حظرت باكستان حزبًا سياسيًا إسلاميًا متطرفًا يُعرف باسم “حركة لبيك باكستان”، في الأسبوع الماضي، وذلك بعد أن نظّم سلسلةً من أعمال الشغب العنيف. وفي أعقاب هذا القرار، اشتدت الاضطرابات العنيفة في جميع أنحاء الدولة، بما في ذلك تهديدات للمصالح الدولية، ما يدل على أن الحكومة الباكستانية كانت محقة بشأن هذا الحزب، وأن الدولة لا تزال تكافح في التعامل مع التطرف الإسلامي.
خلفية
أُسِّست حركة لبيك باكستان في عام 2015 من قبل عالم إسلامي باكستاني يُدعى خادم حسين رضوي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في حين يرتبط الإسلام المتشدد عادة بالسلفية، أو في جنوب آسيا بالديوبندية، فإن حركة لبيك باكستان هي فرع من البريلوية. ولطالما كان لدى أتباع البريلوية حساسية خاصة بشأن التجديف، وبالتالي فليس من قبيل الصدفة أن السياق الذي نشأت فيه حركة لبيك باكستان كان يدافع عن ممتاز قادري، ضابط القوات الخاصة الذي قتل حاكم البنجاب، سلمان تيسير.
وينبغي التأكيد على أن قادري قتل تيسير ليس لأنه يعتقد أن تيسير شخصيًا مذنب بالتجديف، ولكن لأن تيسير دعا إلى إلغاء قانون التجديف الباكستاني. وفي مقابلةٍ أجريت معه قبل وقت قصير من اغتياله في يناير 2011، كان قد قدم أسبابًا لمعارضته لهذا القانون: تطبيقه غير المتكافئ، والتمييز ضد غير المسلمين، وأشار إلى ما يحدث لآسيا بيبي كمثالٍ على ذلك.
آسيا بيبي هي سيدة مسيحية باكستانية كانت مستهدفة بموجب قانون التجديف الباكستاني. وستصبح قضية بيبي قضية دولية شهيرة، ورغم أن إدانتها الأولية قد ألغيت في عام 2018، فإن ذلك لم يمنع محاميها أولًا ثم بيبي نفسها من الفرار من باكستان بعد تلقي تهديداتٍ بالقتل، صدر كثير منها من حركة لبيك باكستان وحلفائها.
استغلت حركة لبيك باكستان قضية بيبي، والتحريض ضد إصلاح قانون التجديف أو إلغائه، في قضاياها السياسية المحورية.
وقد ارتبط اسم حزب حركة لبيك باكستان بعددٍ من أعمال العنف. ففي يناير 2018، أطلق طالب شارك في عدة احتجاجات نظمها الحزب، النار على محاضره الجامعي في شارسادا فأرداه قتيلًا. وقد هيأ الحزب المناخ، على أقل تقدير، حيث اعتبر أن هذا العمل مقبولًا. وبعد ذلك بعام، في مارس 2019، في بهاوالبور، في قضيةٍ أكثر وضوحًا، شهدت قيام طالب جامعي يبلغ من العمر 21 عامًا بطعن أستاذه حتى الموت، متهمًا إياه بالتجديف، بعد الحصول على إذن من أحد قادة الحركة للقيام بذلك.
لطالما نشط حزب حركة لبيك باكستان في إطار أوسع إلى حد ما من باكستان. ومن الواضح أن جزءًا كبيرًا من تمويلاته، الغامضة، يأتي من خارج باكستان، وقد اعتاد الحزب التسبب في مشكلات دولية. ففي عام 2018، اضطرت هولندا إلى سحب سفيرها من باكستان بعد أن تعرضت سلامته للتهديد بسبب أعمال التحريض التي مارسها الحزب ردًا على مسابقة الرسوم الكاريكاتورية التي نظمها السياسي الهولندي خيرت فيلدرز. في نهاية عام 2020، نظم الحزب أعمال شغب عنيفة لدعم عبد الله أنزوروف، اللاجئ الشيشاني الذي قتل المدرس الفرنسي صامويل باتي لعرضه رسومًا كاريكاتورية في حصة الدراسات الدينية، ما أجبر مرة أخرى سفارةً غربية على سحب سفيرها خوفًا على سلامته.
حملة قمع جزئية
في ضوء لائحة الاتهام هذه، قد يتساءل المرء لماذا أخذت باكستان كل هذا الوقت لحظر حزب حركة لبيك باكستان. الجواب البسيط هو أن الحزب لديه قاعدة دعم شعبية ضخمة، وهذا ما يجعله قويًا بما فيه الكفاية لدرجة أن دوائر مهمة من النخبة الباكستانية -حول الحكومة المدنية لرئيس الوزراء عمران خان والمؤسسة العسكرية التي تسيطر على الدولة فعليًا- أرادت أن تخطب ودّه.
وهذا هو السبب في أن الحظر الذي فرض على الحزب في 15 أبريل أكثر غموضًا مما قد يبدو عليه من أول وهلة. أولًا، حدث ذلك لأن الحزب نظّم أعمال شغب ضد فرنسا، مرة أخرى، وتسبب في إصابة أكثر من 300 ضابط شرطة. لقد كانت خطوة سريعة وكرد فعل تهدف إلى كبح جماح الحركة، بدلًا من بذل جهد جاد للقضاء عليها. لكن السياسة السابقة التي تقضي بمنح مساحة وشرعية للحزب، جعلت من الصعب الاستمرار في السياسة التقييدية الجديدة ضده.
بمجرد صدور الحظر، اندلعت احتجاجات حاشدة في جميع أنحاء باكستان بلغت ذروتها في أعمال عنف جماعية في لاهور في 18 أبريل أسفرت عن إصابة العديد من الأشخاص. وهذا دفع فرنسا إلى نصح مواطنيها بمغادرة باكستان.
وحتى الآن، ما تزال هناك محاولات مستمرة لاسترضاء حزب حركة لبيك باكستان. فلقد وردت تقارير في 20 أبريل عن اتفاق بين الحكومة والحزب لإلغاء الحظر؛ وفي حين لم يتم تأكيد ذلك، يبدو من المرجح تمامًا أن الحظر سيلغى، إما من خلال الاستئناف على القرار في المحاكم أو بمذكرة من الحكومة الاتحادية.
في الوقت ذاته، تضمنت الصفقة التي توصلت إليها الحكومة إطلاق سراح زعيم الحزب خادم رضوي، الذي كان قد اعتقل لدوره في أعمال العنف التي أوَدَت بحياة عشرات الباكستانيين، وأوضح وزير الداخلية أن الحكومة سوف تقوم بتمرير قرار من خلال البرلمان الباكستاني لطرد السفير الفرنسي، وهذا مطلب رئيس للحزب. ولا شك أن هذا التساهل مع الحزب بعد محاولة حظره، والفشل المحتمل لتلك المحاولة، لن يؤدي إلا إلى تقوية شوكة الحزب.
وختامًا، تأتي هذه الاضطرابات الداخلية في باكستان في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة وحلف الناتو للانسحاب من أفغانستان. ومن بين الأمور المؤكدة القليلة حول ما سيحدث بعد ذلك طفرة في عدد الجماعات الجهادية، خاصة حركة طالبان، التي لطالما دعمها الجيش الباكستاني وأجهزة الاستخبارات الباكستانية، و”ولاية خراسان” التابعة لتنظيم داعش. كما أن ارتفاع موجة التطرف سترفع الإسلامويين في باكستان أيضًا. وإذا كانت الدولة غير قادرة على تضييق الخناق الآن، فإنها ستكون أقل قدرة على السيطرة على تهديدٍ عزَّزته من قبل، وتعاني منه الآن وفي المستقبل.