكلة ضخمة تتمثل في تراكم القمامة في الشوارع. ورغم أنه ليس حلاً كاملاً للمشكلة، فإن دخول قطاع إعادة التدوير في تونس بدأ يؤثر إيجابياً على مشكلات البطالة والقمامة على حد سواء؛ وقد تستخدم هذه الطاقات المبتكرة في الأوقات العصيبة على نطاقٍ أوسع في حل القضايا الأخرى في تونس.
من ناحيةٍ أخرى، بدأت تونس الآن تتعامل بطريقةٍ ناجحة مع فيروس كورونا. قبل خمسة أشهر، كانت تونس تعاني واحدة من أسوأ معدلات الوفيات الناجمة عن هذه الجائحة في العالم؛ والآن، تلقى قرابة نصف السكان اللقاح، ويبدو أن التدابير التقييدية الأخرى قد أدّت إلى استقرار الوضع. لقد كانت هناك شكاوى من منظمات غير حكومية دولية حول تنفيذ هذا البرنامج، على الرغم من أنه من الصعب أن نرى ما هو مطلوب من تونس بخلاف أنها تمارس قدرات لا تملكها ببساطة.
لطالما كان الأمن مشكلة مستمرة بالنسبة لتونس حتى بعد تراجع هجمات داعش. فتونس كطريق رئيس للمهاجرين والإرهابيين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، وفي ظلِّ اختمار أزمة جديدة في ليبيا المجاورة، قد تعاني تونس من التداعيات. لذا فإنها بحاجة إلى مساعدةٍ ضرورية من الاتحاد الأوروبي على هذه الجبهة، وغيرها.
لقد رحّب الاتحاد الأوروبي بتصريحات سعيّد حول الجدول الزمني السياسي لعقد انتخابات جديدة في تونس، لكنه يحتاج إلى بذل المزيد من الجهد لدعم اقتصاد تونس، ووضعها الأمني. وكما أظهرت ليبيا في الأيام القليلة الماضية، فبدون استقرار لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية، ولا يمكن حتى أن تكون هناك انتخابات.