بدأت حركة طالبان هجومًا كبيرًا على مستوى أفغانستان في 6 أغسطس، واستولت على مدينة زارانج، عاصمة مقاطعة نمروز. وعلى مدى الأيام التسعة التالية، استولى الجهاديون بشكل منظم على عواصم المقاطعات في جميع أنحاء الجنوب والغرب والشمال، قبل أن يتحركوا نحو العاصمة الأفغانية كابول في الشرق، وعزلوها عن اتجاهات متعددة، ثم استولوا عليها في وقتٍ سابق أمس. في أعقاب هذه التطورات المتلاحقة، فرّ الرئيس أشرف غني إلى طاجيكستان، وأخذ معه الحكومة الشرعية، وعادت طالبان الآن إلى السلطة، بعد عشرين عامًا بالضبط تقريبًا من عزلها. ولا شك أن هذا من شأنه أن يعطي دفعة كبيرة للحركة الجهادية.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة وقّعت ما وصفته باتفاق سلام مع طالبان في فبراير 2020. وكما أوضح تقرير حديث لموقع عين أوروبية على التطرف”، فإن هذه “الصفقة” كانت في الواقع وعدًا بالانسحاب غير المشروط، وقد فهمت طالبان ذلك. وسايرت العملية جيدًا بما فيه الكفاية حتى حملت الولايات المتحدة الأمريكية على إرغام الحكومة الأفغانية على تقديم تنازلات، وأبرزها إطلاق سراح الآلاف من السجناء الجهاديين، وبمجرد إزاحة القوات الأمريكية من طريقها، تحركت طالبان، بدعمٍ كامل -كما يحدث دائمًا- من باكستان، لتوجيه ضربة خاطفة للاستيلاء على الدولة، مستخدمة “حلًّا عسكريًّا” لحسم صراع لطالما أصرت فيه الولايات المتحدة أنه لا يوجد حلٌّ من هذا القبيل.
الأثر المباشر لما حدث سيعاني منه الأفغان: سيتم ذبح المتورطين مع الحكومة التي سقطت؛ وأي شخص يستطيع الفرار، سوف يُعجّل بتدفق اللاجئين عبر جيران أفغانستان، وفي نهاية المطاف إلى أوروبا؛ وأولئك الذين سيضطرون للبقاء في البلاد سيتعرضون لطغيان إسلاموي على غرار الحكم الديني في إيران ومفهومه لولاية الفقيه.
بيد أن هذه الأزمة لن تبقى داخل حدود أفغانستان فقط. بالأمس، أكد أحد أعضاء حركة طالبان من جديد أن الحركة تؤمن بأن الجهاد عالمي، ولا يقتصر على دولة واحدة فقط:
“نعتقد أن المجاهدين سينتصرون يومًا ما وأن الشريعة الاسلامية لن تطبق في أفغانستان فحسب بل في جميع أنحاء العالم. نحن لسنا في عجلة من أمرنا… الجهاد لن ينتهي حتى النهاية”.
لا تزال حركة طالبان مرتبطة بتنظيم القاعدة. والواقع أن تنظيم القاعدة يدين بالولاء لطالبان، والقاعدة تقاتل إلى جانب طالبان في أفغانستان، مع طائفة واسعة من الجماعات الجهادية الأخرى المدعومة من باكستان مثل “شبكة حقاني” و”عسكر طيبة”. وفي الأيام القليلة الماضية، قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس إنه في ظل سيطرة طالبان على أفغانستان، “من المحتمل أن يعود تنظيم القاعدة للظهور من جديد”، وفي وقتٍ سابق اليوم صرح رئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي بصراحة بأن تنظيم القاعدة سيعود، وأن خطر الإرهاب ضد الغرب سيكون مرتفعًا على المدى القريب.
في خضم هذا، لا ينبغي إهمال دور إيران في أفغانستان، حتى لو كانت أصولها في الدولة -لا سيما إسماعيل خان– في وضع سيئ حاليًا. فإيران لها علاقات مع طالبان، من جهة، وعلى الجانب الآخر، أقام الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وجودًا في أفغانستان منذ عقود بين أمراء الحرب الإسلامويين السنة وبين شيعة الهزارة. وقد بدأ الحرس الثوري مؤخرًا بنقل بعض الجهاديين الشيعة في وحدته الأفغانية، لواء فاطميون، إلى أفغانستان. وقد يؤدي ذلك إلى إنشاء منطقة يسيطر عليها الحرس الثوري الإسلامي، أو قد يشعل حربًا طائفية، أو كليهما.
وإذا أشعلت أصول الحرس الثوري حربًا طائفية في أفغانستان، فمن المرجح أن تكون ضد ولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش. وعلى الرغم من أن مسؤولي الحكومة الأمريكية والمحللين غير الحكوميين أعلنوا مرارًا وتكرارًا أن ولاية خراسان قد فقدت قوتها ولم تعد بالقوة التي كانت عليها، فإن الجماعة تواصل الازدهار، وتضم منشقين عن جميع الجماعات الإسلاموية الأخرى، وتخترق هذه الجماعات، وتدمج نفسها في نظام السجون، حيث تحظى بالحماية ويمكنها تجنيد عناصر جديدة. ومن أولى الأشياء التي قامت بها طالبان بعد غزوها للمدن هي فتح السجون، كما كان متوقعًا.
والآن، أصبح جميع سجناء ولاية خراسان، وجميع المتحولين إليها، إما أحرارًا أو على وشك أن يكونوا كذلك، ولن ينخرطوا في فظائع مروّعة ضد الشيعة وغيرها من الفظائع داخل أفغانستان فقط. وكما أوضح تقريرنا، فإن ولاية خراسان قد ارتبطت بالفعل بخلايا ومؤامرات إرهابية دولية بعيدة وصلت إلى دولٍ مثل أستراليا.
الاعتقاد السائد لدى الجهاديين الآن هو أنهم هزموا الأمريكيين، تمامًا كما هزموا الاتحاد السوفيتي من قبل، وهذا الشعور بالنصر على قوتين عظميين كافرتين سيضمن لقضيتهم كسب المجندين والأموال التي تمكّنهم من بث الفوضى في جميع أنحاء العالم في المستقبل المنظور.