أليساندرو بونسيو
تُظهر الهجمات الإرهابية في الآونة الأخيرة رغبة الحركات الجهادية بالابتعاد عن الإستراتيجيات الجهادية القديمة، التي كانت تنطوي على اختيار أهدافٍ تعبّر عن قيمها الرمزية. وفي الوقت الحاضر، يفضل الإرهابيون أهدافًا أسهل وأسرع وأيسر، وأكثر نعومة من الناحية العملياتية، بحيث يمكن إدارتها بشكل مرن من قبل العناصر التي لا تتمتع بمهارات عالية، وذلك بهدف تحقيق معدلات نجاح أعلى.
من شأن تحليل المنطق وراء اختيار الأهداف على المستويين الإستراتيجي والفردي أن يساعد في التحقق من مستوى التناغم ما بين توجيهات القيادة والهجمات التي ينفذها العناصر، وأن يساعد كذلك في تسليط الضوء على التحليل العقلاني وراء الخيارات الفردية.
تفويض الإرهاب إلى المستويات الأقل
شهدت الروابط بين قيادات الجماعات الإرهابية وعناصرها والمتعاطفين معها تراجعًا تكتيكيًا ملحوظًا في السنوات القليلة الماضية. ففي هذه الأيام، لا يعتمد الجهاديون الأفراد على سلسلة صارمة من الأوامر، كما كانوا يفعلون في السابق. وقد أصبح بإمكانهم تنفيذ هجمات بشكل مستقل، واختيار الهدف، والموقع، واللحظة، مستلهمين أيدلوجية القاعدة وتنظيم داعش. وما عزز هذا الوضع هو خلط المظالم الشخصية بالأيدلوجية العامة المقدمة بواسطة آلة الدعاية الجهادية. وبهذه الطريقة، أنجبت الحركة الجهادية “إرهابًا نابعًا من الداخل” في الدول الغربية.
وفي الآونة الأخيرة، حدث تحولٌ آخر، شهدنا فيه هجمات غير متطورة، ينفذها أفراد غربيون يستوحون أفكارهم من آلة الدعاية الخاصة بالحركة الجهادية. ولا شك في أن تنظيم داعش نجح في غلغلة أيدولوجيته في الأفراد المهمشين عبر العالم، وإعطائهم عدوًا مشتركًا وشعورًا بالانتماء الاجتماعي والديني، وفي نهاية المطاف، الوصول إلى الهدف الأسمى، وهو “نيل الشهادة”.
وقد أكدت دراسة أكاديمية حديثة أن الهجمات الإرهابية الناجحة التي حصلت على مدار السنوات الثلاث الأخيرة في الولايات المتحدة وأوروبا، جرى تنفيذها من قِبل أفراد لديهم نوع من الاتصال مع داعش، أو جماعة جهادية أخرى، لكنهم تصرفوا من تلقاء أنفسهم وبشكل مستقل عنها. في المقابل، 8% فقط من الهجمات جرى تنفيذها من قبل عناصر إرهابية بأوامر مباشرة من قيادات الجماعات الجهادية. وبالطبع، هذه النتائج تؤكد على الدور الذي تلعبه الدعاية الجهادية عبر الإنترنت في تشكيل واستغلال المظالم الفردية، وبالتالي التأثير على مسار القرارات في اختيار الأهداف الإرهابية.
الأهداف المفضلة للجماعات الإرهابية
تقوم المجموعات الجهادية باختيار أهدافها الإرهابية وفقًا لأجندتها الإستراتيجية الخاصة، وهي لا تهدف إلى تعظيم حجم الضحايا، بقدر استغلال التأثيرات النفسية وكسب التغطية الإعلامية المكثفة، من أجل الضغط على الحكومات والتأثير في سياساتها الداخلية والخارجية.
يتضح من قراءة المجلات الجهادية الإلكترونية، مثل دابق، أن المنظمات الإرهابية تستهدف بشكل رئيس موظفي إنفاذ القانون والمؤسسات العسكرية، ووسائل النقل والبنى التحتية، والأماكن الدينية والترفيهية، والمناطق السياحية، والأسواق المفتوحة، والصحفيين، ورسامي الكاريكاتير. باختصار، يسعى القادة الجهاديون إلى ضرب القيم والعادات الغربية، وإضعاف اقتصادهم وسياساتهم، للانتقام من التدخلات العسكرية في الخارج.
وبشكل عام، تركز المنظمات الإرهابية عند اختيار مستهدفيها على توفر عدد من العناصر، أهمها القدرة على التخفي في الأحياء والجاليات العرقية الكبيرة خلال مرحلة التحضير للهجوم، واستعداد العناصر لتنفيذ هجمات متعددة في المنطقة ذاتها، وفي الوقت ذاته، وكذلك القدرة على الهروب باستخدام الطرقات المزدحمة أو أنظمة النقل تحت الأرض، أو حتى الاندماج مع المدنيين. ويتضح من هذه المعطيات أن المنظمات الإرهابية تشترط أن تكون أهدافها في المناطق الحضرية والمدنية بشكل حصري.
العقل الجهادي الفردي
هنالك عوامل تؤثر على العملية التي يمر بها الأفراد المقبلون على تبني الأيدلوجية الجهادية، الذين يقررون فيما بعد تنفيذ هجمات إرهابية. وبالطبع، فإن تسلسل الأحداث العقلية الذي يقود الفرد إلى تنفيذ عمل إرهابي لا ينطوي على عملية طولية أو عمودية، بل يكون نتيجة لمراحل متداخلة.
أولًا، المرحلة الفكرية: يقرر الفرد اتخاذ إجراءات ضد “الأعداء” متأثرًا بالدعاية الجهادية، التي تحث على الشعور بعدم الرضا الفردي في المجتمع العميق، والرؤية السطحية للعالم، والتفكير اللاذع. وبالتالي يقرر الفرد إلحاق الضرر بأعدائه “الكفار”. وفي هذه المرحلة، لا تزال الأهداف فئة غامضة ودون تركيز على الموقع الدقيق.
ثانيًا، المرحلة التنظيمية: يقوم الأفراد في هذه المرحلة باختيار أهداف دقيقة عبر جمع المعلومات المتوفرة من الإنترنت أو من مصادر سرية، ثم يبدأون بالبحث عن أساليب عملية لتنفيذ الهجمات، مستخدمين تحليلات فيديو وكتيبات إرشادية وغيرها، وقد يأخذون نصائح من أفراد آخرين، أو من عملاء داعش والقاعدة بشكل مباشر عبر قنوات اتصال آمنة. ويحتاج الأفراد في هذه المرحلة إلى أموال لشراء الأسلحة والذخيرة والوثائق المزورة. ويلجأ الأفراد هنا إلى تكتيكات مثل تغيير أرقام هواتفهم وحساباتهم على الإنترنت أو استخدام أسماء مستعارة.
ثالثًا، المرحلة العملياتية: عندما يصل الفرد إلى هذه المرحلة، يكون لديه قدرة على تنفيذ هجوم، وأداء جولات استطلاعية لتقييم الوضع في الميدان، مثل ظروف حركة المرور وأنظمة المراقبة وطرق الهرب المحتملة. وفي هذه المرحلة، يبدي الفرد استعدادًا لتسجيل فيديو يتعهد فيه بالولاء لقائد أو منظمة إرهابية.
الأهداف الناعمة
لقد أصبحت الهجمات الإرهابية ضد أهداف لينة جذابة للمنظمات الإرهابية بسبب طبيعتها غير المتطورة، مما يجعلها وسيلة سهلة للجهاديين غير المدربين. علاوة على ذلك، أدت الصلات الضعيفة مع الجماعات الجهادية المنظمة إلى تشجيع الأفراد على مواصلة جهادهم الخاص، لا سيّما بعد دمج مظالمهم الشخصية مع الأيديولوجية السلفية الجهادية العامة. والنتيجة هي قائمة أهداف موضوعة وفقًا لدوافع شخصية وخبرة إجرامية سابقة.
دائمًا ما تكون الأهداف السهلة عمومًا غير حصينة ومزدحمة ويمكن الوصول إليها بكل سهولة، وتكون عرضة للهجوم حتى من قبل الأشخاص غير المدربين، مما يضمن فرصًا أكبر للنجاح والتغطية الإعلامية المكثفة. وكما ذكرنا سابقًا، الأهداف الناعمة تشمل مواقع جذابة للزائرين، ولديها نقاط وصول متعددة، ومواقف سيارات، وحشود كبيرة؛ مثل مراكز النقل ومحطات القطارات والموانئ ومراكز التسوق وأماكن ترفيهية وغيرها.
الخلاصة
تعمل الحركات الجهادية في الوقت الحاضر على التكيف مع الديناميكيات المجتمعية والسياسية المتباينة، وتقوم بإعادة تقييم نفسها بعد أن فقدت السيطرة على الأراضي التي تسيطر عليها. وخرجت تلك الجماعات بنتيجة مفادها أن تجنيد المهمشين الغربيين بشكل غير مباشر، عبر الدعاية الإعلامية، ودون إحداث ارتباط تنظيمي بهم، من شأنه أن يخلق فارقًا حقيقيًا على الأرض. وبناء عليه، من المحتمل جدًا أن تتزايد الهجمات الإرهابية في الدول الغربية، استنادًا إلى تكتيك “الإرهاب من الداخل”، في ظل تمركز المنظمات الإرهابية في الدول الشرق أوسطية المفككة.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا