برزت موجة جديد من الهجمات على يد مجموعة إسلامية إرهابية في أعقاب وقف إطلاق النار الذي أبرم عام 2016؛ ففي أكتوبر/تشرين الأول 2017، هاجم حوالي 30 رجلًا مسلحًا مراكز الشرطة والثكنات الموجودة في بلدة “موكيمبوا دا برايا”، ومارسوا أسوأ أشكال العنف والإرهاب. وفي عام 2018، ازداد النشاط الإرهابي بشكل كبير، وانتقلت المجموعة الإرهابية من استهداف العسكريين إلى المدنيين. وبحسب هيومان رايتس ووتش، جرى حرق 400 منزل، وتشريد أكثر من 1000 مواطن، فضلًا عن قطع رؤوس العديد من الأشخاص بالمناجل، وإحراق مسجد.
فمن هم الإرهابيون الغامضون؟ وما أسباب تمردهم؟
تستخدم وسائل الإعلام أسماء عدة للإشارة إلى التنظيم ذاته: “السنة والجماعة” أو “أنصار السنة” أو “سنّة السواحلي”. إن مولد هذا التنظيم يشبه بوكو حرام في نيجيريا؛ فهي طائفة دينية تحولت إلى شبكة إرهابية ومنظمة حرب عصابات. ووفقًا لبعض المصادر، تعود نشأة تنظيم السنة والجماعة إلى عام 2014، عندما خضعت مجموعة من السلفيين الشباب في بلدة “موكيمبوا دا برايا” لتأثير التطرف من قبل الدعاة الأجانب من تنزانيا والصومال والسودان. دعت هذه الجماعة في البداية إلى الاحترام الصارم للقواعد الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية في مقاطعة كابو دلغادور.
بينما يشير المجلس الإسلامي في مونتيبوز إلى أن الإرهابيين هم من أتباع عقيدة الشيخ عبود روجو محمد، الداعية الكيني الراديكالي، صاحب مقاطع الفيديو الأكثر شعبية في شرق إفريقيا. وقد حذر المجلس الإسلامي المحلي السلطات من هذه الجماعة المتطرفة، فبدأت الشرطة في مايو/أيار 2017 باعتقال المشتبه بهم في مقاطعتي كويسانغا وماكوميا. وبعد مرور عام، اعتقلت السلطات 470 منهم، وحاكمت 370 آخرين، من بينهم 314 يحملون الجنسية الموزمبيقية. ومن الجدير ذكره أن الوحدة الأجنبية في التنظيم تتألف من 52 تنزانيًا، و3 أوغنديين، وصومالي واحد. وقد انتشرت بعض الصور تظهر عناصر التنظيم يحملون بنادق الكلاشنكوف والكوفية، وكذلك أعلامًا سوداء، ما يوحي أن بعضهم ليسوا من موزمبيق. كما ظهر عناصر التنظيم في مقاطع فيديو وهم يتحدثون اللغتين البرتغالية والسواحيلية.
يصل عدد أعضاء هذا التنظيم إلى حوالي 1500 عنصر، يعملون في خلايا صغيرة على طول الساحل الشمالي في موزمبيق. واتضح أن المجموعة عملت على تجنيد عناصر آخرين في مناطق أخرى في البلاد. ففي 13 يناير/كانون الثاني، اعتقلت الشرطة 24 رجلًا من بلدة ناكالا، كانوا يتوجهون عبر حافلة باتجاه قواعد التنظيم. وهناك دلائل على أن المجموعة لديها روابط أجنبية ومقاتلين أجانب، تلقوا تدريبات عسكرية في تنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ويرى محللون أن المجموعة على اتصال وثيق بتنظيم الشباب في الصومال، وبشبكات جهادية في شرق إفريقيا.
ووفقًا لبعض الأئمة من مقاطعتي موكيمبوا ومونتيبس، فإن زعيمي المجموعة هما الغامبي موسى، والموزمبيقي نورو أدرمان، إلا أن حاكم مقاطعة كابو دلغادو أكد أن الموزمبيقي جعفر علوي -أحد قادة التنظيم- تدرب في الصومال إلى جانب الشباب. ولا يزال من غير الواضح فيما إذا كانت المجموعة تسعى إلى الانتماء الدولي إلى القاعدة أو الدولة الإسلامية، على سبيل المثال، إلا أن الاتحاد الإفريقي أكد في مايو/أيار على وجود وكلاء لداعش في موزمبيق.
أسباب التطرف في هذه المنطقة
في الحقيقة، لا تزال الدراسات جارية إزاء التطورات في هذا البلد، لكن هنالك العديد من العناصر التي تساعدنا على فهم السيناريو والأسباب المحتملة للتطرف.
في بادئ الأمر، من المهم أن نضع بعين الاعتبار أن مقاطعة كابو دلغادو هي مركز المصالح الاقتصادية الضخمة للبلاد. يوجد في هذه المقاطعة حقول نفط وغاز كبيرة، تديرها شركتي “أناداركو” الأمريكية و”إيني” الإيطالية. وقد حظت المقاطعة باستثمارات كبيرة في البنية التحتية بهدف دعم إنتاج النفط والغاز، إلا أن الموزمبيقيين يشتكون من البطالة، لا سيما أن العمال الذين يقومون ببناء الطرق والجسور هم من زيمبابوي بالتحديد. يبدو أن مستثمري قطاع الطاقة في خطر؛ ففي 8 يونيو/حزيران، رفض موظفو “أناداركو” الذهاب للعمل خشية وقوع هجمات، فطلبت الشركة منهم عدم مغادرة أماكن سكناهم. أما السفارة الأمريكية فطلبت من رعاياها مغادرة المقاطعة على الفور.
ومن الأعمال المهمة كذلك في المقاطعة صناعة تعدين الجواهر. في الواقع، تستضيف موزمبيق أكبر رواسب الياقوت الأزرق الوردي في العالم. وتمتلك شركة “غيم فيلدز” البريطانية امتيازًا في هذا البلد الذي يحظى بـ40% من الصادرات العالمية من الياقوت. اتهم السكان الموزمبيقيين الشركة البريطانية بمصادرة الأراضي دون دفع التعويضات، كما أن ضباط الأمن الخاص بالشركة مارسوا العنف والسرقات والانتهاكات ضد عمال المناجم، وذلك بالتواطؤ مع الشرطة الموزمبيقية. ووفقًا لبعض المحللين، هذه القصص هي من بين الأسباب التي حثت المجندين الشباب من مونتيبوز على الانضمام إلى الجماعة الإرهابية على مدار السنوات القليلة الماضية.
وباختصار، تبدو المظالم الاجتماعية والاقتصادية مركزية في عملية التطرف في كابو دلغادو. إن البطالة والاستغلال من قبل الشركات الأجنبية والتجاوزات والتهميش كلها عوامل دفعت الكثير من الشباب إلى دعم الأيديولوجية المتطرفة. ومن بين الأسباب الأخرى، تلاصق الحدود مع تنزانيا، التي شكلت مفترق طرق للاتجار غير المشروع، بما في ذلك الهيروين من باكستان. كما تلعب الخصومات العرقية دورًا هامًا في عملية التطرف؛ إذ أن معظم المتمردين هم من جماعة كيمواني العرقية، التي تشعر بالتهميش من قبل ماكوندي -مجموعة الرئيس الموزمبيقي فيليب نيوسي- والنخبة السياسية المرافقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] خبير إيطالي في شؤون المجموعات المتطرفة.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا