أنجوس تافيرنير
ينظر الكثير من المراقبين إلى تركيا كلغز كبير؛ خصوصًا بفعل ممارسات الرجل المعقد صاحب النفوذ القوي في البلاد – رجب طيب إردوغان. ويعتبر الوضع هناك اليوم غير معهود في التاريخ؛ إذ كانت البلاد على مدى فترات طويلة علمانية تنظر إلى نفسها باعتبارها دولة أوروبية غربية، ولا تنتمي إلى الشرق الأوسط.
خلال فترة وجود الاتحاد السوفييتي، كان ينظر إلى تركيا، باعتبار عضويتها في الناتو، على أنها ذات أهمية كبيرة في التصدي للنفوذ السوفييتي في المنطقة العربية، لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي، فقدت البلاد أهميتها الإستراتيجية، وبدأ حلفاؤها الغربيون، مع مرور السنوات، بالتنبه إلى إمكانية تغييرها لمواقفها.
لطالما سعت تركيا إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن سجلها في حقوق الإنسان كان يمنعها دائمًا من ذلك، الأمر الذي كان يؤدي أيضًا إلى تذبذب العلاقة بين الطرفين.
خلال العقد الأول لسيطرة إردوغان على الحكم، كان الجيش يتمتع بقوة كبيرة في البلاد، وهو الذي كان يتعهد بالحفاظ على الخصائص العلمانية لتركيا، في مواجهة لجهود إردوغان الساعية إلى تحويل البلاد إلى دولة إسلامية. مع الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016، تحولت تركيا إلى نظام جديد كليًا، إذ تم تهميش دور الجيش إلى حد كبير، وأصبحت شعارات إردوغان الإسلاموية شبه مسيطرة على البلاد. وبينما كانت ممارسات الجيش تشجع الاتحاد الأوروبي على قبول عضوية تركيا، أصبحت ممارسات الرئيس التركي أداة لرفض هذا الانضمام.
ومع زوال نفوذ الجيش، تبدو طموحات الانضمام إلى الاتحاد ضعيفة، إذ يصر الكثير من علماء السياسة على اعتبار تركيا دولة غير ديمقراطية، خصوصًا بسبب عمليات إغلاق النظام التركي لمعظم وسائل الإعلام المحلية، واعتقال آلاف الصحفيين، إضافة إلى اعتقال المعارضين السياسيين في القضاء والمناصب العليا في الدولة، تحت حجة الانقلاب. كما عمل إردوغان على تغيير الدستور بالاستفادة من قوانين الطوارئ في البلاد، ما أدى إلى حصول الرئيس التركي على صلاحيات دستورية واسعة النطاق. وبهذه الخطوات، تمكن إردوغان من تحويل البلاد إلى دولة استبدادية، وتحويل نفسه إلى ديكتاتور.
وعلق سيمون تيسدال في صحيفة الغارديان حول هذا الأمر قائلًا عن إردوغان: “لم يعد السياسيون في باريس وبرلين ولندن وواشنطن يرون صديقًا حليفًا أو موثوقًا به، في أنقرة… بل يرون شخصية استبدادية تستغل المشاعر القومية والإسلامية من أجل تبرير الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان، والتخريب الممنهج للبلاد، ومناهضة سياسات الاتحاد الأوروبي”.
كل هذه الأمور المجتمعة أدت إلى نظر الأكاديميين الغربيين إلى تركيا كدولة غير ديمقراطية، خصوصًا أنها تدعم التطرف الإسلامي، بما في ذلك الحركات المتطرفة المصنفة كحركات إرهابية حول العالم، الأمر الذي ينظر إليه على أنه محاولة لاستعادة “الخلافة العثمانية” من جديد، على العالم العربي قبل كل شيء.
الحرب السورية
اعتبر إردوغان قيام الأزمة السورية فرصة ثمينة لدعم جماعات إسلامية، تسمح له بالوصول إلى موقع إقليمي مهم، بالاستفادة من التخلص من منافس إقليمي هام، وبالاستفادة من النجاح المتوقع للإسلاميين المتطرفين في المنطقة.
خلال اندلاع المواجهة بين الأكراد وداعش في سوريا، استغلت تركيا انشغال الأكراد في قتال تنظيم الدولة، وشنوا هجومًا عليهم، رغم أنها كانت تزعم أنها تدعم فكرة مكافحة داعش، ما أدى إلى تكشف حقيقة الدعم التركي للتنظيم، بالتحديد مع بروز التقارير التي تتحدث عن مرور الإرهابيين بالبلاد خلال عمليات الدخول والخروج من سوريا، والتساهل مع المقبوض عليهم من المتطرفين.
في عام 2013 لوحده، يقدر بأن 30 ألف مقاتل لداعش عبروا تركيا من أجل الوصول إلى داعش، كما نشرت وسائل إعلام تقارير تتحدث عن تطوير شبكة التهريب داخل تركيا، عبر توفير المنازل الآمنة للإرهابيين. كما ذكرت مجلة فورين بوليسي أن العام 2018 شهد استخدام المستشفيات التركية لعلاج مقاتلي داعش، بالتزامن مع تكشف معلومات حول تجنيد تركيا لمقاتلي داعش، بعد تدريبهم، من أجل السيطرة على مدينة عفرين السورية.
خلاصة
بصفتها عضوًا في الناتو، وعضوًا محتملًا للاتحاد الأوروبي، يمكن إدانة تركيا باعتبارها دولة لا تتحمل مسؤولياتها. يتهم إردوغان باحتضان الجماعات الإسلامية، بما في ذلك الإخوان المسلمين، من أجل استعادة الخلافة العثمانية من جديد، وهو ما يضعها في موقف الدول الراعية للإرهاب.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا