استضاف “معهد الشرق الأوسط” ندوة افتراضية في 29 مارس بعنوان “تهديد استراتيجي بالوكالة: شبكة إيران العابرة للحدود الوطنية”، بحثت في مختلف جوانب التهديد الذي يُشكّله النظام الديني في إيران.
حقيقة الحوثيون بعيدًا عن التغطيات الغربية المغلوطة
بدأتِ الجلسة الافتراضية بورقة لندوى الدوسري، محللة في الشأن اليمني، ويمنية الجنسية، باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط، ألقَت فيها نظرة على الروايات الغربية المغلوطة والمهيمنة، بشأن الحوثيين على مدى السنوات الست الماضية، والتي شملت المغالطات التالية:
- أن الحوثيين نشأوا كحركة زيدية إحيائية، بسبب انتشار السلفية المدعومة من السعودية في اليمن.
- نشأ الحوثيون في عام 2004 “بسبب مظالم [محلية]”.
- استولى الحوثيون على صنعاء في عام 2014 “بسبب فساد الحكومة وقرار تقسيم اليمن إلى ست مناطق … دون التشاور معهم”،
وتؤكد الدوسري أن هذه الروايات جميعها ليست خاطئة فحسب، بل “مضللة” عمدًا. وترى أن الكثير من التحليلات الغربية للحوثيين أدّى إلى “تشويه” الحقيقة “إلى حد إضفاء الطابع الرومانسي” عليهم، و”حذف الحقائق التاريخية تمامًا، من أجل التقليل من شأن دور إيران، وعلاقة الحوثيين بها، والغرض هو التقليل من قلق السعودية بشأن تهديد إيران لحدودها الجنوبية”. وهذا يضر للغاية بالقضية اليمنية لأنه يبعد الانتباه عن الجرائم البشعة التي يرتكبها الحوثيون ضد اليمنيين، ويلقي اللوم على الجميع، باستثناء عنف الحوثيين. ولكن هذا ما يحدث عندما تسيطر نزعة المناصرة على البحث “المحايد”.
(لمزيدٍ من التفاصيل حول حقيقة الحوثيين، انظر التقرير الأخير الذي أعدّه أوفد لوبل ونشر على موقع عين أوروبية على التطرف).
توضح الدوسري أن “الحوثيين ليسوا حركة زيدية إحيائية [و] ليسوا برجماتيين. إنهم تمرد شيعي متطرف تُحرِّكُهُ الأيديولوجيا، ولا يستخدمون سوى العنف لتحقيق غايات سياسية”. وتضيف الدوسري أن “الحوثيين وكيل إيراني” و”جزء لا يتجزأ من أجندة إيران التوسعية في المنطقة. إنهم نتاج أربعين عامًا من الاستثمار الإيراني في اليمن”. وتؤكد الدوسري على هذه النقطة: “أربعون، أربعة زائد صفر”. وتشير إلى أنه لا يسع المرء إلا أن يُعجب بالنجاح الذي حققته إيران مع الحوثيين، ودرجة “الالتزام والتفكير والصبر الاستراتيجي” التي تطلبها، والاستعداد لمواصلة توفير التدريب والدعم والمشورة والأسلحة والمال، وفق الحاجة.
أيديولوجية الحوثيين
فيما يتعلق بالناحية الأيديولوجية، تؤكد الدوسري أن الحوثيين ليسوا حركة زيدية إحيائية، بل هم “مزيجٌ يجمع بين الجارودية والشيعة الاثني عشرية، وذلك بفضل النفوذ الإيراني. أمضى مؤسس الحوثيين، حسين الحوثي، ووالده بدر الدين الحوثي، الذي كان عالمًا، وشقيقه عبد الملك الحوثي، الزعيم الحالي للجماعة، معظم وقتهم خلال الثمانينيات والتسعينيات في إيران. ودرسوا في مدينة قم”.
وتقول الدوسري إنه “خلال ذلك الوقت [نفسه] أيضًا”، من الثمانينيات إلى التسعينيات، “سافر الشيعة اللبنانيون والعراقيون [المرتبطون بحركة حزب الله الإيرانية] إلى اليمن للتدريس في مراكز التعلم التي كانت تديرها عائلة الحوثي. وقد كان حسين الحوثي مفتونًا بالثورة الإيرانية، وأصبح مهووسًا بها. لقد جعل هدفه في الحياة جلب الثورة إلى اليمن، ويمكنك أن ترى ذلك في محاضراته وبياناته”. وتقول الدوسري إنه فيما كان للحركة الإحيائية الزيدية أجندة محلية في الحد من انتشار السلفية، كان للحوثيين “أجندة إقليمية”، وهي “الحرب ضد أعداء الإسلام”، أمريكا وإسرائيل، التي تتسق مع الثورة الإيرانية”.
“كان الحوثيون على خلافٍ كبير مع الحركة الإحيائية الزيدية، حول قضيتين أساسيتين”: “الأولى: التمسك بشرط أن يكون الحاكم من نسل النبي محمد. وتصر عائلة الحوثي على أن ذلك يجب أن يكون شرطًا مسبقًا لأي حاكم ليكون مؤهلًا لحكم الأمة الإسلامية. أما الخلاف الثاني فقد كان أن الحركة الإحيائية سلمية بطبيعتها؛ فيما كان الحوثيون عنيفين بطبيعتهم. في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اختطف حسين الحوثي الحركة الإحيائية الزيدية، وأضفى عليها الطابع العسكري والمتطرف، دافعًا المؤسسين الأصليين إلى تركها”.
وبالانتقال إلى الخرافة السردية الثانية، تقول الدوسري: “في السنوات التي سبقت عام 2004، خزّن الحوثيون الأسلحة، وبدأوا يهتفون [لصالح] الثورة الإيرانية في المساجد المحلية: “الموت لأمريكا”، وقد أدّى هذا إلى حروب صعدة الستة”.
خلال مرحلة “الربيع العربي” في اليمن، بعد عام 2011، شارك الحوثيون في الانتفاضة الوطنية، ثم شاركوا في الحوار الوطني، بعد أن تنازل علي عبد الله صالح (اسميًا) عن الرئاسة التي كان من المفترض أن تضع ميثاقًا جديدًا للدولة.
الدعم الإيراني للحوثيين
تشير الدوسري إلى أن المشكلة تكمن في أن الحوثيين استولوا على كل المكاسب التي يمكن أن يحققوها من هذه التحركات السلمية والسياسية – و”استمروا في التوسع بالقوة طوال الوقت. وبحلول عام 2012، كانوا قد استولوا على محافظة صعدة بأكملها، وجزء كبير من محافظات حجة والجوف وعمران الشمالية”- وهذا “قبل أن يبدأ مؤتمر الحوار الوطني”.
تُوثِّق الدوسري أنه خلال الحرب الحالية، التي اندلعت في أعقاب انقلاب الحوثيين في صنعاء، “دعّمت إيران الحوثيين. فلقد تلقى مئات الحوثيين تدريباتٍ عسكرية في إيران ولبنان على يد عناصر الحرس الثوري الإسلامي وحزب الله. وزوّدت إيران الحوثيين بالأسلحة، وساعدتهم على تطوير تكنولوجيا الصواريخ، وتكنولوجيا الطائرات المسيّرة. وهم يستهدفون الآن مناطق تقع على بعد مئات الأميال داخل المملكة العربية السعودية”.
“لقد ساعدت إيران الحوثيين أيضًا في وضع الاستراتيجيات العسكرية: بحلول عام 2015، كان العشرات من المستشارين العسكريين، والخبراء التابعين للحرس الثوري الإيراني، وحزب الله في اليمن، يساعدون الحوثيين. قادة الحرس الثوري الإيراني موجودون في اليمن، بمن فيهم عبد الرضا شهلاي، ومؤخرًا حسن ايرلو، السفير الإيراني في اليمن، وكلاهما قائدان في فيلق القدس الإيراني. الحوثيون جزء من محور المقاومة الإيراني، بشكل رسمي، ويعترفون بذلك، ويفخرون به”.
وتختتم: “وأخيرًا، أريد القول إن الحرب في اليمن لم تُقرِّب الحوثيين من إيران. إن تأطيرها بهذه الهيئة يتجاهل أربعين عامًا من استثمار إيران في الحوثيين. الحوثيون قريبون من إيران، لقد كانوا كذلك لعقودٍ، وسيكونون دائمًا.. إنها شراكة استراتيجية، والتزام أيديولوجي وسياسي يتجاوز اليمن”.
التدخل الإيراني في العراق
تحدث مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن، الذي يهتم بالشؤون العسكرية والأمنية المتعلقة بالعراق وإيران واليمن ودول الخليج العربية، عن الميليشيات الإيرانية في العراق.
قبل أن يبدأ عرضه حول العراق، أعرب نايتس عن اهتمامه بوصف الدوسري لتاريخ حركة الحوثيين، وأشار إلى أنه “كان يقرأ مؤخرًا [تقريرًا] صدر عن موقع عين أوروبية على التطرف حول “تطور جماعة أنصار الله” الذي وضّح بالتفصيل القصة التي يتجاهلها الكثيرون حول علاقة الحوثيين الطويلة مع جمهورية إيران الإسلامية.
بذل المحللون في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى جهدًا مكثفًا لرسم خرائط للميليشيات الشيعية التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني في العراق (وسوريا) بالفعل، وأعلن نايتس عن مشروع قادم يعكف على تقديم تحليلاتٍ أكثر دقة حول كيفية تواصل الميليشيات العراقية، باستخدام الدعاية والمعلومات المضللة، والجماعات الوهمية لتنفيذ جبهات “قابلة للإنكار”، والانقسامات المفترضة داخل جماعات المقاومة، بهدف بناء قاعدة أدلة تسمح بمعرفة من يقف وراء الهجمات المستقبلية ومن ثم توجيه الانتقام المناسب، سواء كانت عقوبات أو غير ذلك.
يرى نايتس أن الميليشيات العراقية التابعة لإيران في حالة تراجع منذ سبتمبر 2019، عندما تعاملت بشكل سيئ مع حركة الاحتجاج في العراق، وقوّضتِ الكثيرَ من الشرعية التي بنتها على أساس أن تنظيم “داعش” عدوها، وعدو الطائفة الشيعية. ويشير إلى أن القضاء على قاسم سليماني، ونائبه العراقي أبو مهدي المهندس، في يناير 2020، ساعد في تقويض الوجود الإيراني نوعًا ما، حيث خلق مشكلاتٍ في الترابط والتواصل بين الحرس الثوري الإيراني، والميليشيات العراقية. ثم هناك حكومة العراق، التي “تزداد قوة، وإن لم تكن قوية”، ولكنها قادرة إلى حد ما على “المنافسة” مع الميليشيات. ويؤكد نايتس من جديد أن الميليشيات بدأت من موقعٍ قوي للغاية، لذا فإن أمامها طريقًا طويلًا حتى تسقط، ولا يزال بإمكانها أن تبدأ مسار الانتعاش، لكنها في الوقت الراهن آخذةٌ في التراجع.
ويقول نايتس إن المشكلة الرئيسة لميليشيات المقاومة هي أنه مع زوال خلافة داعش، وضعف الوجود الأمريكي، أصبحت الآن مقاومة من دون وجود شيءٍ تقاومه. يُضاف إلى ذلك فقدان سليماني وأبو مهدي، ترك الميليشيات إلى حد ما تدبر أمورها بنفسها، وهو أمر يسهم في ضعفها؛ لأنها لا تملك القدرة نفسها على فهم ما تتطلبه إيران منذ أن حل محل سليماني إسماعيل قاني، الذي هو أقل دراية بقادة الميليشيات.
وفقًا لنايتس، يظهر التحليل التفصيلي أن هناك انقساماتٍ داخل كتائب حزب الله فيما يتعلق بولاء أفرادها، حيث تتألف “التنسيقية”؛ هيئة التنسيق الرئيسة للميليشيات التي يديرها الحرس الثوري الإيراني، من ثلاث مجموعات رئيسة: “كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وحركة حزب الله النجباء”.
ويقول نايتس إن كتائب حزب الله هي الأقرب إلى الحرس الثوري الإيراني، إلى جانب حركة حزب الله النجباء، وهي جماعة تحاول كسب “الشهرة”، وحولها مجموعات منشقة وفروع مثل “سرايا الجهاد”، التي تلعب دورًا مهمًا في جنوب العراق، لا سيّما مع التكنولوجيا مثل الصواريخ والطائرات المسيّرة.
وفقًا لنايتس، على “الجانب الآخر”، تحاول عصائب أهل الحق الجمع بين ميزتين: تظهر على أنها عراقية أكثر من غيرها، وفي الوقت ذاته تحظى باهتمام إيران، من خلال تجاوز المسرح في مقاومتها من خلال مهاجمة الأمريكيين -بدلًا من المتعاقدين العراقيين- حتى في اللحظات التي تتوخى فيها طهران الحذر.
ويضيف نايتس أن كتائب حزب الله استثمرت الآن في “عمليات اجتماعية” داخل العراق -للاستيلاء على الدولة، أكثر فأكثر، من خلال وسائل غير عسكرية، وقمع المنافسين من المجتمع المدني من خلال تكتيكاتٍ تشبه تلك التي تنتهجها قوات الباسيج- مع القيام بعمليات “استعراض القوة” في الخارج ضد السعودية وتركيا، مع قصر مسألة النشاط المعادي للولايات المتحدة، داخل العراق فقط.
ومع ذلك، يعترف نايتس بأن اليد الإيرانية لا تزال مؤثرة، حيث إن هذه الجماعات “تُستخدم لأغراضٍ مختلفة” داخل العراق، كما تتطلع إيران إلى استخدام ميليشياتها العراقية ضد دول الخليج.
الدور الإيراني في لبنان
في الجلسةِ نفسها، ناقشتْ حنين غدار؛ الباحثة في معهد الشرق الأوسط لسياسات الشرق الأدنى، التي تهتم ببلاد الشام، الدور الإيراني في لبنان. وخلصت غدار إلى القول بأن أداة السيطرة الرئيسة لإيران، حزب الله، أول قصة نجاح حقيقية له في تصدير الثورة الإسلامية، ونموذج لجميع الميليشيات التي نشأت منذ ذلك الحين، في وضع “أكثر راحة اليوم، في لبنان وفي المنطقة”.
ترى حنين غدار أن حزب الله قد توسّع ليصبح جهة فاعلة إقليمية أكثر من مجرد لبنانية، حيث يشارك في كل مهمة إيرانية -سواء كانت تدريبًا، أو لوجستياتٍ، وحتى استغلال “القوة الناعمة”- في الشرق الأوسط وخارجه. وتكمن أهمية حزب الله بالنسبة لإيران في أنه “قصة النجاح، والملاذ الأخير أيضًا”، والكيان الموثوق به الذي يمكنه التدخل حسب الحاجة في سوريا والعراق، وأماكن أخرى، عندما تفشل أصول إيران الأخرى أو تتعرض لضغوط من الهجمات الإسرائيلية، وما إلى ذلك.
وتضيف أن حزب الله “حوّل الدول التي يعمل فيها، خاصة لبنان وسوريا، من دولٍ ضعيفة إلى دولٍ فاشلة، وهذا تحد وفائدة”. في لبنان، عزَّز حزب الله نفوذه السياسي بعد ما يسمى بـ “الانتخابات”، ما يعني أنه يمتلك الآن البرلمان، و”أيا كانت الحكومة” فهي غير قادرة على المضي قدمًا في الإصلاحات أو أي شيء آخر. كان اللبنانيون يقولون في السابق إن حزب الله “دولة داخل الدولة”، ولكن الآن هناك وضوح: “حزب الله هو الدولة”.
لقد حوّل حزب الله حول لبنان إلى منصة انطلاق وقاعدة عمليات لإيران، حسبما ترى غدار، التي تضرب مثالًا على ذلك بانفجار بيروت في أغسطس 2020: نترات الأمونيوم التي تسببت في ذلك الانفجار في المدينة جلبها الحرس الثوري الإيراني، بهدف مساعدة نظام الأسد في سوريا على صنع البراميل المتفجّرة، وتحمّل لبنان تكلفة هذه التفاعلات الإقليمية.
وترى غدار أن المجتمع الدولي دعّم الاتجاه الإقليمي نحو “الاستقرار” على حساب أي مخاطر ينطوي عليها “التغيير” أو “الإصلاح”، لكن المشكلة تكمن في أن الاستمرار في النهج الحالي يجلب عدم الاستقرار، فضلًا عن تحاشي الإصلاح المطلوب بشدة.
إجمالًا، اتفق المحللون جميعًا على أن النظام الإيراني قد حقق قدرًا كبيرًا من السيطرة في جميع أنحاء المنطقة، وفي اليمن ربما حقق الإيرانيون أقوى وضع لهم، وأصبحوا قادرين على استهداف منافسهم الكبير المملكة العربية السعودية من خلال الحوثيين. وفي لبنان والعراق، هناك مؤشرات حذرة على أن الاتجاهات السياسية تتحرك ضد إيران، وإن كانت أدوات القوة الصلبة لنظام الملالي ليس لها منافس في الوقت الراهن.