في 25 فبراير، أعلنت المملكة المتحدة أنها تعتزم حظر “حزب الله” بالكامل. وتجدر الإشارة إلى أنها قد حظرت في السابق “الجناح العسكري” والوحدة الأمنية الخارجية فقط للحزب الإرهابي اللبناني، وليس “الجناح السياسي”.
ولا يُعد التمييز بين الاثنين سوى حيلة دبلوماسية. حتى “حزب الله” نفسه قد رفض الحديث عن “الأجنحة”، كما يتضح من خلال هذا التقييم الشامل للقضية من قبل صندوق الأمن الاجتماعي اليهودي (CST)، وهي عبارة عن مجموعة تحمي اليهود البريطانيين.
وفي معرض حديثه عن حظر الحزب، قال ساجد جاويد، وزير الداخلية البريطاني ما يلي:
(يواصل حزب الله محاولاته لزعزعة الاستقرار الهش في الشرق الأوسط، ولم يعد بإمكاننا التمييز بين جناحه العسكري المحظور بالفعل وجناحه السياسي. لأجل ذلك، اتخذت قراراً بحظر حزب الله كلياً).
من جانبه، علق وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هانت، على هذا القرار بقوله:
(ندعم بقوة استقرار وازدهار لبنان. ولا يمكننا أن نتهاون مع الإرهاب. من الواضح أن التمييز بين جناحي حزب الله السياسي والعسكري غير موجود. ومن خلال حظر حزب الله بكافة أشكاله، ترسل الحكومة رسالة واضحة مفادها أن أنشطته المزعزعة للاستقرار في المنطقة مرفوضة تماماً وتضر بالأمن القومي للمملكة المتحدة).
وقد لاقت هذه الأنباء ترحيباً من قبل الجماعات اليهودية البريطانية. وفي بيان مشترك، قال صندوق الأمن الاجتماعي اليهودي ومجلس إدارة النواب اليهود البريطانيين، ومجلس القيادة اليهودي ما يلي:
(نرحب بالخطوة التي اتخذها وزير الداخلية لحظر حزب الله بشكل كامل. لقد قادت الجالية اليهودية، بما في ذلك منظماتنا وصُحفنا الرائدة، الدعوة لهذا الحظر منذ فترة طويلة… حزب الله هو المسؤول عن مقتل 85 شخصاً في تفجير مركز الجالية اليهودية في عام 1994 في بوينس آيرس، ولا يزال يشكل تهديداً للجاليات اليهودية حول العالم، من خلال الهجمات القاتلة التي يشنها ضد المدنيين في إسرائيل وبلغاريا والتخطيط لهجمات في مناطق أخرى مثل قبرص).
في سياق متصل، شدد صادق خان، عمدة لندن، مسلم بريطاني وعضو في حزب العمال، على الأمر ذاته قائلاً:
(لقد كنت واضحاً في أن معاداة السامية وجرائم الكراهية، أي كانت صورها، ليس لها مكان في مدينتنا أو في مجتمعنا.
لقد خاطبت كلا من وزير الداخلية السابق آمبر رود والحالي ساجد جاويد، لإبداء مخاوفي العميقة بشأن الدعم الذي يبديه الناس لحزب الله في المسيرة السنوية للقدس في لندن.
وحقيقة أن وزير الداخلية قد أصغى في النهاية لمخاوفنا وشرع في اتخاذ إجراءات هو أمر مرحب به. حظر الجناح السياسي أمر طال انتظاره. لقد تم استغلاله كقناة للآراء المتطرفة منذ فترة طويلة جداً، كما حدّ مما يمكن أن تقوم به الشرطة لملاحقتها).
وبالفعل، في مسيرة يوم القدس في عام 2018، استخدم متظاهرو حزب الله التمييز بين “الأجنحة” للإفلات من العقاب.
الصورة: متظاهر من حزب الله، يضع على قبعته عبارة: “هذا العلم يظهر مساندتي للجناح السياسي لحزب الله”
من ناحية أخرى، جاء رد فعل قيادة حزب العمال مختلفاً، حيث شكك المتحدث باسم الحزب في القرار بل وفي دوافع وزير الداخلية:
(يُفترض أن تتخذ القرارات المتعلقة بحظر منظمات كجماعات إرهابية بناء على استشارة موظفي الخدمة المدنية وبناء على أدلة واضحة أن تلك الجماعات تخالف معايير الحظر التي تحددها التشريعات في هذا الصدد.
ومن ثم يجب الآن على وزير الداخلية أن يثبت أن هذا القرار قد اتخذ بشكل موضوعي غير متحيز، ويستند إلى أدلة واضحة وجديدة، وليس مدفوعاً بطموحات للقيادة).
علاوة على ذلك، لم يعط الحزب تعليمات لأعضائه لحضور جلسة التصويت البرلماني على قرار الحكومة.
لا شيء يدعو للدهشة في كل هذا. واللافت للنظر أن جيرمي كوربين قد وصف حزب الله وحماس في عام 2009، في رسالة مسجلة عبر الفيديو، بأنهم “أصدقاء”.
كما أثنى كوربين على اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان، وهي عبارة عن جماعة خمينية تقوم بأنشطة دعاية سياسية في لندن. وتنظم اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان مسيرات سنوية تحت عنوان “يوم القدس”، حيث يبرز دعم النظام الإيراني وحزب الله كموضوعات رئيسة. وفي عام 2012، تحدث كوربين في تلك المسيرة.
في عام 2014، حضر كوربين احتفالية بالثورة الإيرانية في المركز الإسلامي في إنجلترا، وهو عبارة عن مركز مراقبة تابع للنظام في لندن، “للدفاع عن إيران“.
وقبل أن يصبح زعيماً للحزب، عمل كوربين لصالح قناة “برس تي في“، ذراع إعلامي للنظام الإيراني واجه انتقادات شديدة وواسعة النطاق في المملكة المتحدة قبل ظهوره. وواصل الظهور على القناة حتى بعد أن خسرت رخصة البث في المملكة المتحدة.
التخطيط لحظر حزب الله أمر لافت في هذه الظروف. ذلك أن حزب العمال غارق في أزمة خطيرة على خلفية معاداة السامية. في هذه الأثناء، يركز بعض من أشد منتقدي الحزب على كوربين وحلفائه المقربين على اعتبار أنهم السبب الرئيسي في المشكلة. كما يواجه حزب العمال تحدياً قوياً من قبل أعضاء البرلمان الذين تركوا الحزب لتشكيل جماعة سياسية مستقلة. ورغم أن هذا ليس وقتا مناسباً للدخول في خلاف جديد، إلا أنه تم اختيار حزب الله كشرارة انطلاق.
وقد عبّر ويس سترتينج، أحد أعضاء حزب العمال في البرلمان، عن هذا القلق:
(أؤيد حظر حزب الله دون تردد أو تذبذب وأعتزم التصويت لصالح القرار تماشياً مع التقليد الديمقراطي الاجتماعي الذي يفخر به حزب العمال. هذا الأمر يُعد سوء تقدير للغاية في ظل مخاوف الناخبين بشأن دوافع قيادة الحزب فيما يتعلق بالأمن والدفاع).
ومع ذلك، موقف القيادة الأخرق ليس مدهشاً بالنسبة للمراقبين المخضرمين. ذلك أن أقصى اليسار البريطاني يواصل التشبث بقضايا “مناهضة الامبريالية”، الأمر الذي يترك متنفساً لحزب الله.
وفي الوقت الحالي، يحتل حزب العمال مرتبة متأخرة في استطلاعات الرأي، رغم الصعوبات وعدم الشعبية التي تواجه رئيسة الوزراء التي تنتمي لحزب المحافظين، تيريزا ماي.
وختاماً، السياسة البريطانية شديدة التذبذب، ومن المحتمل أن يظل الوضع كذلك لفترة من الوقت. ومن ثم لا ينبغي على خصوم حزب الله وغيره من الحركات الإسلامية الشعور بالرضا. وإذا ما تمكن السيد كوربين من الوصول إلى السلطة، من المستبعد أن تقف المملكة المتحدة معهم في القتال إلى جانب المتطرفين.