تعد الهندُ إحدى أكثر الدول المعرضة لتهديداتٍ إرهابية ونشاطاتٍ متطرفة في العالم. وتعتبر جارتها ومنافستها باكستان مصدرًا للكثير من مسببات هذا التحدي، حيث استخدمت وكلاء جهاديين لزعزعة استقرار الهند منذ تأسيس الدولتين في عام 1947، وخلال الحرب الباردة غذَّت جهات خارجية أخرى وداخلية أخرى مثل هذه المشكلات، ومنها الجارة الأخرى الصين.
يتأتى أحد أطول التحديات الأمنية عمرًا في الهند من التمرد الشيوعي في شرق الدولة. فابتداءً من عام 1967 شهدت ناكسالباري -تلك المنطقة التي منحت تسمية المتمردين “الناكساليتيين”- نشاطًا ملحوظًا للمد الشيوعي العنيف الذي أفرز إرهابيين يساريين سيطروا في أوج قوتهم على قرابة 12 ولاية من ولايات الاتحاد الهندي. ولكن في الوقت الحاضر، أصبح تأثيرهم يقتصر إلى حد كبير على ولايتين فقط. وأسفر صراعهم مع السلطات عن مقتل أكثر من 20,000 شخص. الناكسيليتيون ينتمون إلى الماويين، وليس من قبيل الصدفة أن “ثورتهم” اندلعت في خضم الثورة الثقافية في الصين: فقد دعمت الحكومة الصينية التمرد منذ البداية، ولا تزال حتى الآن ارهاصات هذا الدعم مستمرة فتزوده بالأسلحة، وتزود قادته بالملاذ الآمن، وتسمح للناكساليتيين بإدارة أنشطة التجنيد الدعائي من الأراضي الصينية.
على مدى عقدٍ من الزمان، بين منتصف الثمانينيات ومنتصف التسعينيات، تعرضت منطقة البنجاب في الهند لعنف من قبل حركة خاليستان، وهي منظمة انفصالية من السيخ. وقد بدأت مقترحات بعض قادة السيخ لإنشاء دولة منفصلة في شبه القارة قبل أن يغادر البريطانيون في عام 1947، على الرغم من أن هذا لم يكن موقف الأغلبية في المجتمع، وهناك شكوك في ما إذا كان يمكن لخاليستان أن تتجاوز مجرد “الإرهاب المزعج” إلى “تمرد شامل” دون دعم وكالة الاستخبارات الباكستانية، التي يشرف قسمها المعروف باسم (الجناح-إس) على المسلحين الذين تستخدمهم باكستان في سياستها الخارجية.
وفي حين أن الحملة الإرهابية التي تقودها حركة خاليستان قد قُمعت داخل الهند، فإن الدعم الخارجي الذي تحظى به الحركة من الشتات السيخي في الغرب، وأماكن أخرى، أبقى قضية خاليستان مشتعلة. ولكن حتى هنا، يمكن استشعار يد وكالة الاستخبارات الباكستانية، حيث تمول جماعات ناشطة بارزة من حركة خاليستان مثل جماعة “السيخ من أجل العدالة”، لا سيما في كندا، التي تضم عددًا كبيرًا من السيخ.
إن النظرة إلى “الهندوسية” كدين بمعنى الإيمان بعقائد محددة وعلاقة شخصية مع الله منفصلة عن جوانب الحياة الأخرى هي إرث من الحكم البريطاني، أما الحركات الحديثة التي يسميها الكثيرون “القومية الهندوسية” أو الهندوتفا فهي في الواقع جهود لاستعادة فهم الهندوسية قبل مرحلة الاستعمار كنظام حياة متكامل يشمل المجتمع والدولة. والجدير بالذكر أن الحزب الحاكم الحالي في الهند منذ عام 2014، حزب بهاراتيا جاناتا، هو هندوتفي التوجه ولديه صلات تاريخية بمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ أو (RSS)، أقدم منظمة من هذا القبيل، التي يعتبرها البعض جماعة دينية متطرفة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن مشروع هندوتفا يتعارض بشكلٍ مباشر مع العلمانية الرسمية في الهند، ويتسبب بحكم تعريفه في مشكلة مع مسلمي الهند، ولهم، الذين يبلغ عددهم 200 مليون نسمة. وقد تصاعدت موجة الخطاب المعادي للمسلمين في الهند، وبعضها من مسؤولي حزب بهاراتيا جاناتا مباشرة، وتعرضت الشرطة للانتقاد بسبب ترددها في اتخاذ تدابير لمنع أو معاقبة العنف الذي يمارسه الهندوس المتطرفون ضد المسلمين. وقد شوهد هذا الافتقار إلى المساءلة في أحداث أكثر بروزًا، مثل تدمير مسجد بابري في أيوديا في عام 1992 على يد حشد من الغوغاء الهندوس يعتقدون أن المسجد كان يُبنى عمدًا على موقع مسقط رأس الإله راما، وأعمال الشغب التي وقعت في جوجارات في عام 2002 وأودت بحياة 1,000 شخص، معظمهم من المسلمين.
يكمن الخطر الذي يهدد الهند بسبب مشروع هندوتفا في أنه يغرس صراعًا بين الطوائف يضعف دفاعات الدولة في مواجهة التطرف والتهديد الإرهابي: ذلك الذي ينبع من باكستان ومن غيرها. إن الحرب التي لا تنتهي التي تشنها باكستان ضد الهند هي أيديولوجية في مفهومها، تقوم على فرضية التنافس الحضاري بين “باكستان المسلمة” و”الهند الهندوسية”، المعروفة باسم نظرية الدولتين.
تستطيع الهند، بصفتها جمهورية علمانية، رفض شروط نظرية الدولتين بالإشارة إلى أنها -مهما كانت معيبة- موطنٌ لجميع الطوائف. لكن الهندوتفا تقبل الفرضية الباكستانية بشكلٍ أساسي، وهذا يخلق نقطة ضعف قد تسمح لباكستان باستغلال السكان المسلمين في الهند. وإذا أصبحت الدولة الهندية غير متسامحة مع المسلمين، فقد يدفع ذلك بعض المسلمين الهنود إلى قبول الرواية الباكستانية بأن “الهند الهندوسية” لا يمكن أبدًا أن تكون مكانًا آمنًا لهم، وأن المسلمين في شبه القارة ينبغي أن ينظروا إلى باكستان باعتبارها وطنهم.
وإذا ما ترسخت هذه الدينامية، واندلع العنفُ الذي ترعاه باكستان من مسلمي الهند، فإن ذلك من شأنه أن يغذِّي روايات المتطرفين الذين يؤمنون بالهندوتفا، التي تصوّر المسلمين على أنهم تهديد أصيل للدولة وشعبها، ومن ثم فإن ردود الفعل الطائفية والرسمية ستؤجِّج شعورَ المسلمين بالاضطهاد. ومن أسفٍ أن هذه الدورات من التطرف المتبادل شائعة بشكلٍ محبط؛ ويمكن رؤيتها في الغرب في التعزيز المتبادل الذي يوفره اليمينُ المتطرف الأبيض، والجهاديون، لبعضهم بعضًا. لذا، يجب الحيلولة دون بدء هذه الدورة؛ لأنها إذا بدأت فسيكون من الصعب جدًا وقفها.