ردود الفعل الأولى: تفاعل مجتمع داعش على الإنترنت حول فقدان زعيمهم أبوبكر البغدادي وتعيين أبو إبراهيم الهاشمي القريشي
في 27 أكتوبر الماضي، أكد الرئيسُ الأمريكي دونالد ترامب والبنتاجون، رسميًا، مقتلَ البغدادي، الذي فجّر نفسه خلال عملية مكافحة الإرهاب التي نفَّذتها قوات أمريكية خاصة في مجمع سكني بالقرب من باريشا، وهي قرية تقع في المنطقة التي يسيطر عليها المتمردون في محافظة إدلب شمال سوريا. ووقتها، بدا أن المجتمع الإلكتروني لداعش لم يقبل تأكيدات الولايات المتحدة بشأن مقتل قائدهم، وحثُّوا رفاقهم على الانتظار لتأكيد الأمر من قبل الفروع الإعلامية الرسمية للتنظيم، كما حدث مع حالة المتحدث السابق أبو محمد العدناني الشامي، الذي أكد داعش مقتله في غضون ساعات قليلة من الغارة الجوية الأمريكية في عام 2016.
في الفترة الممتدة بين المؤتمر الصحفي لترامب، والبيان الرسمي الصادر عن داعش، تبادل أنصار التنظيم خطبًا مشهورة من الماضي، من تلك التي يعتبرها المتعاطفون مع التنظيم بمنزلة معالم أيديولوجية للتاريخ الحديث للخلافة المزعومة. وكان من بين المجموعات البارزة المناصرة لداعش التي قامت بذلك، مجموعة تسمى “مطبوعات أهل التوحيد” التي نشرت رسالة لأبو عمر البغدادي، سلف أبوبكر، بعنوان “وعد الله”. في هذه الرسالة، التي صدرت في أواخر 2008، أكد أبو عمر أن النتائج التي يجب أن ينتظرها المجاهدون هي: النصر أو الشهادة. وأضاف المصدر الذي نشرها:
وبعد عام تقريبًا نال الشيخ أبو عمر البغدادي إحدى الحسنيين للمسلم: الشهادة.
وبهذه الطريقة، يبدو أن مطبوعات أهل التوحيد، رغم الأخبار غير المؤكدة حول مقتل أبو بكر البغدادي، أرادت تهيئة صفوف مؤيدي داعش وتوحيدها. فلقد حذَّر خطاب أبو عمر نفسه المجاهدين من الأكاذيب الأمريكية حول الهزيمة الوشيكة للجماعة. وعلق محررو مطبوعات أهل التوحيد على هذا الخطاب قائلين: في هذا الخطاب الشجاع، يتحدث الشيخ أبو عمر البغدادي (رحمه الله) عن الولايات المتحدة وكيف أن أكاذيبها المتمثلة في هزيمة المجاهدين آخذة في الازدياد، على غرار اليوم، زاعمة أن الحرب تضع أوزارها.
وأعيد نشر رسالة مماثلة من خطاب العدناني في عام 2015، بعنوان “قل: موتوا بغيظكم”:
أنَّى لكم (أيها الصليبيون) تحقيق النصر! فكل مجاهد موحد لديه يقين تام بأنكم لن تستطيعوا جميعًا إيذاءه إلا بإذن الله الذي اتخذه وليًا.
وكما أشار العديد من المحللين في تلك الفترة، أكدت قناة “الحرية” الموالية لداعش:
لنفترض أن البغدادي قُتل… هل هذا سيُغير الموقف على أرض الواقع؟ غالبًا لا… البغدادي، رغم تأثيره، هو شخص واحد. مصطلح الخلافة الذي يروج له داعش ليس فكرة مؤقتة بحيث إذا مات شخص، انتهى المشروع أو الأيديولوجيا برمتها. البغدادي ليس أول قائد مجاهد يُقتل، إذا ما تأكدتِ الأخبارُ، لقد قُتل قبله شخصياتٌ مؤثرة مثل أسامة بن لادن، ومصعب الزرقاوي، وأبو عمر البغدادي، وأبو حمزة المهاجر، والعدناني، وأبو عمر الشيشاني. هذا لم يوقف أي شيء، ولم يغير الوضع على الأرض.
ردود الفعل على الخليفة الجديد
في 31 أكتوبر، أصدرت مؤسسة الفرقان، القناة الرسمية لداعش، رسالة صوتية بصوت المتحدث الجديد باسم التنظيم، أبو حمزة القريشي، بعنوان “وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا”. في هذا الخطاب، أكد أبو حمزة القريشي مقتل سلفه، أبو حسن المهاجر، واستشهاد الخليفة البغدادي. وأكد أنه، كما ذكر مجلس الشورى التابع للتنظيم ووفقًا لوصية البغدادي، تم تنصيب أبو إبراهيم الهاشمي كخليفة جديد، ودعوة المجاهدين في جميع بقاع العالم والأمة بأكملها لمبايعته.
ورغم الخسارة الفادحة التي تكبدتها قيادة التنظيم، تفاعل مجتمع داعش على الإنترنت فورًا على خبر تنصيب القائد الجديد، وتبادلوا الاتصالات الرسمية من أجل المبايعة، ونسخ الرسالة الصوتية الصادرة عن الفرقان وترجمتها. وقد تشاركت قنوات إعلامية تحمل اسم “هلموا” و”المنتصر ميديا” ترجمات الرسائل الصوتية باللغتين الإنجليزية والإسبانية، و”إعلام النور” باللغة الفرنسية، و”الميدان هابر” باللغة التركية، و”مؤسسة الراجي” باللغة الديفهية (لغة المالديف)، و”التمكين ميديا” باللغة البنغالية.
وأصدرت “المنتصر ميديا”، المشهورة بتهديداتها ضد القاضي الإسباني خوسيه مايا، ملصقاً يتوعد بالانتقام. وفي محادثة بعنوان “العزة في الجهاد”، شارك أحد الحسابات على الإنترنت ملصق المنتصر ميديا، معلقًا بقوله:
أتسخرُ من قادتنا يا ترامب القذر. ألا تعلم أن لدينا المئات من البغداديين؟ مئات من العدنانيين. مئات الزرقاويين. ونُعد الآلاف من أمثال بن لادن.
كما شاركت المنتصر ميديا مقاطع فيديو من آخر رسالة صوتية للفرقان مصحوبة بترجماتٍ بالإيطالية والإسبانية والإنجليزية.
في الوقت ذاته، شاركت مجموعات إعلامية بارزة مؤيدة لداعش، مثل مؤسسة العبد الفقير والبتار ميديا، ملصقات وصورًا مركبة عدة للبغدادي، والمتحدث باسمه أبو حسن. وكان من بين الملصقات الأكثر مشاركة، صورة لمؤسسة العبد الفقير تصور البغدادي في أول ظهور علني له في مسجد النور في الموصل، وكأنه يترك آخر رسالة لمجاهديه:
تركت لكم خلافة… حافظوا عليها
وأظهر ملصق آخر مثير للاهتمام، شاركه أتباع داعش، لقطات لآخر ظهور للبغدادي، يكشف أن الشخص الذي يجلس إلى يساره، ويسلمه ملفات عن الولايات كان بالفعل أبو حسن المهاجر.
وتوقع أحد مؤيدي داعش على الإنترنت أشياء كبيرة من الخليفة الجديد، أبو إبراهيم:
في عهد أبي مصعب الزرقاوي (رضي الله عنه)، وضعت بذرة تأسيس الدولة الإسلامية. وفي عهد الشيخ أبي عمر البغدادي، وأبي حمزة المهاجر، تم تأسيس دولة العراق الإسلامية.
في زمن أبي بكر البغدادي (رضي الله عنه)، حدثت غزوات كبيرة في سوريا واليمن وسيناء، وليبيا وغرب إفريقيا وأفريقيا الوسطى، وشرق آسيا والصومال وخراسان. كما زرعت خلايا من تنظيم الدولة الإسلامية في قلب الصليبيين، وفي أوطانهم.
وتمت إقامة الخلافة.
وعلى أيدي شيخنا وأميرنا الجديد، أبو إبراهيم الهاشمي القريشي (خليفة المسلمين)، ستتحقق بإذن الله، مرحلة جديدة من النصر والتوسع وقتال أمم الكفر والردة! في كل مرة يأتي فيها زعيم جديد، يكون أشد بأسًا من سابقه على أهل الكفر والردة.
وصدر بيان عن “جيش الإسلام” الموالي لحركة داعش في غزة، يعلن الحداد على وفاة أبو بكر وأبو حسن.
ثم بدأت حملة لإعلان مبايعة الولايات الخارجية لداعش. ورغم الخسائر الجسيمة التي تكبدتها قيادة داعش، يبدو أن القدرات الإعلامية للتنظيم لم تتأثر، وبدت قادرة على تنسيق الأنشطة الإعلامية للولايات والأنصار في جميع أنحاء العالم. ولهذا السببِ، يجب أن نتوقع، في الفترةِ المقبلة، حملةً عسكرية جديدة للانتقام من وفاة البغدادي أو الاحتفاء بتنصيب الخليفة الجديد، على غرارِ الهجوم السابق الذي شنّ في جميع أنحاء العالم بعد هزيمة التنظيم في الباغوز، بعنوان “الانتقام لولاية الشام المباركة”.
ردود الفعل من الجهاديين المنافسين
امتنع تنظيم القاعدة “المركزي” والجماعات التابعة له، وإمارة أفغانستان الإسلامية (حركة طالبان) التي بايعت القاعدة، عن التعليق على مقتل الخليفة. بينما علَّقت هيئة تحرير الشام، الجماعة الجهادية التابعة لتنظيم القاعدة في إدلب، وبعض العلماء المرتبطين بالقاعدة، على الخبر. وأبرزت هيئة تحرير الشام، من خلال قناتها الإخبارية “إباء” عبر رجل الدين السعودي عبد الله المحيسنى الذي يقيم في سوريا، الجرائم التي ارتكبها أبو بكر البغدادي وعصابته ضد السنة في سوريا والعراق. ووفقًا لمحرري قناة “إباء”، أعاد أبو بكر وجماعته، من خلال أفعالهم وجرائمهم، شرعية نظام الأسد، ولعبوا دورًا محوريًا ضد الثورة في سوريا وخانوا فصائل المجاهدين. ووصف المحيسني يوم 27 أكتوبر بأنه “يوم مجيد في تاريخ المسلمين”. وأشاد سراج الدين زريقات، باحث سابق في كتائب عبد الله عزام الموالية لتنظيم القاعدة في لبنان، بمقتل البغدادي، مؤكدًا لجمهوره أن “الله قد دمر رمز الباطل”.
وختامًا، فمن المتوقع أن يسعى تنظيم القاعدة لاستغلالِ هذه اللحظة، من أجل ضمّ ما يستطيع من العناصر الساخطة من بين الموالين لداعش، سواء من خلال أشرطة الفيديو وتصريحات زعيم التنظيم أيمن الظواهري، أو من قِبل نوابه داخل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، أو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. والوقت كفيل بأن يظهر لنا مدى نجاح هذه الجهود.
* يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
**باحث سياسي، يركز في تحليلاته على قضايا التطرف الجهاد، وهو خبير في الأمن وتقنيات مكافحة الإرهاب.