في 25 مايو 2020 قُتل جورج فلويد، أمريكي من أصول أفريقية، على يد شرطي في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا. في البداية كذبت إدارة الشرطة، وادعت أن فلويد كان يقاوم الاعتقال، غير أن لقطات فيديو ظهرت بسرعة لتكذِّب الرواية الأولى. على إثر ذلك، اندلعت احتجاجات ضد وحشية الشرطة، وسرعان ما سيطرت عليها عناصر خارجة عن القانون، أحرقت الممتلكات ونهبت المتاجر. ومنذ ذلك الحين امتدت أعمال الشغب إلى مدن أخرى في الولايات المتحدة. في ظلِّ هذا المزيج الذي يشبه برميل بارود متفجر يحتوي قضايا متنوعة تخص المساواة القانونية، والعدالة العرقية، والنظام الاجتماعي، تُظهر تداعيات مقتل فلويد والاضطرابات اللاحقة مؤشرات على أنها توفر فرصًا للمتطرفين السياسيين، ويمكن أن تكون عاملًا مهمًّا في الانتخابات الأمريكية المزمع عقدها في شهر نوفمبر المقبل.
البداية
مقطع الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يُظهر مقتل فلويد، يبين أنه لم يقاوم الاعتقال، بل أنه قد خضع لأوامر الشرطة وقت مقتله. جثم الشرطي ديريك شوفين على رقبته لمدة تسع دقائق تقريبًا، أمام حشد، اعترض العديد منهم بصخب على ما يجري. وقال أحد المشاهدين في مقطع الفيديو: “ليس عليك الجلوس وركبتك على رقبته.. كان بإمكانك وضعه في السيارة بحلول هذا الوقت”. وقد لخص ذلك رأي معظم الذين شاهدوا الفيديو.
وكما تكشّف فيما بعد، كان لشوفين تاريخ من الشكاوى ضده تصل إلى ما لا يقل عن سبع عشرة شكوى بسبب سلوكه غير اللائق، بمعدل شكوى كل عام خلال فترة عمله في قوات الشرطة، ولم يتم توبيخه سوى في حالة واحدة فقط. هذا الإفلات الواضح من العقاب، وحقيقة أن شوفين أبيض اللون، أضفى ظلالًا عنصرية على الواقعة بأكملها، وعلى الاضطرابات التي أعقبتها.
يرى البعض أن قضية فلويد تذكرنا بأحداث فيرجسون في عام 2014، على الرغم من أن الرواية التي يعتقد فيها المتظاهرون كانت زائفة، أو ربما تتطابق تمامًا مع قضية إريك جارنر التي حدثت في نفس الوقت تقريبًا، وهو رجل أسود توفي أثناء تعرضه لقبضة خانقة من قبل رجال الشرطة في مدينة نيويورك، مثل فلويد، بينما كان يقول مرارًا وتكرارًا: “لا أستطيع التنفس”. علاوة على ذلك، يأتي مقتل فلويد بعد بضعة أشهر فقط من مقتل رجل أسود آخر في 23 فبراير، هو أحمد أربيري، في أتلانتا، لكن لم يكن ذلك على يد الشرطة. ومع ذلك، كان هناك قواسم مشتركة بين قتل أربيري وفلويد، حيث زُعم في البداية أن أربيري قد قُتل أثناء ارتكاب مخالفات -يُشتبه في أنها سرقة- ولكن هناك مقطع فيديو أظهر أنه قُتل دون استفزاز الشرطة أثناء الركض في الشارع.
وفي حين أن هذه الحوادث السابقة لها علاقة مشتركة أكثر بالمعنى السياسي والاجتماعي مع ما حدث في مينيابوليس، فإن انتشار العنف، بالمعنى المادي البحت، بعد حادثٍ محلي، قد يشبه أعمال الشغب التي وقعت في بريطانيا في صيف عام 2011، التي أعقبت إطلاق الشرطة النار على مارك دوجان، رجل عصابات عنيف في توتنهام.
الأحداث اللاحقة
الجدير بالذكر أن شوفين فصل من عمله ووجهت له تهمة القتل في 29 مايو. ولكن لسوء الحظ، بحلول ذلك الوقت كانت الأحداث قد خرجت بالفعل عن نطاق السيطرة. شهدت ليلة 28 مايو أعمال عنف واسعة النطاق في مينيابوليس لدرجة أنه كان لا بد من استدعاء الحرس الوطني، ذلك على الرغم من أن هذه القوات لم تتمكن من دخول المدينة على الفور لأسباب لوجيستية مختلفة. وتعرض متجر “تارجت” للسلب والنهب. مركز الشرطة الذي كان يعمل فيه شوفين تم اجتياحه ثم حرقه. وكانت المشاهد التي جرت صباح 29 مايو تشبه “ما بعد نهاية العالم“، واستمرت التوترات في الارتفاع بعد اعتقال طاقم إخباري من شبكة “سي إن إن” الإخبارية.
وفي مساء 29 مايو، غرد الرئيس دونالد ترامب بأن “البلطجية” كانوا يعيثون في مينيابوليس فسادًا، وهي كلمة اعتقد البعض أنها رسالة عنصرية مشفرة، قبل أن يضيف: “عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار. شكرًا!”
وفي اليوم السابق، وقّع ترامب على أمر تنفيذي من شأنه أن ينظم ظاهريًّا تويتر وغيره من منصات التواصل الاجتماعي لضمان الحياد السياسي، في أحدث نقطة خلاف في الجدل السياسي القانوني طويل الأمد حول وضع هذه المنصات. وعندما فرض تويتر رقابة على تغريدة ترامب حول إطلاق النار على اللصوص، أدى ذلك إلى تعميق “الطابع العنصري” على الحرب الثقافية للأحداث، وبالتالي الاستقطاب السياسي، حيث يعتقد المحافظون أن هذا دليل على أن عملاق وسائل التواصل الاجتماعي منحاز ضدهم -وهو أمر تشير الأبحاث المستقلة إلى أنه صحيح- في حين رأى الليبراليون أنه دليل على ادعائهم بأن ترامب عنصري.
وبين عشية وضحاها 29/30 مايو، انتشرت أعمال الشغب إلى بورتلاند ولوس أنجلوس ونيويورك ودالاس وأتلانتا، والعديد من المدن الأخرى.
غير أن ترامب ليس هو الشخصية السياسية الوحيدة التي تحاول استغلال هذا الوضع. القس آل شاربتون، المحرض العنصري الشائن، سافر إلى مينيابوليس لاستغلال الوضع. وقد بادر بعض السكان المحليين إلى تشكيل ميليشيات فعلية لحماية الممتلكات، ومن السهل أن نرى أن هذا يوفر فرصة لدخول قوات اليمين المتطرف البيضاء، التي تم تنظيمها بالفعل في تشكيلات مسلحة، على الخط. وقد كان هذا الائتلاف المتسارع، أي العناصر الهامشية المختلفة التي تعتقد أن مشروعها سيتعزز من خلال التسبب في انهيار الحكومة الأمريكية، واضحًا خلال هذه الأحداث، لا سيما المتطرفون اليساريون. وحتى المتطرفين الأجانب، مثل الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، انضموا إلى محاولات تأجيج الوضع.
التداعيات المستقبلية
ربما لا يكون اندلاع هذه الفوضى أثناء جائحة فيروس كورونا من قبيل الصدفة -بل عملية تنفيس بعد أشهر من الإغلاق- ولكن انهيار لوائح التباعد الاجتماعي قد يكون له تداعيات سلبية في شكل تفشٍّ جديد للفيروس. ويمكن أن يتسبب هذا القتل في مينيابوليس في حدوث العديد من الوفيات بشكل غير مباشر.
على الصعيد السياسي، هناك مساران متوقعان: الأول هو أن يستطيع الديمقراطيون صياغة رواية تقول بأن هذه الفوضى هي نتيجة لسوء إدارة ترامب للبلاد. أما المسار الآخر، الذي يستند على الأرجح إلى الأدبيات الأكاديمية حول احتجاجات الحقوق المدنية، فهو أن هذه الأحداث سوف تصب في مصلحة ترامب في ظل تضخيمه لرسالة القانون والنظام، وتصوير الديمقراطيين على أنهم متعاطفون مع أعمال الشغب. وقد أعرب ترامب عن غضبه مما حدث لفلويد، بالتزامن مع اتخاذ موقف متشدد واضح ضد العنف والنهب، وهي رسالة لها صدى واسع في أمريكا، ويمكن أن تقلص بعضًا من أصوات الناخبين الديمقراطيين في نوفمبر.