عرض: فرانشيسكو برجوجليو إيريكو*
لم يكن ليختار مؤلفو كتاب «الناشئون محليًا: داعش في أمريكا» عنوانًا أكثر ملاءمة لكتابهم هذا، حيث يشخِّص بشكلٍ دقيق التهديد الخطير الذي تجابهه الولايات المتحدة من الجهاديين المحليين. يُسلّط الكتاب، الذي شارك في تأليفه ألكسندر ميليجرو-هيتشنز وشيموس هيوز، وبنيت كليفورد، الضوء على العديد من الهجمات الإرهابية على الأراضي الأمريكية، وكيفية تعامل مكتب التحقيقات الفيدرالي وسلطات إنفاذ القانون مع التهديد والتحديات الرئيسة التي واجهوها من وجهة النظر التكتيكية والقانونية. يتسم الكتاب ببنيةٍ واضحةٍ وسهلة المتابعة، ويُقَسّم الأنواع المختلفة من الجهاديين إلى أربعِ فئات واسعة: الإرهابيون الفعليون، والمسافرون، والناشطون على الإنترنت، والمُنظِّرون.
الإرهابيون
تجدر الإشارة إلى وقوع 23 هجومًا جهاديًا على الأراضي الأمريكية منذ عام 2014، العام الذي أعلن فيه تنظيم داعش “الخلافة” المزعومة على رقعة من الأراضي تمتد من العراق إلى سوريا. وكان 16 من أصل 25 مهاجمًا قد استلهموا هجماتهم بشكل جزئي من داعش، في حين لم يكن للمهاجمين التسعة المتبقين أي صلات بداعش. غير أن أربعة من هؤلاء المهاجمين التسعة ادّعوا الولاء لتنظيم القاعدة أو استقاء الإلهام منه.
يكشف المؤلفون أن ظهور “الخلافة” ساعد على تسريع الانتقال بين تطرف الفرد وقراره تنفيذ هجوم إرهابي. وينسحب هذا بشكل خاص على العمليات التي تنفّذ بشكل فردي والمستوحاة من أيديولوجية داعش. وقد دّعمت البيانات هذه الحجة بوضوح: 21 من أصل 23 هجومًا في الفترة ما بين عامي 2014 و2019 نفَّذها أشخاص بشكل فردي. أما الهجومان المتبقيان -وهما الهجوم على مركز كورتيس كولويل في عام 2015 وهجمات سان برناردينو- فقد نُفذا بالتنسيق مع داعش.
مضى المؤلفون لإثبات أنه على الرغم من أن الأشخاص نفَّذوا هجمات بمفردهم، فإنهم لم يتطرفوا من تلقاء أنفسهم. ففي الواقع، تلقى العديد من المهاجمين توجيهات من أعضاء داعش المتمركزين في أرض “الخلافة”، الذين قدموا لهم المعلومات والدعم اللازمين لتنفيذ الهجمات. واكتشف المؤلفون أن ما لا يقل عن 20 من أنصار داعش المقيمين في الولايات المتحدة كانوا على اتصال بأعضاء داعش الناطقين باللغة الإنجليزية في العراق وسوريا.
وأنه في حين وقع 23 هجومًا إرهابيًا على الأراضي الأمريكية بين عامي 2014 و2019، نجح مكتب التحقيقات الفيدرالي في إحباط العديد من الهجمات الأخرى. فلقد أُحبط ما لا يقل عن 58 هجومًا، ويجري التحقيق في 5000 قضية إرهابية، منها 3,000 مرتبطة بمنظمات إرهابية أجنبية، و1,000 مرتبطة بجهاديين نشأوا محليًا و1,000 مرتبطة بإرهابيين محليين.
المسافرون
ثم يتناول المؤلفون فئة مختلفة من الإرهابيين الذين نشأوا في الولايات المتحدة: المسافرون. ووجدوا أن ما لا يقل عن 62 من سكان الولايات المتحدة سافروا إلى الخارج للقتال في ساحات مختلفة، خاصة العراق وسوريا، إضافة إلى أفريقيا وشبه الجزيرة العربية أيضًا. وتنقسم هذه المجموعة إلى ثلاثِ فئات فرعية: الرواد، والمسافرون ضمن شبكة، والمسافرون بمفردهم.
الرواد
الرواد هم عمومًا من ذوي الخبرة والحِنكة، وقد سبق لهم المشاركة في الحركات الجهادية أو المتشددة ولديهم فهم وإدراك قوي لدورهم ومسؤولياتهم. ويسعى داعش للاستفادة من مهاراتهم التي تشمل التدريب العسكري، وصنع القنابل، الهندسة، الميكانيكا، والخبرة في مجال تكنولوجيا المعلومات.
ويرى المؤلفون أنه على الرغم من أن الرواد يمثلون نسبة قليلة في فئة المسافرين الأمريكيين، إلا أنهم يشكلون أكبر تهديد بسبب خبرتهم وقدرتهم على تجنيد الأتباع إلى ساحات القتال المختلفة. تاريخياً، كان الرواد أكثر القائمين على التجنيد فعالية، حسبما شوهد في ساحات القتال في أفغانستان والبوسنة والشيشان والصومال. وفي الواقع، أصبح بعض أهم الرواد مثل جون جورجلاس، عبد الله رامو بازارا، وأحمد أبو سمرة، قادة في داعش.
المسافرون ضمن شبكة
من بين 62 مسافرًا من الأمريكيين الدواعش، كان لدى 87% منهم صلة بمسافر آخر من داعش، أو مخطط هجوم أو مؤيد. وينقسم المسافرون ذوو الصلات إلى ثلاث فئاتٍ فرعية: الأصدقاء، والأسر، والمجموعات. وعلى الرغم من وجود صلات بشبكةٍ ما أمرٌ مهم في تشكيل المقاتلين المسافرين، فإن هذه الصلات تميل عادة إلى أن تكون محصورة في عائلات صغيرة أو أصدقاء، ونادراً ما تتفرع إلى مجموعات. في الواقع، المجموعات الكبيرة والمتشابكة أقل شيوعًا في الولايات المتحدة وأكثر تواترًا في أوروبا، حيث سافر 10 إلى 20 شخصًا من نفس الأحياء في تتابع وثيق للانضمام إلى “الخلافة”. ورغم أن هذا النوع أقل شيوعًا، فإن هناك بعض الحالات من المسافرين ضمن شبكة في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، وجد المؤلفون أن العديد من المسافرين إلى أرض “الخلافة” تربطهم أواصر عائلية أو صداقة ببعضهم البعض في ولاية مينيسوتا.
المسافرون بمفردهم
هذه الفئة من المسافرين هي أقل قابلية للتعميم من الرواد والمسافرين ضمن شبكة. وفي هذا الصدد، يلتقي المؤلفون بشخص يدعى مو، أحد هؤلاء المسافرين بمفردهم الذين سافروا للانضمام إلى داعش في يونيو 2014. ومن المثير للاهتمام أن مو ادّعى أنه لم تكن لديه أي صلة قوية مع داعش في وقت سفره، وأنه ذهب إلى سوريا لمجرد أنه كان مهتمًا بالعيش في بيئة متوافقة مع الشريعة الإسلامية. وفي الواقع، لم تكن سوريا خياره الأول. فلقد كان يقصد بالأساس السفر إلى المملكة العربية السعودية والالتحاق بجامعة المدينة المنورة، لكن لم تكن لديه المتطلبات اللغوية والقرآنية اللازمة لقبوله. وفي ذلك الوقت، لم يكن داعش قد نشر بعد مقاطع الفيديو الوحشية سيئة السمعة الخاصة بقطع الرؤوس، بل كان يركِّز بدلًا من ذلك على المواد الدعائية التي تصوِّر “الخلافة” على أنها المدينة الفاضلة الإسلامية الحقيقية الوحيدة التي يمكن للمسلمين العيش فيها في كَنَف الشريعة الإسلامية.
وعند وصول مو إلى سوريا، سرعان ما أدرك أنه ارتكب خطأً كبيرًا. وبعدما مرّ بمنزلٍ آمن ومعسكرات تدريب مختلفة، قرر مغادرة الدولة. وبعد قرابة خمسة أشهر، تمكّن من الفرار بصعوبة بمساعدة سائق سيارة أجرة محلي، ووصل أخيرًا إلى القنصلية الأمريكية في جنوب تركيا في 4 نوفمبر 2014. وفي الولايات المتحدة، وجِّهَت إلى مو تهمة تقديم الدعم المادي إلى منظمة إرهابية أجنبية، وتلقي تدريب عسكري منها. وأقرّ بذنبه في التهمتين، ويتعاون حاليًا مع السلطات الفيدرالية لتعقب الإرهابيين.
يبيِّن المؤلفون، من خلال قصة مو هذه، مدى قوة دعاية داعش وكيف تم خداع أشخاص مثل مو تمامًا بهذه الأوهام الزائفة. ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه على الرغم من أن قضية مو كانت قضية خداع حقًا، فإن العديد من المسافرين بمفردهم، الآخرين المحتجزين حاليًا في سوريا، حاولوا الادّعاء بأنهم خُدعوا أيضًا كوسيلةٍ لتجنب عقوبات السجن الطويلة.
الناشطون على الإنترنت
بينما استطاع تنظيم داعش الاستفادة من الشبكات الجهادية على أرض الواقع في أوروبا، فإنه لم ينجح في ذلك في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فقد تمكن التنظيم من استخدام تكنولوجيا الاتصالات الناشئة بشكل فعّال كوسيلةٍ لسد الفجوة. وللحفاظ على شبكة قوية على الإنترنت لنشر الدعاية، اعتمد تنظيم داعش على الناشطين على الإنترنت، أي المؤيدين الذين يعملون في المقام الأول في الفضاءات الرقمية.
استخدم هؤلاء النشطاء المبتكرون وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركة الملفات والرسائل الفورية المشفرة للترويج لأيديولوجية داعش. ويحدد المؤلفون أربع مجالات لدعم القضية الجهادية هي: السفر، والهجمات، والدعاية، والتمويل.
السفر
استخدم المؤلفون حالة محمد جمال خويس؛ سائق حافلة من شمال فرجينيا سافر إلى سوريا في أواخر عام 2015، كمثالٍ جيد لتسليط الضوء على كيفية تسخير الخبرة التكنولوجية للمساعدة في عمليات التجنيد لمصلحة داعش. وكانت قوات البشمركة قد اعتقلت خويس في 2016 وسلَّمته إلى الولايات المتحدة، حيث واجه اتهامات بالقتال لمصلحة داعش. وقال لمكتب التحقيقات الفيدرالي إن أحدًا لم يكن على علم بخطته قبل مغادرته، وأنه تأثّر إلى حد كبير بأنشطته على الإنترنت، ولم يكن متورطًا في أيِّ شبكاتٍ جهادية على الأرض في الولايات المتحدة.
ومن خلال اتخاذ تدابير استثنائية لإخفاء اتصالاته وتحركاته، وباستخدام أحدث تطبيقات التشفير وإخفاء المواقع للانضمام إلى داعش، تمكّن خويس من دخول أراضي داعش دون أي مساعدة خارجية، حتى وصل إلى الحدود التركية مع سوريا. وعندما وصل إلى تركيا، أنشأ العديد من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، وفي وقتٍ قصير وجد القناة المناسبة التي منحته الفرصة لدخول أرض “الخلافة”.
الهجمات والعمليات السيبرانية
حاولت مجموعة أصغر من الناشطين على الإنترنت شنَّ هجماتٍ سيبرانية، لكن قدراتهم كانت بدائية إلى حد كبير. وقد تم نشر هؤلاء النشطاء إلى حد كبير بغرض الترهيب، وليس تنفيذ هجمات إلكترونية فعلية. كانت قضية جنيد حسين، الذي قاد شعبة القرصنة التابعة لداعش لسنوات عدة، هي الأكثر أهمية لأنها كانت الأساس لمعظم مساعي الناشطين الأمريكيين على الإنترنت في العمليات السيبرانية. وفي هذا الصدد، يشير الكتاب إلى أن حسين نشر، في أغسطس 2015، رابطًا لوثيقةٍ على حسابه على تويتر. تضمنت الوثيقة معلومات شخصية عن أكثر من 1,300 فرد من الجيش الأمريكي، بما في ذلك الأسماء الكاملة، وحسابات البريد الإلكتروني، وكلمات المرور الخاصة بالبريد الإلكتروني، وأماكن الإقامة وأرقام الهواتف.
في الوقتِ نفسه، تمكن أرديت فريزي؛ مواطن من كوسوفو يعيش في ماليزيا، من اختراق خادم لشبكة من الحواسيب يستضيف موقعًا إلكترونيًا لشركة في ولاية إلينوي دون تصريح، حيث تم الوصول إلى معلومات عن آلاف من عملاء الشركة. وعلاوة على ذلك، استمر فريزي في الوصول إلى خادم الشركة من يونيو إلى أغسطس، وظلّ على اتصال مع حسين. وبعد نحو شهرين اعتقلت السلطات الماليزية فريزي بموجب مذكرة توقيف أمريكية مؤقتة. وبعد اعتقال فريزي ووفاة حسين في صيف عام 2015، ظهر عدد كبير من القراصنة غير الرسميين الموالين لداعش. اتبعت هذه الجماعات الناشطة في مجال قرصنة الشبكات أساليب وتكتيكات وإجراءات قسم القرصنة في داعش التابع لحسين. في أبريل 2016، اندمج العديد من القراصنة الموالين لداعش في منظمةٍ واحدة تسمى “الخلافة السيبرانية المتحدة” (UCC)، التي اتبعت طريقة عمل فريزي وحسين.
كان أحد أنشطة الخلافة السيبرانية المتحدة تجنيد أعضاء غربيين جدد. وكان ذلك مهمًا للتنظيم نظرًا لأن قادة داعش لا يتحدثون الإنجليزية ويحتاجون إلى المساعدة في تحريض الآخرين على ارتكاب هجمات إرهابية، ونشر مواد دعائية والمساعدة في أنشطة التمويل وجمع التبرعات.
الدعاية
غالبًا ما يستخدم المتعاطفون مع داعش في الولايات المتحدة التكنولوجيا لنشر الدعاية المتعلقة بالتنظيم. وكانوا يستخدمون عادةً وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيات الاتصالات الرقمية لجذب زملائهم الأمريكيين، ويشيدون بأعمال العنف في الغرب، ثم يبدأون في مطالبتهم بالتحرك. كانت هذه هي الأنشطة الرئيسة لداعش في أمريكا، وهي التي ساعدت على استمرار وجود داعش في الفضاء الإلكتروني الأمريكي.
التمويل
هذه هي أكبر مجموعة فرعية من الناشطين على الإنترنت الموالين لداعش في أمريكا. استخدم أنصار داعش مهاراتهم التكنولوجية لجمع الأموال لتمويل الأنشطة المختلفة، مثل السفر للانضمام إلى داعش أو التخطيط لشن هجمات في الداخل. وفي يوليو 2014، نُشر مقال بعنوان “بيتكوين وتقديم تبرعات خيرية للجهاد العنيف” على مدونة أمريكية موالية لداعش، ونُشر على تويتر أيضًا.
ربط المقالُ -الذي كتبه علي أمين، المؤيد لداعش والمراهق المقيم في فرجينيا- تمويل الجهاد بالزكاة؛ أحد أركان الإسلام الخمسة. ووفقًا لرأيه، فإن عملة البيتكوين تتيح فرصة “لإحياء التقليد المفقود للتبرع للمجاهدين” الذي منعه النظام المالي الغربي لفترة طويلة.
ورغم أن أمين وقع في قبضة السلطات الأمريكية في فبراير 2015، قبل أن يتمكن من متابعة استخدام البيتكوين بنفسه، لكنه لم يكن الوحيد الذي دعم هذا النوع من الجهاد. ففي ديسمبر 2017، اتهمت السلطات زوبيا شهناز؛ وهي سيدة من نيويورك، بالاحتيال المصرفي وغسل الأموال لدعم داعش. وشاركت شهناز في مخطط للاحتيال على مؤسسات مالية عدة، وجمعت 85,000 دولار من الأموال غير المشروعة.
المُنظٍّرون
بعد استعراض موجز للسلفية والسلفية الجهادية، يتحدث المؤلفون عن السيّر الذاتية لأكثر المُنظّرين الأمريكيين والغربيين نفوذًا وأنشطتهم، بمن فيهم أنور العولقي، وأحمد موسى جبريل، وسليمان أنور بنغارسا، وعبد الله فيصل.
يرى المؤلفون أن المنظرين الجهاديين، بالنظر إلى حالة الولايات المتحدة، يتمكنون من الوصول إلى جمهورٍ واسع مع تجنب الاعتقال بسبب وجود مجموعة متنوعة من العوامل؛ مثل التعديل الأول للدستور الذي يضمن حرية التعبير. والجدير بالذكر أن حرية التعبير محمية بقوة في أمريكا، وتوفر منصة كبيرة لدعاة الكراهية والمتطرفين لتبني مثل هذه الآراء. ودعاة الكراهية هؤلاء يعرفون كيف يستغلون مبدأ حماية حرية التعبير، حيث يحرصون على التأكد من أن محاضراتهم لا تُحرّض أتباعهم مباشرة على العنف، ويتجنبون دعم أي جماعات جهادية بشكل مباشر. ومن خلال الالتزام بهذه المعايير، يصبح خطابهم محميًا بموجب القانون الأمريكي، ولا يكون لدى السلطات أي أسس قانونية لاعتقالهم.
السبب الثاني الذي يفسّر فعالية هؤلاء المنظرين هو أنهم كانوا من أوائل المتبنين لأدوات الاتصال على الإنترنت. فلقد سمحت لهم هذه الأدوات -في المنتديات والمواقع الإلكترونية في البداية، ثم وسائل التواصل الاجتماعي والأرشيفات الرقمية على الإنترنت- بتجاوز مجتمعاتهم المحلية والتنكر كسلطات دينية مقبولة على نطاقٍ واسع لجمهور غالبًا ما يعجز عن التمييز بين ما يعتبره الإسلام مسموحاً به أم لا. وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحوا نسخًا طبق الأصل من الأئمة الأسطوريين الناطقين باللغة العربية.
السبب الثالث الذي يجعل هؤلاء المنظرين فعّالين للغاية هو سهولة انتقال أيديولوجيتهم إلى قادة مختلفين وتكيفها أيضًا مع الديناميات المتغيرة داخل الجماعات الجهادية. وهذا يضفي على أيديولوجيتهم صبغة “الخلود”، حيث يمكن تفصيلها ونشرها لمختلف الجماهير الغربية لسنوات عديدة. وعلى حين أن لكل منظّر يغطيه الكتاب إسهامه الفريد في النشاط الجهادي، فإن هناك خصائص مشتركة تجمعهم:
- إضفاء الشرعية على تكتيكات داعش وأهدافه؛ من خلال اختيار المبادئ الدينية وتكييفها وعرضها.
- تحريض المؤيدين على العمل نيابة عن التنظيم.
- تجنيد المؤيدين للانضمام رسميًا إلى قضية داعش.
من المؤكد أنه لم يكن لجميع مؤيدي داعش الأمريكيين اتصال مباشر بالمنظِّرين، ولكن الأيديولوجية والروايات الجهادية التي يُروّج لها “دعاة الكراهية” هؤلاء تظهر كعامل مهم في عمليات تطرف العديد من مؤيدي داعش.
الخلاصة
يرى مؤلفو الكتاب، الذي بين أيدينا، أن من أسبابِ انخفاض أعداد مؤيدي داعش في أمريكا يعود إلى ثلاثة عوامل مترابطة. أولًا، البعد الجغرافي بين الولايات المتحدة وأرض “الخلافة” المزعومة، يجعل من الصعب على الأمريكيين التواصل بشكلٍ شخصي مع قادة داعش وعناصره. ثانيًا، لدى النظام القانوني الأمريكي أدوات قانونية لمقاضاة المهاجمين المحتملين. والواقع أن الملاحقات القضائية في الولايات المتحدة تتمتع بمعدل إدانة هائل تصل نسبته إلى 100%. ثالثًا، شبكات تجنيد الجهاديين في الولايات المتحدة ليست راسخة مثل نظيراتها في أوروبا. كل هذه العوامل تتيح للولايات المتحدة مكافحة التهديد الإرهابي الجهادي بشكل ناجع. لكن رغم جاهزية الحكومة لقمع الإرهابيين، فإن أمامها شوطًا طويلًا يجب أن تقطعه في مجال الوقاية من الإرهاب والهجمات الإرهابية.
وختامًا، يمكن القول إن هذا الكتاب يشرح بالتفصيل كيف وصل التهديد الجهادي -الذي كان يأتي في السابق من الجبال النائية في الشرق الأوسط فقط- إلى أعتاب أمريكا وينتج ببطء إرهابيين محليين. وكيف أن أدوات وتقنيات الاتصال الجديدة تُعجّل بهذا التهديد، ما يلغي الحاجة إلى وجود قنوات كلاسيكية للدعوة والتجنيد، مثل المساجد أو المراكز الثقافية.
*محلل للقضايا المتعلقة بالتحديات الناشئة وقارة أفريقيا في كلية الدفاع التابعة لحلف الناتو في روما. كما يعمل أيضا مدربا أكاديميا في الدورات رفيعة المستوى حول الإرهاب في SIOI (الجمعية الإيطالية للمنظمات الدولية).