لطالما كان موقف جماعة الإخوان المسلمين داخل العالم الإسلاموي موضوع نقاش أكاديمي مكثّف، ولا سيّما منذ حقبة السبعينيات، عندما نبذت جماعة الإخوان علنًا العنف، وبدأت تدّعي أنها تدعم الديمقراطية. وإجمالًا، يرى فريق من المحللين أن هذه التطورات ذات مغزى، كونها تجعل التنظيم حصنًا ضد النزعة الجهادية العنيفة لأنها تمنح الإسلامويين قناة سلميّة لتحقيق أهدافهم السياسية.
أما الفريق الآخر، فضلًا عن تشكّكه في صدق هذه التغييرات، فإنه يرى في جماعة الإخوان المسلمين، حتى في هذه الحالة المزعومة من الإصلاح، بوابة للعنف لأنها تُطّبِع الأفكار والمفاهيم المتطرفة وتنشرها، وفي بعض الحالات ترتبط شبكات الإخوان بالإرهابيين.
مؤخرًا، وتحديدًا في أواخر شهر سبتمبر الفائت، سُلّطت الأضواء مجددًا على هذا النقاش المعقد، وذلك بعد وفاة يوسف القرضاوي، عضو جماعة الإخوان المسلمين، الذي ربما كان أكثر علماء السّنة نفوذًا. في مناقشة إرث القرضاوي، يتعامل المرء مع رجل أصدر بحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فتاوى ضد الفصل بين الجنسين في الجامعات وأدان الدول الثيوقراطية التي يديرها رجال الدين، بينما كان يدعم التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين، وجهاد داعش في العراق. قرب نهاية حياته، كانت فتاوى القرضاوي تجنح نحو تأجيج الأوضاع المتوترة بالفعل: ففي ليبيا، قال القرضاوي إنه ينبغي قتل العقيد معمر القذافي، وفي سوريا أصدر فتوى شديدة الطائفية في عام 2013 شجّعت على تدفق المقاتلين الأجانب السُنّة، الذين انضم الكثير منهم لاحقًا إلى جماعات مثل القاعدة وداعش.
في أوروبا، كانت جماعة الإخوان المسلمين في قلب النقاش حول كيفية التعامل مع التطرف الإسلاموي “غير العنيف”. وقد اتخذت دول مثل فرنسا والنمسا السياسات الأكثر تقدمية في هذا الصدد. مؤخرًا، على سبيل المثال، أصدر وزير الداخلية الفرنسي أمرًا بطرد حسن إكويسن، الداعية في جماعة الإخوان المسلمين، متهمًا إياه بـ”الدعوة لخطاب تتخلله تصريحات تحرّض على الكراهية والتمييز”. وقد أثار ذلك بعض ردود الفعل من أنصار الحريات المدنية الذين أصروا على أن تصريحات إيكويسن تكفلها قوانين تحمي حرية التعبير، لكن الدولة الفرنسية لا ترى الأمر بهذه الطريقة، واتخذت إجراءات صارمة ضد الجهود الرامية إلى تقويض أسس الجمهورية أيديولوجيًا.
لمناقشة تأثير الوعظ المتطرف لجماعة الإخوان المسلمين، والمخاطر التي تشكّلها الجماعة على استقرار الدول الأوروبية وأمنها، إضافة إلى العديد من القضايا الأخرى، انضم إلى عين أوروبية كلٌّ من:
- الدكتورة سارة بروزوكيفتيش، باحثة في مجال الإرهاب والتطرف؛
- جون روسوماندو، باحث في السياسة الدفاعية وقضايا الاستخبارات.
استهلت الدكتورة سارة بروزوكيفتيش حديثها عن الصراع الداخلي على السلطة داخل جماعة الإخوان المسلمين. لقد واجه إبراهيم منير، المقيم في لندن، المرشد الأعلى الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين منذ اعتقال سلفه، محمود عزت، في مصر في عام 2020، تحديًا من قبل محمود حسين المقيم في إسطنبول، الذي حشد فصيله الحججَ الإجرائية والأيديولوجية ضد منير. في المقابل، تمكّن منير من تعبئة قاعدة قوة من خلال المؤسسات التي تتخذ من لندن مقرًّا لها، خاصة جناح الشباب، واتهم حسين وحلفاءه بالفساد. وأيًّا كانت نتيجة هذا الصراع، فإن هذا صدع علني غير مسبوق في تاريخ جماعة الإخوان: فقد كان هناك، بطبيعة الحال، خلاف داخلي من قبل في قيادة الإخوان- لكنه كان يظل دائمًا سرًّا، في حين أن النزاع بين منير وحسين كان على مرأى ومسمع من الجميع. في هذا الصدد، تقول بروزوكيفتيش: “يمكننا القول إن هذه هي أسوأ أزمة مرّت بها جماعة الإخوان المسلمين، على المستوى الدولي، منذ تأسيسها في عام 1928″، ولا توجد أي مؤشرات على حدوث انفراجة في الأفق القريب.
في الواقع، وكما تشير بروزوكيفتيش، فإن الانقسام في القيادة المركزية للإخوان المسلمين يأتي على خلفية سلسلة من المشكلات التي تجابه الجماعة، وتسهم في تفاقمها: فقد أطيح بها من السلطة، وكادت أن تدمر في مصر؛ وأطيح بها من السلطة في تونس أيضًا، ويُنظر إليها بعداء بعد عقد من سوء الإدارة الحكومية والفساد.
وقد تلقت الجماعات التابعة للإخوان هزائم مريرة في دولتين، المغرب والأردن، حيث توصلت الملكية إلى اتفاق مع الجماعة على أساس أهميتها الاجتماعية الظاهرة، وجهة نظر يجري الآن إعادة تقييمها؛ في السودان والجزائر، تحدث تطورات سياسية دون الإشارة إلى الإخوان. وفي أوروبا، يتحرك المد، الرسمي والمجتمعي، ضد الإخوان. فالجماعة، التي طالما اعتبرت -حتى من قبل أعدائها- قادرة وماكرة، يُنظر إليها الآن على أنها ضعيفة وغير كفؤة.
ترى بروزوكيفتيش أن جماعة الإخوان المسلمين تواجه صعوبات جمّة حتى من حيث رسائلها وخطابها. كان من المعتاد أن تفلت جماعة الإخوان المسلمين من العقاب من خلال “ازدواجية الحديث”، حيث تقول شيئًا للجماهير العامة والمحاورين الرسميين، وتقول شيئًا آخر لأعضائها. وغالبًا ما ينطوي ذلك على قول شيء باللغة الإنجليزية (أو اللغات الأوروبية الأخرى) وقول شيء آخر باللغة العربية. لكن هذه اللعبة أصبحت أكثر صعوبة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، والاتصالات الفورية الأخرى: فقد لاحظ الناس الانفصام بين الخطابين.
وبالمثل، فإن روايات “المظلومية” و”الإسلاموفوبيا” القديمة للإخوان المسلمين أقل فعالية مما كانت عليه في السابق، على الرغم من أن هذه الروايات تحتفظ ببعض القوة في عصر كان يمكن أن يسمى ذات يوم “الصواب” السياسي. وتقول بروزوكيفتيش إن الأمر الأكثر صعوبة بالنسبة للدول الغربية هو أن جماعة الإخوان المسلمين تتخذ نهجًا “تدريجيًا” تجاه التمكين أو الحكومة الإسلامية: فهي على استعداد للانتظار لفترة طويلة وتخريب المؤسسات، بدلًا من الدعوة إلى ثورة عنيفة. وهذا يعني أن أنشطتها قانونية بشكلٍ عام، بالمعنى الدقيق للكلمة، حتى وإن كان الهدف النهائي هو الإطاحة بالنظام القانوني بأكمله.
تضيف بروزوكيفتيش أن وفاة القرضاوي، الذي نَعتْهُ جميع منظمات الإخوان، قد تكون في الواقع نعمة للإخوان: فهي تعفي الإخوان من عناء الرد على شخص قال إن المسلمين كانوا يغزون أوروبا وإن هتلر كان مثيرًا للإعجاب؛ إنه سيسمح للإخوان والجماعات التابعة لها “بتلميع صورتهم”. وقد يكون هذا حدث في الوقت المناسب بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، حيث كان هناك رد فعل عكسي قوي ضد الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالتالي تحتاج هذه الجماعات الدينية إلى إيجاد طريقةٍ مختلفة لتقديم نفسها، واكتساب الشرعية. ومع ذلك، فإن خط الاتجاه العام سلبي للغاية بالنسبة للإخوان، في ظل وجود رد فعل شعبي من المسلمين، وفي ظل انقلاب الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي أوروبا ضد برنامج الإخوان.
من جانبه، ركّز جون روسوماندو على المنظور الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أنه بدأ بلفت الانتباه إلى تقرير الإخوان المسلمين لعام 2015 في المملكة المتحدة، الذي وصف تكتيكات الإخوان، أي التكيّف مع الظروف المحلية: الانخراط في العمليات الديمقراطية في الدول الغربية، أو استخدام العنف في ظروف مثل سوريا وليبيا.
يقول روسوماندو إن جماعة الإخوان المسلمين “حققت هدفها طويل الأجل المتمثل في أن تصبح جزءًا من التيار السائد” في الولايات المتحدة، خاصة داخل الحزب الديمقراطي يساري التوجّه. وقد اُنتخب أعضاءُ الكونجرس المنتسبون إلى جماعة الإخوان المسلمين “ديمقراطيين”، وفقًا لروسوماندو، وأظهرت جماعة الإخوان المسلمين “قدرتها على التكيّف… من خلال أن تصبح جزءًا من حركة “اليقظة”، التي تحض على الوعي بالتمييز والمظالم الاجتماعية ومقاومتها. وقد يكون هذا أيضّا مؤشرًا سيئًا بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، نظرًا لرد الفعل العنيف الشامل، من المسلمين وغير المسلمين، ضد حركة “اليقظة”.
وأضاف روسوماندو أن وفاة القرضاوي جلبت قدرًا من الصراحة من جماعات الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة. وأصدرت جماعات مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، “لوبي الإخوان الرئيس”، بياناتٍ علنية تنعى القرضاوي، ما يُعد تغييرًا عن ممارستها السابقة المتمثلة في محاولة “النأي بنفسها” عن شخصيات مثل القرضاوي.
ويرى روسوماندو أن ما تُظهره أفعال كير هو مدى صعوبة فك التشابك بين التيارات العنيفة وغير العنيفة لأن الاثنين يعملان معًا بشكلٍ وثيق. التشبيه الذي يقدمه روسوماندو هو “شين فين” والجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت، الذي شنَّ حربًا ضد الحكومة الدستورية في أولستر بالكامل تحت هيكل قيادة موّحد، لكنه تظاهر بأنه كيانات مختلفة.
واتفق روسوماندو مع بروزوكيفتيش على أن “رواية المظلومية” أثبتت فعاليتها على نحوٍ خاص في صرف الانتباه عن أنشطة الإخوان.
في فقرة الأسئلة والأجوبة، تناول المتحدثون إمكانية عودة الإخوان إلى الشرق الأوسط، ومحاولات الحكومات الأوروبية لتحييد التهديد الذي يشكّله الإخوان على التماسك الاجتماعي.