الحرب الشيشانية والشتات
اكتسب المقاتلون الشيشان سمعة سيئة بسبب خبراتهم القتالية. ذلك أن الحربين الوحشيتين اللتين اندلعتا في الشيشان قد أفرزتا مجموعة كبيرة من المقاتلين المتطرفين العنيدين والمحنكين.
وهذا يمثل مشكلة لبقية العالم، لأن هؤلاء المقاتلين قد نقلوا خبراتهم إلى مجندين جدد، مستخدمين الشتات الشيشاني الجاليات الشيشانية[ كقناة رئيسة. الحروب الشيشانية وعمليات التمرد اللاحقة دفعت كثير من الشيشان إلى الانتقال من دول القوقاز إلى الدول الأوروبية بما في ذلك، النمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا والنرويج وبولندا وتركيا. وبالتالي، نقل بعض من هؤلاء الأفراد أيديولوجياتهم المتطرفة معهم ودمجوها في الدوائر المتطرفة القائمة، مما عمق التطرف وشكل شبكات عبر وطنية جديدة.
ما زاد الطين بلة هو قيام كثير من الشيشان من أوروبا والقوقاز بالمشاركة في الحرب الأهلية السورية، مما قوى شوكة الخلايا الإرهابية التي تمثل الآن تهديداً قد يستمر لسنوات.
المكاسب الروسية تخلق متاعب لدول أخرى
المكاسب الروسية ضد المقاتلين الشيشان فاقمت المخاطر.
تراجع العنف في منطقة القوقاز بشكل كبير منذ عام 2014 بسبب الحملة الأمنية القوية التي تشنها السلطات الروسية على هؤلاء المتمردين (1). وبات من الصعب تنفيذ عمليات حرب عصابات داخل روسيا.
وفي الواقع، سفر المقاتلين من القوقاز قد تم بمساعدة قوات الأمن الروسية، التي يُقال إنها سمحت لهم بالسفر إلى سوريا في محاولة “برجماتية” لإضعاف الفصائل المحلية.
لم تقتصر جهود السلطات الروسية عند مكافحة الإرهاب المحلي، ذلك أنها لم تطلق لهم العنان. فلقد تم إرسال فرق اغتيال إلى تركيا، حث كان قد استقر الكثير من الشيشان هناك، وقامت تلك الفرق تدريجياً بتصفية الأفراد الذين شاركوا في الصراع الشيشاني.
وفي هذا الصدد، قال أحد المقاتلين المتمردين الشيشان، لقد أصبح الجهاد في القوقاز “أصعب 1.000 مرة من سوريا”.
هذه التطورات شجعت المقاتلين على الذهاب إلى سوريا والعراق. والآن، في ظل مغادرتهم لمنطقة الصراع، يتطلع الكثير منهم إلى أوروبا بدلاً من العودة إلى القتال في القوقاز.
الشيشان في الحرب الأهلية السورية
لعب الشيشان الأوروبيون دوراً رئيساً في الكتائب القوقازية المقاتلة في سوريا. وقد كشف تقرير لوكالة الشرطة الأوروبية “يوروبول” نشر في عام 2015، أن “غالبية الشيشان وغير هم من القوقازيين الشماليين، الذين شاركوا في الصراع المسلح في سوريا، جاءوا من أوروبا، بعد الخضوع لتلقين مبكر عبر الإنترنت (2)”.
المقاتلون الذين قدموا من القوقاز يمثلون مجموعة أكثر تنوعاً، تتراوح ما بين الجهاديين المحنكين إلى الشباب الصغار الذين وقعوا فريسة لفكر داعش.
أبو عمر الشيشاني
إحدى أولى الجماعات الشيشانية التي ظهرت على الساحة السورية هي “كتيبة المهاجرين” التي تتآلف من 700 مقاتل، بقيادة أبو عمر الشيشاني (3). كونه شيشانياً من أصل جورجي، فقد خدم في القوات الخاصة في الجيش الجورجي بل وشارك في الحرب الروسية-الجورجية في عام 2008.
وبالمثل، في الفترة ما بين عامي 2013 و2014، انضم حوالي 30 مقاتلاً ألمانياً إلى جماعة جهادية شيشانية تُدعى “جنود الشام”، بقيادة مراد مارغوشفيلي، وهو أحد المحاربون القدماء الذين شاركوا في الحروب الشيشانية ضد روسيا. ورغم أن الكتيبة كانت مستقلة إلا أنها كانت على صلة وثيقة بـ “جبهة النصرة”. وضمت في صفوفها مزيجاً يتآلف من مئات المقاتلين من القوقاز، وألمانيا، وتركيا، والنمسا. وتلقى أفرادها تدريبات واكتسبوا خبرة كبيرة من “جنود الشام”، واستفادوا من خبرة مارغوشفيلي.
حظي العديد من الشيشان الذين عاشوا في أوروبا بأهمية وسط هذه الجماعة وأصبحوا قادة بارزين. على النقيض من ذلك، تولى الأوروبيون غير الشيشان، والأتراك، والعرب، قيادة وحدات صغيرة فقط ولم يلعبوا دوراً كبيراً في التنظيم.
ويبدو أن الصلة بين الجهاديين الألمان والشيشان قد نشأت في أحد مساجد برلين، حيث كان الألمان على اتصال مع المتطرفين الشيشان والأتراك.
في أماكن أخرى من أوروبا، يبدو أن قرابة نصف المقاتلين الأجانب النمساويين البالغ عدهم 250 فردا ينحدرون من أصل شيشاني، وأن ما لا يقل عن 12 من المقاتلين الأجانب الشيشان المعروفين جاءوا من بلجيكا.
كان لصعود داعش تأثير مزعزع للاستقرار على “إماره القوقاز”، منظمة جهادية متشددة تنشط في المنطقة الجنوبية الغربية من الاتحاد الروسي، كانت أهدافها الرئيسية تتمثل في طرد الوجود الروسي من شمال القوقاز وإقامة دولة اسلامية مستقلة. وأعلن أبو عمر الشيشاني والعديد من القادة المتمردين المحليين ولاءهم لتنظيم داعش، مما تسبب في حدوث خلاف كبير مع القيادة المركزية لإمارة القوقاز، التي كانت تقليديا قريبة من تنظيم القاعدة. ومن جهتهم، انضم معظم مقاتلي “جنود الشام” الألمان إلى داعش. واندمج مقاتلون آخرون مع جبهة النصرة (المعروفة الآن باسم هيئة تحرير الشام).
مستقبل المقاتلين الشيشان
لا يزال العديد من المقاتلين الشيشان ينشطون في عمليات التمرد الدائرة في سوريا. وتشير التقارير إلى أن أعضاء من كتائب القوقاز المختلفة مثل “أجناد القوقاز” ومجموعات تابعة لهيئة تحرير الشام محتجزون حالياً في محافظة إدلب. ولا شك أن مستقبلهم سيعتمد على تطور الأزمة السورية. وفي ظل اقتراب الهجوم الروسي السوري، يبدو أنه لا مفر أمام هذه الجماعات سوى أن تقاتل من أجل البقاء. وكما هو الحال بالنسبة لداعش، تحذر السلطات الأوروبية من أن هؤلاء الأفراد قد ينتقلون إلى مناطق صراع أخرى أو يأتون إلى أوروبا.
ومن الواضح أن المسؤولون يخشون من أن يؤدي تدفق المقاتلين المتمرسين من منطقة الصراع هذه إلى زيادة في الهجمات التي يشنها المقاتلون الأجانب. وهذا أمر مثير للقلق خاصة أن هؤلاء الأفراد الذين تزيدهم المعارك صلابة سيكونون قادرين على استخدام خبراتهم في استخدام الأسلحة النارية وتصنيع المتفجرات لإيقاع عدد كبير من الضحايا.
ورغم أنه لم تحدث زيادة في الهجمات التي يشنها المقاتلون الأجنب حتى الآن، إلا أن حدوث سيناريو شبيه بذلك الذي أعقب الحروب الأهلية في البلقان والجزائر أمر غير مستبعد. قد يحدث هذا عبر تكوين شبكات جديدة وزيادة تطرف الأفراد نتيجة عودة المقاتلين الأجانب، إضافة إلى الدعم الذي يمكن الحصول عليه من العلاقات التي أقاموها في سوريا والعراق.
تُظهر قضية إيلي بومبتاليف كيف يمكن أن يتحول هذا السيناريو إلى حقيقة واقعة. بومبتاليف هو مقاتل شيشاني أجنبي يبلغ من العمر 38 عامًا ألقي القبض عليه في فوجيا، إيطاليا، في يوليو 2017 بسبب قيامه بتجنيد عناصر لأغراض إرهابية.
وكان من بين الأشخاص الذين جندهم بومبتاليف زوجته الروسية ومواطنين ألبانيين. وتم ترحيل الأفراد الثلاثة من الدولة.
وكان بومبتاليف على صلة أيضاً بشقيقين تونسيين، كامل وبوبكر صدراوي، الذين اعتقلتهما قوات الشرطة الخاصة في مايو 2017. عند اعتقال كامل، عثرت الشرطة على سلاح ناري غير مرخص في حوزته.
تشير التقارير إلى أن بومبتاليف قاتل في سوريا بين عامي 2014 و2015. وذكرت السلطات الإيطالية أن هناك أدلة تشير إلى أنه ربما يكون قد شارك في الهجوم الذي وقع في ديسمبر 2014 واستهدف “دار الصحافة” في غروزني، الشيشان، الذي أسفر عن سقوط 19 قتيلاً.
عقب عودة قصيرة إلى بلجيكا من سوريا في عام 2015، استقر بومبتاليف في مدينة فوجيا، حيث بدأ أنشطة الدعوة والتجنيد. وتجدر الإشارة إلى أن التحقيقات المتعلقة به جاءت نتيجة لتعاون دولي بين السلطات الإيطالية والبلجيكية. وبعد تلقي معلومات من نظرائها البلجيكيين، وضعت الاستخبارات الإيطالية بومبتاليف على قائمة المُجندين المعروفين.
خلال تحقيق لاحق، قام مسؤولو إنفاذ القانون في إيطاليا بالتنصت على هاتف بومبتاليف، وسمعوه وهو يشجع زوجته الروسية على تنفيذ هجوم انتحاري، مما دفع المحققين لتضييق الخناق عليه.
وتشير التقارير إلى أنه كانت لدى بومبتالييف صلات عديدة مع بلجيكا والنمسا، وهما بلدان شهدا تاريخياً نشاطاً كبيراً لأنشطة الشبكة الجهادية الشيشانية.
فعلي سبيل المثال، اعتقلت السلطات البلجيكية، في عام 2016، 16 شخصا اتهموا بأنهم جزء من جماعات شيشانية، ويشتبه في أن عدداً قليلا منهم شاركوا في الصراع المسلح في سوريا مع جبهة النصرة وإمارة القوقاز. وكان الشخص المحوري للتحقيق جهادي قيل إنه عاد إلى مدينة أوستند في بلجيكا لتلقي العلاج من الجروح التي أُصيب بها في سوريا.
خاتمة
لعب المقاتلون الشيشان دوراً مهماً في الحروب الأهلية في سوريا والعراق. وفي حين أن أبو عمر الشيشاني، أحد أكثر المقاتلين سيئ السمعة، قد ترقى إلى مراتب رفيعة في صفوف داعش، قاد جهاديون أخرون الهجمات وطبقوا الدروس التي حصلوا عليها من المحاربين القدماء في الحروب الشيشانية.
إضافة إلى ذلك، أدت الحروب الأهلية في الشرق الأوسط إلى تحول الاهتمام بعيداً عن القوقاز واجتذبت العديد من الأفراد من الجاليات الشيشانية في أوروبا.
في ظل المشكلات التي تواجه المقاتلين الشيشان الآن في الانخراط في حرب عصابات في الشيشان، والوجود الملحوظ للجهاديين الشيشان في سوريا والعراق، والعلاقات التي نشأت بين المسلحين في ساحات المعارك، تواجه أوروبا الآن تهديداً جسيماً يتمثل في عودة بعض من هؤلاء المقاتلين إلى سواحلها. وكما رأينا في قضية بومبتاليف، انخراط المقاتلين العائدين في عمليات التجنيد والتمتع بسبل للوصول إلى الشبكات القديمة والعلاقات الجديدة أمر خطير للغاية.
—————————————-
المراجع:
[1] The North Caucasus Insurgency and Syria: An Exported Jihad?, Report n. 238, International Crisis Group, March 16, 2016.
[2] North Caucasian Fighters in Syria and Iraq & IS Propaganda in Russian Language, Europol, Document made partially accessible to the public on November 10, 2015.
[3] N. Hauer, Chechen and North Caucasian Militants in Syria, Atlantic Council.