داني سيترينوفيتش*
بعد أربعين عامًا من تأسيسه رسميًا من قِبل الحرس الثوري الإيراني في لبنان، يبدو أن حزب الله في ذروة قوته، من حيث القدرات العسكرية. ومع ذلك، توجد مؤشرات على ضعف الحزب، ما يوفِّر فرصة محتملة لإضعافه دون مواجهةٍ عسكرية.
وضع حزب الله الآن
يمتلك حزب الله أنظمة أسلحة متطورة للغاية تُشكِّل تهديدًا جليًا لإسرائيل، والمنطقة بأسرها. وقد استخدم حزب الله خبرته في الحروب، التي اكتسبها في ساحات المعارك في جنوب لبنان وسوريا، لمساعدة أعضاء آخرين في “شبكة التهديد الإيراني” على زيادة قدراتهم العسكرية.
الجدير بالذكر أن عناصر حزب الله في سوريا يدعمون نظام بشار الأسد، وفي العراق يساعدون قوات الحشد الشعبي، وفي اليمن يساعدون الحوثيين على تحسين موقفهم العسكري، خاصة بعد مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
ومع ذلك، ففي حين أن حزب الله يبدو من المنظور العسكري أنه لا يُقهر تقريبًا، فإنه يُعاني من نقاط ضعفٍ خطيرة في عددٍ من النواحي الأخرى، وكلها تتعلق بطبيعة تأسيسه.
فمن الناحيةِ السياسية، على سبيل المثال، أظهرت الانتخابات اللبنانية في 15 مايو بعض الوهن السياسي. وهذا أمرٌ مهم لأن أحد أهم إنجازات حزب الله في السنوات الأخيرة كان إنشاء نظام سياسي في لبنان يمكنه التحكم فيه عن بعد، بما يضمن ألا تتحدى الدولة اللبنانية قدرات الحزب العسكرية، ونشاطه العسكري، وفي الوقت ذاته لا تنعكس إخفاقات الدولة عليه.
غير أن نتائج الانتخابات تهدِّد هذا الإنجاز، وتجر زعيم حزب الله حسن نصر الله مباشرة في أتون المشاكل السياسية في لبنان، وقبل كل شيء، تشكِّك في قدرته على اختيار رئيس للدولة ورئيس للوزراء، يستمران في غضِّ الطرف عن تصرفات الحزب. أن تقوية “بُعبع نصر الله”، سمير جعجع، في أوساط المجتمع المسيحي ودعم المملكة العربية السعودية وفرنسا لأولئك الذين يعارضون حزب الله، هي نُذر شؤم لنصر الله وقدرته على مواصلة السيطرة على النظام السياسي اللبناني.
بيد أن القضية السياسية ليست التحدي الوحيد لحزب الله. ذلك أنه يكابد مشكلاتٍ اقتصادية بسبب الأزمة الاقتصادية في إيران، التي تحد بدورها من قدرة طهران على مساعدته ماليًا، وبسبب الحرب التي لا تنتهي في سوريا.
وهذا يعني أن الحزب يواجه صعوبة في توفير احتياجات المجتمع الشيعي في لبنان، بما في ذلك الرعاية الطبية للمقاتلين الجرحى في سوريا، ورواتب عائلات المقاتلين القتلى، وتتفاقم هذه المشكلات نتيجة للضغوط الاقتصادية والسياسية الناجمة عن العقوبات الأمريكية على شبكات حزب الله المدرة للدخل في جميع أنحاء العالم، وحظر الحزب في دولٍ مثل ألمانيا وأستراليا. وهذه المشكلات قد تُصعِّب على الحزب تجنيد أعضاء جددٍ في المستقبل.
وربما الأهم في هذا الصدد هو ظهور أصوات تتحدى حزب الله علانية حتى داخل المجتمع الشيعي اللبناني. وعلى الرغم من أن هذه الأصوات متفرقة حتى الآن، ولا يوجد هيكل سياسي منظم شيعي بديل مناهض لحزب الله، فإنه يخشى بشدة أن تتضافر أصوات المعارضة المتناثرة هذه لتشكِّل اتجاهًا جديدًا.
استراتيجيات مقترحة
في ظلِّ هذه الظروف، فإن الطريق إلى إضعاف حزب الله ليس بالضرورة من خلال المواجهة العسكرية، الأمر الذي قد يعزِّز صورته كمدافع عن لبنان، لاسيّما بالنظر إلى قدراته العسكرية المتطورة. وبدلًا من ذلك، قد تكون أفضل طريقة لتحقيق ذلك استغلال الضعف السياسي والاقتصادي للحزب وتعميقه. فالأداة المتاحة لإضعاف حزب الله هي استخدام تكتيك “حركة الكَمَّاشَة” الذي يجمع بين الخيارات المالية والسياسية.
أولًا، هناك حاجة إلى تكثيف الحملة الاقتصادية ضد حزب الله، وبدء حملة عالمية ضد مصادر دخله. أحد المجالات التي تحتاج إلى مزيدٍ من الاهتمام هو الشبكات المدرة للدخل في أوساط المجتمعات الشيعية في أمريكا الجنوبية وإفريقيا، من خلال الأنظمة النقدية مثل مؤسسة القرض الحسن. كما أن زيادة تكاليف وجود حزب الله في سوريا والعراق أمر أساسي أيضًا.
ثانيًا، على المستوى السياسي، يتعين بذل جهود متواصلة لقطع العلاقات بين حزب الله والحكومة اللبنانية، من خلال توجيه المساعدات الدولية من جهة إلى شخصياتٍ ومؤسسات في لبنان منفصلة عن حزب الله، ومن جهةٍ أخرى الشروع في حملة ضغط ضد من هم في النظام السياسي في لبنان -السياسيين، والقادة العسكريين، ومسؤولي إنفاذ القانون- الذين يتعاونون مع حزب الله.
وتتمثل إحدى الخطوات الواضحة في التوقف عن تحويل التمويل إلى الجيش اللبناني إذا استمرت العلاقة بين الجيش اللبناني وحزب الله. والعقوبات الأمريكية ضد جبران باسيل هي مثالٌ آخر على مثل هذا الإجراء. الهدف من ذلك هو إنشاء هيكل حوافز يوفِّر مكافآتٍ لأولئك الذين يستقلون عن حزب الله في لبنان، وفي الوقت ذاته تُفرض تكاليف باهظة على أولئك الذين يواصلون التعاون معه.
ثالثًا، مواصلة الضغط الاقتصادي على إيران، باعتبارها المزوِّد الرئيسي لحزب الله بالأموال والقدرات. وفيما يتعلق بالمفاوضات حول الاتفاق النووي، من المهم ألا ترفع الولايات المتحدة والقوى العالمية، على سبيل المثال، العقوبات المفروضة على الحرس الثوري، الأمر الذي من شأنه أن يُمكِّن إيران من تعزيز طموحاتها الإقليمية، باستخدام حزب الله كرأس حربة. هذه العملية من شأنها أن تُحدِث دائرةً من التأثيرات الإيجابية: ففي الوقت الذي سيعاني فيه حزب الله من دون الدعم الإيراني، ستجد إيران صعوبة كبيرة في الدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط إذا ما أُضعف حزب الله، خاصة بعد مقتل سليماني.
حزب الله عنصر أساسي لتنسيق “محور المقاومة” الإيراني، كما اتضح في الحرب القصيرة “عملية حارس الأسوار“، التي شنتها إسرائيل ضد حماس في مايو 2021.
رابعًا وأخيرًا، هناك حاجة ماسّة لإسرائيل والمملكة العربية السعودية، وبقية دول الخليج، وبالتأكيد الولايات المتحدة، للتكاتف وتشكيل جبهة مشتركة تتحدى حزب الله باستمرار، وتُحدِث ضغطًا كافيًا عليه لتقويض نفوذه الداخلي والإقليمي. وبدون هذا المزيج من القوى التي تشن حملة دائمة ومتعددة الأوجه ضد حزب الله، فإن التحركات الفردية المتفرقة ضد الحزب لن تحقق الكتلة الحرجة اللازمة لإضعافه بشكلٍ كبير.
* باحث غير مقيم في المركز الأطلسي.