د.أكرم عمروف، محلل سياسي من أوزباكستان، نال درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة الاقتصاد العالمي والدبلوماسية.
مقدمة
واجهت إيران في السنوات الأخيرة عدداً من الهجمات الإرهابية الدامية. وكانت محافظة سيستان- بلوشستان وبدرجة أقل محافظة خوزستان في إيران مسرحاً لمعظم الأنشطة الإرهابية منذ فترة طويلة، ولا تزال الهجمات مستمرة. ففي 13 فبراير 2019، استهدف هجوم انتحاري حافلة تقل أعضاء من قوات الحرس الثوري الإيراني على الطريق الرابط بين مدينتي خاش وزاهدان، ما أسفر عن مقتل 27 وإصابة 13 آخرين[1]، وقد أعلن “جيش العدل” مسؤوليته عن الهجوم[2]. ومن ثم يسعى هذا المقال إلى تقديم تحليل موجز للهجمات الإرهابية الأخيرة ومرتكبيها، والعوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر في زيادة النشاط الإرهابي في إيران، مع التركيز بشكل رئيسي على محافظتي سيستان-بلوشستان وخوزستان.
الهجمات الأخيرة
منذ سنوات عدة، تقع معظم الأعمال الإرهابية في محافظة سيستان- بلوشستان، حيث تتركز معظم الجماعات المتطرفة “الشهيرة”، بما في ذلك جماعة “جند الله”، و”جيش العدل”، وحركة “أنصار إيران”، و”حزب الفرقان”، الذي ظهر في عام 2013 وشكّل جماعة موحدة تحت اسم “أنصار الفرقان”[3].
ولعل أكثر هذه الجماعات نشاطاً وشهرة هي جماعة “جند الله” التي يتزعمها عبد الملك ريجي. وقد كانت هذه الجماعة مسؤولة عن عشرات الهجمات، التي استهدفت بشكل رئيسي قوات الحرس الثوري الإيراني وضباط الشرطة، وأوقعت عشرات الضحايا خلال الفترة ما بين عامي 2003 و2010[4]. ووفقاً لمسؤولين إيرانيين، ألقي القبض على عبد الملك ريجي في عام 2010 خلال سفره من دبي إلى إحدى دول وسط آسيا، حيث أجبر سلاح الجو الإيراني الطائرة التي كان يستقلها على الهبوط في بندر عباس وألقت قوات الأمن القبض على ريجي ورفيق له[5]. عقب القبض على زعيم جماعة “جند الله”، شنت الجماعة المتطرفة سلسلة هجمات في زهدان وشابهار[6]. وفي وقت لاحق، انضم أعضاء الجماعة إلى جماعات إرهابية تم تشكيلها مؤخراً وواصلوا أنشطتهم.
في السياق ذاته، أعلن “جيش العدل” مسؤوليته عن الهجوم الذي استهدف حافلة على طريق خاش-زهدان في شهر فبراير الجاري، وأصبح هو الأقوى بين الجماعات التي ظهرت عقب حل وتفكك جماعة “جند الله”. قام أفراد “جيش العدل” بقتل 14 من قوات حرس الحدود الإيراني في أكتوبر 2013،[7] وخطف 5 جنود إيرانيين (تم إطلاق سراح أربعة منهم في وقت لاحق وقتل آخر) في أبريل 2014[8]. وفي أبريل 2017، لقى 9 من قوات حرس الحدود مصرعهم وجُرح اثنان آخران في اشتباكات مع “جيش العدل” بالقرب من بلدة ميرجاوة[9]. وفي أكتوبر 2018، قام باختطاف 11 من قوات حرس الحدود، وتم في وقت لاحق إطلاق سراح خمسة منهم والإبقاء على 6 افراد[10].
في سياق متصل، نفذت جماعة “أنصار الفرقان”، حليف لجيش العدل، هجوماً انتحارياً بسيارة مفخخة على مركز للشرطة في مدينة شابهار، جنوب شرق إيران، في ديسمبر 2018، ما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص على الأقل وجرح عدة أشخاص آخرين[11]. وفي يونيو 2017، اشتبكت الجماعة ذاتها مع قوات الأمن الإيرانية في شابهار[12].
ولعل ثاني أكثر محافظة إيرانية عُرضة للأنشطة الإرهابية هي خوزستان. في 22 سبتمبر 2018، هاجم مسلحون متخفون في زي الجيش الإيراني، عرضاً عسكرياً في الأحواز، المركز الإداري لخوزستان، وأسفر الهجوم عن مقتل 29 وجرح العشرات، بما في ذلك أفراد من قوات الحرس الثوري[13]. وفي حين أن “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” المتطرفة قد أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، شكك داعش في ذلك، معلناً أن التنظيم هو من قام بذلك[14]. كما أعلنت الحركة مسؤوليتها عن مقتل اثنين من أفراد الحرس الثوري في يناير 2017 في محافظة خوزستان وعن تفجير عددا من أنابيب النفط في المحافظة ذاتها في السنوات الأخيرة[15].
وترى إيران أن تنظيم داعش يشكل تهديداً مباشراً لمصالحها وأرضها، بسبب أيديولوجيته المناوئة للشيعة وقربه من الحدود الإيرانية[16]. في يوليو 2016، أعلن مسؤولون إيرانيون منع 1500 إيراني من الانضمام إلى صفوف داعش، فضلاً عن إحباط مخططات لمهاجمة 50 هدفاً مختلفا في طهران[17]. وقد وقع الهجوم الوحيد المثبت لداعش على إيران في يونيو 2017، حيث شن مسلحون هجمات عُدت جريئة على مبنى البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني، ما أدى إلى مقتل 17 وجرح 50 آخرين[18]. هذا الهجوم كان له وقع الصدمة على المسؤولين والمواطنين العاديين نظراً لعدم توقعه، وجسارته، وإيقاع عدد هائل من الضحايا خلال هجمات على رموز وطنية وهي: مبنى البرلمان والضريح المقدس لمؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني.
عوامل داخلية
تواجه إيران تحديات ومشكلات اقتصادية في السنوات الأخيرة بسبب المواجهة المستمرة منذ فترة طويلة مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول المجاورة على خلفية برنامجها النووي وسياستها الإقليمية في الشرق الأوسط. ونتج عن ذلك تراجع النمو الاقتصادي إلى 3.8% في ظل انخفاض صادرات النفط، وارتفاع عجز الموازنة إلى 1.8% في 2017-2018. ووفقاً للبنك الدولي، من المتوقع أن يتأثر الاقتصاد الإيراني سلباً بالعقوبات الأمريكية، ما يؤدي إلى انكماشه سنويا بمعدل 1.4% في المتوسط في الفترة من 2018/2019 إلى 2020/2021. إضافة إلى ذلك، قفزت معدلات البطالة بحلول أغسطس 2018 بين الشباب (15- 24عاماً) إلى 28.3%[19].
وتجدر الإشارة إلى أن مستوى الفقر في محافظة سيستان-بلوشستان وصل إلى 38% في 2016-2017 مقارنة بقرابة 12% في طهران[20]. ونظراً لتدهور الأوضاع الاقتصادية، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في ديسمبر 2017 في مشهد وامتدت إلى قرابة 50 مدينة وبلدة، شارك فيها آلاف المواطنين، بما في ذلك في العاصمة طهران[21]. وقد أثرت هذه المشكلات الاقتصادية الملحة بشكل سلبي على الشباب، ما يزيد من مخاطر تحولهم إلى التطرف والانضمام إلى الجماعات الإرهابية.
من جانب آخر سعى تنظيم داعش إلى التمدد جغرافياً وأيديولوجياً في إيران مستغلاً هذه المشكلات الاقتصادية، حيث بدأ في إنتاج وبث رسائل عبر مقاطع فيديو بالفارسية[22] لكي تصل رسالته إلى قطاع أكبر من الإيرانيين وجذب أتباع جدد. كما نشر داعش إصدارات عدة من مجلة “رومية”، التي يصدرها التنظيم على شبكة الإنترنت باللغة الفارسية[23]. غير أن تراجع أنشطة داعش وتقلص المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها في كل من سوريا والعراق، فضلا عن تدابير مكافحة الإرهاب التي تقوم بها وكالات إنفاذ القانون الإيرانية قد صعّبت من توسعه في إيران.
عوامل خارجية
لقد تسببت السياسة الإقليمية التي تنتهجها إيران، في ظل تدخلها النشط في سوريا والعراق واليمن ولبنان، في توتر علاقاتها مع كثير من القوى الإقليمية، وعودة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية. هذه العوامل تؤثر بلا شك على تصاعد النشاط الإرهابي للجماعات المختلفة على الأراضي الإيرانية. ذلك أن الوجود النشط للقوات المسلحة الإيرانية في سوريا لدعم جيش بشار الأسد في الصراع مع داعش وغيره من الجماعات المتطرفة يدفع الأخيرة للرد عن طريق شن هجمات انتقامية في إيران. وبالتالي، قد تتجه تلك الجماعات إلى دعم أنشطة الجماعات الإرهابية المحلية في إيران وتصعيد الهجمات على القوات المسلحة والمسؤولين. وعلى سبيل المثال، يشجع تنظيم داعش أتباعه على شن هجمات للانتقام من الحملات الأمنية التي تقوم بها طهران ضد الجماعة عبر الشرق الأوسط[24].
الصراع المتنامي بين إيران والقوى الإقليمية على النفوذ في الشرق الأوسط قد يقود إلى زيادة عدد بؤر الصراعات في المنطقة، ما يؤدي بدوره إلى زعزعة استقرار مساحات شاسعة. كما أن مثل هذه الصراعات تحفز ظهور جماعات إرهابية جديدة وتجذب تنظيمات متطرفة أخرى. ومن ثم، فإن هذا التوجه يؤدي إلى سقوط النظام الإقليمي القائم، وتصاعد الأنشطة الإرهابية بشكل عام، وتمدد الجماعات المتطرفة في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران نفسها.
خاتمة
وهكذا، يوضح هذا التحليل الصعود الملحوظ للتطرف والنشاط الإرهابي في إيران خلال السنوات الأخيرة. ورغم ذلك، اقتصرت الهجمات الإرهابية في معظمها على المحافظتين الإيرانيتين الأكثر عُرضة لتلك الهجمات: سيستان- بلوشستان وخوزستان. ولا شك أن المشكلات الاجتماعية- الاقتصادية، وضعف مشاركة وتمثيل السكان، في تلك المناطق التي تقطنها أغلبية غير فارسية، في العمليات السياسية والاقتصادية في الدولة، وطول الحدود المشتركة مع باكستان (سيستان- بلوشستان) والعراق (خوزستان) يساهم في نشاط الجماعات الإرهابية ويحفز الشباب على التطرف، والتحاق بعضهم بتلك الجماعات. ويُلاحظ أن معظم الهجمات الإرهابية قد استهدفت بشكل رئيسي ممثلي وكالات إنفاذ القانون والقوات المسلحة: الحرس الثوري الإيراني، وحرس الحدود، وقوات الشرطة، وميليشيات الباسيج، وغيرهم.
إن استمرار المشكلات الاقتصادية، وتصاعد المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من القوى الإقليمية، إضافة إلى العقوبات، سوف تربك قدرة طهران على مكافحة التوجهات المتطرفة على أراضيها. كما أن حدوث مزيداً من التدهور في الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من شأنه أن يؤثر على توجهات التطرف والأنشطة الإرهابية في إيران.
المراجع:
[1] Iran suicide bombing ‘kills 27 Revolutionary Guards’. // BBC, 13 February 2019. https://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-47231959
[2] Terrorists attack IRGC bus; Iran vows revenge. // Press TV, 13 February 2019. https://www.presstv.com/Detail/2019/02/13/588488/Iran-IRGC-Zaheda-roadside-bombing
[3] Factbox – Iran’s Sunni militants boosted by regional sectarian tension. // Reuters, 7 June 2017. https://af.reuters.com/article/worldNews/idAFKBN18Y2HK
[4] Iran: An Examination of Jundallah. // Stratfor, 28 July 2010. https://worldview.stratfor.com/article/iran-examination-jundallah
[5] Iran arrests terrorist ringleader Abdolmalek Rigi. // Mehr News Agency, 23 February 2010. https://en.mehrnews.com/news/38691/Iran-arrests-terrorist-ringleader-Abdolmalek-Rigi Robert F. Worth. Iran Says Capture of Rebel Is Blow to U.S. // The New York Times, 23 February 2010. https://www.nytimes.com/2010/02/24/world/middleeast/24insurgent.html
[6] Ian Black. Iran bombing: Profile of Sunni group Jundallah. // The Guardian, 15 December 2010. https://www.theguardian.com/world/2010/dec/15/iran-suicide-bombing-jundallah-profile
[7] Abubakar Siddique. Iran’s Sunni Baloch Extremists Operating from Bases in Pakistan. // The Jamestown Foundation, 20 March 2014. https://jamestown.org/program/irans-sunni-baloch-extremists-operating-from-bases-in-pakistan/
[8] Kidnapped Iran soldiers freed in Pakistan by militants. // BBC, 4 April 2014. https://www.bbc.co.uk/news/world-asia-26888975
[9] Pakistan accountable for deaths of Iranian border guards: Ministry. // Press TV, 27 April 2017. https://www.presstv.com/Detail/2017/04/27/519671/Iran-Pakistan-Mirjaveh
[10] Iran suicide bomb attack targeting Revolutionary Guard bus leaves at least 20 dead, reports say. // Fox News, 13 February 2017. https://www.foxnews.com/world/iran-suicide-bomb-attack-targeting-revolutionary-guard-bus-leaves-at-least-20-dead-reports-say
[11] Chabahar: 4 killed and several injured in a Bomb blast. // The Balochistan Post, 6 December 2018. http://thebalochistanpost.net/2018/12/chabahar-4-killed-and-several-injured-in-a-bomb-blast/
[12] Iran Says Two ‘Terrorists’ Killed And Five Arrested. // Radio Farda, 15 June 2017. https://en.radiofarda.com/a/iran-sunni-extremists-terrorists-killed-arrested/28553308.html
[13] Iran arrests ‘separatists’ behind deadly Ahvaz parade attack. // Al Jazeera, 25 September 2018. https://www.aljazeera.com/news/2018/09/iran-arrests-separatists-deadly-ahvaz-parade-attack-180925105520805.html
[14] 29 killed in attack on Iranian military parade. // CNN, 4 October 2018. https://edition.cnn.com/2018/09/22/middleeast/iran-attack-parade-intl/index.html
[15] Factbox – Iran’s Sunni militants boosted by regional sectarian tension. // Reuters, 7 June 2017. https://af.reuters.com/article/worldNews/idAFKBN18Y2HK
[16] Dina Esfandiary & Ariane M. Tabatabai (2017) A Comparative Study of U.S. and Iranian Counter-ISIS Strategies, Studies in Conflict & Terrorism, 40:6, 455-469, DOI: 10.1080/1057610X.2016.1221265
[17] Melissa Etehad. Islamic State rarely carries out terrorist attacks in Iran. How does Iran prevent them? // Los Angeles Times, 9 June 2017. https://www.latimes.com/world/middleeast/la-fg-iran-avoids-terrorist-attacks-20170607-story.html
[18] Dina Esfandiary. How Iran fights the Islamic State. // The Washington Post, 14 June 2017. https://www.washingtonpost.com/news/monkey-cage/wp/2017/06/14/irans-counterterrorism-strategy-against-the-islamic-state/?utm_term=.72e49321313a
[19] Iran’s Economic Outlook – October 2018. // The World Bank, 3 October 2018. http://www.worldbank.org/en/country/iran/publication/economic-outlook-october-2018
[20] Saeed Ghasseminejad. New Report Shows Increased Poverty in Iran. // Foundation for Defense of Democracies, 18 December 2018. https://www.fdd.org/analysis/2018/12/18/new-report-shows-increased-poverty-in-iran/
[21] Iran protests: Why is there unrest? // BBC, 2 January 2018. https://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-42544618
[22] Golnaz Esfandiari. In Rare Video In Persian, IS Threatens To Conquer Iran. // Radio Free Europe/ Radio Liberty, 30 March 2017. https://www.rferl.org/a/iran-islamic-state-video-persian/28400781.html
[23] Dina Esfandiary. How Iran fights the Islamic State. // The Washington Post, 14 June 2017. https://www.washingtonpost.com/news/monkey-cage/wp/2017/06/14/irans-counterterrorism-strategy-against-the-islamic-state/?utm_term=.72e49321313a
[24] In Iran, Islamic State seeks to fan militancy among minorities. // Reuters, 15 August 2017. https://www.reuters.com/article/us-iran-security-militancy/in-iran-islamic-state-seeks-to-fan-militancy-among-minorities-idUSKCN1AV1CJ