محمد سنان سيتش*
مقدمة
مع صعود تنظيم داعش في يونيو 2014، وتواجده القوي على شبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، تركّز الكثير من الاهتمام الأمني على التنظيم وجرائمه الوحشية في العراق وسوريا. وكان هذا الاهتمام حاضرًا أيضًا في جنوب آسيا، التي ظلَّت لفترة طويلة بؤرة ساخنة للتمرد والجماعات المسلحة. ولكن بعد فترةٍ وجيزة، أعلن تنظيم آخر أيضًا عن وجوده، تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، الذي حقق مستوى ما من النجاح في الحفاظ على وجوده في المنطقة. يستكشف هذا التحليل طبيعة تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في جنوب آسيا، ويبحث في أفغانستان وباكستان وبنجلاديش والهند، فضلًا عن تنافسه مع داعش في المنطقة.
في المقام الأول، يرى هذا التحليل أن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، الذي تم تشكيله للحفاظ على وجود القاعدة في جنوب آسيا، كان ناجحًا بالفعل عند قياسه بالأهداف الموضوعة له في عام 2020. ومع استيلاء طالبان على أفغانستان في عام 2021، تعزز هذا النجاح أكثر. غير أنه في الوقت نفسه، اضطر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية إلى مواجهة حقيقة أن الجماعة المنافسة له، تنظيم الدولة داعش-خراسان، شنَّ هجمات عدة (لفظيًا وماديًا) ضد تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، وتنظيمه الأم تنظيم القاعدة المركزي، والتنظيم المضيف له، طالبان.
وقد أعاقت هذه الهجمات نمو تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، بقدر ما أعاقت عمليات مكافحة الإرهاب، إلى جانب القيادة المترنحة لتنظيم القاعدة المركزي. وهكذا، يتناول التحليل التداعيات المتوقعة للمسارات المستقبلية لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، ويقسم كالتالي: يوثّق أولًا تاريخ تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في المنطقة، من خلال دراسة صعود تنظيم القاعدة المركزي منذ فترة الثمانينيات. وفي معرض مناقشته لنجاحات تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، فإنه يناقش كيفية استفادة تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية من انتصار طالبان في أفغانستان. وفي القسم التالي، يبحث كيف يشكّل تنظيم داعش تحديًا لوجود تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في المنطقة، وتحديدًا في أفغانستان. وأخيرًا، فإنه يقدم عرضًا لسيناريوهات مستقبل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية.
تاريخ تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في جنوب آسيا
تنظيم القاعدة له تاريخ طويل يمتد لعقود في منطقة جنوب آسيا نتيجة تشكيله في نهاية حقبة الجهاد الأفغاني في فترة الثمانينيات. وفي وقتٍ لاحق، وفرت حركة طالبان للجماعة ملاذًا آمنًا عندما استجمعت قوتها في أفغانستان في فترة التسعينيات. ومع ذلك، بعد الإطاحة بنظام طالبان من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو بعد هجمات 11 سبتمبر، اضطر تنظيم القاعدة إلى نقل قاعدته التقليدية من أفغانستان إلى المنطقة القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية في باكستان1. ويحتفظ تنظيم القاعدة بمعسكرات تدريب عدة في المناطق القبلية هذه، مستفيدًا من غياب الحكم في المنطقة. وكان معظم الهيكل القيادي للقاعدة موجودًا في هاتين الدولتين، ما جعلهما من بين أهم الدول لاستمرار عمليات التنظيم2.
قرب منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ومع تراجع شعبية تنظيم القاعدة ونفوذه على خلفية ارتفاع شعبية داعش، والظهور الرسمي في نهاية المطاف لما يسمى بـ “الخلافة” في عام 2014، بدأ تنظيم القاعدة في اتخاذ خطواتٍ لإنشاء فرع رسمي في جنوب آسيا. وفي سبتمبر 2014، أعلن التنظيم رسميًا عن تدشين أحدث فروعه، تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية. وكما أشار بعض المحللين، كان الهدف من هذه الخطوة أيضًا إنقاذ تراجع سمعته في جنوب آسيا، في مقابل تنظيم داعش3.
وقد برز تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية لدائرة الضوء بعد الإعلان عنه مباشرة تقريبًا من خلال محاولة شن سلسلة من الهجمات في ذلك الشهر في باكستان، بما في ذلك الاستيلاء على فرقاطة بحرية، ومحاولات لمهاجمة أهداف أمريكية في البحر، واغتيال العميد زهور فضل قادري. وتركزت معظم عملياته في وزيرستان والبنجاب، وكان مركز النشاط الرئيس الآخر هو كراتشي، حيث يوجد العديد من أعضائه4.
في أفغانستان، انضم أعضاء التنظيم إلى حركة طالبان بعد أن أعلنوا ولاءهم للحركة، وعزَّزوا جهودها للقتال ضد القوات الأمريكية، وغيرها من القوات العسكرية التابعة لحلف الناتو. وفي حين أن أعداد أعضاء تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية ليست كبيرة جدًا، فإنها فعّالة للغاية في ظلِّ تحالفها مع طالبان. وقدّر تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن لدى تنظيم القاعدة المركزي ما بين 400 إلى 600 مقاتل في اثنتي عشرة مقاطعة مختلفة من أفغانستان، و100 مقاتل إضافي في جميع أنحاء جنوب آسيا حتى يونيو 2020 5. ومع ذلك، شارك التنظيم في هجماتٍ في أنحاء مختلفة من المنطقة.
في الوقت نفسه، بدأ تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في البروز في أجزاء أخرى من جنوب آسيا من خلال نموذج مضاعفة القوة الذي اتبعه قبل ذلك عبر التحالف مع طالبان. في بنجلاديش حيث كان تنظيم القاعدة موجودًا بالفعل، تمكن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية من إيجاد موطئ قدمٍ لنفسه من خلال حليفه أنصار الإسلام، وهي جماعة كانت متحالفة سابقًا مع تنظيم القاعدة، وجددت تعهدها بالولاء لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، وشنَّت هجماتٍ عدة، لاسيّما على المدونين العلمانيين بتهمة الإساءة للإسلام6. وفي حين لا توجد إحصائيات عن عدد أعضائه حاليًا، استمر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في العمل عبر جهات فاعلة مثل أنصار الإسلام.
وفي الهند، أقام تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية وجودًا ماديًا بالأساس في مسرح كشمير المتأثر بالتمرد. وتمكّن من استقطاب شخصٍ بارز، هو ذاكر موسى، من جماعة متشددة موجودة من قبل، هي حزب المجاهدين، الأمر الذي ساعده في تشكيل ما يعرف باسم “أنصار غزوات الهند” (AGH) في عام 2017، كما هو موثَّق في أقسامٍ أخرى أدناه7. وفي بقية أنحاء الهند، اعتقل عناصر من تنظيم القاعدة لمحاولتهم شن هجمات على سياسيين، ولمحاولة تجنيد الروهينجا من مخيمات اللاجئين.
وعلى الرغم من أنشطة تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، المذكورة أعلاه، يجادل العديد من المحللين بأن تنظيم القاعدة وفروعه، لا سيّما تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية قوة منهكة. ورغم أن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، على وجه الخصوص، قد أظهر إمكاناتٍ هائلة لشنِّ هجمات، لكنه أحبط في أول غزوة له في عام 2014 ولم يتمكن أبدًا من إحداث هزّة في المؤسسة الأمنية، باستثناء بضع محاولات لتجنيد أشخاص8.
غير أن هناك تحليلاتٍ معاكسة ترى أن الهدف الرئيس لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية هو الحفاظ على وجوده في المنطقة إلى أن يتمكن من اكتساب القوة الكافية9. هذه استراتيجية نجحت فروع القاعدة في إتقانها منذ فترة طويلة. وأبرز مثال على ذلك هو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية المتمركز في اليمن، الذي احتل مساحاتٍ واسعة من الأراضي وحكمها مرتين -في عام 2011 وفي عام 2015- لمدة عام كامل لكل منهما10.
وبالتالي، فإن تمكّن تنظيم في شبه القارة الهندية من الصمود، على الرغم من وجوده الضعيف، والتصدي له من قبل القوات الحكومية، والمنافسة القوية من تنظيم داعش، يعني أن التنظيم نجح في تحقيق هدفه المتمثل في الحفاظ على وجوده في جنوب آسيا. وقد تعزَّز هذا النجاح بعد عودة طالبان للسيطرة على الدولة في عام 2021، حليفته ومضيفته في أفغانستان.
تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية بعد عودة طالبان إلى السلطة
لعل أكبر دفعة لتنظيم القاعدة هي انتصار طالبان في أفغانستان في أغسطس 2021. وقد تحقق هذا الانتصار بعد أن أبرمتِ الولايات المتحدة، في عهد الرئيس دونالد ترامب، “صفقة” مع طالبان في عام 2020 لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، مشروطة ظاهريًا بأن تحرم طالبان جماعات مثل تنظيم القاعدة من الملاذ الآمن11.
مع اقتراب الانسحاب الأمريكي في عام 2021، أصبح من الواضح أن طالبان لم تكن تنوي قطع علاقاتها مع حليفها، تنظيم القاعدة، أو الحدِّ من أنشطته. وقد اتضح ذلك عندما بدأت تقارير الأمم المتحدة في توثيق استمرار وجود التنظيم داخل المناطق التي تسيطر عليها طالبان12. وقد أسفرت غارة أمريكية في مايو 2020 عن اعتقال أو القضاء على العديد من كبار أعضاء تنظيم القاعدة في الأراضي التي تخضع لسيطرة طالبان، ما يدل على الروابط الوثيقة بين الجماعتين13.
في أعقاب الحرب الخاطفة التي شنتها طالبان في جميع أنحاء أفغانستان والانسحاب الأمريكي الذي مكّن طالبان من السيطرة على البنية التحتية للدولة بأكملها في أغسطس 2021، تعزَّز موقف تنظيم القاعدة بشكل أكبر. ورفض المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد علنًا الادعاء الأمريكي بأن الاتفاق ألزم طالبان بتقليص علاقاتها مع القاعدة قائلًا “إنه لم يُذكر في أي موضع في الاتفاق أنه تربطنا أو لا تربطنا علاقات مع أحد. وفي الواقع، مسألة العلاقات لم تُنظر في الاتفاق. وما تم الاتفاق عليه هو أنه لا يجوز توجيه أي تهديد من الأراضي الأفغانية للولايات المتحدة وحلفائها”14. وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لأجهزة الأمن الإقليمية، والدول التي تأمل في تخليص المنطقة من وجود القاعدة.
علاوة على ذلك، يبدو أن دعاية تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية تعكس توجهًا بدأت تنفيذه على أرض الواقع. على سبيل المثال، منذ عام 2020، عندما أُعلن الاتفاق مع الولايات المتحدة، نشر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية العديد من الدعايات التي تهنئ طالبان على هزيمة الولايات المتحدة، وإخراجها من الأراضي الإسلامية15. ومنذ ذلك الحين، غيّر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية اسم مجلته من نواي الجهاد الأفغاني (صوت الجهاد الأفغاني) إلى نواي غزوة الهند (صوت غزوة الهند)، ما يشير إلى المنطقة التي سيركز عليها التنظيم طاقاته، بعد انسحاب الولايات المتحدة الكامل16.
وفي سبتمبر وأكتوبر 2021، نشر التنظيمُ أيضًا مقطعي فيديو دعائيين، يستهدفان الهند وكشمير، على وجه التحديد. كان الفيديو الأول، الذي حمل عنوان “لا تقفوا مكتوفي الأيدي”، عبارة عن مجموعة من مقاطع الفيديو القصيرة التي تُسلّط الضوء على الاضطهاد المزعوم للمسلمين في الهند، وتحثُّ المسلمين على الانتقام، ملقيًا باللوم في المشكلات كافة على الحكومة الهندية الحالية17. ويبدو أن الفيديو أظهر بعض اليأس والانزعاج من المسلمين الهنود لعدم قيامهم بأي شيء لرفع مستوى الجهاد في البلاد، وفقًا لأحد المحللين18.
أما الفيديو الثاني، وعنوانه “كشمير لنا”، فقد كان أكثر دقة بكثير، حيث ركّز على منطقة الصراع في كشمير، وحثتِ الجماعةُ المسلمين الكشميريين على رفض الدعم الباكستاني، من خلال وكالة الاستخبارات التابعة لها، وكالة الاستخبارات المشتركة19. وهذا يتفق مع دعايتها السابقة، حيث ندد تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية وفرعه الكشميري، أنصار غزوة الهند، بباكستان لإبعادها الكشميريين عن المشاركة في الجهاد “الحقيقي”20.
في الوقت ذاته، انخرط تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في بعض الأنشطة خارج قاعدته في أفغانستان. في نوفمبر 2021، ألقت أجهزة الأمن الباكستانية القبض على شخصٍ في إقليم البنجاب، كان ينوي -على ما يبدو- شنَّ هجمات ضد منشآت حكومية مختلفة في باكستان21، وبحوزته كمية كبيرة من الأسلحة بما في ذلك بنادق وقاذفات صواريخ محمولة على الكتف، وقاذفات قنابل يدوية، ما يدل على كابوس أمني محتمل تم إحباطه بنجاح.
ولعل التحدي الآخر الذي يواجه تنظيم شبه القارة الهندية، إلى جانب الأجهزة الأمنية، سيكون قوة تنظيم داعش، الذي انتقد باستمرار تنظيم القاعدة وفروعه، وكذا حركة طالبان للتنازل عن مبادئها، وعقد صفقات مع دول مثل الولايات المتحدة. كما حاول تنظيم داعش جاهدًا تجنيد أعضاء تنظيم القاعدة لصالحه في أجزاء مختلفة من جنوب آسيا، بما في ذلك كشمير وبنجلاديش، على الرغم من أنه لم يتمكن دائمًا من النجاح في ذلك22. ومع ذلك، فإن داعش لا يزال يشكل تهديدًا لطموحات تنظيم القاعدة، في شبه القارة الهندية في المنطقة.
مستقبل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في المنطقة
يمكن النظر في سيناريوهات تهديد عديدة لمستقبل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في المنطقة. بالنظر إلى أن قيادة تنظيم القاعدة المركزي كانت في حالةٍ يرثى لها على مدى السنوات القليلة الماضية23، فربما يفتقر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية أيضًا إلى القيادة، على الرغم من نجاحه في تحقيق هدفه المتمثل في الحفاظ على وجوده. ذلك أن الحفاظ على وجود التنظيم لا يعني بالضرورة القدرة على التقدم أو التوسع.
إذن، فمن المرجح أن يوفر النجاح المستمر لطالبان المزيدَ من الزخم لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، والتنظيم الأم، لإعادة تشكيل أهدافه والتفكير في توسيع وجوده وعملياته، في جميع أنحاء جنوب آسيا. وهذا ممكن نظرًا لأن التنظيم لديه ملاذ آمن في أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان، حيث يمكنه إعادة تجميع صفوفه، وزيادة عدد أفراده.
علاوة على ذلك، فهناك فرصة كبيرة لأن يشجع تنظيم في شبه القارة الهندية، على غرار التنظيم الأم، الجهاديين الطموحين في جميع أنحاء جنوب آسيا، وأجزاء أخرى من العالم، على الهجرة إلى أفغانستان والانضمام إلى صفوفه. وقد أدلت بهذه الملاحظة ريتا كاتز، المتخصصة في استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي التي أشارت إلى أنه بعد انتصار طالبان، كانت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالمناقشات حول الهجرة إلى أفغانستان24. كما أكد مسؤولون بنغال هذه التقييمات، وأفادوا بأن عددًا قليلًا من مواطنيها سافروا إلى أفغانستان للانضمام إلى الجماعات الجهادية هناك25.
وبمجرد أن يتمكن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية من زيادة عدد أعضائه، وإجراء التدريب المناسب لهم، فمن المرجح أن يشجع شنُّ هجماتٍ في أجزاء مختلفة من جنوب آسيا، لتأكيد وجوده كجماعةٍ مهيمنة. كما أن الخطط الطموحة، مثل الاستيلاء على سفن البحرية الباكستانية، لإثارة المشكلات بين باكستان والهند، ليست مستبعدة نظرًا لوقوع حادثٍ مماثل وقع في عام 262014. وثمة بعد آخر، هو أنه مع احتمال زيادة وجود أفراد مختلفين من جميع أنحاء جنوب آسيا، فهناك فرصة كبيرة للتلقيح المتبادل للأفكار، وتشكيل شبكاتٍ جهادية في جميع أنحاء المنطقة.
سيتعين على الهند أن تولي اهتمامًا لوجود التنظيم ودعايته. ففي جنوب آسيا، أصبحت الهند العدو الرئيس الجديد للجهاديين، بسبب السياسات التي يفترض أنها معادية للمسلمين التي تنتهجها الحكومة الهندوسية اليمينية الحالية، وتهميش المسلمين في الدولة. وقد أشار تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية إلى ذلك في وقتٍ مبكر من عام 2017 في وثيقة “مدونة قواعد السلوك”، عندما أعلن عن نيته استهداف الهند27. وبصرف النظر عن الأنشطة اليمينية الهندوسية، أشار أيضًا إلى تدخل الهند في دولٍ مثل بنجلاديش، وتحالفها مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتعزيزها للعلمانية في الدول الإسلامية، على الرغم من تآكل القيم العلمانية في الهند نفسها.
ومع ذلك، فلن يكون طريقُ تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية للازدهار وشنّ هجماتٍ ناجحة سهلًا. فلقد أثبت تنظيم داعش أنه منافس قوي لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية وحلفائه، بما في ذلك حركة طالبان. وقد وجّه تنظيم داعش -مرارًا وتكرارًا- اللومَ إلى تنظيم القاعدة المركزي، وتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، بسبب التحالف مع طالبان، وهي جماعة سيتعين عليها في مرحلةٍ ما التعاون مع دول قومية أخرى لضمان بقائها، نظرًا للأزمة الغذائية الحادة، وأزمة البطالة التي تواجه أفغانستان. وهذا يعني أنه يمكن أن تتم محاولة استمالة الأعضاء الأكثر تشددًا في تنظيم القاعدة المركزي، وتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، الذين يعارضون أي تسوية برجماتية أخرى متصوّرة من قبل طالبان مع “الكفار”، للانضمام إلى تنظيم داعش في مرحلةٍ ما، الأمر الذي من شأنه أن يضعف تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية.
وأخيرًا، تراقب وكالاتُ مكافحة الإرهاب في جنوب آسيا، عن كثب، التطورات التي تتكشف في أفغانستان، وتتخذ خطواتٍ لضمان عدم تدهور الحالة الأمنية داخل دولها نتيجة لانتصار الطالبان28. من الناحية السياسية، ينبغي أن تتعاون تلك الدول بشكلٍ أوثق مع بعضها البعض، وتنحية مختلف المشكلات التي تعاني منها المنطقة بالفعل فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف جانبًا.
الخلاصة
لقد عمل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، منذ إعلانه في عام 2014، على توطيد نفسه كجماعةٍ تصمد في وجه كل الأنواء. وتعني عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في عام 2021 أن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية من المحتمل أن يكون لديه الوقت والمساحة لإعادة تقييم أهدافه، وعلاقته مع التنظيم الأم؛ تنظيم القاعدة المركزي. ومن حيث سيناريوهات التهديد، قد يعني ذلك أن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية سيفكِّر في زيادة أعداده، وإقامة شبكة في جميع أنحاء جنوب آسيا، ومحاولة شنِّ المزيد من الهجمات ضد أهداف في جنوب آسيا.
ومع ذلك، فمِنَ المرجَّح أن تتقلص طموحاتُ تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، ليس نتيجة لجهود وكالات مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة فقط، بل بسبب داعش أيضًا، الذي سيواصل التنافس معه على المركز الأول في المشهد الجهادي. وقد يكون ذلك وسيلةً للحدِّ من قوة تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، أو على العكس من ذلك، قد يدفعه إلى شنِّ هجماتٍ أكثر خطورة في محاولة للمزايدة على داعش في جميع أنحاء منطقةٍ لا تزال مُتقَلِّبةً.
(*) باحث دكتوراه في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة أدنبره، وباحث زائر في مؤسسة أبحاث الأوبزرفر في نيودلهي. وعمل في السابق محللًا في المركز الدولي لبحوث العنف السياسي والإرهاب.
المراجع:
[1] Rohan Gunaratna and Peter Nielsen, “Al-Qaeda in the tribal areas of Pakistan and beyond”, Studies in Conflict & Terrorism, 31(9), 775–807.
[2] Ibid.
[3] Alexander Reed. Al-Qaeda in the Indian Subcontinent: A New Frontline in the Global Jihadist Movement. 2016. The Hague: International Center for Countering Terrorism.
[4] Animesh Roul. Al-Qaeda in the Indian Subcontinent: Spearheading Jihad 2014 – 2020. New Delhi: Society for the Study of Peace and Conflict. 2020.
[5] United Nations Security Council. Analytical Support and Sanctions Monitoring Team Report. New York: UNSC. 2020
[6] Mohammed Sinan Siyech. Al-Qaeda in the Indian Subcontinent: comparing the movement in India and Bangladesh. Journal of Policing, Counter Terrorism and Intelligence, 64 – 82. 2020.
[7] Ibid.
[8] Mohammed Sinan Siyech, “Indian Muslims and jihadist failures: Past and future”, ORF, August 21, 2020, https://www.orfonline.org/expert-speak/indian-muslims-jihadist-failures-past-future/
[9] Mohammed Sinan Siyech. Al-Qaeda in the Indian Subcontinent: comparing the movement in India and Bangladesh. Journal of Policing, Counter Terrorism and Intelligence, 64 – 82. 2020.
[10] “Their Fate is Tied to Ours”: Assessing AQAP Governance and Implications for Security in Yemen”, ICSR Reports, October 28, 2019, https://icsr.info/2019/10/28/their-fate-is-tied-to-ours-assessing-aqap-governance-and-implications-for-security-in-yemen/
[11] “Afghanistan: US-Taliban deal hastened Afghan collapse, defence officials say”, BBC, September 29, 2021, https://www.bbc.com/news/world-us-canada-58738953
[12] United Nations Security Council. Analytical Support and Sanctions Monitoring Team Report. New York: UNSC. 2020
[13] “Key Al-Qaeda leader killed in Afghanistan”, Economic Times, May 25, 2020, https://economictimes.indiatimes.com/news/defence/key-al-qaeda-leader-killed-in-afghanistan/articleshow/78856536.cms
[14] “Interview with Taliban’s Zabihullah Mujahid: Full Transcript”, Tolo News, July 21, 2021, https://tolonews.com/afghanistan-173452
[15] “AQIS Congratulates Taliban on Afghanistan Conquest”, Site Intelligence News, August 24, 2021, https://ent.siteintelgroup.com/Statements/aqis-congratulates-taliban-on-afghanistan-conquest.html
[16] Rezaul Laskar and Adil Mir, “Al-Qaeda’s India affiliate hints at shifting focus to Kashmir”, Hindustan Times, March 22, 2020, https://www.hindustantimes.com/india-news/al-qaeda-s-india-affiliate-hints-at-shifting-focus-to-kashmir/story-QgsOfxqfqe17uwYfs13pIJ.html
[17] Kabir Taneja, “Under the Taliban bonnet: Al-Qaeda—ISKP rivalry and its security implications for India”, October 16, 2021, https://www.orfonline.org/expert-speak/under-the-taliban-bonnet/
[18] Hari Prasad, “Still No Storm in the Ocean: New Jihadist Narratives on Indian Islam”, Hudson Institute, April 01, 2021, https://www.hudson.org/research/16951-still-no-storm-in-the-ocean-new-jihadist-narratives-on-indian-islam
[19] Kabir Taneja, “Under the Taliban bonnet: Al-Qaeda—ISKP rivalry and its security implications for India”, October 16, 2021, https://www.orfonline.org/expert-speak/under-the-taliban-bonnet/
[20] Safwat Zargar, “In Kashmir, claimed Al-Qaeda affiliate Ansar Ghazwat-ul-Hind may be struggling to survive”, Scroll, January 07, 2019, https://scroll.in/article/907269/in-kashmir-al-qaedas-putative-affiliate-ansar-ghazwat-ul-hind-may-be-struggling-to-survive
[21] “AQIS terrorist arrested in Pakistan’s Punjab province”, New Indian Express, November 09, 2021, https://www.newindianexpress.com/world/2021/nov/09/aqis-terrorist-arrested-in-pakistans-punjab-province-2381491.html
[22] Mohammed Sinan Siyech and Suraj Ganesan, “Al-Qaeda and the Islamic State’s rivalry in South Asia”, ORF, January 11, 2021, https://www.orfonline.org/expert-speak/al-qaeda-and-the-islamic-states-rivalry-in-south-asia/
[23] Barak Mendehlson and Colin Clarke, “Al-Qaeda Is Being Hollowed To Its Core”, War on the Rocks, February 24, 2021, https://warontherocks.com/2021/02/al-qaeda-is-being-hollowed-to-its-core/
[24] Rita Katz, “Future of Al-Qaeda, ISIS & Jihadism”, Wilson Center, August 27, 2020, https://www.wilsoncenter.org/article/future-al-qaeda-isis-jihadism
[25] “Why are Bangladeshi militants migrating to Afghanistan?”, Daily Star, July 29, 2021, https://www.thedailystar.net/star-multimedia/news/why-are-bangladeshi-militants-migrating-afghanistan-2140111
[26] Alexander Reed. Al-Qaeda in the Indian Subcontinent: A New Frontline in the Global Jihadist Movement. 2016. The Hague: International Center for Countering Terrorism.
[27] Mohammed Sinan Siyech, “Al-Qaeda in the Indian Subcontinent (AQIS): Renewing Efforts in India”, Middle East Institute, September 19, 2021, https://www.mei.edu/publications/al-qaeda-indian-subcontinent-aqis-renewing-efforts-india
[28] Aditya Gowdara Shivamurthy, “What Does a Taliban Government Mean for the Rest of South Asia?”, The Diplomat, July 23, 2021, https://thediplomat.com/2021/07/what-does-a-taliban-government-mean-for-the-rest-of-south-asia/