ماتيو روسو*
أضحت تدابير وممارسات مكافحة الإرهاب تَنتهك بشكل متنامٍ حريةَ الناس وحقوقهم، وذلك مع منح الشرطة صلاحيات موسّعة لقمع الإرهابيين المشتبه بهم. وفي السنوات الأخيرة، وقعت انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في دول عدة في شتى أنحاء العالم، تحت مسمى مكافحة الإرهاب. وقد أعادت بعض الدول أشخاصًا يُشتبه في أنهم إرهابيون إلى بلادهم حيث يمكن أن يقتلوا، في حين أقامت دول أخرى “مواقع سوداء” يتعرض فيها السجناء للتعذيب.
في العام الماضي، رصدت البروفيسورة فيونوالا ني أولين، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في الوقت الذي تكافح فيه الإرهاب، نمطًا مقلقًا: في خضم توسيع الدول لسياسات مكافحة الإرهاب، فإنها تنتهك بشكل متنامٍ حقوق الإنسان لمواطنيها.
وفي ظلِّ هذا، كثيرًا ما تتحمل النساء -اللائي يُشكّلن بالفعل فئة ضعيفة- العبءَ الأكبر من هذه السياسات. ومرة أخرى، سلّطت أولين الضوءَ على الانتهاكات المتنامية في تقريرٍ أرسل إلى الجمعية العامة، في وقتٍ سابق من هذا العام، مشيرة إلى الحاجة إلى حماية حقوق المرأة.
تواجه النساء المسلمات، على وجه الخصوص، حالاتٍ متعددة من التمييز. على سبيل المثال، غالبًا ما تتعرض النساء المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب في البلدان الغربية لأشكال لفظية من الإساءة ما يثير خوفهن من الظهور بمظهر المسلمات. علاوة على ذلك، فإنهن مستهدفات بشكل غير متناسب في جرائم كراهية الإسلام.
وفي هولندا، تُرتكب 90% من جرائم الكراهية ضد المسلمين ضد المرأة، وتصل إلى 81% في فرنسا. ولا شك أن عدم اتخاذ الدول موقف حازم ضد مثل هذه الانتهاكات والجرائم يشجع المشاعر المعادية للمسلمين وكراهية الأجانب في المجتمع، التي غالبًا ما تخلق توترًا سياسيًا يمكن أن يتحوّل إلى عنف.
التداعيات على المنزل
كما تؤثر تدابير مكافحة الإرهاب على الحياة المنزلية وتعليم الأطفال. على سبيل المثال، إذا فرضت الدولة قيودًا على حرية الأم في التنقل، فإن ذلك يؤثر على قدرتها على أخذ أطفالها إلى المدرسة. ويمكن أن يؤثر ذلك على صحتها العقلية، وبالتالي يُصعِّب عليها مساعدة أطفالها في واجباتهم المدرسية.
ويشير تقرير أولين أيضًا إلى أن الحملات الأمنية على هذه الأسر غالبًا ما تتم بطرق تخريبية ومُهينة للغاية، في ساعات الصباح الباكر، ما يُعرِّض النساء والأطفال لصدمةٍ نفسية لا داعي لها.
علاوة على ذلك، ومع تزايد معاقبة الدول للمرأة إذا كان أحد أفراد الأسرة من الذكور إرهابيًا مشتبهًا فيه، فإن هذا يخلق تصورًا في المجتمع بأن المرأة متواطئة، وهذا ليس هو الحال بالضرورة. ونتيجة لذلك، تواجه المرأة مزيدًا من التهميش من جانب المجتمع الذي ينظر إلى مجتمعاتٍ بأكملها على أنها “مشبوهة”. وبما أن المؤسسات والشركات تتردد في توظيف هؤلاء النساء، فإنهن يصبحن فعليًا خارج سوق العمل، الأمر الذي يزيد من إضعاف قدراتهن على الوقوف في وجه التطرف.
تمكين المرأة
لقد أصبح دور الأسرة محوريًا بشكلٍ متزايد في النقاش الدائر بشأن مكافحة الإرهاب، وأكد الباحثون أن تمكين المرأة هو وسيلة فعّالة للحد من تطرف الشباب. وإذا تمكّنتِ الأمهات من مواجهة المعتقدات المتطرفة داخل الأسرة، فإن الشباب سيرفضون بسهولة أكبر الأفكار المتشددة. وتؤدي الأمهات، على وجه الخصوص، دورًا رئيسًا في منع تطرف أطفالهن أو تشجيعه. فالأمهات عادة ما تكون أول من يدرك أي سلوكيات مثيرة للقلق تظهر على أطفالهم مثل الغضب والاضطراب. وإذا تعرّضت المرأة للتمييز من الدولة والمجتمع، فإنها ستكون أقل ميلًا إلى منع التطرف.
تمكين المرأة والسماح لها بالمشاركة في عمليات صنع القرار الأمني، يجعلها أكثر مرونة وقدرة على الوقوف في وجه رب الأسرة، ويمكنها أن تشجع أطفالها على أن يكونوا أكثر انخراطًا واندماجًا في المجتمع. إن التعديات على حقوق المسلمين بسبب سياسات مكافحة الإرهاب لها تأثير سلبي على مجتمعاتهم، ما يثير الاستياء ويُولّد شعورًا بالاغتراب. وغالبًا ما تأتي هذه السياسات بنتائج عكسية؛ لأنها تخلق أرضًا خصبة للجماعات الإرهابية لتجنيد المسلمين الذين يشعرون بأنهم لا ينتمون إلى المجتمعات الغربية.
الخلاصة
عندما توسّع السلطاتُ نطاقَ لوائح مكافحة الإرهاب، وتجعلها عدوانية وتدخُليّة في الحياة الأسرية، فإن النساء يصبحن الأكثر تضررًا. في الوقت الحالي، تتزايد انتهاكات الدول لحرية التعبير والتنقل والخصوصية والدين، فضلًا عن الحق في المحاكمات العادلة، بذريعة الحفاظ على “الأمن القومي”، وتتعرض النساء والأطفال لأذى غير متناسب.
لم يأخذ القطاع الأمني في اعتباره النساء بما فيه الكفاية عند إعداد سياسات مكافحة الإرهاب، ومن ثم فمن المهم بذل المزيد من الجهود لإدراجهن في استراتيجيات مكافحة الإرهاب، بما في ذلك تعيينهن في مناصب قيادية داخل هذه المؤسسات. ومن شأن ذلك أن يكفل صياغة استراتيجية أكثر فعّالية وشمولًا وأكثر احترامًا لدور المرأة وحقوقها. إضافة إلى ذلك، فإن تزويد النساء بالأدوات المناسبة يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة وغير مستكشفة في الحرب على الإرهاب.
لذا، يتعين احترام القانون الإنساني الدولي، لا سيّما فيما يتعلق بحماية حقوق المرأة. ويجب على “المديرية التنفيذية للجنة لمكافحة الإرهاب” التابعة للأمم المتحدة أن تعتمد تعريفًا واضحًا لتعميم مراعاة المنظور الجنساني في عملها، بحيث يتوافق مع القانون الإنساني الدولي، وتمكين المرأة وإدماجها في المؤسسات، خاصة تلك المتعلقة بسياسات مكافحة الإرهاب التي يهيمن عليها الرجال تقليديًا.
ومن المؤكد أن هذه التدابير ستفيد الأطفال والأسر، وتساعد المجتمعات المهمّشة على بناء الثقة مع المجتمع الذي يعيشون فيه. وإذا تم ذلك، فإنه سيساعد على منع التطرف في الأجيال المقبلة في مراحله المبكرة.
وختامًا، يجب أن يكون احترام حقوق الإنسان محوريًا في الحرب على الإرهاب، وأن تلعب الدول دورًا رئيسًا في الدفاع عن المرأة وصون حقوقها.
*باحث في القانون الدولي، في مركز العدالة الأفريقية والسلام وحقوق الإنسان في لاهاي