التقت “عين أوروبية على التطرف” يواس فاخيماكرز؛ الأستاذ المشارك في الدراسات الإسلامية والعربية في قسم الفلسفة والدراسات الدينية في جامعة أوتريخت، الذي صدر له مؤخرًا كتاب بعنوان «الإخوان المسلمون: الأيديولوجية والتاريخ والأحفاد».
________________________________
عين أوروبية على التطرف: ما الأحداث الرئيسة التي أسهمت في تشكيل جماعة الإخوان المسلمين؟ وما أبرز ملامح أيديولوجيتها في تلك المرحلة المبكرة؟
فاخيماكرز: لم يكن هناك حدث رئيس حقيقي أدّى إلى تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، ولكن كانت هناك العديد من الاتجاهات الفاعلة في ذلك الوقت التي أسهمت في تشكيلها. أحدها، وهو أمر بالغ الأهمية، كان إلغاء الخلافة في عام 1924 من قبل مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة. وهذا الأمر دفع المسلمين إلى البحث عن الذات. كان البعض سعيدًا بهذا.. وكان الكثيرون غير سعيدين به. وأصبح السؤال: “إذا كانت السلطات الحاكمة لن تطبق الإسلام بعد الآن -كما فعلت لمدة 1300 عام قبل ذلك- فمن سيكون مسؤولًا عن ذلك؟” نشأت جماعة الإخوان المسلمين في هذا الفراغ، محاولة تقليد هيكل الدولة؛ مع زعيمٍ واحد أدى المنضمون للجماعة له يمين البيعة، وبدأت الجماعة في الزعم بأن مهمتها محاسبة الدولة على أساس مدى تطبيق تعاليم الإسلام. الأمر الثاني، الذي استمر قبل وبعد تأسيس الإخوان، هو الاستعمار البريطاني حيث احتل البريطانيون مصر من عام 1882.
كان هذان الحدثان -سقوط الخلافة والاحتلال الأجنبي الغربي- عاملين تحفيزيين رئيسيين في تشكيل جماعة الإخوان المسلمين، وأيديولوجيتها الأساسية. فيما يتعلق بالأيديولوجية، ترى جماعة الإخوان المسلمين أن دورها يتمثل في نشر الإسلام، وتعريفها لما يعنيه ذلك فضفاضٌ للغاية. لقد تحدثت إلى قادة الإخوان، وسألتهم عن تفاصيل نسختهم من الإسلام، وهم إما لم يستطيعوا أو لم يتمكنوا من الإجابة، إنها ليست مصدر اهتمام كبير بالنسبة لهم. إذًا، هذه من ناحية، رسالتهم ردًا على زوال الخلافة، ومن ناحيةٍ أخرى هم معادون جدًا للاستعمار، الذي يُعبّر أحيانًا عنه في شكل مشاعر معادية للغرب. ورغم أنه جرى تخفيف هذه العداوة كثيرًا في السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تظهر في بعض القضايا، خاصة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والارتكان إليها لكسب التأييد.. باختصار، هذا هو السياق الذي نشأت فيه جماعة الإخوان المسلمين، وهذا ما تمثله.
عين أوروبية على التطرف: هل تطورت أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين وأهدافها كثيرًا بمرور الوقت؟ كثيرًا ما يُقال إن الإخوان يريدون الخلافة، لكن تفاصيل ما يعنيه ذلك، وكيفية وصولهم إليه تبدو غامضة.. فهل كان هذا الغموض مقصودًا باعتباره وسيلة للمناورة من منطلق إدراك أن مشاريعهم تلك من الصعب تحقيقها في المدى المنظور؟
فاخيماكرز: نعم، لقد كانت دائمًا غامضة، لكنها تطوّرت أيضًا. كان الشعار الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين طوال فترة وجودها هو: “الإسلام هو الحل”. ومن الواضح أن هذا نوع غامض جدًا من الشعارات الشعبوية. إنه يعطي الانطباع بأنه مهما كانت المشكلة، فهناك حل سهل وهو دائمًا الحل نفسه: الإسلام. الإخوان يطبقون هذا سواء كانت المشكلة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو نفسية، وأي شيء آخر لديكم، وهذا لا يشكل برنامجًا سياسيًا جيدًا أو بيانًا سياسيًا يمكن تقديمه للناخبين. لذلك، كان الأمر دائمًا غامضًا للغاية، وهذا يعني -بالاقتران مع حقيقة أنه في الأيام الأولى لم يكن هناك أيضًا العديد من الجماعات الأخرى المنخرطة في هذا النوع من النشاط الإسلامي- أن مجموعات متنوعة جدًا من الناس انجذبوا إلى جماعة الإخوان. ولم ينطبق هذا على طبقة أو حرفة مهنية أو مستويات تعليمية بعينها فحسب، بل انطبق على طيفٍ ديني واسع ومتنوع. ومن ثم ضمت الجماعة أولئك الذين كانت لديهم رغبة أكثر غموضًا في دمج الإسلام بشكل ما في بنية الدولة والمجتمع، وأولئك الذين يمكن أن نسميهم الآن السلفيين الذين لديهم فكرة مفصّلة للغاية عما ينبغي أن ينطوي عليه ذلك. انضوت تيارات عدة تحت مظلة الإخوان المسلمين، ولأن الإخوان ظلوا في المعارضة لفترة طويلة تمكنوا من التعامل مع هذه الاختلافات بين المنضوين داخل الجماعة للحفاظ على تماسكها. وهذه الاستراتيجية لم تتعرض للانهيار إلا في الآونة الأخيرة، عندما بدأت بعض الحكومات في إشراك الإخوان في العملية السياسية، ثم على مدى العقد الماضي عندما بدأت الجماعة في تولي السلطة الحكومية في بعض الدول بدأوا يضطرون إلى اتخاذ قرارات بشأن قضايا محددة، التي أدّت إلى تعرية الانقسامات والتصدعات داخل ائتلافهم.
أما بالنسبة للأيديولوجية، فقد تغيّرت بالتأكيد. لن أقول إن الإخوان المسلمين دعموا حقًا إقامة الخلافة. إذا نظرت إلى كتابات حسن البنا، فهو يتحدث عن الخلافة، وهو يريد الخلافة، لكن الطريقة التي يصفها بها تختلف اختلافًا كبيرًا عن الخلافة العثمانية التي حُلت في عام 1924. إنه يتحدث بشكل أساسي عن كومنولث للدول الإسلامية، أو كيان جامع للدول الإسلامية. لكن الثابت أنه منذ السبعينيات ابتعدت جماعة الإخوان المسلمين عن ذلك، ومنذ التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين ابتعدت جماعة الإخوان المسلمين حتى عن فكرة الدولة الإسلامية. والآن هم يتحدثون عن دولة مدنية ذات سلطة إسلامية، وهو أمر مختلف من حيث إنها لا تسعى إلى التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية، بمعنى الأحكام الدقيقة للشريعة. إنهم يميلون الآن إلى التركيز على مقاصد الشريعة، وهذا أوسع بكثير. على سبيل المثال، ترى جماعة الإخوان المسلمين أن أحد مقاصد الشريعة الإسلامية هو جعل الناس يتعاملون مع بعضهم البعض بطريقةٍ عادلة، ثم يبحثون عن طريقة لتنفيذ ذلك. ومن الواضح أن هذا الأمر أكثر غموضًا بكثير لكنه مجددًا سعي للالتفاف، وهو وضع يمنح جماعة الإخوان المسلمين مزيدًا من المرونة، فهناك المزيد من الحلول التي يمكن اعتبارها مقبولة لدى طوائف إسلامية متعددة، ما يسمح للإخوان المسلمين بالحصول على دعم أكبر عدد من الناس لمقترحاتهم. أحد الأشياء التي أحاول توضيحها في الكتاب هو كيف تغيّرت الأيديولوجية، فمن الخطأ أن ننظر إلى جماعة الإخوان المسلمين من خلال مجموعة من الأعمال التي كتبها شخص توفي قبل خمسة وسبعين عامًا تقريبًا، في حين أن الجماعة لم تعد تقدّر هذه النصوص كثيرًا على هذا النحو. إنهم لا يطبقونها، وخالفوا العديد من الأشياء التي كان يمثلها حسن البنا. سيكون الأمر مثل الحكم على حزب المحافظين الحديث في بريطانيا من خلال ما قاله ونستون تشرشل في فترة الأربعينيات. قد يفهم الجميع مدى سخافة ذلك، ولكن هذا الأمر لا يزال يحدث مع جماعة الإخوان المسلمين في بعض الأحيان.
عين أوروبية على التطرف: هل تتوافق نظرة الإخوان المسلمين مع الديمقراطية الليبرالية، أم أن نسختها أكثر تقييدًا عندما يتعلق الأمر بالحريات الاجتماعية وحريات الأقليات؟
فاخيماكرز: بعض أعضاء الجماعة لا يقبلون مصطلح الديموقراطية، ويفضلون المصطلح القرآني الشورى، بمعنى التشاور المتبادل، وهو في الأساس ديمقراطية في إطار حدود الشريعة. والقول إن جماعة الإخوان المسلمين أصبحت “ديمقراطية ليبرالية” ينطوي على مبالغة كبيرة جدًا،.فمعظمهم يتحدثون عن “الديمقراطية” و”الشورى” كما لو كانا متساويين، أو لا يتحدثون عن “الشورى”، ويتحدثون فقط عن “الديمقراطية”.
ومع ذلك، فإنك سؤالك مصاغ بدقة شديدة، وهناك فرق بين الديمقراطية والديمقراطية الليبرالية. وفيما يتعلق بأشياء مثل حرية الصحافة، فإن جماعة الإخوان المسلمين من ناحية تدعو إلى ذلك، ولكن من ناحيةٍ أخرى، عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل التجديف أو السخرية من الإسلام أو السخرية من النبي (ص)، فإنها تتبنى وجهة نظر مختلفة إلى حد ما. ويمكن رؤية مثال مثير للاهتمام قبل بضع سنوات، عندما قتل الإرهابيون موظفي مجلة “شارلي إيبدو”، التي نشرت رسومًا كاريكاتورية تسخر من النبي محمد (ص). أدانت جماعة الإخوان المسلمين في دول مثل الأردن الهجمات الإرهابية في البداية، ولكن بعد بضعة أيام بدأت في التحذير من إدانة العنف بالقول إن شارلي إبدو لم يكن ينبغي لها أبدًا نشر الرسوم الكاريكاتورية. وبعد أيام قليلة من ذلك، كانت جماعة الإخوان المسلمين تؤطر الحدث كجزء من “الحرب على الإسلام”. لذلك، عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير -قبول التعليقات أو الرسوم الكاريكاتورية التي تؤذي مشاعرهم أو تسيء إلى الحساسيات الدينية- فإن الإخوان المسلمون يواجهون صعوبة في التعامل مع ذلك.
عين أوروبية على التطرف: بعد الربيع العربي، وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة في عددٍ من الدول العربية من خلال الانتخابات، وأصبحوا بارزين في حركات المعارضة، بعضها مسلح، في دولٍ أخرى. ما هي العوامل الرئيسة وراء ذلك؟
فاخيماكرز: أعتقد أنه من المهم الإشارة إلى أنه حتى في دولة مثل مصر، لم يكن الإخوان المسلمون أول من انخرط في المعارضة. في الواقع، كان العكس تمامًا. ولأن جماعة الإخوان المسلمين كانت تتعرض للقمع لعقود، فقد تبنت موقف “الانتظار والترقب” تجاه الاحتجاجات. وحتى بعد المظاهرات الكبرى في ميدان التحرير، في القاهرة، التي دعت إلى إسقاط النظام، كانت جماعة الإخوان المسلمين تعرض التوسط بين السلطات والمتظاهرين. وفي سوريا، كانت القصة مشابهة: في الفترة التي سبقت ثورة 2011، وقفت جماعة الإخوان المسلمين السورية في بعض الأحيان إلى جانب نظام الأسد، حتى لو كان ذلك فقط لحماية قواعدها، وتجنب الوقوع ضحية للقتل الجماعي مرة أخرى، كما سبق وأن حدث في فترة الثمانينيات. لذلك، فمن الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن في طليعة الاحتجاجات والثورات في البداية، ولكن بمجرد أن اتضح لهم أن هذه الاحتجاجات لن تتوقف، انخرط الإخوان بكل قوتهم. والسبب في نجاحهم في القيام بذلك هو أنه كانت لديهم شبكات ضخمة منتشرة في جميع أنحاء العالم العربي، وكانت جماعتهم منظمة تنظيمًا هرميًا، وكان لديهم خلايا وأقسام في جميع أنحاء المنطقة، وكان لديهم مستشفيات ونوادٍ أخرى (وصولًا إلى فرقٍ لكرة القدم) تحت سيطرة الإخوان المسلمين- وبالطبع مكنهم هذا كله من الحشد. الأمر الجدير بالملاحظة هو أن الإخوان شاركوا في “الربيع العربي” في حركة أطاحت بالنظام، ما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن الإخوان قد نفضوا الغبار عن أفكار سيد قطب، ووضعوها موضع التنفيذ. والحقيقة هي أن جماعة الإخوان المسلمين، في احتجاجها ضد نظام قمعي منذ فترة طويلة، لم تكن تفعل أي شيء مختلف عن قطاعات واسعة من المصريين الآخرين. في أعقاب سقوط النظام، جاء الإخوان في المقدمة بسبب قوتهم المتفوقة بفضل شبكاتهم الكبيرة، ومهارتهم التنظيمية، ولكن، للتأكيد، كان هذا صدفة، وليس مؤامرة: كان الإخوان بطيئين في الانخراط في حركة الاحتجاج، وعندما انخرطوا، فعلوا ذلك على أرضية مشتركة مع مواطنيهم في مختلف الدول، وليس لأسباب إسلاموية.
عين أوروبية على التطرف: ما هو التأثير الرئيس على جماعة الإخوان المسلمين -تكتيكاتها وأيديولوجيتها وهيكلها التنظيمي- بعد انتكاساتها في السنوات الأخيرة؟ هل خلصوا إلى أنهم ارتكبوا أخطاء يجب أن يتعلموا منها؟
فاخيماكرز: ستكون الإجابة غير واضحة لأن الأمر يعتمد على أي جزء من الإخوان المسلمين تتحدث عنه. كان هناك بعض الذين رأوا الفرصة بعد ثورات “الربيع العربي”، وكانوا مصممين على تحقيق أقصى استفادة منها. وقد نجح هذا بشكلٍ جيد إلى حد معقول لبعض الوقت: في مصر، انتخب الإخوان المسلمون رئيسًا، وحصلت الجماعة على حوالي نصف المقاعد في البرلمان. بالطبع، انهار كل هذا في عام 2013. كان هناك إخوان مسلمون آخرون رأوا في وقتٍ مبكر أن الأحداث لا تتكشف كما هو متوقع، وحذروا من أن الإخوان يجب أن يتحدوا مع أكبر عدد ممكن من القوى الإصلاحية الأخرى، وألا يدفعوا ببرنامجهم الإسلاموي المحدد بحيث تكون هناك حلول واسعة النطاق للمشكلات القائمة. كان هذا واضحًا جدًا في الأردن، حيث ربما لم يفز أولئك الذين اتبعوا نهجًا شاملًا، لكنهم على الأقل ما زالوا موجودين، في حين أن أولئك الذين اتبعوا نهجًا إسلامويًا حصريًا حُظروا. وبهذا المعنى، فإن الإخوان الذين ضغطوا من أجل نهج أكثر تعاونًا فازوا، أو ربما من الأفضل القول، لم يخسروا.
إن الضرر الذي لحق بقيادة الإخوان المسلمين في مصر قد خلق مساحة لجيل جديد من القادة الذين، بسبب ضعف جماعة الإخوان المسلمين إلى حد كبير، يقومون أساسًا بتقسيم التركة المتبقية. يدعي إبراهيم منير أنه زعيم جماعة الإخوان المسلمين، لكنه موجود في لندن وتواجه سلطته تحديًا من قبل الآخرين في تركيا. إنه لا يسيطر على الشؤون المالية للجماعة. وفي حين أن جماعة الإخوان المسلمين لطالما كانت تعاني من انقساماتٍ إلى حد ما، خاصة منذ فترة السبعينيات عندما بدأت دخول البرلمانات، فإن الانقسامات الحالية قوية جدًا. لقد كان الإخوان المسلمون هنا من قبل. لقد نجوا من حملة القمع الموسعة بعد عام 1954 من قبل الحكومة المصرية، وهي الفترة التي يطلقون عليها اسم “المحنة” أو “محاكم التفتيش”، وقد نجوا من أحداث عدة من هذا القبيل منذ ذلك الحين. ومن السابق لأوانه دائمًا إخراج جماعة الإخوان المسلمين من المعادلة، لكنهم بالتأكيد في حالةٍ يُرثى لها الآن: ضعفاء ومكبوتون، ومنقسمون داخليًا.
عين أوروبية على التطرف: من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين لديها وجود دولي خارج الشرق الأوسط، بما في ذلك ما يمكن أن نسميه مراكز طليعية في أوروبا. كيف ينظر الإخوان إلى قواعدهم الأوروبية؟ هل ينظر إليهم على أنهم يؤدون دورًا في الوصول إلى السلطة في العالم العربي؟
فاخيماكرز: أعتقد أنه من المهم أن نتذكر أن الإخوان المسلمين لم ينته بهم المطاف في أوروبا عمدًا، من منطلق التزام أيديولوجي بنشر رسالتهم في أوروبا. إذا نظرت إلى كتابات حسن البنا وسيد قطب ومنظري الإخوان المسلمين الأوائل، فإنهم كانوا يعارضون ذلك بشدة، ولم يكونوا يريدون للمسلمين البقاء في دول غير مسلمة. من الواضح أنهم نظروا إلى الغرب وأوروبا من منظور الاستعمار، وكانت لديهم وجهة نظر سلبية للغاية حول الغرب. كانت وجهة نظرهم هي أن المسلمين لا ينبغي أن يذهبوا إلى الغرب، ولكن إذا اضطروا إلى ذلك، فيجب عليهم العودة إلى العالم الإسلامي في أسرع وقت ممكن. السبب في أن الإخوان المسلمين انتهى بهم المطاف -في نهاية المطاف- في الدول الأوروبية، هو أن العديد منهم فروا إلى هناك هربًا من دولهم. أحد أشهر الأمثلة على ذلك هو كمال الهلباوي الذي انتهى به المطاف في بريطانيا. مثال آخر هو سعيد رمضان، الذي ذهب إلى سويسرا، وفي النهاية إلى ألمانيا، وبريطانيا. كان هناك آخرون. جاء عصام العطار من سوريا، وذهب إلى ألمانيا لإنشاء شبكته. راشد الغنوشي هو شخص آخر لم يكن عضوًا رسميًا في جماعة الإخوان المسلمين، ولكن مع ذلك انتهى به المطاف في بريطانيا، وقاد حزب النهضة في تونس. كانت هذه الشخصيات تميل في البداية بشدة إلى العودة إلى الوطن، لذلك لم تفكر في إنشاء مؤسسات دائمة، وبالتأكيد ليس مؤسسات دعوية.
كانت أهدافهم تتمثل في توفير مكان للإقامة للمسلمين، خاصة الطلاب القادمين من المنطقة، وأن يظل المسلمون في هذه الدول الأوروبية مسلمين “حقيقيين” -مع الاحتفاظ بهويتهم العربية للإخوان المسلمين، وطبيعتهم المناهضة للاستعمار- حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم عندما يحين الوقت المناسب. ولكن بعد فترة من الوقت، بالطبع، عندما بدأوا في إنجاب الأطفال، وتنشئة هؤلاء الأطفال في دول أوروبا الغربية، بدأت الأمور تتغير. أدركوا أنهم سيبقون في أوروبا. حدثت لحظة الإدراك هذه في أوقات مختلفة في أماكن مختلفة. على سبيل المثال، في فرنسا، كانت قضية الحجاب لحظة واضحة جدًا قرر الإخوان فيها القيام بشيء ما في فرنسا، لإحداث فرق في فرنسا، بعد أن حظر الرئيس جاك شيراك، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، الرموز الدينية الواضحة -القبعة للأولاد اليهود، والحجاب للفتيات المسلمات، والصلبان الكبيرة للأطفال المسيحيين- في المدارس الحكومية. في تلك اللحظة قررت منظمة فرنسية تابعة للإخوان المسلمين تأكيد نفسها كجماعة إسلامية سياسية، تدافع عن حقوق المسلمين، وعن القضايا الإسلامية، في فرنسا نفسها. والجدير بالذكر أنهم غيروا اسمهم من “منظمة المسلمين في فرنسا” إلى “منظمة مسلمي فرنسا”، ما يشير إلى أنهم اعتبروا فرنسا بطريقة ما وطنًا لهم.
مع ظهور هذا الإدراك في مكان آخر، بدأت جماعات الإخوان المسلمين تسأل كيف يمكنها استخدام نشاطها -هذا النشاط الإسلامي الذي لطالما ميز جماعة الإخوان المسلمين دائمًا- لتشكيل الوضع بطريقة ذات مفيدة للمسلمين في هذه المجتمعات حيث كانوا أقليات صغيرة.
بدأ الإخوان في أوروبا في التعامل مع القضايا المتعلقة بالمسلمين، خاصة الإسلاموفوبيا والتمييز ضد المسلمين، ومثل هذه الأنواع من القضايا. أيضًا، في بعض الأحيان الذبح الحلال والختان، وهي القضايا التي مكّنت التعاون مع اليهود في بعض الأحيان. كانت الشؤون الخارجية قضية أخرى وجد الإخوان فيها القدرة على التعاون مع الآخرين. انطلق هذا بشكل خاص في عام 2001، عندما رد حلف الناتو على هجمات 11 سبتمبر في أفغانستان، وغزو العراق في عام 2003. وفي بريطانيا، تعاونت الرابطة الإسلامية في بريطانيا، وهي منظمة تابعة للإخوان المسلمين، مع حزب العمال الاشتراكي، وهي جماعة تروتسكية (نسبة إلى ليون تروتسكي)، للاحتجاج على الحرب في العراق. ومن الواضح أيضًا، القضية الفلسطينية-الإسرائيلية، التي توحّد معظم الجماعات الإسلامية وبعض النشطاء الآخرين.
وهكذا، يمارس الإخوان في الغرب النشاط السياسي الذي يشتهرون به في العالم الإسلامي، لكنهم يكيفونه بطريقة تكون ذات صلة للمسلمين في تلك الدول. إنه النشاط ذاته، ولكن يُطبق على قضايا مختلفة.
عين أوروبية على التطرف: هل يمكن أن تقول حينها إن جماعة الإخوان المسلمين وتوابعها في أوروبا، وبالتأكيد من حيث الهياكل القيادية، قد انفصلت عن شبكاتها في العالم العربي؟
فاخيماكرز: أحاول في الكتاب وصف ما أعتقد أنه تمييز مفيد بين جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم، والإخوان المسلمين كحركة. فجماعة الإخوان المسلمين منظمة موجودة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع زعيم واحد، على الأقل من الناحية النظرية، المرشد العام، وهو دائمًا مصري (على الرغم من أن الحالي يعيش في لندن)، ولديك الفروع المحلية في سوريا والعراق والكويت، والأراضي الفلسطينية، والأردن.. إلخ. تتمتع هذه الفروع المحلية باستقلال ذاتي محلي، ولكن عندما تكون هناك مشكلة داخلية، وعندما تحتاج إلى المشورة، فإنها تتطلع إلى مصر والمرشد العام للحصول على المشورة. وهذا هيكل حقيقي تندمج فيه جميع هذه الفروع المحلية اندماجًا كاملًا.
السبب في أنني أشير إلى جماعة الإخوان المسلمين الأوروبية على أنها حركة الإخوان المسلمين هو أن لديهم الأيديولوجية نفسها، والثقافة الفرعية نفسها، ولكن ليس لديهم الهيكل التنظيمي نفسه. الآن، من الواضح أن لديهم هياكل تنظيمية خاصة بهم، القادة والأمناء، وأمناء الخزانة، وما إلى ذلك. هذه الهياكل تحاكي أحيانًا ما رأوه في الشرق الأوسط. لكنهم ليسوا جزءًا من نوع البنية الفوقية الشاملة الموجودة في الشرق الأوسط، حتى لو كانت لديهم اتصالات شخصية مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط. لا تطلب أيٌّ من المنظمات في حركة الإخوان الأوروبية الإذن بأي شيء من الشرق الأوسط. الجماعات الأوروبية لا تطلق على نفسها اسم “الإخوان المسلمين”، وتنظيميًا ليسوا جزءًا منها، على الرغم من أنهم كحركة هم بالتأكيد جزء منها.
عين أوروبية على التطرف: هناك الكثير من الحكومات الأوروبية، لا سيما النمسا وفرنسا، ومؤخرًا ألمانيا، التي أصبحت ترى أن جماعة الإخوان المسلمين تضر بالتماسك الاجتماعي، وتحاول تقييد مساحة نشاطها وعملها الدعوي. وتركز بشكلٍ خاص على قطع مصادر التمويل الدولية، التي اُعتقد أن معظمها كان في قطر وتركيا في السنوات الأخيرة. ما رأيك في هذه القوانين، هل تعتقد أنها ستحقق التأثير المنشود؟
فاخيماكرز: يعتمد ذلك على ما هو التوقع، وما تمثله جماعة الإخوان المسلمين. أولًا، أعتقد أن المنظمات الشبيهة بجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا هي في الواقع صغيرة جدًا. خذ بريطانيا على سبيل المثال: الغالبية العظمى من المسلمين في بريطانيا ليسوا عربًا. معظمهم من أصول بنغالية وباكستانية وهندية، دول من جنوب شرق آسيا بصفة عامة. لقد جلب هؤلاء السكان الإسلاميين معهم، وهناك منظمات إسلاموية نشأت من تلك الدول في بريطانيا. المنظمات التابعة للإخوان المسلمين لا تمثل الأغلبية على الإطلاق. في ألمانيا، معظم المسلمين من أصل تركي. مرة أخرى، هناك منظمات إسلاموية تركية، وهي تتعاون أحيانًا مع منظمات على غرار جماعة الإخوان المسلمين، لكنها تتنافس معها أيضًا. الشيء نفسه ينسحب على فرنسا، حيث لديك جميع أنواع المنظمات المختلفة. وعمومًا، فإن جماعة الإخوان المسلمين في الواقع لا تتمتع بكل هذا النفوذ في أوروبا، لذلك إذا اعتقدت الحكومات أنها ستستطيع إحداث تأثيرات إيجابية كبيرة من خلال قطع المساعدات أو تقييد أنشطتهم، اعتقد أنها ربما تكون تبالغ في تقدير قوة جماعة الإخوان.
عين أوروبية على التطرف: السؤال الذي يتبع ذلك هو: لقد ذكرتَ أن الكثير من المسلمين في بريطانيا باكستانيون، أو على الأقل من شبه القارة الهندية في الأصل، وفي ألمانيا يميلون إلى أن يكونوا أتراكًا. وهناك منظمات شبيهة بجماعة الإخوان المسلمين في هذين البلدين بين هذين السكان، وهما الجماعة الإسلامية، وميلي جوروش، على التوالي. لقد ذكرت أن الإخوان يتنافسون ويتعاونون مع الإسلاميين الآخرين: كيف يتحقق هذا التوازن؟ هل من المرجح أن يشكلوا جبهة مشتركة عندما يجدون قضية يهتمون بها حقًا، أم أن الاقتتال الداخلي أكثر طغيانًا بشكل عام؟
فاخيماكرز: لنأخذ ميلي جوروش كمثال، هناك تداخل أيديولوجي مع جماعة الإخوان المسلمين، والاتصالات التنظيمية. إنهم يلقون الخطب دعمًا لبعضهم الآخر، ويتحالفون حول قضايا معينة. أعتقد بشكلٍ عام أن هناك تعاونًا أكثر من المنافسة، لكن البعد العرقي يشكِّل عائقًا خطيرًا للغاية. وعادة ما يكون أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من أصل عربي، مع وجود شرائح كبيرة من أصل شمال إفريقي، وغالبًا ما يكونون من أصل بربري (أمازيغي). ميلي جوروش ليست إسلامية فحسب، بل تركية، وتعتز بكونها تركية. هذا نهج مختلف تمامًا. لذلك، وبهذا المعنى، فإنهم يتنافسون على مجموعات مختلفة، وبالتالي فهم متنافسون. ومع ذلك، فلا توجد إجابة واحدة، وستختلف من منظمة إلى أخرى.
عين أوروبية على التطرف: لقد حظرت جماعة الإخوان المسلمين في نصف دزينة من الدول العربية الآن. هل تعتقد أن هذا سينجح في تهميشهم؟ وهل هناك إجراءات أخرى يمكن تبنيها؟
فاخيماكرز: حسنًا، لطالما كان أداء الإخوان المسلمين جيدًا إذا كان لديهم عدو مشترك. لذا، فإن هذا قد يساعدهم. من ناحيةٍ أخرى، بالطبع، هم في حاجة إلى منصة ما يعملون من خلالها. لدى جماعة الإخوان المسلمين هيكل دولي أنشئ خصيصًا لمثل هذا السيناريو -عندما يتعرضون للقمع في العديد من الدول- يمنحهم بنية بديلة للاتكاء عليها. لكنهم الآن يتعرضون للقمع في العديد من الدول، خاصة في البلدان التي اعتادت أن تكون سخية جدًا في مواردها المالية. لذلك هذا أمر صعب بالتأكيد بالنسبة لهم. أعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين في حالةٍ يُرثى لها في الوقت الحالي بسبب انقساماتها الداخلية، وبسبب حقيقة أنها محظورة في العديد من الدول، وبسبب حقيقة أنها لم تحقق النجاحات التي أرادتها.
دعني فقط أعطيك مثالين. هذان ليسا حرفيًا جزءًا من تنظيم الإخوان المسلمين، لكنهما جزء من حركة الإخوان المسلمين: حزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب. كان حزب العدالة والتنمية ناجحًا للغاية في العديد من الانتخابات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكنهم خسروا خسارة مريعة في انتخابات العام الماضي. حاول حزب العدالة والتنمية إعادة تغيير نفسه من حزب إسلاموي إلى حزب يركز على القيم الأخلاقية المحافظة. ومن الواضح أن ذلك لم ينجح. أما في تونس، فالوضع مختلف تمامًا لأن في تونس وصلت حركة النهضة، جماعة الإخوان المسلمين هناك، إلى السلطة. والآن، علّق الرئيس التونسي البرلمان والدستور. هذه الأمور تعيق أنشطة الإخوان المسلمين، ولكن كما قلت، طالما استمرت القضايا التي تزدهر عليها جماعة الإخوان المسلمين، فإنها ستسمح للإخوان بحشد الناس حول هذه القضايا.
بشكل عام، في العالم العربي، سيظل هناك مجال لمعارضة ذات صبغة إسلامية، وهذا يعني أن هناك مجالًا للإخوان المسلمين. وربما يكون هناك مجال أقل لهم. لا أعلم. كأكاديمي أفضل التركيز على الماضي، بدلًا من التنبؤ بالمستقبل. لكنني سأكون مترددًا للغاية في إخراج الإخوان المسلمين من المعادلة، على وجه التحديد لأنهم مروا بمثل هذه المواقف من قبل. لقد سقطوا، ولكنهم لم ينتهوا. ربما هذه هي أفضل طريقة لصياغة ما أقصده.