عبد الباسط*
بعد انسحابِ الولايات المتحدة، وعودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، كان تنظيمُ ولاية خراسان التابع لتنظيم داعش في أفغانستان، يستهدف مقاتلي طالبان في أجزاء مختلفة من الدولة. تجدر الإشارة إلى أن مصطلح خراسان يشير إلى منطقةٍ تشمل جنوب ووسط آسيا، وكذلك مقاطعة شينجيانغ الصينية، وأجزاء من إيران.
على سبيل المثال، في 25 سبتمبر، أعلن التنظيم مسؤوليته عن مقتل ستة من مقاتلي طالبان في مدينة جلال أباد شرق أفغانستان. ويمكن القول إن الهجوم الانتحاري الذي شنَّه تنظيم خراسان في 26 أغسطس، واستهدف مطار كابول -ما أسفر عن مقتل 180 شخصًا، من بينهم 13 من مشاة البحرية الأمريكية، و28 من طالبان و139 مدنيًا أفغانيًا- كان بداية مرحلة جديدة من الصراع بين طالبان وخراسان في أفغانستان.
ومع ذلك، فمن المهم الإشارة إلى أن الجماعتين المسلحتين على خلافٍ منذ أواخر عام 2014. بعد أن أبرمت طالبان اتفاقية الدوحة مع الولايات المتحدة في مارس 2020، أعلن خراسان عن حملة عنيفة مطولة ضد الأولى بسبب تنازلها عن مبادئ الجهاد بغية استعادة السلطة. وفي الواقع، يعتبر خراسان أن قتاله ضد طالبان يمثل “فريضة دينية” أكثر أهمية من مهاجمة القوى الغربية.
خراسان: جماعة مناهضة لطالبان
بعد استعادة طالبان للسلطة في أفغانستان، وضع تنظيم خراسان نفسه كجماعةٍ مناهضة لطالبان لجذب فصائل طالبان المتشددة إلى صفوفه. كما يضع نصب عينيه 10,000 جهادي أجنبي في أفغانستان، بما في ذلك حركة طالبان الباكستانية، والجهاديين في آسيا الوسطى، والمتشددين الأويغور، من بين آخرين. ويدرك خراسان الانقسامات الداخلية الحادة في حركة طالبان بين لجنتها العسكرية والأصوليين الإيديولوجيين ومكتبها السياسي والبراجماتيين المعتدلين، بشأن توزيع السلطة، والصراعات على القيادة، والرؤية السياسية الطويلة الأجل لإدارة الدولة.
تؤيد اللجنة العسكرية التي يمثلها وزير الدفاع بالوكالة الملا يعقوب، نجل مؤسس الحركة الملا عمر، استعادة ما يسمى بالإمارة الإسلامية، وتعارض تقاسم السلطة مع الفصائل الأخرى غير الطالبانية. وفي الوقت نفسه، فإن البراجماتيين، بقيادة نائب رئيس الوزراء الملا عبد الغني برادار -المؤسس المشارك للحركة، وكبير المفاوضين الذين وقعوا على اتفاقية الدوحة مع الولايات المتحدة في قطر- يحبذون اتباع نهج سياسي مرن لتشكيل حكومة تضم كافة الأطراف السياسية والعرقية.
يمارس خراسان ضغوطًا شديدة على طالبان من خلال الهجمات المادية واللفظية، ما يجعل من الصعب على هذه الأخيرة إظهار أي مرونة أيديولوجية، وتساهل سياسي. وبذلك، يحاول خراسان التشكيك في مزاعم طالبان بتحقيق الاستقرار في أفغانستان، ويجعل من الصعب على الحركة الوفاء بالتزاماتها في مجال مكافحة الإرهاب بموجب اتفاق الدوحة، وزيادة تفاقم الانقسامات داخل حركة طالبان نفسها.
ومن ثم، فإنَّ إعلان طالبان في 7 سبتمبر عن تشكيل حكومة تصريف أعمال تتكون من الذكور فقط دون مشاركة أي نساء، ومن أعضاء طالبان فقط، ويهيمن عليها البشتون -الأمر الذي أثار خيبة أمل المجتمع الدولي- ليس مفاجئًا. حملة خراسان المناهضة لحركة طالبان في أفغانستان أوقعت الحركة في مأزق، حيث تحاول تحقيق التوازن بين موقفين مستحيلين: أن تكون مرنة سياسيًا وشاملة لضمان الحصول على الاعتراف الدولي والمساعدة الاقتصادية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على نقائها الأيديولوجي، من خلال اتباع سياسات متشددة.
تسعى هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على التنافس بين خراسان وطالبان في أفغانستان، في فترة ما بعد انسحاب الولايات المتحدة، وشرح سبب اختلاف هذه المرحلة من الأعمال العدائية عن الماضي.
كما تبحث الاختلافات الأيديولوجية والعقائدية الرئيسية بين الجماعتين المسلحتين. وعلاوة على ذلك، ستشرح العوامل التي تفسر قدرة خراسان على الصمود في البيئة العدائية في أفغانستان، والتداعيات الأوسع للصراع بينها وبين طالبان على الحركة الجهادية العالمية، وأفغانستان، وخارجها.
جذور تنظيم ولاية خراسان
ظهر تنظيم خراسان في أفغانستان في أواخر عام 2014، وكان يتألف من فصائل منشقة وقادة من حركة طالبان الأفغانية والباكستانية، المعروفة أيضًا باسم حركة طالبان باكستان. وخلال هذه الفترة، شهدت حركتا طالبان الأفغانية والباكستانية انقساماتٍ وتحزباتٍ ناجمة عن صراعات على القيادة في كلتا التنظيمين، الأمر الذي صبَّ في مصلحة خراسان.
وقد تفككت حركة طالبان الباكستانية إلى فصائل عدة في أعقاب مقتل زعيمها آنذاك حكيم الله محسود إثر غارة أمريكية بطائرةٍ مسيّرة في نوفمبر 2013. وفي الوقت نفسه، عانت حركة طالبان الأفغانية اقتتالًا داخليًّا بعد الكشف عن وفاة مؤسسها الملا عمر في عام 2015 والصراعات حول قيادة خلفه الملا أختر منصور.
وقد اجتذب تنظيم خراسان بعض الفصائل الساخطة من الجماعتين المسلحتين إلى صفوفه، فضلًا عن جهاديي آسيا الوسطى المنتمين إلى “الحركة الإسلامية في أوزبكستان”. كما جنى خراسان ثمار الفتوحات الإقليمية لتنظيم داعش، الجماعة الأم المتمركزة في العراق وسوريا. في ذلك الوقت، تفوق داعش على القاعدة في زعامة الحركة الجهادية العالمية، وكان هذا بالتبعية في مصلحة خراسان في أفغانستان.
في البداية، ركّز خراسان على إيجاد موطئ قدمٍ من خلال تقليد الاستراتيجية العملياتية لداعش في العراق وسوريا. وقد اقتطع بالفعل منطقة لنفسه في مقاطعتي كونار ونانجرهار شرق أفغانستان، حيث كان النفوذ السلفي قويًا جدًا. كما اجتذبت الجماعة السلفيين الأفغان، وبعض السلفيين الباكستانيين الذين يعيشون في الحزام البشتوني بالقرب من الأراضي التي تسيطر عليها في أفغانستان. انضم السلفيون إلى خراسان على أمل توسعه في أفغانستان، على غرار نجاح تنظيم داعش في العراق وسوريا.
الصعود والأفول والعودة من جديد
رغم ما سبق، فإن أساليب خراسان الوحشية، وتكتيكات العنف المفرطة، سرعان ما نفرّت المجتمعات المحلية، ما أجبر بعض السلفيين على إعادة التفكير في قرارهم، وترك صفوفها. وفي وقتٍ لاحق، فقد التنظيم حيازاته الإقليمية في كونار وأفغانستان بعد الضربات الجوية الأمريكية، والهجمات البرية التي شنتها حركة طالبان والقوات الأفغانية، ما اضطره إلى إضفاء اللا مركزية على هيكله التنظيمي، في شكل خلايا صغيرة.
كما حوّل خراسان تركيزه من احتلال الأراضي إلى مهاجمة طالبان، والقوات الأفغانية، والأقليات الدينية في أفغانستان، من أجل الحفاظ على مكانته وأهميته.
في الفترة ما بين عام 2018 ومنتصف عام 2020، مرَّ خراسان بفترة عصيبة. ذلك أن التنظيم لم يفقد أراضيه وكبار قادته فحسب، بل استسلم مقاتلوه إما لقوات الأمن الأفغانية، أو هاجروا إلى تنظيماتهم القديمة.
ومع ذلك، وبعد تنصيب زعيمه الحالي المكنّى الدكتور “الشاب المهاجر” -قائد سابق من المستوى المتوسط في شبكة حقاني- في منتصف عام 2020، تمكّن التنظيم من العودة مجددًا من خلال شنِّ حرب مدن منخفضة الحدة، تركّزت على إلحاق خسائر جماعية من خلال هجماتٍ شديدة التأثير. فعلى سبيل المثال، حرر خراسان خلال هذه الفترة مئات الأفراد من مقاتليه المسجونين في نانجارهار، واستهدف معبدًا للسيخ في كابول، وهاجم مستشفى للولادة ومدرسة للبنات، من بين هجماتٍ أخرى.
في أعقاب اتفاق الدوحة الذي أبرم بين الولايات المتحدة وطالبان في عام 2020، أعلن تنظيم خراسان حربًا طويلة ضد حركة طالبان بسبب تخليها عن مبادئ الشريعة لاستعادة السلطة، والإضرار بالقضية الجهادية. ومن خلال اتخاذ هذا الموقف العدائي، يحاول التنظيم تصوير نفسه على أنه “الجماعة الجهادية العالمية الحقيقية” في أفغانستان لتغذية حملة التجنيد، وحشد التمويل والمتشددين، من الجماعات الجهادية القائمة.
يُذكر أن هجوم خراسان في 26 أغسطس الذي أسفر عن مصرع 13 من مشاة البحرية الأمريكية، ترك طالبان والقاعدة، وجماعاتٍ مسلحة أخرى، تحت ضغطٍ هائل. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم هو الأكثر دموية على القوات الأمريكية منذ عام 2011.
دينامية جديدة
خلافًا للماضي، فإن المرحلة الحالية من الصراع بين خراسان وطالبان مختلفة نوعيًا؛ لأنها تجري في بيئة خالية من الوجود الأمريكي في أفغانستان. وعلاوة على ذلك، سيواجه خراسان طالبان الآن بوصفها دولة فاعلة تنتقل من التمرد إلى الحياة السياسية. والآن لن تضطر طالبان إلى الدفاع عن نفسها كجماعةٍ ضد خراسان فحسب، بل عليها تأمين أيضًا الجماهير الأفغانية، والأقليات الدينية، والبنية التحتية العامة. ونظرًا لوضعها الحالي كممثل للدولة، فإن طالبان سترد على هجمات خراسان من موقعٍ دفاعي. إن فشل طالبان في إبقاء هجمات تحت السيطرة لن يؤثر فقط على مصداقيتها كحاكمٍ جديد لأفغانستان، بل سيخلق أيضًا شكوكًا حول التزاماتها بمكافحة الإرهاب أمام الولايات المتحدة بموجب اتفاق الدوحة.
وبالتالي، فإن تنظيم خراسان سيتمتع بميزة هجومية غير متماثلة تكمن في مهاجمة طالبان بالطريقة وفي الوقت الذي يختاره، والذوبان وسط السكان. وسوف يستخدم خراسان هجماته المادية واللفظية لتشويه سمعة طالبان وإظهار نفسه على أنه “الجماعة الجهادية الحقيقية” في أفغانستان.
وفي الوقت نفسه، لا تتمتع طالبان بالميزة نفسها التي كانت تتمتع بها عندما كانت تنشط كجماعة متمردة ضد الحكومات الأفغانية المتعاقبة، المدعومة من الولايات المتحدة في أفغانستان. وسيتعين على طالبان، بوصفها دولة فاعلة، المحافظة على وجود دائم ومرئي في أفغانستان، ما يزيد من تعرضها لهجمات خراسان.
وقد وفَّر انسحاب القوات الأمريكية، وانهيار القوات الأفغانية، لخراسان بيئةً أقل عدائية، وأكثر تساهلًا، لإعادة تجميع صفوفه وتعافيه ونموه. وقد أدّت الهجمات التي شنها التنظيم لتحرير السجناء في سجني باجرام وبول شرخي، وأسفرت عن إطلاق سراح نحو 5,000 سجين جهادي، إلى تحرير مئاتٍ من مقاتلي خراسان المستعدين لهذه المرحلة المتجددة من الصراع مع طالبان.
الاختلافات الأيديولوجية والتكتيكية
على الرغم من أن طالبان وخراسان جماعتان جهاديتان سنيتان، فإنهما عدوان لدودان لبعضهما البعض بسبب خلافات عقائدية وأيديولوجية واستراتيجية، لا يمكن التوفيق بينها. ذلك أن طالبان تريد إنشاء إمارة إسلامية في أفغانستان، على عكس هدف خراسان المتمثل في إقامة خلافة سنية عالمية. وتنتمي طالبان إلى المذهب السني الحنفي، في حين ينحدر تنظيم خراسان من الفكر التكفيري السلفي. وحركة طالبان جماعة مسلحة تركِّز على أفغانستان، وتتبنى كلًّا من الإسلاموية والقومية الأفغانية.
وعلاوة على ذلك، فإن حركة طالبان، على الأقل في خطابها، متسامحة مع الطائفة الشيعية، والأقليات الدينية الأخرى، في أفغانستان. فيما تتبنى التكتيكات العملياتية لطالبان العنف التمييزي، فإن استراتيجية الاستهداف التي يتبناها خراسان عشوائية، ما أكسبه سمعة سيئة بسبب العنف الوحشي المفرط.
الواقع أن فلسفة خراسان تتعارض مع مفهوم القومية، وتتبنى الفكر الجهادي العابر للحدود الوطنية؛ بهدف طويل الأمد يرمي لإقامة ما يسمى بالخلافة السنية العالمية. من ناحيةٍ أخرى، فإن حركة طالبان متحالفة بشكل وثيق مع تنظيم القاعدة. وعلاوة على ذلك، فإن خراسان تكفّر الطائفة الشيعية، وكذا ممارسات المسلمين الصوفيين، ومتعصبة جدًا ضد الأقليات الدينية الأخرى. وبعبارة أخرى، فإن حركة طالبان جماعة سنية متشددة، ولكن ليس لديها ميول طائفية، في حين أن تنظيم خراسان جماعة طائفية كاملة.
حاليا، سوف تتنافس كل من طالبان وخراسان على مجموعة من الموارد النادرة في أفغانستان لكسب ولاء الجماعات الجهادية العاملة داخل أفغانستان وخارجها، على حد سواء. كما سيكون للصراع المتجدد بين خراسان وطالبان في أفغانستان تداعيات على الحركات الجهادية العالمية أيضًا، مع الأخذ في الاعتبار أن تنظيم القاعدة لا يزال له وجود جوهري في أفغانستان، ولا يزال متحالفًا بشكلٍ وثيق مع حركة طالبان.
قدرة خراسان على الصمود
لدى خراسان وجود صغير، ولكن خطير في أفغانستان. ويتراوح عدد مقاتليها حاليًا بين 4,000 و5,000 مقاتل ولكن ليس لديهم معاقل إقليمية. ولديه وجود لا مركزي في شرق أفغانستان، وفي المناطق الحضرية، في شكل خلايا صغيرة. ويسمح هيكل الخلايا هذا لخراسان بالاستقلالية العملياتية، والتنقل المادي؛ الأمر الذي يساعد على تخطيط هجمات بارزة وتنفيذها دون اكتشاف منفذيها، ثم الاختفاء وسط السكان.
منذ ظهور تنظيم خراسان في أواخر عام 2014، أظهر مرونة مع قدرة هائلة على التجدد في مواجهة كلِّ الصعاب. وقد مكَّنت تحالفات خراسان العملياتية والتكتيكية مع الجماعات الجهادية ذات التفكير المماثل في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان؛ مثل “عسكر جهنكوي”، و”جند الله”، وبعض الفصائل الأخرى، و”الحركة الإسلامية في أوزبكستان”، وحركة طالبان الباكستانية، من الصمود أمام ضغوط قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية والأفغانية، وعداء طالبان له.
على الرغم من البيانات العديدة التي صدرت عن زوال خراسان، فقد استطاع التنظيم التعافي من حالات مستحيلة، والاحتفاظ بأهميته في بيئة العمليات العدائية، والمشهد التنافسي في أفغانستان. وبسبب مرونته وقدرته على الصمود، رسّخ خراسان نفسه كطرف فاعل قوي، وجماعة يُحسب لها حساب في أفغانستان. وفي الأسابيع والأشهر المقبلة، إذا ازدادت الفوضى وعدم الاستقرار في أفغانستان، سيستفيد منه خراسان على حساب طالبان.
التداعيات
- فراغ مكافحة الإرهاب
في هذه المرحلة -إلى جانب الالتزامات الغامضة بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة لشن هجمات ضد أي دولة أخرى- لا توجد سياسة قوية لمكافحة الإرهاب لإبقاء التهديد الإرهابي في أفغانستان تحت السيطرة. ومن شأن الصراع بين خراسان وطالبان أن يشتت اهتمام الأخيرة بتأمين أفغانستان ماديًا. ومن شأن ذلك أن يسمح للجماعات القائمة في أفغانستان بإعادة تجميع صفوفها، والتعافي وإعادة بناء هياكلها التنظيمية، فضلًا عن إعادة إنشاء ملاذاتها الآمنة. ووفقًا لتقديرات وكالات الاستخبارات الأمريكية فان تنظيم القاعدة سوف يجدد تهديده العابر للحدود، إذا انزلقت أفغانستان تحت قيادة طالبان إلى الفوضى في غضون ما بين 18 شهرًا إلى عامين. وسيكون لهذا الوضع تداعيات بعيدة المدى، على السلم الإقليمي والعالمي على السواء.
وحتى الآن، لم تؤتِ الجهودُ الأمريكية لتأمين قاعدة عسكرية في الجوار الأفغاني، بهدف وضع طائرات مسيّرة للاستطلاع والضربات المستهدفة في أفغانستان ضد الجماعات الإرهابية، أي ثمار. إن الفراغ الاستخباراتي الهائل، بسبب غياب قاعدة إقليمية للولايات المتحدة، قد يؤدي إلى نشوء “نقاط عمياء” في أفغانستان. وفي الوقت نفسه، فإن الضغط الإيديولوجي لخراسان على حركة طالبان، من خلال تصويرها على أنها كيان مؤيد للولايات المتحدة (مؤيد للصليبيين)، لم يترك مجالًا أمام نظام طالبان للتعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. وهكذا، فإن قدرات واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب في أفغانستان، في هذه المرحلة، محدودة للغاية.
- هل تتحول أفغانستان إلى مركز للجهاد العالمي؟
إن انتصار طالبان، وبالتالي تنظيم القاعدة، ضد الولايات المتحدة قد أحيا الأهمية الأسطورية لأفغانستان باعتبارها “أرض خراسان”. تشعر الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في جميع أنحاء العالم بالنشوة إثر انتصار طالبان؛ لأنه أكد إيمانها بالعقيدة الجهادية المتمثلة في الصبر الاستراتيجي؛ أي إنشاء دولة تحكم بالشريعة الإسلامية من خلال الصبر والمثابرة، ما يمهد الطريق في نهاية المطاف لإقامة خلافة إسلامية عالمية. وعلى هذا النحو، يعبر العديد من الجهاديين في جميع أنحاء العالم، مرة أخرى، عن رغبتهم في العودة إلى أفغانستان.
في ضوء ما سبق، من المحتمل أن تجذب المنافسة بين خراسان وطالبان الجهاديين الأجانب من معسكرات القاعدة وداعش إلى أفغانستان. ومن المحتمل أن يعود جهاديو القاعدة إلى أفغانستان لإحياء النصر، ومساعدة الجماعة المسلحة العابرة للحدود الوطنية على إحياء بنيتها التحتية التنظيمية. وفي الوقت نفسه، فمن المحتمل أن يأتي مقاتلو خراسان إلى أفغانستان للاستفادة من الفوضى في الدولة، من أجل إحياء نسختها الجهادية العالمية. ومن شأن هذه الانتصارات في أفغانستان أن تغذِّي الحرب الدعائية التي يقوم بها خراسان، فضلًا عن جهوده الرامية إلى ترسيخ موطئ قدمٍ له في الدولة.
- تفاقم الطائفية
بعد عودتها إلى السلطة في أفغانستان، تشنُّ طالبان حملة على العلماء السلفيين، ومساجدهم، وشبكات المدارس الدينية، للاشتباه في مساعدتهم لخراسان. ومنذ أغسطس 2021، أغلقت حركة طالبان نحو 36 مسجدًا ومدرسة سلفية في 16 مقاطعة مختلفة في جميع أنحاء أفغانستان.
وقد أثار اختطاف طالبان في 28 أغسطس لعالمٍ سلفي أفغاني نافذ، الشيخ أبو عبيد الله متوكل، وقتله بطريقةٍ وحشية لاحقًا، مخاوف بين السلفيين الأفغان من أنهم سيواجهون هجماتٍ انتقامية للاشتباه في دعمهم لخراسان. وقد اختبأ العديد من العلماء السلفيين الأفغان بعد مقتل متوكل خوفًا على حياتهم. ويساعد هذا النوع من السياسات القاسية التي تتبعها طالبان تنظيم خراسان في أن يصوّر نفسه على أنه المدافع عن الإسلام السلفي في أفغانستان.
بالإضافة إلى ذلك، فمن شأن الموقف الأيديولوجي المعلن لخراسان المناهض للشيعة والهجمات الوحشية أن يشجع الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران، لواء فاطميون (الابنة الصغرى للنبي محمد)، على الدفاع عسكريًا عن طائفة الهزارة الشيعية.
وتجدر الإشارة إلى أن “لواء فاطميون” المتمرّس في المعارك يتمتع بتدريبٍ جيد وجاهز للقتال؛ نظرًا لمشاركته في الحرب الأهلية السورية. هناك ما بين 10,000 و15,000 متطوع شيعي أفغاني يمكنهم بدء التمرد ردًا على هجمات خراسان. وإذا حدث ذلك، فقد تنزلق أفغانستان إلى المسار السوري، حيث من شأن الصراع الجهادي العالمي بين خراسان والثنائي (طالبان والقاعدة)، أن يغيّر الديناميات القائمة في الصراع الأفغاني.
الخلاصة
سيكون للتطورات في أفغانستان تداعيات بعيدة المدى على السلام الإقليمي والعالمي. ومن شأن التنافس بين خراسان وطالبان أن يوسّع خطوط الصدع الطائفية القائمة، ويجذب الجهاديين الأجانب من معسكرات متنافسة على حساب الجماهير الأفغانية، والأقليات الدينية.
وفي هذه المرحلة، لا تملك الولايات المتحدة في أفغانستان سوى قدراتٍ ضئيلة لمكافحة الإرهاب. وفي غياب قاعدة إقليمية آمنة في الجوار المباشر لأفغانستان، سوف تظهر نقاط ضعف استخباراتية، ما يضر بالسلام والأمن العالميين.
في الوقت الراهن، يحاول تنظيم خراسان الحصول على مكاسب سياسية من هجماته العنيفة في أفغانستان لتعزيز حربه الدعائية بدلًا من تحقيق مكاسب مادية. وهكذا، يصعّد من هجماته الدعائية، وهجماته اللفظية، على طالبان في محاولة لإجبارها على اعتماد سياسات متشددة، ما يحرم نظامها من الاعتراف الدولي، والمساعدة المالية.
ومن شأن حرمان أفغانستان من النقد، في ظلِّ اقتصاد يوشك على الانهيار، أن يجعل خراسان تواصل بقوة مهاجمة طالبان لفرض انهيار داخلي في أفغانستان، من أجل الاستفادة من الفوضى الناجمة عن ذلك.
عبد الباسط: باحث في كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية، سنغافورة، حيث يركز على التطرف الديني والتشدد في جنوب آسيا. Twitter: @basitresearcher