خديجة معلا*
“القيادة هي قدرتي على خلق مستقبل جديد؛ الاستماع بعمق، والتحدث بمسؤولية، وتحويل الروايات المجتمعية المثبطة باستخدام القيم العالمية”! هكذا قالت الدكتورة مونيكا شارما في ورشة بعنوان “القيادة التحويلية الجذرية”، عقدت في مدينة أوسلو في مارس 2019.
بقدر ما هو صحيح أن طرح السؤال الصحيح يمثل نصف الإجابة، فإن التفكير في مواجهة التحديات باستخدام المنظور الصحيح، وبتوظيف الأدوات المناسبة هو أكثر أهمية. يجب أن يبدأ البحث عن الحل بالتفكير الاستراتيجي، وهذا يتطلب الاقتراب من الواقع من زوايا وأُطر جديدة، والقيام بذلك بنزاهة وصدق. ولا بد من كسر احتكار ما يسمى بالخبراء الذين يشغلون مناصب قيادية في معظم المؤسسات العالمية والوطنية. ويجب أن يشغل هذا الحقل شخصيات مخلصة تكون بمثابة عوامل للتغيير.
في حالة تونس اليوم، يدعونا هذا النهج إلى تفنيدِ المغالطات السائدة التي تُروّج لها جماعة الإخوان المسلمين، ومساعدوها ومؤيدوها الخفيون في الغرب، حول التطورات الأخيرة في الدولة. تقع المهمة على عواتق عوامل التغيير المخلصين، سواء كانوا يعيشون في تونس أو في أي مكان آخر. وفي هذا الصراع النهائي ضد الإخوان، لا أحد يستطيع تحمل ترف البقاء على الحياد. كلنا نعيش في القرية العالمية نفسها، وكلنا نواجه العدو نفسه، سواء كان يطلق على نفسه اسم “داعش” أو “حركة الشباب” أو “بوكو حرام” أو “القاعدة” أو “طالبان” أو “الإخوان المسلمين”.
في ذكرى إعلان الجمهورية التونسية، في 25 يوليو 2021، أصدر الرئيس قيس سعيّد قرارًا بتجميد البرلمان لمدة ثلاثين يومًا، ورفع الحصانة البرلمانية، وأقال رئيس الوزراء، وتولى السلطة التنفيذية. وكما قال، فإن هذه التدابير مبررة إلى حدٍّ كبير بموجب المادة 80 من الدستور، التي اعتمدت في عام 2014، في وقتٍ كانت فيه جماعة الإخوان المسلمين مسؤولة عن هذه الأمور.
تؤكد المادة 80 أنه عندما تكون هناك “حالة خطر وشيك تهدد سلامة البلاد وأمنها واستقلالها، يحق [للرئيس] اتخاذ التدابير التي يتطلبها هذا الوضع الاستثنائي، بعد استشارة رئيس الوزراء ورئيس البرلمان”. وبما أن رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء كانا المتسببين الرئيسيين في خلق حالة الخطر الوشيك، فإن نص القانون قد أفسح المجال لتطبيق روح القانون.
بداية، يمكن القول إن الرواية السائدة التي يدافع عنها الإخوان المسلمون وأنصارهم مبنية على ثلاث مغالطات رئيسة:
المغالطة الأولى: الشعب التونسي كان يعيش في ديمقراطية، وقرارات الرئيس ترقى إلى انقلاب بقيادة حاكم مستبد جديد.
كانت الديمقراطية في تونس واجهة لا يستفيد منها سوى الأغنياء والقيادات الإسلاموية السياسية وحلفائهم، وليس الشعب التونسي. وكان لها تأثير مدمر على حياة الناس. إذ يعيش حاليًا مليونا تونسي تحت خط الفقر، وهناك مليون شاب عاطل عن العمل. وقد لا يكون أمام الدولة خيار آخر سوى طلب إعادة هيكلة ديونها الخارجية التي تضخمت إلى ما يقرب من 100% من ناتجها المحلي الإجمالي.
المغالطة الثانية: ما حدث بين 17 ديسمبر 2010 و14 يناير 2011 كان ثورة وما فعله الرئيس في 25 يوليو 2021 هو ثورة مضادة.
لا يمكن وصف ما حدث في شتاء 2010-2011، ولا ما حدث في صيف عام 2021، بأنه ثورة أو ثورة مضادة. ما حدث في عام 2011 كان انتفاضة، أو كما أصفها: زلزال، أو جرس إنذار للقيادة التونسية من قبل الشعب الذي قال: “لقد طَفَحَ الكَيْلُ!” وحدث الشيء نفسه مرة أخرى في 25 يوليو، عندما اضطر الشعب مرة أخرى إلى النزول إلى الشارع للتعبير عن غضبه بصوتٍ عالٍ ضد أسوأ عقد في تاريخ البلد منذ الاستقلال. لم يكن لدى الرئيس أي خيار سوى اتخاذ الإجراء الذي أعلنه. ولو لم يفعل ذلك، لخسر شرعيته أمام الشعب الذي منحه فوزًا ساحقًا في الانتخابات الرئاسية لعام 2019 في ظل نظام برلماني يمنح سلطة محدودة لرئيس الجمهورية.
المغالطة الثالثة: جماعة الإخوان المسلمين هي التي وقفت وراء الانتفاضة في عام 2011 وهي حامية الديمقراطية خلال العقد الماضي.
في الواقع، كانت قيادات جماعة الإخوان تعيش مختبئة خارج تونس، وكذلك معظم الإسلامويين في عهد زين العابدين بن علي. ومن ثم كان معظم الإخوان يعيشون في دولٍ غربية، خلال حدوثها، ولم يعودوا إلى تونس إلا بعد سقوط الرئيس ابن علي. ثم أساء الإخوان استخدام العملية الديمقراطية الوليدة لتكديس السلطات في أيديهم أكثر من أي وقت مضى، ما دفع البلاد إلى أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخها. لقد أهدرت طاقات الشباب التونسي في العمل مقابل الحد الأدنى من الأجور في الخدمة المدنية، في حين وجّه الإخوان أموال الدولة إلى مقاتليها.
الخلاصة
في الختام، اسمحوا لي أن أستشهد براقية معلا، التي لخّصت بشكل جميل ما يجب القيام به:
“سوف يسيء المجتمع الدولي إلى الشعب التونسي، وإلى نفسه، من خلال تأييد الدستور الجديد والمؤسسات المنبثقة عنه. ولن تكون لدينا فرصة لإعادة تونس إلى المسار الديمقراطي الصحيح إلا بتغيير هذا الدستور والقانون الانتخابي. ولن يُضيّع الشعب التونسي تجربة السنوات العشر الماضية مع ثيوقراطي النهضة. ثق أنه سيعرف كيف يوقف أي حاكم مستبد عند حده”.
* حاصلة على درجة الدكتوراه ومتخصصة في مجال التنمية، ولديها خبرة 25 عامًا، منها عشرة أعوام في مناصب قيادية عليا في الأمم المتحدة. كما أنها خبيرة في القانون الدولي، وتتركز اهتماماتها على قضايا المساواة بين الجنسين، وسيادة القانون، والمجتمع المدني.