روبرت كلارك*
بدايةً، تجدر الإشارة إلى أن الدلالات المحيطة بما يسمى “حروب 11 سبتمبر” غالبًا ما تكون سلبية بالنسبة لكثيرٍ من الناس. حدث هذا بسبب التقارير التي وردت عن جرائم الحرب؛ وعمليات الاحتلال غير المشروعة؛ والفشل الاستخباراتي؛ والمعاناة المطولة للسكان المحليين؛ والصور التي بُثَّت عبر شاشاتنا طوال ذروة العقد الماضي للتوابيت الملفوفة بعلم المملكة المتحدة للعائدين من العراق وأفغانستان.
وفي حين أن كلَّ فرد من الأفراد البريطانيين الذين قتلوا في العراق وأفغانستان، البالغ عددهم 636 شخصًا، يمثل مأساة خاصة، وآلاف آخرين ما زالوا يعيشون مع آثارٍ نفسية وجسدية، على حد سواء، فإنهم لم يضحُّوا بالكثير دون جدوى؛ على الأقل، ليس حتى وقتٍ قريب. وسيجتمع أولئك الذين خدموا في هذه الصراعات التي شكّلت جيلنا في الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر المروّعة، تمامًا كما سيفعلُ الكثيرَ من الناس في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من الأخطاء السياسية العديدة، والمعاناة الإنسانية التي شهدها كلٌّ من العراق وأفغانستان، فقد تحققت مكاسب ملموسة كثيرة على مدى العقدين الماضيين، ومع مرورِ الوقت قد تفسح الدلالات السلبية الهزيلة المجالَ أمام الآثار الإيجابية لهذه التدخلات. أولًا وقبل كل شيء: تقديم مرتكبي هجمات 11 سبتمبر إلى العدالة. ورغم أن التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة لم يغِبْ على الإطلاق، فقد أغلق ملاذه في أفغانستان، وتشتتت قياداته ذات الرتب المتوسطة، وقضي على قيادته العليا إلى حد كبير.
وإلى جانب تنظيم القاعدة، كان هناك أيضًا الإبعاد الفوري لصدام حسين من السلطة في العراق. وعلى الرغم من المعلومات الاستخبارية الخاطئة حول مدى تهديد العراق للغرب من خلال برنامجه النووي، فقد كان صدَّام نقمة على الشعب العراقي، لا سيما المعاناة الطويلة التي طالت ثلاثين مليون مدني غير سني.
وبغض النظر عن برنامج صدام النووي، فإن سلوكه التهديدي تسبب في حربين إقليميتين أودتا بحياة أكثر من مليون شخص، وارتكب إبادة جماعية واحدة على الأقل، ما أسفر عن مقتل ما يصل إلى 180,000 كردي. وكان سلوكه العدائي يشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي ولشعبه، ومن ثم أصبح العالم مكانًا أفضل بكثير بعد إقصائه من السلطة.
علاوة على ما سبق، لقد تحققت مكاسب هائلة للمجتمع المدني في كل من العراق وأفغانستان نتيجة للتدخلات العسكرية. فلقد أعيد بناء قوات الأمن العراقية، وحاربت آفة تنظيم داعش، وازدهر اقتصاده في فترة إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد صدام. وفي أفغانستان، شكلت المكاسب الكبيرة في حقوق المرأة، والأقليات الإثنية، على حد سواء، فارقًا ملحوظًا عن نظام طالبان الوحشي والإقصائي في فترة التسعينيات.
فيما يتعلق بالأثر اليومي لهذه التدخلات، وحيث إنني كنت أقوم بدورياتٍ في شوارع البصرة أو قرى وادي جيريشك، كنت أرى بانتظام التقدم في كلا المجتمعين بشكل مباشر. بحلول عام 2008، استأنف الأهالي التنزه على الكورنيش في البصرة، والحياة الليلية على جانب القناة، حيث تتواجد حشود ترتدي ملابس على الطراز الغربي، تستمتع بوجبة العشاء مع الأصدقاء.
وفي القرى المتربة في شمال هلمند، كان الأطفال يركضون بصحبة دورياتنا وهم في طريقهم إلى المدرسة، والفتيات يتمتعن بتعليم مفيد بفضل الأمن الذي توفره الدوريات البريطانية والأفغانية. هذه الذكريات في كلا البلدين تتناقض تناقضًا صارخًا مع القمع الوحشي الذي تعرّض له هؤلاء الناس في ظل الأنظمة البربرية السابقة، وتؤكد أن هذه المجتمعات أصبحت أفضل بوجودنا.
ومع ذلك، وفي ظل الإدارة الأمريكية الحالية تحت القيادة الضعيفة للرئيس جو بايدن، فإن المكاسب التي تحققت في جميع أنحاء أفغانستان، من خلال التضحية الجماعية لنحو 2,800 جندي بريطاني وأمريكي، ناهيك عن 70,000 جندي أفغاني شجاع، قد تآكلت بالكامل تقريبًا في غضون شهرٍ واحد.
ورغم أن انسحابَ قوات الناتو من أفغانستان أمرٌ حتميٌّ، فإن الظروف على أرض الواقع، سواء عسكريًا أو سياسيًا، كانت تشير (بوضوح) إلى أن هذا ليس هو الوقت المناسب للقيام بذلك.
لا شك أن عشرين عامًا هي حملة عسكرية طويلة، خاصة لنا نحن الذين قاتلوا فيها، والذين تحدَّدت حياتهم بها. ولو لم أرسل للمشاركة في الحرب في العراق أو أفغانستان، طوال معظم العقد الماضي، لأرسلت للتدرب على هذه الحروب. وينطبق هذا على مئات الآلاف من المحاربين السابقين الآخرين، وللجنود الأفغان الشجعان أنفسهم، الذين قتلت حركة طالبان العديدَ منهم منذ عودتهم إلى كابول.
ولكن الأسوأ من حملةٍ دامت عشرين عامًا شابتها الكثير من الدماء والتضحيات، هي حملة دامت عشرين عامًا، وأُنهيت قبل أوانها بسبب دوافع سياسية داخلية ملائمة أيديولوجيًا. وبدلًا من أن يُنسب لجو بايدن الفضل، كما يحلو له، في أنه أنهى “حربًا لا نهاية لها”، سوف ينسب له الفصل الدموي التالي في الصراع الذي لا ينتهي في أفغانستان، خاصة من قبل أولئك الذين خدموا منا هناك، الذين سيحملون دائمًا قطعة صغيرة من أفغانستان في قلوبهم وعقولهم.
لقد جُرفت الآن ذكريات الأطفال الضاحكين، والفتيات اللواتي يركضن إلى المدرسة، والأسر القادرة على العيش كما تشاء، وشكل من أشكال التمثيل الديمقراطي، ووسائل إعلام حرة ومنفتحة. لقد عاد الشعب الأفغاني إلى نظامٍ يجمع بين الفوضى والطغيان في شؤونه الداخلية، والإرهاب في سياسته الخارجية.
والحقيقة الصارخة التي تواجه أفغانستان والغرب الآن هي أن الرئيس الأمريكي سمح في الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر بعودة طالبان إلى السلطة، بالقسوة نفسها التي كانت عليها من قبل، والآن تسيطر على أراضٍ أكثر مما كانت عليه من قبل.
أعداؤنا تشجعوا برحيلنا. والآن، تحوم النسور في بكين وإسلام أباد وطهران وموسكو، سعيًا إلى ملء الفراغ الأمني والاقتصادي والسياسي. لقد كشف الانسحاب ضعف أمريكا، فضلًا عن ضعف حلف الناتو، أمام الجميع. وأدى افتقار الولايات المتحدة الأمريكية للقدرة على مواصلة الحملة، والطريقة الأحادية الجانب المتعالية التي تم بها هذا الانسحاب، إلى تقويض وحدة حلف الناتو وقدرته خارج أوروبا.
ولن تكون دول الحلف الفردية وغيرها من الدول الأخرى التي توجد في مكان أبعد حريصةً على تلبية الدعوة في المرة القادمة التي تحتاج فيها الولايات المتحدة إلى المساعدة. وقد ينطوي تحوُّط تلك الدول على إقامة تحالفاتٍ جديدة، قد يكون بعضها غير متوافق مع قيم الغرب الموحد وأمنه.
ولكن النتيجة الفورية الآن هي أن المكاسب التي تحققت في مجال الأمن البشري، والمجتمع المدني، التي جلبها التدخل إلى الشعب الأفغاني، قد ذهبت أدراج الرياح، بسبب انسحابٍ متسرّع لا داعي له، وغير مخطط له تمامًا من قبل السياسيين.
(*) باحث في شؤون السياسات الدفاعية في مؤسسة هنري جاكسون، وخدم قبل ذلك في الجيش البريطاني لمدة ثلاثة عشر عامًا. ويمكن متابعته على صفحته على تويتر.