دانييل جاروفالو*
يواصل تنظيم داعش في العراق نشاطه في معظم المناطق الوسطى والشمالية من الدولة، حيث يشن العديدَ من العمليات المختلفة. فلقد نفّذ التنظيم 1,079 هجومًا في عام 2021 وأكثر من 200 هجوم في الفترة من يناير إلى أبريل 2022. ويُقدّر حجم ولاية العراق بقرابة ست وعشرين خلية نشطة، أي ما مجموعه قرابة 4,000 إلى 5,000 ألف مقاتل وقرابة 4,000 مسلح ينتمون إلى خلايا نائمة وداعمين ومؤيدين.
العمليات والأهداف
يستطيع داعش من خلال الاستفادة بمعرفته بطبيعة الأراضي، والمناطق النائية، والفضاء الصحراوي، والجبال، والمجموعات المتنقلة، والميسرين، والعديد من الخلايا، والمؤيدين في العراق، العمل وتنفيذ أنواعٍ مختلفة من الهجمات في مناطق عديدة، مثل الأنبار وشمال بغداد وكركوك وصلاح الدين ونينوى وديالى ودجلة/ ديالى وبابل الجزيرة وبادية الفرات والفلوجة ومنطقة واسعة في جنوب الدولة، التي يُطلق عليها القطاع الجنوبي.
ويمكن تقسيم العمليات التي يقوم بها داعش في العراق إلى ثلاثة أنواع رئيسة:
- “حرب الاستنزاف”: تتضمن هذه الاستراتيجية زرع العبوات الناسفة، واستخدام العبوات الناسفة بدائية الصنع، والسيارات الانتحارية المفخخة أو العبوات الناسفة المحمولة على مركبات انتحارية، والكمائن، واغتيال القادة الاجتماعيين والسياسيين باستخدام القناصة، وعمليات الاختطاف، والهجمات على قوات العشائر السنية الموالية للحكومة والقوات الشيعية شبه العسكرية، والمسؤولين المحليين، وزعماء العشائر الذين يعتبرون مرتدين لأنهم يتعاونون مع حكومة بغداد، والمدنيين المتهمين بأنهم جواسيس، وعمليات عسكرية في المناطق الريفية والقرى وعلى مشارف المدن (بما في ذلك حزام بغداد، وضواحي تكريت وسامراء والموصل وكركوك) للاقتراب من المدن الرئيسة، ونقاط التفتيش، والثكنات الصغيرة واستهدافها.
- “الحرب الاقتصادية”: تشمل هذه الاستراتيجية الهجمات على المنازل والمزارع، وتدمير المحاصيل، والهجمات على مرافق البنية التحتية العامة والخاصة، مثل محطات الوقود، وآبار النفط، وخطوط أنابيب النفط والغاز، والآبار، ومرافق إمدادات المياه، وأبراج الكهرباء، وأبراج الاتصالات السلكية واللاسلكية. وقد شنّ التنظيم أكثر من 400 هجوم في العراق خلال عام 2021، أي ما يمثل 80% من عمليات الحرب الاقتصادية العالمية للتنظيم.
- عرقلة التطبيع والاستقرار وإعادة الإعمار في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة التنظيم في السابق (ممارسة العنف الطائفي هو الهدف الرئيس).
في مختلف المناطق التي ينشط فيها داعش، يعاود التنظيم التواصل مع السكان والقبائل لتدبير التمويل الذاتي، والانخراط في أنشطة اقتصادية غير قانونية مع الجهات الفاعلة الناشئة الجديدة التي تتورط في تهريب السلع والتجارة غير المشروعة في السجائر والأدوية والأسلحة والنفط والمخدرات والآثار والخردة المعدنية والنحاس والأسمنت والمواد الغذائية والإلكترونيات. الجدير بالذكر أن الإيرادات التي يجنيها داعش توفر له الأموال اللازمة لتنفيذ هجماته الإرهابية، والحصول على الأسلحة والغذاء والدواء والمركبات وكل ما يلزم لاستمرار التنظيم ومواصلة أنشطته المتمردة، فضلًا على تجنيد عناصر جديدة.
إضافة إلى ذلك، يسعى داعش إلى تعزيز نفوذه في أوساط المجتمع المدني الديني السني العراقي لإنشاء حاضنة دينية تنسجم مع معتقداته. وتهدف شبكاته إلى تحسين العلاقات مع الزعماء الدينيين والأئمة في المناطق الريفية الغربية من العراق، ودعم جهود المساجد المحلية لحل النزاعات بين القبائل الرئيسة وأسر داعش.
المنطقة الأكثر عُرضّة للخطر، حتى الآن، هي المحافظات الفرعية الشمالية والشرقية التي تُشكّل ما يشبه المثلث بالقرب من العاصمة العراقية بغداد، التي أصبحت بؤرة للعمليات الإرهابية وجمع الأموال ويمكن أن تشهد عودة للاشتباكات الطائفية. ويضم هذا المثلث قرابة 1,200 مسلح نشط، يعملون إلى حد كبير كخلايا سريعة الحركة، ويهاجمون أهدافًا مدنية، ويقيمون نقاط تفتيش مزيفة، ويستخدمون تكتيكات على غرار الكمائن، وينتقلون إلى مواقع عسكرية معزولة، ما يوقع خسائر كبيرة.
تكثيف الدعاية
لا تزال دعاية داعش قوية جدًا وتشمل ولاية العراق إلى درجة كبيرة. فعمليات استهداف ورصد المنصات ومواقع الإنترنت المختلفة تتم بشكل يومي، وتتمتع وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية والداعمة بقدرة عالية على النشر والتوزيع. وإضافة إلى مواقع الإنترنت، تُنشر المواد الدعائية على العديد من منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن التنظيم كان يستخدم منصات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، خاصة فيسبوك وتويتر ويوتيوب، لنشر دعايته، ولكنه قلّص استخدامها بشكل كبير في العامين الماضيين.
والآن يستخدم الإرهابيون تطبيقات أخرى مثل تلجرام، “واليمنت” (Element) و”روكت تشات” (Rocket Chat) و”هوب ماسنجر” (Hoop Messenger) و”بي آي بي” (BIP) و”تام تام” (Tam Tam) لنشر ادّعاءاتهم ومجلاتهم ورسائلهم الصوتية، ومقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية، ومواد التجنيد.
علاوة على ذلك، تواصل الذراع الإعلامية لداعش الاعتماد على مجموعة واسعة من الموارد التكنولوجية، مع زيادة كبيرة في كمية ونوعية المنتجات الإعلامية (لا سيما منتجات مؤسسة الفرقان، وأعماق الإخبارية، ونشرة النبأ الإخبارية الأسبوعية). ويبدو أن جمهورها المستهدف الرئيس هو السكان النازحون في العراق. ولا تزال تحظى رسالته بجاذبية عالمية تتفق مع أهدافها وأيديولوجيتها، ما يعكس تحوله من دولة معلنة إلى جماعة إرهابية سرية. في الأشهر الأخيرة، أصدر التنظيم العديد من مقاطع الفيديو فيما يسمى بـ “ولاية العراق”، مع التركيز على الانقسامات العملياتية في كركوك وديالى وصلاح الدين.
تهدف الرسائل المنشورة إلى مهاجمة وترهيب قوات الحشد الشعبي وقوات العشائر المحلية وقوات الأمنية والبشمرجة الكردية المتمركزة في المناطق الريفية، إضافة إلى ترهيب المدنيين المتهمين بأنهم “جواسيس” وبالتعاون مع القوات العراقية ضد داعش. وتُظهر مقاطع الفيديو والصور المنشورة مداهمات واغتيالات ضد القبائل السنية المتهمة بالتعاون في هزيمة داعش وطرده من تلك المناطق، والهجمات ضد قوات الأمن العراقية، والهجمات ضد البنية التحتية الاقتصادية في الدولة.
في أواخر يونيو 2021، أصدرت مؤسسة الفرقان الإعلامية، وهي مؤسسة الإنتاج الإعلامي الأبرز والمرموقة في التنظيم، المسؤولة في المقام الأول عن نشر رسائل القيادة المركزية وفيديوهاتها، بيانًا صوتيًا للمتحدث الرسمي آنذاك، أبو حمزة القريشي، بعنوان “وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” (سورة آل عمران:139)، الذي استغرق نحو ثمان وثلاثين دقيقة، يحتوي في الغالب على عبارات التشجيع والدعم لمختلف “المحافظات”، والاحتفال بـ”الانتصارات”، وإصدار توجيهات وأوامر من الخليفة آنذاك أبو إبراهيم الهاشمي القريشي.
وفي جزء من الرسالة الصوتية، خاطب أبو حمزة مقاتلي داعش في العراق وأشاد بـ”عملياتهم الناجحة”، مشيرًا إلى الهجمات في العراق وتلك التي تركز على “الحرب الاقتصادية”، فضلًا على الهجمات ضد القوات الحكومية والشيعة. وأخيرًا، خاطب الحكومة العراقية، قائلًا: “إن سيطرة داعش على الأراضي في العراق ليست سوى مسألة وقت”. ثم خاطب أبو حمزة الميليشيات القبلية السنية العراقية الموالية لحكومة بغداد.
في الفترة ما بين 11 و17 مارس 2022، ركّزت دعاية ولاية العراق على نشر أكثر من 80 صورة ومقطع فيديو مدته سبع دقائق لقسم البيعة لجميع الخلايا العراقية للزعيم الجديد، أبو حسن الهاشمي القريشي.
الحاجة إلى تدابير مضادة محددة
كان من الواضح منذ بعض الوقت أن داعش لم يهزم ولا يزال يُشكّل تهديدًا لأمن واستقرار العراق، والمنطقة بأسرها، التي ينشط فيها في المقام الأول، وحيث تتمركز قيادته المركزية بأكملها. وبالتالي، فإنه من غير المرجح (إن لم يكن مستحيلًا) زوال التهديد الذي يمثله التنظيم في العراق على المدى القصير إلى المتوسط، مهما كانت الاستراتيجية العسكرية والسياسية التي ستقرر.
لذا، يمكن العمل على مكافحة التهديد الجهادي على المدى الطويل، من حيث التجنيد والدعم العملياتي والمالي للتنظيم، من خلال حل سياسي يقوم على ما يلي:
- إعادة دمج العرب السنة في العملية السياسية؛
- إيجاد طريقة لنزع فتيل الطائفية الدينية؛
- ضمان المساواة في المعاملة بين قوات الحشد الشعبي الإقليمية والقبلية؛
- تحقيق توزيع عادل للسلطة والثروة وفقًا للنسب السكانية للعرب السنة؛
- التركيز على إعادة إعمار المدن التي دمرتها الحرب ضد داعش؛
- السماح بعودة المهاجرين والنازحين قسرًا إلى محافظات غرب وشمال غرب العراق؛
- إلغاء الصلاحيات الممنوحة لميليشيات الحشد الشعبي شبه العسكرية المدعومة من إيران أو تقليصها بشكل كبير، ودمجها في قوات الأمن العراقية حيثما أمكن أو تفكيكها؛
- المساعدة على إعادة الإدماج الاجتماعي لأسر أعضاء داعش الذين ما زالوا نازحين أو في معسكرات السجن؛
- تعزيز الدوريات الأمنية التي يقوم بها الجيش العراقي وقوات الأمن العراقية في المناطق الحدودية والصحراوية، خاصة على طول الحدود العراقية-السورية.
إذا لم تُنفذ الحكومة العراقية حزمة متكاملة من الحلول السياسية والاقتصادية والأمنية، يمكن أن تشهد المجالات المذكورة أعلاه، على المدى القصير إلى المتوسط، زيادة في أنشطة داعش وقدراته على التجنيد. إذ تُظهر الهجمات والعمليات التي نفّذها التنظيم في عام 2021 كيف يمكن للتنظيم بسهولة استغلال الأخطاء والثغرات حتى في أكثر التدابير الأمنية صرامة في بغداد.
الخلاصة
على المدى المتوسط، يمكن القيام بمحاولاتٍ لمواجهة داعش من خلال إقامة نقاط تفتيش في جميع المناطق المذكورة، وإجراء مراقبة مُكثّفة على جميع نقاط الدخول إلى بغداد والمحافظات الأخرى، وتكثيف الغارات لتدمير الخلايا النائمة. وينبغي أن تشمل حماية القرى والبلدات في المناطق الحدودية والصحراوية دوريات احترافية لمدة أربع وعشرين ساعة كل خمسة إلى عشرة كيلومترات، ونقاط تفتيش وأبراج مراقبة مُحصّنة جديدة، ومراكز أمنية للتدخل السريع، ومراقبة بالفيديو باستخدام الكاميرات والطائرات المسيّرة، وشبكات اتصالات موحدة، وتعزيز التنسيق بين المراكز الحدودية، وإنشاء قيادة خاصة مسؤولة حصرًا عن الحدود مع سوريا، وتحسين الثقة بين قوات الأمن وسكان البلدات والقرى الحدودية، ومكافحة الفساد في أجهزة إنفاذ القانون.
وختامًا، يمكن القول إن الاستقرار الذي تحقق في العراق في فترة “ما بعد داعش” قد تقوّض بشكلٍ منهجي بسبب الفساد المستشري والمستوطن في النخب السياسية الحاكمة، وهي مشكلة موجودة منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 واستفحلت منذ عام 2018.
فلقد أصبحت وزارات الدولة ومؤسساتها إقطاعيات للأحزاب والعائلات، الأمر الذي شوّه شرعية النظام السياسي في مرحلة ما بعد صدام حسين، وأثار حنق السكان اليائسين والمحبطين وتطرفهم، ما أدّى بدوره إلى تأجيج الطائفية والاقتتال الداخلي والعنف والاحتجاجات وتوسع رقعة الإرهاب الجهادي. يتمتع داعش في العراق بالقدرة على شنِّ تمردٍ طويل الأمد، وإذا لم تتخذ التدابير المضادة المناسبة، يمكن أن تستمر جاذبيته الأيديولوجية لفترةٍ طويلة.
* باحث يركز على الجماعات الإسلاموية والجهادية، خاصة إنتاجها الإعلامي والدعائي، في مركز أناليتيكا للدراسات الاستخباراتية والأمنية، ومؤلف كتاب «الشرق الأوسط الدموي».